0
عملة الشيكل:
الفئات.. وصور الشعراء التي تحملها
نُشِرَ في صحيفة القدس، بتاريخ: 16/01/2018م، ص: 11               
بقلم: د. وليد الشوملي
أعلن محافظ بنك إسرائيل في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2012 عن نيته طرح السلسلة الثالثة من فئات عملة الشيكل الإسرائيلية، وكانت فئة الخمسين شيكلا أول فئة من السلسلة الجديدة التي بدأ تداولها، وكان ذلك في 16 سبتمبر/ أيلول 2014، ثم تبعتها فئة المائتي شيكل التي طرحت في السوق في 23 ديسمبر/ كانون أول 2015. أما فئتا العشرين والمائة شيكل فطرحتا وتم تداولهما في السوق في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017؛ أي قبل أقل من شهرين من الزمن.

وما لفت انتباهي أن صور الأشخاص على تلك الفئات الأربع تعود كله لشعراء يعتز اليهود ويفتخرون  بهم في كل أنحاء العالم، والإسرائيليون على وجه الخصوص، وهي:





أولًا: تحمل فئة العشرين شيكلا صورة الشاعرة "راحيل بلوشتاين" التي ولدت في "ساراتوف" في روسيا في 1890 وتوفيت في تل أبيب في 1931. و يعدّ الباحثون هذه الشاعرة بمثابة " الأم المؤسسة " للشعر العبري الحديث؛ إذ لم تسبقها امرأة منذ آلاف السنين  في كتابة الشعر باللغة العبرية. ورغم حصولها على بعض الاعتراف والشهرة في حياتها، إلا أنها أصبحت أيقونة شعرية بعد وفاتها.


ثانيًا: أما فئة الخمسين شيكلا، فتحمل صورة الشاعر "شاؤول تشيرنكوفسكي" الذي ولد في أوكرانيا في 1875  وتوفي في القدس في العام 1943. ويعدّ الباحثون هذا الشاعر، الذي كان متأثرا بحضارة اليونان القديمة، بأنه شاعر الطبيعة.
















ثالثًا: وتحمل فئة المائة شيكل صورة الشاعرة "ليئا غولدبرغ"، التي ولدت في ألمانيا في العام 1911 وتوفيت في القدس في العام 1970، وحازت على جائزة  إسرائيل في الأدب العبري. وكانت هذه الشاعرة غزيرة الإنتاج، وكاتبة مسرحيات، ومترجمة وباحثة.






رابعًا: أما فئة المائتي شيكل، فتحمل صورة الشاعر "ناثان ألترمان"، الذي ولد في بولندا في العام 1910 وتوفي في تل أبيب في العام 1970، وكان "ألترمان" هو الآخر شاعرا، وكاتب مسرحية، وصحفيا ومترجما.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من منا حاول معرفة صاحب الصورة على فئات الشيكل المختلفة من أجل التعرف على الشخصيات التي يبجلها اليهود والإسرائيليون؟ و كم منا، نحن الفلسطينيون، من يعلم من هو شاعرهم القومي كما هو شاعرنا محمود درويش؟
الإسرائيليون يعدون "حاييم بيالك" شاعرهم القومي بلا منازع، ويفتخرون في أنه يوجد في تل ابيب شارعان يحملان اسمه، ولم يحدث من قبل أن عاد اسم شارعين في مدينة واحدة لأي شخص، مهما بلغت عظمته وبلغ إنتاجه الفكري أو الأدبي كما حدث مع "بيالك".
إن تكريم الشعوب لمفكريهم وشعرائهم وأدبائهم يمثل دلالة على معرفتهم اليقينية بقدرة هؤلاء الأشخاص في تشكيل الوعي القومي، وفي تعزيز الهوية والانتماء.
وكان اليهود سباقين إلى معرفة أهمية اللغة في تعزيز الهوية والانتماء، وفي توطين المعرفة، وتمتين الجامع القومي.
لقد كانت اللغة العبرية لغة ميتة؛ لا تستخدم إلا في الطقوس الدينية، إلى أن ظهرت مجموعة من الشباب اليهود الأوروبيين عملوا على إحيائها وجعلها لغة تخاطب في الحياة اليومية. وكان"أليعازر بن يهوذا" من رواد حركة الإحياء هذه حيث رفع شعار"لا حياة لأمة بدون لغة"، و بعد هجرته إلى فلسطين سنة 1881، فرض اللغة العبرية كلغة تخاطب بين أفراد أسرته. ورغم سخرية الكثيرين منه، أسس رابطة المتكلمين بالعبرية في فلسطين، وأصدر مجموعة في الصحف باللغة العبرية، وأصدر كذلك تسع مجلدات من معجم باللغة العبرية من أصل ستة عشر مجلدا، إذ قام تلامذته بعد وفاته بكتابة السبع مجلدات التالية.
الآن، أصبحت اللغة العبرية لغة حيوية، ورافدا جوهريا في تشكيل هويتهم. ويُدرَّس بها شتّى أنواع العلوم في الجامعات، وبها تدار المؤتمرات العلمية والندوات في إسرائيل، في حين أننا عاجزون عن تدريس لغتنا العربية في الجامعات خاصة في الكليات العلمية؛ وذلك لأننا لم نقم بتطوير مفرداتها لتواكب تطورات العصر العلمية، ناهيك عن الهزيمة الثقافية التي يشعر بها الغالبية العظمى من الشعوب العربية، مما يدفعهم إلى الاستعانة بالإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها من اللغات الاجنبية لتدريسها في الجامعات. فلماذا كانت العربية لغة العلم لمدة ثمانية قرون؟ وبلغت أوجها في القرن الثاني عشر، اذ غدت -بلا منازع- لغة العلم والحضارة، وها هي اليوم في أدنى مستوياتها من حيث استخدامها كلغة علمية؟
من الأمثلة التي يضربها لنا الدكتور معمر فيصل خولي في مقالته "اللغة العربية الهوية و الانتماء" حول أهمية اللغة في توحيد أهلها وتعزيز الانتماء لديهم مثل  اليابانيين الذين خضعوا بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية للشروط الأمريكية في تغيير الدستور وحل الجيش و نزع السلاح، إلا أنهم رفضوا التخلي عن لغتهم واستخدموها في جامعاتهم، وجعلوا منها لغة ابتكار وعلم. وكذلك الكوريون الذين حرموا من استخدام لغتهم إبان الاحتلال الياباني لبلادهم، إلا أنهم سرعان ما عادوا لاستخدامها في كل مجالات الحياة، حتى أنهم كتبوا جميع لافتات المحلات التجارية باللغة الكورية فقط. وإذا ما اضطروا لكتابة أسماء أجنبية، كما هو الحال لدى السفارات أو بعض الفنادق، فقد كتبوها بالأحرف الاجنبية الصغيرة تحت الحروف الكورية الكبيرة، أما في بلادنا، فقلما يجد المرء لافتة مكتوبة باللغة العربية فقط أو حتى باللغتين العربية والإنجليزية معا، بل نرى أن معظم تلك اللافتات مكتوبة بمسميات أجنبية وبأحرف أجنبية، وكأن أصحاب تلك المحلات أصبحوا يستعرون من ثقافتهم ولغتهم العربية.
إن التلاقح الثقافي والحضاري واللغوي بين الشعوب يثري الحضارات ومهم للوجود الانساني، لكن ليس على حساب اللغة القومية أو اللغة الأم. "فاللغة هي مسكن الإنسان" على حد تعبير هيدغر، ولا خير في شخص يجيد عددا من اللغات الأجنبية ولا يجيد أو يحترم لغته القومية، فإذا كان الأمر كذلك فإن اللغات والثقافات الأجنبية تنعكس سلبا على الثقافة واللغة القومية.
وأترك الخوض في تفاصيل سوء استخدام وإهمال اللغة العربية لحساب لغات أجنبية لمقام آخر، إلا أنني أردت تسليط الضوء على ما يفعله الأوروبيون والإسرائيليون في إعلاء شأن لغاتهم القومية وتكريم أدبائهم وشعرائهم، انطلاقا من وعيهم بأهمية اللغة كأهم حاضنة ثقافية في تعزيز الهوية والانتماء، إذ يجب علينا أن نتعظ ونحذو حذوهم في إعلاء شأن لغتنا العربية التي قد تكون أخصب بكثير من العديد من اللغات الأخرى.

09/01/2018

إرسال تعليق Blogger

 
Top