0

 

الشيخ د. عكرمة صبري في كتابه "حقنا في فلسطين"

حقّنا في فلسطين ثابت.. والطائفة السامرية تقول "لم ترد القدس في التوراة"

نُشر في صحيفة القدس، بتاريخ: 27/01/2021، ص: 10

بقلم: عزيز العصا

معهد القدس للدراسات والأبحاث/ جامعة القدس

http://alassaaziz.blogspot.com/

aziz.alassa@yahoo.com

صدر مؤخرا عن الهيئة الإسلامية العليا بالقدس لخطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهية الإسلامية العليا بالقدس الشيخ د. عكرمة صبري كتاب بعنوان  كتاب بعنوان "حقنا في فلسطين"، وهذه هي الطبعة الثامنة من هذا الكتاب، حيث كانت الطبعات الأولى والثانية والثالثة عام 1978، كما نشر باللغات: الألبانية، والأندونيسية، والماليزية، والتركية. والطبعة الأخيرة (الثامنة) –قيد النقاش- بالعربية، على نفقة "صندوق ووقفية القدس".

وقع الكتاب في (138) صفحة من القطع الكبير، ويتألف من ثمانية فصول وثلاثة ملاحق: هبّة الأقصى، وهبّة باب الرحمة، والإبعادات عن المسجد الأقصى المبارك التي فرضها الاحتلال على الشيخ صبري.

ناقش الشيخ عكرمة في كتابه هذا الحق العربي والإسلامي في فلسطين بشكل عام والقدس على وجه الخصوص، والمسجد الأقصى المبارك المرتبط ارتباطًا عقائديًّا مع المسجد الحرام؛ فقد وضع المسجد الأقصى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة. وقد استند في ذلك إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، كقوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء: 1). وبيّن بالقطع مدى ارتباط المسجد الأقصى المبارك بعقيدة المسلم، كقول "أبو داود في سننه: "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه". كما استند إلى المراجع والمصادر التاريخية المختصة بالتاريخ القديم والحديث.


بعد أن أثبت بالقطع "حقّنا في فلسطين والقدس" تطرق الشيخ عكرمة إلى الأطماع الصهيونية في القدس وفلسطين، التي بُدئت بالضغوط التي مارسها "اللوبي الصهيوني العالمي" على السلطان العثماني "عبد الحميد الثاني" في القرن التاسع عشر الميلادي، للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين وإقامة مستعمرة يهودية فيها، هذه الضغوط التي قاومها السلطان قدر استطاعته، إلى ان احتلت بريطانيا فلسطين خلال الفترة (1917-1948)، قامت خلالها بإعداد فلسطين وتهيئتها –بالقوة والبطش- حتى أقامت الدولة العبرية على 78% من مساحتها.

ناقش الشيخ عكرمة في كتابه هذا، بشيء من الاستفاضة، عددًا من القضايا ذات الصلة، مثل: الاستيطان في فلسطين، ومن ضمنها مدينة القدس، الذي بدأته الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر، وفق خدع مختلفة مارستها، مستغلة ضعف الدولة العثمانية. ثم استمرت في تلك الخدع إبّان الاحتلال البريطاني، الذي سهّل مهامّها، حتى وصل عدد المستعمرات اليهودية في فلسطين عشية النكبة (278) مستعمرة (الكتاب، ص: 41).

أما البلدة القديمة من القدس فبقيت عصيّة عليهم؛ بسب ازدحامها بالمواطنين العرب وتمسكهم بأرضهم وبيوتهم رغم محاولات اليهود المتكررة ورغم الإغراءات الماليةّ! وبعد إقامة دولتهم، على أنقاض ممتلكات الفلسطينيين، وتدمير نحو (530) قرية ومدينة وناحية، وتشريد ما يزيد عن (900) ألف فلسطيني. استمر الصهاينة التوسع الاستيطاني-الإحلالي، بإقامة (446) مستعمرة، بين عامي 1948 و1967م؛ وهو العام الذي استكملت فيه الدولة العبرية السيطرة على ما تبقى من فلسطين، فوصل عدد مستعمراتها إلى (940) مستعمرة منتشرة كالسرطان في الجسد الفلسطيني، من النهر إلى البحر (الكتاب، ص: 41-42).

وبشأن القدس، يستعرض الشيخ عكرمة المخططات التهويدية للمدينة، والإجراءات التعسفية بحق أهلها، وبحق الفلسطينيين المحرومين من زيارة عاصمتهم والصلاة فيها، والظلم على مختلف المستويات؛ كالسكن وغيره، خلال الفترة 1967م حتى تاريخه، من اعتداءات على الأقصى والمقدسات، وحفريات، وهدمٍ للمباني والمنشآت ومصادرة لها، واعتداء على الأوقاف.

ويتوقف الشيخ عكرمة عند آليات المحافظة على عروبة القدس وإسلاميتها، وحمايتها من التهويد، من خلال: تركيز المؤسسات الفلسطينية وتكثيفها في القدس، وتشجيع السكان على السكن في المدينة –بتوفير الحوافز الكافية لذلك، وتعزيز المجالات التعليمية، والصحية، والسياحية. ويضع مخططا للمحافظة على الأراضي والعقارات المحكرة، والأراضي الوقفية المتروكة غير المستعملة، الأراضي المعتدى عليها. كما يضع الشيخ عكرمة الأمتين العربية والإسلامية أمام مسؤوليتهما تجاه ما يجري في القدس؛ لارتباطهم بها عقديًّا وتعبديًّا، وحضريًّا وثقافيًّا، ولارتباطهم التاريخي بهذه المدينة المقدسة.

وفي خضم الصراع القائم في المدينة المقدسة، يستعرض الشيخ عكرمة ويناقش، بشئ من الاستفاضة أيضًا، الرد على الادعاءات الصهيونية التي وصفها بـ "الحقوق الموهومة لبني إسرائيل"؛ معتمدًا على ما ورد في القرآن الكريم من آيات صريحة لا تقبل التأويل في تفسيرها، بما ينفي ملكية بني إسرائيل المذكورين في القرآن الكريم لأي شبر في فلسطين. كما أن الحوارات معهم في القرآن الكريم تنتهي بأن "الأرض المقدسة –فلسطين- محرمة عليهم عقاباً لهم على تمرّدهم لأوامر ربهم، وأنهم سيتيهون" (الكتاب، ص: 94).

وفي مراجعته لاعترافات علماء التاريخ والآثار، يورد الشيخ عكرمة مجموعة من الحقائق التي لا بد من التعرف عليها، منها: 1) لا صحة لما يقال بأن بقايا "الهيكل" موجودة أسفل الحرم القدسي الشريف. 2) فلسطين ليست هي أرض الميعاد، وقد أيد ذلك أكثر من مائة وسبعين عالماً يهودياً. 3) تقول الطائفة السامرية في مدينة نابلس بفلسطين بأن هيكل سليمان كان مقاماً في نابلس وليس في القدس وذلك حسب الوثائق المحفوظة لديهم، ولم يرد اسم "القدس" في التوراة. 4) وإن قدسية كثيرٍ من الأماكن بالنسبة لليهود هو محض اختلاق. 5) إن الذين يقومون بالحفريات في القدس يحاولون خلط الدين بالعلم. 6) لم يعثر علماء الآثار، حتى الآن، على قطعة واحدة تشير إلى النبي داود، وان كتبة التوراة اليهود في القرن الثالث أضافوا قصصاً لم تحدث أصلاً. 7) إن الآثار المتعلقة بعرش بلقيس ملكة سبأ موجودة في إحدى الجزر التابعة لبلاد اليمن، وان دولة اليمن قامت مؤخراً بترميم المعبد المعروف بإسم بران، الذي تأسس في القرن الثامن قبل الميلاد ويرتبط بعهد النبي سليمان عليه السّلام. 8) وهناك من يقول بأن اليهود قد تواجدوا في منطقة البحر الأحمر، ولا علاقة لهم بفلسطين. 9) اثبت أحد العلماء اليهود عدم صحة ادعاء بنيامين نتنياهو ان القدس ملك للإسرائيليين اليهود (الكتاب، ص: 95-97).

ختامًا،

يأتي هذا الكتاب، الذي تتجدد طبعاته منذ عام 1978م، في الوقت الذي ترتفع وتيرة الحركة الصهيونية في ادعاءاتها التي لا تستند إلى العلم، ولا إلى منطق التاريخ، وإنما يقودها منطق القوة والعنجهية المرتكزة على العقلية الاستعمارية القائمة على إنكار وجود الشعب الأصلي صاحب العمران والحضارة الممتدة إلى آلاف السنين؛ قبل الميلاد وبعده.

وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه أخذ منحى التحليل العلمي المستند إلى الحقائق؛ بعيدًا عن الخطاب السياسي الذي يتكئ على "لوك" الكلمات والعبارات الواعدة بالتحرير والقضاء المبرم على العدو. فقد جاء الشيخ عكرمة بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تشرعن حقنا في فلسطين، وتنفي الادعاءات الباطلة بملكية اليهود لها. كما اتكأ الشيخ عكرمة بقوة على نظريات علمية في التاريخ والآثار، وبحوث ودراسات جاءت على ألسنة علماء يهود تفند الادعاءات الصهيونية وتنفيها جملة وتفصيلًا، كما تؤكد على أن الشعب الفلسطيني يتعرض إلى ظلم صارخ من قبل الدولة العبرية وأجهزتها المختلفة، التي تحرم أهل فلسطين من التمتع بعاصمتهم والصلاة فيها.

وفي خطوة مهمة لبث الأمل في النفوس، وعدم الركون إلى اليأس، نجد أن الشيخ عكرمة يستعرض المنهجيات والآليات الكفيلة بمواجهة المحاولات التهويدية بمزيد من الصمود والإبداع في إدارة الحياة اليومية للقدس والمقدسيين، بما يعزز وجودهم على أرض الآباء والأجداد، مهما اشتد الكرب، ومهما طال الليل؛ لأن غدًا لناظره لقريب.

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 22/01/2021    

إرسال تعليق Blogger

 
Top