أصْواتٌ تَصْدَحُ بالحَقِّ في خَليجِنا العَربِيِّ
الكاتبة "سميرة رجب" أنموذجًا
نشر في صحيفة القدس المقدسية،
بتاريخ: 12 آذار (مارس) 2020، ص: 14
بقلم: عزيز العصا
قُدِّر
لي المشاركة في وفد شكّلته وزارة الثقافة الفلسطينيّة، بالتنسيق مع سعادة السفير
الفلسطيني أ. خالد عارف؛ لإحياء أسبوع ثقافيّ في دولة البحريْن الشّقيقة خلال
الفترة 19-23 شباط 2020، ضمن فعاليات "القدس عاصمة الثقافة الإسلامية
2019". وصل الوفد إلى العاصمة البحرينية ليحتضنه سعادة السفير، الذي كان نعم
المضياف؛ كرمًا وطيبة وخدمات، وفق برنامج معدّ مسبقًا.
أما
على مستوى الدّولة فقد حظينا باستقبال ورعاية ومشاركة فاعلة من قبل "الشيخة مي بنت محمد بن إبراهيم بن محمد آل خليفة" رئيسة هيئة
البحرين للثقافة والآثار،
وابنتها الشيخة "هلا بنت محمد آل خليفة – مدير عام
الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار.
وأما على المستوى
الشّعبيّ والجماهيريّ في دولة البحريْن، فقد لمسنا اهتمامًا واسعًا بأنشطتنا
وفعالياتنا، وفي مساء (22 شباط 2020) اصطحبنا سعادة السفير إلى ندوة فكريّة تميّزت
بحضور نوعيّ وكمّيّ من المجتمع البحرينيّ. وما ميّز هذه النّدوة أن المتحدّثة
الرئيسة فيها هي "أ. سميرة رجب"؛ الكاتبة البحرينية القوميّة ووزيرة
إعلام سابقة، وكان موضوع الندوة "صفقة القرن: لماذا الآن؟!"().
أصغينا بعق إلى كل كلمة
تحدّثت بها رجب، ونحن شغوفون للتعرّف إلى الرأي الشّعبيّ والجماهيريّ البحرينيّ، كدولة خليجيّة تسعى دولة الاحتلال إلى
اختراقها والادعاء بأنها دولة صديقة. فوجدنا أنفسنا أمام متحدِّثة رصينة، تنتقي
مفرداتها بدقّة وعناية، وفق رؤيا استراتيجيّة تمتلكها حول مفهوم الأمة، وطبيعة
العلاقات المفترضة بين أقطارها.
صفقة القرن- السمات والخصائص:
ألقت الكاتبة رجب اللوم على عاتق صانعي القرار من أبناء
الأمة الذين ساهموا، عبر الزمن، في وضع العصى في العجلة،
وإسقاط عربتنا، وعروبتنا، في تلك الهوة السحيقة التي تراكمت عليها الأحداث
المتتالية حتى باتت خافية عن الأنظار"، هذه العربة التي لا تزال قابلة
للإصلاح، وإن تمكنّا من إصلاحها صَلُحَ شأننا العربي.
وبذلك، قدّمت الكاتبة للحديث عن "قضية صفقة القرن"، الّتي ارتأت أنها
ذات سمات وخصائص تتركّز في الآتي:
1) إنها
صفقة كبرى، سبق هذا الإعلان المدوي عنها، على مدار نصف قرن
(منذ الحرب الأهلية اللبنانية 1975 حتى يومنا هذا)، الكثير من الترتيبات
والإجراءات والحروب والصراعات والخيانات والابتزازات والتهديدات.
2) وترى الكاتبة بأن من بين الظواهر
التمهيديّة المذكورة: إطلاق ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب
الديني والمذهبي من قمقمه، لتنمو في بيئة الحروب والصراعات العسكرية والمذهبية والإثنية،
وفي لبنان حمل هذا العنف الإرهابي الخطير اسم المقاومة زوراً، ليبدأ مشوار سحق
المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني امتداداً إلى إخراجها من المشرق العربي
برمته، وليبقى هذا التطرف الإرهابي الديني الدموي حامياً للحدود الشمالية لكيان
إسرائيل.
3) تعدّ هذه الصفقة جوهرة المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط "مشروع
الشرق الأوسط الجديد"؛ المشروع الذي خُطط له في ثمانينات القرن الماضي وبدئ بتنفيذه
مباشرة بعد سقوط النظام الدولي وتزعم الولايات المتحدة قيادة العالم، 1989م.
4) هي الصفقة الكارثة، والأكثر إهانةً للعقل والقلب العربي، والأكثر قسوة
على الضمير الإنساني، ببنودها وما بين سطورها وبالطريقة التي أُعلن عنها.
5) صفقة ينضح منها جبين العرب خجلاً؛ فهي الصفقة الأكثر مذلة لواجهات
عربية أعلنت استسلامها لها، والأكثر لاإنسانية في أدوات وأسلوب فرضها على
الشعب الفلسطيني، والعرب كافة.
وترى رجب أن هذه الصفقة تشكّل مفصلًا مهمًا في مستقبل
الكيانات العربية الحالية، واعتبرتها "حركة لقطعة
الشطرنج ما قبل الأخيرة في منطقتنا" الّتي يليها "صعود دويلات الطوائف والإثنيات والعصبيات المدمرة؛ كي لا
تقوم للعرب قائمة". وأما الأكثر إثارة
فيما يجري في منطقتنا حول الصفقة فهو ما يتعلّق بالمُطَبِّلين للصفقة والساعين
للالتصاق بها الذين ترى رجب بأنهم مقتنعون "بأن
الصهيونية العالمية ستحمي الأطراف أو الأفراد الذين سيبادرون للوقوف بجانب هذه
الصفقة، بل سيتم تخليدهم كأبطال!"، في حين أن "المحتلين والغزاة سوف يستخدمونهم كالمناديل الورقيّة".
صورة تضم الوفد الفلسطيني مع أ. سميرة رجب في منزل سعادة السفير
خالد عرف وحرمه في المنامة مساء السبت 22 شباط 2020
صفقة القرن وسبل المواجهة:
بنظرة ثاقبة للجزء المملوء من كأس الأمة، وبعيدًا عن الندب
واللطم، تعيد الكاتبة رجب للأذهان واحدًا من أهم ثوابت العلاقات النّدّيّة بين
الأمم، ألا وهو مبدأ "القوة لا تواجه إلا بالقوة،
سواء كانت قوة عسكرية أم علمية أم سياسية أم ثقافية"، وتوظّف قانون
نيوتن الثالث القائل بأنه "لكل فعل ردة فعل مساوٍ له بالمقدار ومعاكس له
بالاتجاه"، ثم تنهال على أنظمة الحكم وقادة الأمة ومفكريها وصانعي القرار
فيها بتساؤلات ملؤها بالألم والحسرة:
·
أين ردة فعل العرب أمام
هذا الفعل القهري الذي سيأخذ الأمة للنهاية المحتومة جبراً؟!
·
هل كان ممكن الإعلان عن
هذه الصفقة لو كانت موازين القوى متكافئة في منطقتنا العربية؟!
·
هل كانت هذه الصفقة ستعلن
وتمرر لو كان العرب يتكئون على قوة عربية في كفة ميزان الأمن الإقليمي، الذي تم
تدميره دون وجه حق؟! وهل عرف العرب اليوم اين وكيف ولماذا
دمروا عربتهم العربية، ورموها في ذلك الوادي السحيق؟!
إن المتمعن في تلك الأسئلة يلمح فيها صخبًا وصرخة حادّة
تطلقها الكاتبة؛ فهي ليست مجرّد أسئلة أو تساؤلات تنتظر الإجابة عليها، وإنما تحمل
بين ثناياها استراتيجيات للمواجهة والصمود في وجه هذه الصفقة الكارثيّة الجارفة
لكرامتنا الوطنية والقوميّة.
ختامًا،
كانت هذه الندوة، سواء المتحدثة الرئيسة أو المتداخلين، مشبعة
بمرارة الهزيمة التي تحياها أمتنا أمام هذه الهجمة الاستعمارية الّتي تستهدف ثروات
الأمّة ومقدراتها وتفرّدها الجغرافي القادر على جعلها صاحبة مفتاح الحرب والسّلم
في العالم. وما كانت هذه الهجمة لتنجح لو لم تكن الأمة فتاتًا وشرذمات متناحرة،
تحكمها العقلية القبليّة وعقليّة الإثنيات والطائفيّة المدمّرة لجوهر الأمة. ولعلّ
ذروة هذا البؤس وسوء الحال أن ما تمّ من تدمير لقدرات الأمة وإمكاناتها الدّفاعية
على البوّابة الشرقيّة؛ لتبقى فريسة للأعداء وللطفيليّات السّامّة والقاتلة التي
تسعى لأن تنخر جسدها لضمان انتقالها من ضعف إلى أضعف وأضعف الأضعف.
أما النتيجة، وكما ترى الكاتبة رجب، فإن عربة هذه الصفقة لن تمرّ
سالمة معافاة حتى تلقي بحمولتها الشّرّيرة في الأماكن المخصصة لها، على طول الوطن
العربيّ وعرضه، وإنما هناك حالة احتقان يزخر بقوّة هائلة نلمسها لدى الشعب
الفلسطيني ومن يصطف معه من أحرار الأمة، وإن كانوا مصفّدين بأغلال تُثقل حركتهم
وحراكهم.
إننا نرى في الكاتبة سميرة رجب أنموذجًا حيًا لأصوات خليجيّة
تصدح بالحقّ، وأنموذجًا لمثقفي الأمة وأحرارها الرافضين للخنوع والاستسلام، وهم
يعملون على استعادة الوعي للفرد والمجموع المؤدي إلى استعادة الأمة لدورها
التاريخيّ، وأنموذجًا لأحرار الأمة وماجداتها القادرين على جعل الشارع العربيّ جَمْرَة
تشوي وجوه الغزاة والمغتصبين لأي حقّ عربي في أي قطرٍ من أقطار الأمة، وفي القلب
منها فلسطين!
فلسطين، بيت لحم،
العبيدية، 29/02/2020م