0

 

بين إبراهيم (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وسلم) رابط إيماني:

وهما براء من ظلم عصرنا وتآمره!

نشر في صحيفة القدس بتاريخ 08 /01/2021، ص: 11

                                                                        عزيز العصا

                                                                 معهد القدس للدراسات والأبحاث/ جامعة القدس

http://alassaaziz.blogspot.com/

aziz.alassa@yahoo.com

مقدمة


يكثر في هذه الأيام توظيف "إبراهيم" و"الإبراهيمية" و"الإبراهيمات" لأغراض سياسية وتطبيعية وتسويقية لأفكار ورؤى، يتم فيها استخدام "تركيبة" أفرزتها عقول تسعى إلى تغييب العقل الإسلامي والعربي، والضحك على ذقون جيلنا الحالي والأجيال القادمة، تبرئ دولة الاحتلال الإسرائيلي من دم فلسطين؛ أرضًا وشعبًا وحضارة وحقوقًا إنسانية ودينية، وتسوّقها على أن لها حصّة كاملة في أرض العرب والمسلمين، بصفة أن الصهيونية، بتفرعاتها المختلفة وتناقضاتها وخلافاتها الداخلية، شريك أساسي في وراثة رسالة نبي الله "إبراهيم"، وأنه من أساسات الإيمان والتقوى "الإبراهيمية" أن تؤمن، أيها المسلم، أن "إسرائيل" دولة شرعية بكل المعايير والمقاييس، وأن الفلسطينيين هم الرعاع الذين عليهم أن يكفّوا عن إزعاجها والمطالبة بأي حقوق منها، أو من بريطانيا التي وعدتها ثم مهّدت الأرض لها، ثم أنشأتها!

سنبحث في هذا المقال في صلة محمد صلى الله عليه وسلّم، المبعوث بالحق من لدن غفور رحيم للبشرية جمعاء، بنبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي اتخذه الله خليلًا من شدة ورعه وقوة شكيمته وقدرته على إيصال كلمة الله سبحانه وتعالى للبشرية جمعاء، ومن تبعه من الأنبياء والرسل الذين جاؤوا برسالات تفرعت من رسالته عليه السلام، وكان آخرهم محمد بن عبد الله، الذي نزل عليه القرآن كتابًا عربيًّا بيّنًا؛ يحمل صفات إبراهيم عليه السلام ويعرّف به ويحمّل محمدًا صلى الله عليه وسلّم أمانة نقل رسالته بصفته "حنيفًا مسلمًا"؛ لا يهوديًّا ولا نصرانيًّا.             

القرآن الكريم يحتفي بنبي الله إبراهيم- إبراهيم حنيفًا مسلمًا.. يرفض الظلم والظالمين:

احتفى القرآن الكريم بنبي الله "إبراهيم"؛ إذ يجد الباحث في الآيات القرآنية الكريمة أن الله سبحانه ذكر "إبراهيم" عليه السلام ثلاثًا وستين مرّة، وأن هناك سورة تحمل إسمه عليه السلام (سورة إبراهيم). في حين أن "محمدًا" صلى الله عليه وسلم لم يُذكر سوى ست مرات. وفي ديانة إبراهيم عليه السلام وملته قال تعالى: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (آل عمران: 67). وقد ورد في تفسير ابن كثير لهذه الآية، أن "إبراهيم" كان متحنّفا عن الشرك قصدًا إلى الإيمان. وقد تكرر وصفه، عليه السلام، بالحنيفية في سبع آيات في سور: البقرة، وآل عمران، والنساء والنحل. وأما نفي يهوديته ونصرانيته، عليه السلام، فتجئ على قاعدة أن اليهودية والنصرانية قد جاءتا بعده؛ فلا أي منهما تستطيع الاستحواذ على نبوّة إبراهيم وادعائها بالانفراد بها.

 لقد جعل الله سبحانه وتعالى نبيّه "إبراهيم" عليه السلام الأمين والمؤتمن على المؤمنين بالله، عبر العصور، لقوله تعالى: "وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة: 124). وقد ورد في تفسير السعدي لهذه الآية، أن الله سبحانه قد خاطب إبراهيم عليه السلام: الناس يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية (...). ولما اغتبط إبراهيم بهذا المقام، وأدرك هذا، طلب ذلك لذريته، لتعلو درجته ودرجة ذريته، فأجابه الرحيم اللطيف، وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام فقال: "لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ"؛ أي: لا ينال الإمامة في الدين، من ظلم نفسه وضرها، وحط قدرها، لمنافاة الظلم لهذا المقام، فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الجميلة، والشمائل السديدة، والمحبة التامة، والخشية والإنابة.

محمد صلى الله عليه وسلم يكمل رسالة إبراهيم

يُذكر "إبراهيم"، عليه السلام، في جوهر ركنين من أركان الإسلام، وهما: الصلاة والحج. ففي الصلاة، على المسلم أن يتلو الصلاة الإبراهيمية، في كل صلاة، والتي تصل عقيدة "إبراهيم"، عليه السلام، بعقيدة "محمد" صلى الله عليه وسلم حتى تجعل منها عقيدة واحدة؛ هي عقيدة الإسلام الحنيفي القويم، الذي لا اعوجاج فيه. وأما الحج في الإسلام، فهو الركن الخامس من أركان هذا الدين الحنيف، الذي تؤدّى مناسكه وشعائره في بيت الله الحرام الذي أقام قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، كما أن شعائره هي إحياء للعلاقة الوثيقة لإبراهيم وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل[1].   

بهذا، تكون الرسالة التي جاء بها "محمد" صلى الله عليه وسلم، هي استكمال لرسالة "إبراهيم" للبشرية جمعاء، التي تقوم على الفضائل العظيمة، والمكارم الجليلة، فكان الإمام، والأمة، والحنيف، القانت لله عز وجل، الذي ينتسب إليه جميع الأنبياء بعده، ويؤمن به جميع أتباع الشرائع؛ المسلمون والنصارى واليهود. وجميع الأنبياء الذين جاءوا من بعده هم من نسله من طريق إسحق ويعقوب، إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، فهو من ولد إسماعيل بن إبراهيم[2] .

وفي دراسة معمقة أجراها الباحث "د. علاء أبو عامر"، بعنوان: في "البدء كان إيل"، وفي مجال العلاقة بين الديانات الثلاث؛ الإسلام والمسيحية واليهودية، تبين له أن هناك مجموعة من المفاصل المهمة في تلك العلاقات، منها: إن هناك اقترابًا بين المسيحية الإسلام، وتباعدًا بينهما وبين اليهودية، ويتجلى ذلك في عديد من الشواهد، أهمها: في حين أن القرآن والإنجيل يلتقيان في حقيقة أن "هجرة "إبراهيم" عليه السلام من دياره في شمال الحجاز إلى فلسطين كان دافعه إيمانيًا دينيًا، فإن كتبة التوراة يدعون إبراهيم وإلهه كانا يسعيان لتحقيق مشروع استعماري استيطاني إحلالي"[3]. كما أن كتبة التوراة أيضًا يستثنون "إسماعيل" من ميراث "إبراهيم"؛ باعتباره "إبن جارية"[4].

التعليق والخاتمة

بذلك، يتضح لنا أن نبيّ الله "إبراهيم" براء من كل فرد أو جماعة أو دولة ممن مارس الظلم والقتل وسفك الدماء، وأنّه لا يحق لهؤلاء الادعاء بالانتماء إلى نبي الله إبراهيم، أو لملّته الحنيفية السمحة. كما أنه سبحانه قد تولى أمر الظالمين، لقوله تعالى: "وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ" (العنكبوت: 31). والمقصود بها قرية قوم لوط، وهي "سدوم"؛ إنَّ أهلها كانوا ظالمي أنفسهم بمعصيتهم لله.

كما يتبن لنا أن من يرفعون شعار "إبراهيم" الذي يجمع الدولة العبرية بالإسلام والمسيحية، يقومون بتوظيف المفاهيم والمصطلحات دون وجه حق، وبلا ذرة من خجل أو حياء من الله وملائكته وكتبه ورسله؛ إذ أنهم ليسوا سوى أدوات لتنفيذ مشروع استعماري-احتلالي-احلالي تسعى دولة الاحتلال من خلاله إلى التغلغل في الوطن العربي؛ لأهداف أمنية واقتصادية للسيطرة على ثروات الأمة وخيراتها، كما تسعى، وفق مخطط محكم ومدروس، إلى استهداف المسجد الأقصى المبارك لإزالته عن الوجود؛ متحدّية المنظمات الدولية المعاصرة كافة التي أكدت أنه وقف إسلامي، وأنه للمسلمين وحدهم؛ للصلاة فيه، وإدارته، وحمايته، وتطويره والمحافظة عليه، وأن ليس لغير المسلمين أي سلطة عليه.   

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 25/12/2020م


[1] العصا، عزيز (2015). الحج: بين جوهرِ العقيدةِ.. وألم الواقع!. مجلة الإسراء. العدد 123، أيلول وتشرين أول/ 2015، ص ص:  19-30.

[2] انظر موقع "الإسلام سؤال وجواب": https://islamqa.info/ar/149310

[3] أبو عامر، علاء محمود (2015). في البدء كان إيل: في العلاقة بين الإسلام والمسيحية واليهودية. دار الشروق للنشر والتوزيع. رام الله. فلسطين. ص: 23-24.

[4] أبو عامر (2015). ص: 30.

إرسال تعليق Blogger

 
Top