0

للنكبة أوجهها ومركباتها ومكوناتها المتعددة، ولا مجال لذكرها و/أو مناقشتها في هذه العجالة. إلا أننا سنتطرق إلى واحدٍ من أشكالها وأوجهها، ألا وهو الجانب المتعلق بلغة الشعب (الأصلاني)؛ صاحب الأرض الأصلي.
ونحن ندرك مرامي الكيان الاسرائيلي في تهويد الزمان والمكان، لا بد أن ندرك مراميه المتجهة نحو "تهويد" مشاعر الأفراد وأحاسيسهم وانتماءاتهم لذاتهم، حتى تهويد أرقى ما يمكن أن يكون عليه الفرد من حالة "الالتقاء مع الذات". وإذا سأل أحدهم عن الشئ الذي يُشبعنا بهذا كله، أقول: اللغة. فاللغة هي وسيلة التعبير عن الذات، وهي أداته، وهي التي تحدد مكانة الفرد في المجتمعات المتعددة الثقافات، والمختلفة في منابعها الفكرية والأيديولوجية.
لذلك، وكخطوة (متقدمة) من خطوات التهويد الكامل والشامل؛ أخذنا نسمع "ضجيجاً" مؤلماً-موجعاً، يتعلق بالمكانة الرسمية للغة العربية في التعاملات في المحتل منذ العام 1948. ففي 3/9/2014 نشرت صحيفة هآرتس مقالاً هامًا بقلم تسفي بارئيل، ترجمه أ. د. فاروق مواسي، يشير إلى أن هناك مشروع قانون وقّع عليه مجموعة من نواب حزب "اسرائيل بيتنا"؛ ووفقًا لهذا القانون تلغى المكانة الرسمية للغة العربية، ولن يعود هناك إلزام على مكاتب الحكومة أن تنشر تعليماتها وأنظمتها باللغة العربية.
إن خبراً كهذا يجب أن يقض مضاجعنا ويخرج الصامتين عن صمتهم، ويستنهض همم أصحاب نظرية "حط راسك بي الروس.... الخ"، لأنه لم يعد هناك رأس يسلم من آلام هذا الضجيج وأوجاعه، التي تعتبر خطوة، سيتبعها خطوات، تؤدي بكل فرد من أبناء شعبنا من فلسطينيي-1948 إلى أن يصبح مفرغًا من محتواه الوطني والقومي، ومن حقه في المواطنة؛ حتى يُلقى به إلى قارعة الطريق خاويًا من أي قيمة إنسانية، ذات عمق وجودي وحضاري.
فالوضع جدّ خطير؛ إذ أن رائحة التهويد القائم على العنصرية المقيتة أخذت تزكم الأنوف وتهدد الوجود، ويؤكد ذلك تلك النظرة التي ينظر بها صانعو القرار في حكومة الكيان التي ترى في أن "ثنائية القومية": حفر أنفاق-الهجوم من تحت لغة الكتاب المقدس، سينجم عنها هجمة ثقافية تقضي على (اسرائيل)!!
أما الرد على ما يجري في هذا الشأن، فهو بشقين: أما الأول: فيتمثل فيما يقول به "بارئيل" في وصفه لدولته عندما تقر بمثل هذه القوانين:
- إن الدولة التي لم تتأكد من هويتها هي فقط تلك التي تبني أسوارًا دفاعية- ثقافية ولغوية.
- الدولة المذعورة هي فقط تلك الي ترى التهديد يأتيها من لغة الأقلية فيها.
- الحكم العنصري، فقط، هو الذي يتشبث باللغة ذريعة لإقصاء خمس سكان الدولة.
وأما الشق الثاني من الرد على هذا الزلزال الذي يتقدم نحونا، بتسارع مذهل؛ فهو أن الشعب الفلسطيني، في كل أماكن تواجده، وأحرار الأمة الذين يشكلون عمقنا الاستراتيجي، وأحرار العالم الذي يناهضون العنصرية بأشكالها ، وبتعبيراتها كافة.. كل هؤلاء مطالبون اليوم بالتحرك الجاد والفاعل، من أجل إنقاذ حوالى مليون ونصف المليون فرد من فلسطينيي-1948 من ضياع هويتهم، وثقافتهم، ووجودهم التاريخي والحضاري على أرض الآباء والأجداد.
وأما الدعم المطلوب، فهو ببعديه: المادي والمعنوي، لتطوير وتوسعة المؤسسات الثقافية التي بناها أهلنا من فلسطينيي-48؛ بتضحياتهم الجسام وبعرقهم وبجهدهم المتواصل، عبر سني صراعهم الدائم مع الاحتلال، الذي اجتاحهم على حين غرّة، في العام 1948، وهم متدثرون في أحضان وطنٍ توارثوه كابراً عن كابر عبر آلاف السنين. تلك المؤسسات التي يقر معشر الباحثين في الشأن السياسي والثقافي والاجتماعي والديني، أنها تشكل لهم مصادر، لا تنضب، للمعرفة والثقافة والفكر الذي يقوي دعائمهم وينير لهم الطريق.
أما على المستوى الوطني؛ فلا أحد يملك القول بأن هذا "شأن اسرائيلي داخلي"، بل يجب التوجه إلى المنظمات الدولية، بصفتنا التي اكتسبناها، كدولة عضو (مراقب) في المنظومة الدولية، لكي نطالبها بتحمل مسؤولياتها، في التعامل مع تلك القوانين والتشريعات والممارسات الاسرائيلية على أنها (زلزال) عنصري بغيض، يهدد وجود شعبنا، ويتنكر لحضارات توالدت على هذه الأرض عبر آلاف السنين. كما أنه يعتبر سابقة خطيرة على هذا الكوكب؛ بأن يُداهم شعبٌ ويُزال عن الخارطة الإنسانية بهذه القسوة والشراسة، وبرضى من الأمم الأخرى.
إلى أن يتحقق ما نصبو إليه، في حده الأدنى، فإننا نتوجه إلى أبناء شعبنا من فلسطينيي-48 بالتحية التقدير والإعجاب على ما جهودهم المتواصلة، على مدار الساعة، رغم القيد الذي "يحزّ" معصمهم، حفاظاً على هوية شعبنا، سواء على أرض فلسطين الانتدابية أو في الشتات. فهم حماة الديار، وهم المدافعون الحقيقيون عن كرامتنا الوطنية والقومية على هذه الأرض.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية
البريد الالكتروني: aziz.alassa@yahoo.com

إرسال تعليق Blogger

 
Top