0


بسم الله الرحمن الرحيم
رؤساء الهيئة الإسلامية ببيت المقدس يقودون مقاومة الاحتلال
الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري أنموذجًا



أ‌.                عزيز محمود العصا



المؤتمر الأكاديمي الدولي التاسع عشر لدراسات بيت المقدس
بيت المقدس اليوم: الاستمرارية والتغيير

أنقرة-تركيا
11-12 تشرين الأول (أكتوبر)  2019م





الملخص
رؤساء الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس يقودون مقاومة الاحتلال
الشيخ الدكتور عكرمة صبري أنموذجًا
أ‌.      عزيز محمود العصا([1])
ملخص
بعد أن أقيمت الدولة العبرية بالقوة على مساحة (78%) من أرض فلسطين في العام 1948م، وفعلت أفعالها من حيث محو الشعب الفلسطيني وجودًا وذكرًا وحضارةً وإنشاء كيانها المصطنع على أنقاض الشعب الذي تم تشريد نحو 85% من أفراده، شنّت هذه الدولة في الخامس من حزيران (يونيو) من العام 1967 للميلاد حربًا تمكنت خلالها من احتلال ما تبقى من فلسطين. وبعد يومين من القتال دخلت القوات المحتلة الجزء الشرقي من مدينة بيت المقدس التي كانت تحت الحكم الأردني منذ النكبة.
امتثالاً لأحكام الفقه الاسلامي الحنيف، القاضي بوجوب مبادرة المسلمين لتولى شؤونهم الدينية كافة، ومنع غير المسلمين من التدخل في الشؤون الإسلامية، وذلك بالاستدلال الشرعي والاستنباط الفقهي، فقد تنادى جمع من العلماء، ورجال البلاد، وأصدروا بيانًا تاريخيًا في 16 ربيع الآخر 1387 للهجرة وفق 24 تموز (يوليو) 1967 للميلاد، تضمن الإعلان عن تشكيل الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس، التي تتولى جميع صلاحيات مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، والإشراف على المحاكم الشرعية، ولجنة إعمار المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة المشرفة.
لقد انطلقت الهيئة الإسلامية العليا، منذ ذلك التاريخ، كهيئة إسلامية مستقلة، ومركزها بيت المقدس، يقودها من ارتضى به الأعضاء الذين هم نخبة من القضاة الشرعيين، والمفتيين، ومدراء الأوقاف، والسياسيين والمحامين والشخصيات الاعتبارية. وكان أول رئيس للهيئة الإسلامية سماحة المرحوم الشيخ عبد الحميد السائح، الذي لم يمكث سوى شهرين؛ إذ أبعدته سلطات الاحتلال إلى الأردن في 23/9/1967م. ثم تتابع على رئاستها، منذ ذلك الحين حتى تاريخه، كل من: سماحة المرحوم الشيخ حلمي المحتسب (1967م-1980م)، وسماحة المرحوم الشيخ سعد الدين العلمي (1981م-1993م)، ومعالي الاستاذ المرحوم حسن طهبوب (1993م-1998م)، والمهندس محمد نسيبة (بالوكالة لمدة شهرين) والرئيس الحالي سماحة الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري (1998م-تاريخه).
تبين من الدراسة أن اللحظات الأولى لتأسيس الهيئة قد شكّلت تحديًا حقيقيًا للاحتلال وأربكت خططه وإجراءاته على الأرض، كما أنها أسست لما أصبحت عليه الهيئة بعد ذلك من أهمية في إدارة الشأن المقدسي بشكل خاص والشأن الفلسطيني على وجه العموم.
لقد سلطت الدراسة الضوء على الحقبة التي قاد فيها الشيخ الدكتور عكرمة صبري الهيئة منذ العام 1419ه/1998م حتى تاريخه؛ وهي الحقبة الأكثر حرجًا وتعقيدًا وذلك بعد اتفاقات أوسلو ومباحثات واي ريفر وغيرها، وشهدت على الانتفاضة الثانية للشعب الفلسطيني عام 1421هـ/2000م واستشهاد ياسر عرفات القائد التاريخي للشعب الفلسطيني عام 1425هـ/2004م، كما شهدت أحداثًا دولية كبرى كغزو العراق وإخراجه من معادلات الصراع في المنطقة. ففي هذه الظروف شهدت بيت المقدس مستوى أعلى من الشراسة من قبل الاحتلال الذي تنكر لجميع الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وأخذ يتجه نحو تهويد المدينة والقضاء على الهوية العربية والإسلامية لها الممتدة حتى عمق أربعة عشر قرنًا. الأمر الذي وضع الهيئة الإسلامية العليا ورئيسها أمام مسؤوليات تاريخية، تتطلب التيقظ والمتابعة الحثيثة، مما خلق حالة من الصدام المباشر مع الاحتلال الذي أخذ يراقب تحركاته ويسعى، بين الحين والآخر إلى الحد من أنشطته وفعالياته على مختلف الصعد.
الكلمات المفتاحية: الهيئة الإسلامية العليا، بيت المقدس وفق الدراسة، التهويد.


Abstract
The heads of the Islamic Supreme Committee in Jerusalem are leading the resistance against the occupation
Sheikh Dr. Akrama Sabri as a model
Aziz M. Al-Assa[2]
 Israel was forcibly established as an artificial entity on an area of (78%) of Palestine in the year 1948 AD, and attempted to exterminate the Palestinian people as well as their memory and civilization. This entity was built at the expense of other people, whose 85%  were displaced.  In June 1967 that resulted in  the Israeli’s occupying the remainder of Palestine. After two days of fight, the Israeli occupying forces entered the eastern part of the city of Jerusalem, which had been under Jordanian rule since the Nakba of 1948.
In compliance with the provisions of true Islamic jurisprudence which dictates  that Muslims should manage their own religious affairs,  a group of Muslim scholars and lay people issued a historic statement on Rabi ’al-Akhir, 1387 AH, corresponding  to 24 July 1967 AD and announced the formation of the The Islamic Supreme Committee in Jerusalem, which would assume the powers of the Alawqaf, Islamic Affairs and Holy Sites, and supervise the  Sharia courts, the Reconstruction Committee of Al-Aqsa Mosque and the Dome of the Rock Mosque.
Since that date, The Islamic Supreme Committee started as an independent Islamic body, stationed in Jerusalem, and led by jurists, muftis, politicians, lawyers, and legal personalities. The first chairmen of the Islamic Supreme Committee was His Eminence the late Sheikh Abdul Hamid Al-Sayeh, who stayed in office for only two months, as the occupation authorities deported him to Jordan on 9/23/1967 AD, followed by  the following persnalities: His Eminence, the late Sheikh Hilmi Al-Muhtaseb (1967 AD -1980 AD), His Eminence the late Sheikh Saad Al-Din Al-Alami (1981 AD-1993 AD), and His Excellency the late Professor Hassan Tahboub (1993 AD-1998 AD) and Engineer Mohammed Nusseibeh (as an acting chairman for two months) and the current president, His Eminence Sheikh Dr. Ikrima Saeed Sabri (1998 AD - history).
The study found that  establishing the Committee  was a real challenge to the occupation and has ruined their  their plans . Nowadays, the Committee plays an essential role in managing all Muslim-related cases  in  Jerusalem  and the Palestinian issue in general.
The study sheds light on the era in which Sheikh Dr. Ikrima Sabri whooo has been leading the Committee since 1419 AH / 1998 AD . Such an era  was   most critical , which witnessed the Oslo agreements and the Wye River negotiations, the second intifada of the Palestinian people in 1421 AH / 2000AD, the martyrdom of Yasser Arafat the historic Leader of the Palestinian people in the year 1425 AH / 2004 AD as well as major international events such as the invasion and devastation of Iraq . In these circumstances, Jerusalem witnessed a higher level of ferocity by the occupation, which denies all international agreements and treaties, and is moving towards Judaizing the city and eliminating its Arab and Islamic identity, that dates back to fourteen centuries ago. This puts the Supreme Islamic Committee before its historic responsibilities, requiring vigilance and vigorous follow-up, which created a situation of direct clash with the occupation that began to monitor its activities  and seeks, from time to time, to restrict them  at various levels.
Key words: The Islamic Supreme Committee in Jerusalem, Jerusalem (according to the study), Judaization.


مقدمة
كانت النكبة التي مني بها الشعب الفلسطيني في العام 1948 زلزالًا غيّر وجه المنطقة، وأعاد صياغتها بشكل مفاجئ وصادم؛ فقد قامت الحركة الصهيونية ومن خلفها الغرب الاستعماري بمحاولة محو الشعب الفلسطيني ذكرًا وإسمًا وحضارةً ووجودًا وهوية، وأنشأت على أنقاضه كيانًا طفيليًا. وكانت قد سيطرت على 84% من بيت المقدس. ثم جاءت الحرب في 5 حزيران (يونيو) من العام 1967م، بين الدولة العبرية من جانب ومصر وسوريا والأردن من الجانب الآخر، التي شكلت ارتدادًا عنيفًا لذلك الزلزال؛ إذ تمكنت الدولة العبرية من احتلال ما تبقى من بيت المقدس وبقية الأراضي الفلسطينية. كما تم احتلال صحراء سيناء من مصر، والهضبة السورية (الجولان) ووادي عربة من الأردن.
صب العدو جام غضبه على بيت المقدس في تلك الحرب، فتعرضت المدينة إلى قصف جوي وبري سقط على إثر ذلك الشهداء وتم تدمير عدد من البيوت. وفي اليوم الثالث من الحرب دخلت قواته إلى المسجد الأقصى المبارك من الجهتين الشرقية والغربية، وتمركزت عند قبة الصخرة المشرفة، ورفعت علم الاحتلال عليها، الذي تم إنزاله بعد نحو ساعتين؛ نتيجة المطالبات من رجالات بيت المقدس وضغط القنصل التركي وقتئذ. كما توجهت تلك القوات إلى حائط البراق لاحتلاله ليس عسكريًا وحسب، وإنما "عقائديًا" بنفخ البوق وحَمْل التوراة([3]). وفي مساء اليوم السادس من تلك الحرب (السبت 10 حزيران (يونيو)) شرعت قوات الاحتلال في هدم حارة المغاربة ومسحها كاملًا، ثم أخذت تتمدد في الحارات المجاورة لتفرض سيطرتها التامة والكاملة على المدينة.
بذلك، كانت بيت المقدس وأهلها يعيشون أجواء من الرعب والخوف والقلق؛ إذ أن حياة الإنسان المقدسي كانت في خطر حقيقي، بالإضافة إلى خطر الترحيل بالقوة. كما أن القيادة التقليدية الرسمية فقدت القدرة على إدارة المدينة التي أطبقت عليها قوات الاحتلال من كل جانب. في حين أن السلطة المحتلة لم تتعامل مع بيت المقدس كمدينة محتلة، وإنما باعتبارها مدينة قد تم "تحريرها!" و"استعادتها!".
لقد تنبّه نخبة من أبناء بيت المقدس لما يجري من إجراءات احتلالية على الأرض، وأخذوا يراقبون الأحداث عن كثب ويعدون العدة للخروج من أجواء الصدمة  والمواجهة، فتواصلوا بشتى الطرق، وأخذوا يتبادلون الرأي والمشورة، بهدوء وبما لا يثير السلطات المحتلة، حتى توِّج الأمر بالإعلان عن الهيئة الإسلامية في بيت المقدس، التي أخذت زمام المبادرة والقيادة والمواجهة المباشرة مع المحتل.  
سوف نستعرض في هذه الورقة نشأة الهيئة الإسلامية ببيت المقدس التي تمكنت من المحافظة على إسلامية المدينة وعروبتها، وصد هجمة وزارة الأديان الاحتلالية الهادفة إلى السيطرة على الأماكن المقدسة. واستمرت في هذا الدور إلى يومنا هذا.
وانسجامًا مع متطلبات ومحاور المؤتمر الأكاديمي الدولي التاسع عشر لدراسات بيت المقدس -بيت المقدس اليوم: الاستمرارية والتغيير، سيتم التركيز على الوضع الحالي للهيئة الإسلامية العليا برئاسة الشيخ الدكتور عكرمة صبري، الذي يقودها منذ العام 1998م.
مشكلة الدراسة
تعتبر الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس من أبرز المؤسسات المقدسية التي أسهمت في مقاومة الاحتلال، ومنذ العام 1967م وحتى تاريخه تعتبر الهيئة رأس الحربة في ذلك. وقد مرّ على قيادتها خلال نصف قرن ونيف ستة قادة –أحدهم استلم الرئاسة لمدة شهرين فقط كمرحلة انتقالية-. وكان لكل قائد منهم أعماله ودوره الديني والوطني والسياسي المعبر عن مواقف الهيئة، والتي تصب "جميعها" في مقاومة الاحتلال ورفض إجراءاته التعسفية على الأرض.
وقد لاحظ الباحث أن هذا الموضوع لم يحظ بالقدر الكافي من تسليط الضوء عليه، الأمر الذي دفعه للمشاركة في هذا المؤتمر بعنوان "بيت المقدس اليوم: الاستمرارية والتغيير" بهذه الورقة التي جاءت منسجمة مع شعار المؤتمر وأهدافه؛ من خلال تناولها لأدوار رؤساء الهيئة الإسلامية العليا، باعتبارها مواقف مستمرة ومتتابعة على مدى يزيد عن خمسين عامًا، كما أنها ذات أثر وتأثير في التغير والتغيير نحو الأفضل في مقاومة الاحتلال الجاثم على بيت المقدس عبر هذا الزمن الطويل.   

أسئلة الدراسة
سعت هذه الدراسة للإجابة عن الأسئلة الآتية:
1.    ما الظروف التي أنشئت فيها الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس؟
2.    كيف تشكلت الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس؟
3.    ما آليات عمل الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس في مواجهة الممارسات الاحتلالية في بيت المقدس؟
4.    ما الدور الذي قام به كل واحد من رؤساء الهيئة الإسلامية العليا في مقاومة الاحتلال؟
5.    ما مدى استقلاليَّة الهيئة الإسلامية العليا بالقدس؟
6.    ما الدور الذي قام به الشيخ الدكتور عكرمة صبري كآخر رئيس للهيئة الإسلامية العليا (1998م-2019م)؟
7.    ما ردود أفعال الاحتلال وأجهزته الأمنية على الدور الذي يقوم به الرئيس الحالي للهيئة الشيخ الدكتور عكرمة صبري؟
أهداف الدراسة
تسعى الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:
1)                التعريف بنبذة تاريخية بالظروف التي أنشئت فيها الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس.
2)                التعريف بالهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس.
3)                تبيان الدور الذي قامت به الهيئة خلال نصف قرن.
4)                استعراض "مختصر" لسير رؤساء الهيئة ودور كل منهم في المحافظة على مسيرتها.
5)  تبيان الدور الذي قام به آخر رؤساء الهيئة الشيخ الدكتور عكرمة صبري في الإبقاء على جذوتها متقدة في مقاومة الاحتلال ومخططاته.
 أهمية الدراسة
تتميز هذه الدراسة، وبحسب علمنا، بأنها أول دراسة تسبر غور قادة الهيئة الإسلامية العليا وتسلط الضوء على أدوارهم في المحافظة على الدور الديني والوطني للهيئة في مواجهة الاحتلال وفضح ممارساته العدوانية، والكشف عن مخططاته الرامية إلى العبث في تاريخ المدينة المقدسة وتراثها الحضاري. كما تكمن أهميتها في أنها تتناول الحقبة الممتدة بين (1998م-2019م) من عمر الهيئة التي قادها فيها سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري، وما تخلل هذه الحقبة من أحداث جسام. 
محددات الدراسة
تغطي هذه الدراسة الفترة الزمنية الممتدة بين تأسيس الهيئة في أواخر تموز (يوليو)/ 1967م حتى العام 2019. وتركز على آخر عشرين عامًا، بما فيها من أحداث ومواقف اتخذتها الهيئة بقيادة الشيخ الدكتور عكرمة صبري.
مصطلحات الدراسة
·        الهيئة: منظَّمة أو جماعة من النّاس تقوم بعمل خاصّ([4]).
·        بيت المقدس وفق الدراسة: هي الجزء الشرقي من بيت المقدس الواقعة تحت الحكم الأردني خلال الفترة (1949م-1967م) والتي تم توسعة مساحتها خلال تلك الحقبة من (2220) دونمًا إلى (6400) دونمًا، وتشمل البلدة القديمة من بيت المقدس -المنطقة المسوّرة من بيت المقدس والبالغ مساحتها نحو (871) دونمًا.
·        التهويد: المعنى الإجرائي لهذا المصطلح هو تلك المحاولات التي يقوم بها الاحتلال من أجل نزع الهوية العربية –الإسلامية أو المسيحية- عن غير المنقول كالمكان أو العقار أو المنقول كالكتب وغيرها. ويستندون في ذلك إلى مجموعة من الادعاءات والضلالات التلمودية التي ما أنزل الله بها من سلطان.   
مجتمع الدراسة
يتكون مجتمع الدراسة من البيانات والنداءات الصادرة عن الهيئة خلال الفترة الزمنية (1998م-2019م). وأما المصدر الرئيس الذي تم اعتماده فهو: "وثائق الهيئة الإسلامية العُليا -1967م-1984م- أعده سماحة المرحوم الشيخ سعد الدين العلمي". وكذلك، تم الاعتماد على مذكرات أول رئيس للهيئة الإسلامية الشيخ عبد الحميد السائح، وعلى الكتيب الصادر بمناسبة مرور عام على وفاة المرحوم فضيلة الشيخ سعيد عبد الله صبري –من إعداد الباحث الشيخ د. عكرمة صبري-. والقرارات الصادرة عن الاحتلال والخاصة بملاحقة الرئيس الحالي للهيئة والتضييق عليه، ونشرة صوت الهيئة الصادرة عن الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس. 
إجراءات الدراسة
اعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي الوصفي لنشأة الهيئة وظهورها إلى العلن. كما انتهجت المنهج التحليلي في التعامل مع البيانات والنداءات الصادرة عن الهيئة، في مختلف المناسبات خلال حدود الدراسة، والقرارات الصادرة عن الاحتلال بخصوص رئيس الهيئة بهدف الحد من أنشطته والتضييق عليه.
الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس: المقدمات والنشأة:
منذ اللحظة الأولى لدخول قوات الاحتلال إلى مدينة بيت المقدس في العام 1967م، سعت إلى استكمال ما فعلته فيها منذ النكبة في العام 1948م؛ من حيث السيطرة على الأوقاف –الإسلامية والمسيحية- والسيطرة على الأماكن الدينية وإتباعها لوزارة الأديان في الدولة العبرية. كما أنها كانت قد وضعت الخطط المحكمة، مسبقًا، من أجل التعامل مع الجزء المحتل من المدينة كجزء لا يتجزأ من عاصمتهم. ففي 28 حزيران (يونيو) قررت حكومة الاحتلال أن بيت المقدس الشرقية([5]) هي جزء مما يُطلق عليه "أرض إسرائيل" يسري فيها قانون الدولة([6]).
وبموجب سلسلة قوانين احتلالية في العام أصبح الاحتلال يتعامل مع بيت المقدس كعاصمة لدولته. كما بدأت سلطات الاحتلال باستبدال أسماء بعض الأزقة والطرقات في البلدة القديمة ووضع أسماء جديدة مكانها([7]). أضف إلى ذلك أجواء الخوف والرعب والقلق، والتحسب من مذابح قد تقع على غرار ما جرى إبّان النكبة.
في ظل تلك الأجواء كان هناك رجال يراقبون الموقف ويتحفزون للانطلاق في اللحظة المناسبة؛ عندما تكون الخسائر أقل ما يمكن. ففي اليوم الرابع للحرب (الخميس، 08 حزيران (يونيو))، أمر الحاكم العسكري، وبتنسيق من قبل "أبو جرير"؛ المذيع العربي في إذاعة الاحتلال، بإحضار خمسة من أبناء بيت المقدس، من أصحاب المسميات الدينية الرفيعة، وهم:
1)    الشيخ عبد الحميد السائح/ رئيس محكمة الاستئناف.
2)    الشيخ حلمي المحتسب/ عضو محكمة الاستئناف الشرعية.
3)    مفتي بيت المقدس الشيخ سعد الدين العلمي.
4)    القاضي الشرعي الشيخ سعيد صبري.
5)    السيد حسن طهبوب مدير أوقاف بيت المقدس.
ودار بينهم وبين وزير الأديان الاحتلالي حوارًا مطولًا وصاخبًا، كان من أبرز نتائجه([8]):
·        رفض السائح طلب الوزير الاحتلالي دعوة الناس إلى الصلاة ما دام جنود الاحتلال في أرض المسجد الأقصى المبارك، قائلًا: لا تجوز عندنا الصلاة تحت الحراب. وعندما سأله "أبو جرير" عن سبب رفضه، قال السائح: أريد أن نعاملهم بصراحة من أول يوم. ولما رأى الاحتلال إصرار السائح –مدعومًا بقوة من زملائه، تم إخراج الجيش، وأقيمت صلاة الجمعة في اليوم التالي -09 حزيران (يونيو)).
·        في وقت لاحق، استدعي الخمسة المذكورين أعلاه لوزير أديان الاحتلال، وجرى بينهم وبينه حوارًا معمقًا، من أبرز ما نجم عنه: إصرار القادة المقدسيين على تطبيق اتفاقية جنيف على بيت المقدس كمدينة محتلة، وأصروا على تطبيق أحكام القرآن والقوانين الأردنية. وأبلغهم الشيخ عبد الحميد السائح: نحن لا نعترف لكم إلا بحقوق المحتلين، وليس من شأنكم أن تتعرضوا لمحاكمنا وشؤوننا الإسلامية. وإذا أردنا أن نستقيل فإنما نقدم استقالتنا للملك حسين([9]).
لقد قرأ وزير الأديان الاحتلالي في ذلك لهجة "متمردة"، وعاد إلى وزارته أكثر قناعة ومدركاً بأن الزعامة الدينية في بيت المقدس تستعد لنضال عنيد حفاظاً على استقلالها حيث دعت أقوال الشيوخ التي اسمعوها للوزير بأنهم قد قرروا فصل الأجهزة الدينية في بيت المقدس عن أية صلة بالاحتلال، ومنذ تلك الزيارة حافظ الرؤساء المسلمون في بيت المقدس وبعناد على قرارهم القاضي بالامتناع عن أي صلة رسمية بالاحتلال مهما كانت([10]).
إن كل ما جرى، وفق ما هو مذكور أعلاه وغيره من الإجراءات الاحتلالية، لم تثنِ رجالات بيت المقدس المذكورين أعلاه أو غيرهم عن المضي قدمًا في الصمود والمواجهة للمحافظة على الأماكن الدينية وعلى المؤسسات المقدسية الأخرى من التبعية لدولة الاحتلال، فتنادى جمع من العلماء ورجال البلاد، وهم يتلمسون أحكام الفقه الاسلامي الحنيف، القاضي بوجوب مبادرة المسلمين لتولي شؤونهم الدينية كافة، ومنع غير المسلمين من التدخل في الشؤون الإسلامية. وبعد عمق تفكير وتداول وقعوا على الاستدلال الشرعي والاستنباط الفقهي الذي انتهى بهم إلى إنشاء هيئة إسلامية لإدارة شؤون المقدسات والأوقاف الإسلامية في المدينة([11]).
وفي اللحظة المناسبة من يوم الاثنين في 16 ربيع الثاني 1387 ه الموافق 24/7/1967م، اجتمع (24) مقدسيًا([12]) وأعلنوا عن تأسيس الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس، وصدر أول بيان تاريخي، تضمن الإعلان عن تأسيس الهيئة، وأكد على وقوف المقدسيين صفًا واحدًا في وجه الاحتلال واعتداءاته، تتولى جميع صلاحيات مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، والإشراف على المحاكم الشرعية، ولجنة إعمار المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة المشرفة([13]).
وما أن صدر البيان الأول للهيئة حتى انهالت ردود الفعل المؤيدة، والمعلنة التفافها ومؤازرتها، تأكيداً بأن الهيئة الإسلامية تمثل المسلمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن يزول الإحتلال.
يتضح من ذلك أن الهيئة بدأت، منذ اللحظة الأولى لتأسيسها، تأخذ دورها وقد تفهّم أعضاؤها الدور المنوط بهم؛ مستندين إلى التأصيل الشرعي الذي يضعهم كقادة للمجتمع المقدسي في صدارة الحدث، وفي مواجهة مباشرة مع المحتل، كما وأنهم يبثون للاحتلال رسائل واضحة تبيّن فهمهم الدقيق للقانون الدولي الذي يمنحهم قوة رفض الإجراءات الاحتلالية؛ من خلال تبيان البنود التي تكف يد الاحتلال عن العبث في الأماكن الدينية والمؤسسات الوطنية؛ من تعليمية وصحية واجتماعية واقتصادية ورياضية... الخ.    
الجلسة الأولى للهيئة الإسلامية ترسم ملامح العلاقة مع الاحتلال
بقراءة تحليلية دقيقة للبيان الأول للهيئة، الذي انبثق عن الجلسة التأسيسية الأولى للأعضاء، في 24/07/1967م، يتبيّن مدى الجرأة التي تمتع بها أعضاؤها الموقعون عليها، عندما انبثقت الجلسة عن عدد من القرارات المهمة التي كان لها بالغ الأثر في رسم ملامح المرحلة المقبلة، بإعادة تشكيل المؤسسات الدينية. كما تم في هذه الجلسة توزيع الأدوار فيما بينهم، وفق الجدول رقم -1-.
الجدول رقم -1-
مهمات بعض الأعضاء المؤسسين للهيئة الإسلامية العليا، وفق ما ورد في الجلسة الأولى للهيئة([14])
الشيخ عبد الحميد السائح
رئيسًا للهيئة، وتفويضه ممارسة صلاحيات قاضي القضاة في الضفة الغربية المنصوص عنها في التشاريع الأردنية.
الشيخ حلمي المحتسب
تفويضه لممارسة صلاحيات مدير المحكمة الشرعية بالإضافة إلى وظيفته كعضو في محكمة الاستئناف الشرعية.
الشيخ سعد الدين العلمي
مفتي بيت المقدس، بالإضافة لوظيفته عضواً مكملاً لهيئة محكمة الاستئناف الشرعية.
الشيخ سعيد صبري
قاضي بيت المقدس الشرعي، يتم ضمه لمجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية وإلى لجنة الإعمار.
  وأتبع ذلك بتفويض محكمة الاستئناف الشرعية ببيت المقدس ممارسة جميع صلاحيات مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية ولجنة إعمار المسجد الأقصى والصخرة المشرفة في الضفة الغربية المنصوص عنها في التشاريع الأردنية، وكذلك ممارسة جميع الصلاحيات المعطاة لمدير الأوقاف العام.
وعند إمعان النظر في هذا القرار يتضح لنا أن أعضاء الهيئة قد عزموا الأمر على تفويت الفرصة على الاحتلال الذي كان يتربّص لأي ضعف أو فراغ؛ لكي ينفذ من خلاله إلى المؤسسة الدينية في بيت المقدس ويسيطر عليها سيطرة تامة تمكّنه من إدارة المدينة وفق أهوائه وسياساته التهويديّة التي كانت تجري على قدم وساق. وتم التأكيد على أن "تمارس السلطات المشار إليها أعلاه اختصاصاتها وصلاحياتها بموجب التشاريع الأردنية في الضفة الغربية بما فيها بيت المقدس العربية إلى أن يزول الاحتلال"([15]).
بذلك، يكون أعضاء الهيئة في اجتماعهم الأول قد شكّلوا النواة الصلبة لإدارة كاملة وشاملة لشؤون المسلمين في المدينة. وهذه الخطوة تؤهل الهيئة للانتقال إلى المستوى الأعلى في المواجهة مع الاحتلال، والمتمثل في مخاطبة الحاكم العسكري للضفة الغربية، ولم يتم مخاطبة حكومة الاحتلال، وفي ذلك دلالات تشير إلى إصرار مؤسسي الهيئة على أن شرقي بيت المقدس يتبع الضفة الغربية ويجب أن يبقى على تواصل دائم معها، وذلك عكس إرادة الاحتلال الذي قام بعزل بيت المقدس وتعامل معها على أنها "محررة!" وليست محتلة، وجعلها جزء من كيانه القائم منذ العام 1948م.
لقد اتخذت الهيئة الإسلامية العليا دورًا، يشكّل حماية للحقوق الدينية للمسلمين في بيت المقدس وباقي أرجاء الضفة الغربية. وكما سنرى لاحقًا في هذه الورقة، فإن من قاد الهيئة من رؤسائها على مدى نصف قرن ونيّف، كانوا أوفياء لهذا الدور، دون أن يتراجع هذا الدور الاستراتيجي.
رؤساء الهيئة الإسلامية العليا: يجعلون منها طليعة في مواجهة الاحتلال 
يتضح مما ورد أعلاه أن الحاكم العسكري ووزير الأديان كانا يخاطبان الشيخ عبد الحميد السائح والشيوخ الأربعة الآخرين بحذر ومهابة واحترام، على أمل أن تتمكن السلطة المحتلة من اختراق الحالة المقدسية من خلالهم. إلا أن الإجابات السريعة والمحكمة والدقيقة المشبعة بقوة الإرادة الدينية والوطنية، وتشبثهم بالدولة الأردنية شكلت حالة مستعصية على الاحتلال، وهي التي أدت إلى إنشاء الهيئة الإسلامية العليا وفق ما هو مذكور أعلاه. 
يؤكد الصحفي اليهوديّ بنزيمان أن الاحتلال فوجئ بنجاح الاجتماع التأسيسي للهيئة في 24/07/1967م، فتم في اليوم التالي دعوة طاقم من مختلف الوزارات ليبحث في طريقة الرد على ما أسموه "التمرد" أو "العصيان"، وكان ذلك تعبيرًا عن الاعتراف بوجود حركة مقاطعة عربية للاحتلال، وأصبح يُنظر إلى السائح كزعيم سياسي ودينيّ ذكّرهم بالحاج أمين الحسيني مفتي بيت المقدس زمن الانتداب البريطاني([16]). وإلى الحاج أمين الحسيني يرجع الفضل إلى لفت نظر العالم الإسلامي إلى المشكلة الفلسطينية، وفي جعلها القضية المركزية للدول العربية المجاورة، وفي توحيد الفلسطينيين حول الأهداف الوطنية([17]).
انطلقت الهيئة في اجتماعاتها المكثفة، وبين الاجتماع والذي يليه يتم توثيق وتسجيل الانتهاكات الاحتلالية لحقوق المقدسيين والأماكن الدينية والعبث على الأرض بالحفريات والأنفاق وغيرها. وتُنقل تلك الملاحظات للاجتماع التالي الذي يضع النقاط على الحروف؛ بمخاطبة سلطات الاحتلال والاحتجاج لديهم([18]).
هكذا، أصبحت الهيئة الإسلامية العليا مصدر قلق لسلطات الاحتلال، ومصدر ثقة لأبناء بيت المقدس ولعموم الشعب الفلسطيني، وأصبح رئيس الهيئة صاحب رمزية عالية تحظى بالمهابة والتقدير. وسنتابع، فيما يأتي موجزًا عن مسيرة هؤلاء الذين تتابعوا على رئاسة الهيئة، أربعة منهم هم من الشيوخ الخمسة الذين سجلوا للتاريخ موقفًا دينيًا ووطنيًا أغاظ الاحتلال من جانب، وأضاء الطريق نحو مقاومة الاحتلال من جانبٍ آخر: 
أولًا: سماحة الشيخ عبد الحميد السائح:
لم يرُق لسلطات الاحتلال أن يجتمع المقدسيون على كلمة واحدة؛ فأخذت تضغط على رئيس الهيئة "الشيخ عبد الحميد السائح" بجميع الوسائل، ترغيبا وترهيبا، لإقناعه بضرورة أخذ موافقتها على القرارات والإجراءات التي تتخذها الهيئة فيما يتعلق بالشؤون الإسلامية، في المحاكم الشرعية والأوقاف.
كما دأبت سلطات الاحتلال على مراقبة السائح ومنع اتصالاته، حتى أنه في إحدى المرات حضرت لجنة دولية لتقصي الحقائق، وطلبت الاجتماع إلى السائح فقالت السلطات لها إنه غير موجود. وحين التقت اللجنة المحامي أنور نسيبة أبلغهم بوجود السائح في مكتبه، فاستدعوه وأدلى بشهادته أمامهم. وبعد هذا الحادث أرسل وزير الأديان الاحتلالي يطلب الاجتماع بالسائح لإقامة حفلة تعارف في فندق الملك داود، فرفضها السائح. وفي عدة مناسبات أخرى كان السائح واضحًا في مطالبته الاحتلال الرحيل عن البلد([19]).
ولما لمس الاحتلال إصرار السائح على مواقفه، ورفضه التعامل مع سلطاته جملة وتفصيلًا،  تقرر نفيه إلى الأردن بعد شهرين بالضبط من تأسيس الهيئة؛ ونُفّذ القرار –بالقوة- في 25/09/1967م([20]).
ثانيًا: سماحة الشيخ حلمي المحتسب:
يذكر الشيخ السائح أن سماحة الشيخ "حلمي المحتسب" عضو محكمة الاستئناف الشرعية كان مصاحبًا له منذ اللحظات الأولى للحرب (في 5 حزيران 1967) حيث أنهما كانا في عمان ثم انتقلا معًا إلى غربي النهر حتى وصلا بيت المقدس وقابلا الحاكم العسكري ووزير الأديان، إلى جانب زملائهما الثلاثة الآخرين (صبري والعلمي وطهبوب).
فور إبعاد الشيخ السائح التأمت الهيئة الإسلامية وتم اختيار سماحة الشيخ حلمي المحتسب رئيسًا لها، إلى جانب المهمات التالية([21]):
·        قائماً بأعمال قاضي القضاة.
·        رئيساً لمحكمة الاستئناف الشرعية.
·        رئيسًا لمجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية.
·        رئيسًا للجنة إعمار الأقصى المبارك والصخرة المشرفة.
وتم تعيين السيد حسن طهبوب سكرتيرًا للهيئة الإسلامية. 
يلاحظ من ذلك تعدد المهمات المسندة إلى سماحة الشيخ المحتسب، والتي يصعب المفاضلة بينها في الأهمية والضرورة.
هكذا، قاد المرحوم الشيخ حلمي المحتسب الهيئة الإسلامية بدءًا من اجتماعها الرابع، وإلى أن توفاه الله بتاريخ 26/01/1982م. وخلال تلك الحقبة انتهجت الهيئة منهج الدراسة المعمّقة عند اتخاذ المواقف وإصدار القرارات، والمتابعة الحثيثة لما يصدر في إعلام المُحتلّ من قرارات وإعلانات ودعايات، وترجمة كل ما يتعلق بالإجراءات الاحتلالية على الأرض، والتصدي لها فورًا. وفي كل مرّة تقوم الهيئة بتوثيق الجرائم الاحتلالية، والرد عليها، ومحاولة التصدي لها بالأشكال المختلفة، التي تدور في نطاق البيانات والاحتجاجات لدى الجهات المختلفة.
وكانت الهيئة قد فقدت أحد أعمدتها وركائزها سماحة الشيخ سعيد صبري الذي انتقل إلى جوار ربه في 19/03/1973م؛ وهو أحد الخمسة الذين شكلوا النواة الصلبة للهيئة الإسلامية العليا في بيت المقدس وفلسطين عامة.   
ثالثًا: سماحة الشيخ سعد الدين العلمي:
في 26/01/1982م توفي الشيخ حلمي المحتسب، فتولى الشيخ سعد الدين العلمي رئاستها، وبقي حسن طهبوب سكرتيرًا. أي الهيئة لا تزال تتحرك وفق الوقود الفكري والاستراتيجية المرسومة لها منذ البدء، من خلال اثنيْن من مؤسسيها.
وعقدت الهيئة اجتماعها الأول برئاسة العلمي، بإسمها "الهيئة الإسلامية العليا"، بتاريخ 03/03/1982م، وظهر في ذلك الاجتماع (19) إسمًا معظمها أسماء جديدة من غير المؤسسين، أهمها: السيد فيصل الحسيني والشيخ عكرمة صبري والدكتور أمين الخطيب. وأثير في هذا الاجتماع الأولويات التالية للهيئة: إيجاد مكان مناسب لمقر للهيئة، وتشكيل لجان لوضع إطار لواجبات ونشاطات الهيئة، وتأمين المال اللازم لتسيير جهاز خاص بها([22]).
لم تكن حقبة العلمي أقل صخبًا من حقبتي سابقيْه؛ فقد بدئت في (11 نيسان 1982) بهجوم إرهابي لجندي على قبة الصخرة المشرفة، نجم عنه (4) شهداء ومئات الجرحى([23]). كما كانت معارك لبنان في العام 1982م أيضًا، واستمرت الأحداث، في عهد الشيخ سعد الدين العلمي، والتهديدات باقتحام المسجد الأقصى المبارك من قبل المتطرفين اليهود، ومحاولات حرس الحدود المساس بحرمة المكان وإسلاميته، إلى أن توفي في العام 1993م.
رابعًا: معالي الأستاذ حسن طهبوب (المعلومات التالية من نجله أ. منصور طهبوب):
بعد وفاة الشيخ سعد الدين العلمي انتخب حسن فطين طهبوب  رئيسا للهيئة الاسلامية العليا في 1993، وانتخب م. محمد نسيبة نائبًا للرئيس[24]. وهي المرة الأولى التي تجري فيها الهيئة انتخابات حيث درجت قبل ذلك على التوافق والاجماع على شخصية الرئيس. وقرر افتتاح مكتب خاص للهيئة في احد مباني الأوقاف الإسلامية في باب السلسلة.
استمر المرحوم طهبوب في مقارعة الاحتلال، وحماية المقدسات الإسلامية، والمحافظة على مسيرة الهيئة الإسلامية العليا بنفس الوتيرة. وشهدت حقبته  وصول منظمة التحرير الفلسطينية إلى أرض الوطن، فتم تعيينه كأول وزير للأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة الأولى للسلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994م. إذ أصر على ان يكون مكتبه كوزير في السلطة الفلسطينية، واستقباله للضيوف الرسميين بهذه الصفة في مقر الهيئة الإسلامية –التي يرأسها- في باب السلسلة؛ على بعد بضعة أمتار من المسجد الأقصى.
لم يرق ذلك لسلطات الاحتلال، حيث جاءه مسؤولون من شرطة الاحتلال إلى المكتب مهددين بإغلاق المكتب، بذريعة أن السلطة الفلسطينية غير مسموح لها رسميا بالعمل في بيت المقدس، وكان رده دائما: أنا رئيس الهيئة الإسلامية العليا ووزير الأوقاف في حكومة السلطة الفلسطينية، وأنا في بيت المقدس قبلكم وقبل احتلالكم الذي لا اعترف بسلطته علينا. وكان يرفض أي استدعاء أو دعوة لأي من دوائر ومكاتب سلطات الاحتلال، وإن تجرأ ضابط أو مسؤول احتلالي وطلب منه الذهاب إلى مقر الشرطة في المسكوبية او القشلة، كان رده انه لا يذهب بإرادته؛ رافضًا تسجيل اعتراف بأية سلطة للاحتلال على موقعه الوظيفي ممثلا للأوقاف الإسلامية وللهيئة الإسلامية.
في العام 1996م تعرض المرحوم حسن طهبوب لإصابة في رأسه لدى اعتداء شرطة الاحتلال عليه اثناء قيادته تظاهرة شعبية في بيت المقدس احتجاجا على فتح سلطات الاحتلال لنفق يمر أسفل ساحات المسجد الاقصى في 1996م.
في شهر آذار/ مارس 1998، وأثناء نقله في سيارة الإسعاف من منزله في بير نبالا الى المستشفى متألما وغير قادر على الحركة أو النطق، حرك يده رافضا التوجه إلى هداسا ومشيرًا إلى بنقله مستشفى المقاصد. وتوفي رحمه الله بتاريخ 27/4/1998 في مستشفى المركز العربي بعمان، وفي اليوم التالي ووري الثرى في المقبرة الاخشيدية، الملاصقة لمدخل المسجد الأقصى المبارك عند باب الاسباط، والتي دفن فيها أيضا عدد من الشهداء الذين سقطوا في ساحات المسجد الأقصى وعدد من رفاق درب حسن طهبوب.
رابعًا: سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري:
بعد وفاة المرحوم حسن طهبوب تولّى نائبه م. محمد نسيبة الرئاسة بالوكالة لمرحلة انتقالية، امتدت لشهرين ونيّف فقط، استمر فيها نسيبة على خطا سابقيه في مقارعة الاحتلال وفضح مخططاته أمام وسائل الإعلام وأمام السلك الدبلوماسي الأجنبي في بيت المقدس. وفي 12/7/1998م عقدت الهيئة العامة للهيئة الإسلامية العليا اجتماعها  وانتخبت الشيخ الدكتور عكرمة صبري رئيسًا، والذي لا يزال على رأسها حتى اللحظة [25].
عندما انتخب الشيخ عكرمة صبري رئيسًا للهيئة، لم يكن أمر الهيئة وظروفها غريبًا عليه؛ إذ يتضح من وثائق الهيئة أنه عضوًا في هيئتها العامة منذ العام 1978م، إبّان حقبة الشيخ حلمي المحتسب، واستمر في ذلك معاصرًا حقبتي المرحوميْن سعد الدين العلمي وحسن طهبوب([26]).
لذلك، يكون الشيخ عكرمة قد استلم دفّة قيادة الهيئة الإسلامية العليا وهو مدرك للدور الذي قامت به الهيئة في مواجهة الاحتلال على مدى الثلاثين سنة الماضية، ليكمل المشوار خلال العقدين التاليين أكثر عنادًا وصلابة في مواجهة الاحتلال وممارساته ومخططاته. وكونه خطيبًا للمسجد الأقصى فقد وظّف خطب الجمعة التي يلقيها على منبر صلاح الدين، ويستمع إليه مئات الألوف من المصلّين في ساحات المسجد الأقصى وباحاته، وما تتضمنه تلك الخطب من آراء فقهية ترقى إلى مستوى الفتاوى، في تعزيز توجّهات الهيئة المقاوِمة للاحتلال.
ومما عزز الدور الديني والوطني للهيئة الإسلامية العليا برئاسة الشيخ عكرمة أنها جاءت في الفترة التي كان قد تسلّم مهام المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية (من عام 1994م وحتى عام 2006م)، إلى جانب رئاسته لهيئة العلماء والدعاة/ بيت المقدس – فلسطين (منذ عام 1994م-تاريخه)، بالإضافة إلى أنه خطيب المسجد الأقصى المبارك (منذ 04/05/1973م).
بعد العام (2006م)؛ وهو العام الذي أحيل فيه الشيخ عكرمة إلى التقاعد من الإفتاء، أصبحت الهيئة الإسلامية العليا المؤسسة الأكثر مساحة في أولويات اهتماماته، بل هي الأولى مقارنة مع المؤسسات والمهام الأخرى التي يشغلها. 
وأما من جانب الاحتلال، فكانت وسائل إعلامه، ومنذ أن كان مفتيًا، تحرض ضد الشيخ عكرمة ويقولون عنه: مفتي ياسر عرفات! وأحياناً يقولون: مفتي السلطة الفلسطينية!! وحصل في العام 1999م أن  قاد "نتنياهو"، الذي كان  رئيس حزب الليكود الصهيونيّ آنذاك، حملة تحريضية ضد الشيخ صبري-المفتي عندما كان يداوم داخل المسجد الأقصى المبارك، وصلت إلى أروقة الأمم المتحدة[27].


أنشطة الهيئة وفعالياتها:
يقع مقر الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس في مكان حساس ومهم، وهو البؤرة الأكثر سخونة من حيث إجراءات الاحتلال التعسفية ومخططاته العدوانية؛ فهي تشغل المدرسة الطشتمرية –مبنى مملوكي- الواقعة في باب السلسلسة؛ وهو أكثر الأماكن التي تتعرض لمخاطر التهويد، والمكتظ بالمستوطنين الذي وصلوه مغتصبين ومزورين ومحميين بقوة الاحتلال.
في هذا المكان يقع مكتب رئيس الهيئة، إذ تصدر بيانات الهيئة التي تتبع ممارسات الاحتلال وأفعاله في بيت المقدس، لا سيما في محيط المسجد الأقصى المبارك –وكل بيان هو فتوى في جوهره، وتعقد الهيئة اجتماعاته المنتظمة، بمعدل اجتماع لكل شهرين تقريبًا.
كما تصدر الهيئة مجلة "صوت الهيئة"؛ وهي دورية تصدر بواقع عدد في كل شهرين، بدءًا من أيار (مايو) من العام 2011م، حتى تاريخه، ترصد أخطر الانتهاكات الاحتلالية اليهودية والتي تقع بشكل يومي بحق المسجد الأقصى المبارك، وبحق المقدسيين، وبحق الفلسطينيين بشكل عام. وكذلك فإن المجلة تتضمن توثيقاً لبيانات الهيئة منذ تأسيسها في عام 1967م.
كما قامت الهيئة بتشكيل عدة لجان فرعية عملية، منها: لجنة البيوت والعقارات، ومهمتها حل الإشكالات والخلافات التي يمكن أن تقع بين المالك والمستأجر، أو بين المالكين فيما بينهم، وكذلك فض الخصومات فيما يتعلق بالمواريث بين المستحقين وتحرص اللجنة على حل الخلافات من خلال التفاهم والتراضي بين المواطنين وعدم اللجوء إلى المحاكم الاحتلالية لأن حارس أملاك الغائبين بالمرصاد ويتدخل في كل قضية تعرض على المحاكم! ولجان أخرى: الثقافة والإعلام، والعلاقات العامة والدولية، ولجنة شؤون المبعدين عن الأقصى أو عن بيت المقدس، ولجنة برنامج الزيارات للأقصى المبارك.
وكانت الهيئة قد شكلت (لجنة معالم التراث المقدسي) وذلك لحماية الطابع العام لمدينة بيت المقدس حيث يحاول الاحتلال طمس المعالم الإسلامية وإضفاء الطابع اليهودي عليها، لذا أصدرت اللجنة خارطتين:
1-  الخارطة الأولى تبين أهم معالم البلدة القديمة من مدينة بيت المقدس بما في ذلك المسجد الأقصى المبارك وبتثبيت الأسماء التاريخية الأصلية للمواقع.
2-  الخارطة الثانية تبين أبرز أحياء مدينة بيت المقدس بشكل عام مع توثيق الأسماء الأصلية أيضاً. وقد طبعت الخارطتان ثلاث مرات وتوزع بالمجان على الجامعات والمؤسسات الثقافية والتعليمية والحضارية وكذلك توزع على الباحثين المختصين في فلسطين والخارج.
لقد انطلقت الهيئة في المجال البحثي والأكاديمي، فعقدت أربعة مؤتمرات أكاديمية، خلال الفترة 2005م حتى تاريخه، وهي "الآن" بصدد المؤتمر الخامس بعنوان "الحقوق الشرعية والقانونية للأوقاف الإسلامية المقدسية"، وكان المؤتمر الرابع، في العام 2018م، بعنوان "الوقف الإسلامي في بيت المقدس"، والثالث، في العام 2017م، بعنوان "القدس والأقصى: خطوة بالتجاه الصحيح"، والثاني في العام 2012م بعنوان "الواقع والتحديات" وأما الأول فكان  في العام 2005م بعنوان "نحو خطوة إلى الأمام".
أضف إلى ذلك الأنشطة الأخرى للهيئة كالمؤتمرات الصحفية والمشاركة في الندوات والمؤتمرات والأنشطة الجماهيرية المختلفة. ففي تموز من العام 2017م شهدت بيت المقدس شبه ثورة عارمة ضد محاولات الاحتلال إقامة "بوابات الكترونية" على أبواب المسجد الأقصى المبارك، وللهيئة الإسلامية العليا دورٌ بارزٌ وواضحٌ في تلك الأحداث التي انتهت بفشل مخططات الاحتلال وتراجعه أمام الضغط الجماهيري المقدسي. وفي العام 2019م أسهمت الهيئة، إلى جانب أبناء بيت المقدس في مقاومة الإجراءات الاحتلالية بشأن مصلى باب الرحمة الذي تم فتحه رغمًا عن الاحتلال بعد إغلاق استمر على مدى ثمانية عشر عامًا.
هيئة مستقلَّة بكل المعايير:
منذ اللحظة الأولى لتأسيسها، فإن الهيئة الإسلامية العليا بالقدس أعلنت عن نفسها هيئة دينية مستقلة، وأن نظامها الأساسيّ قد نصّ على ذلك، فلم يسجَّل أن كانت الهيئة تحت مظلَّة سياسيَّة لأيّ حزب أو جماعة سياسيَّة. كما أنها لم ترتبط مع أيّ دولة من الدول العربيَّة أو الإسلامية أو الأجنبيّة التي تسعى لتحقيق حضور لها في القدس.
أما العلاقة مع الاحتلال فقد كانت، على مدى الـ (52) سنة علاقة ندّيّة؛ أخذت فيها الهيئة دور المدافع عن الحقوق الدّينية والوطنية للمسلمين في المدينة، كما شكَّلت سياجًا حاميًا للأماكن الدّينية  في مواجهة محاولات الاحتلال الاعتداء عليها أو مصادرتها أو تزوير عمليّات شراء لها، لينتهي الأمر بتهويدها. كما أخذت الهيئة دورًا بارزًا ومهمًّا في فضح ممارسات الاحتلال بحق القدس والمقدسيين، كالحفريَّات حول المسجد الأقصى المبارك وغيره من المقدسات، وهدم البيوت، وتهجير المقدسيين بشتَّى السُّبل وغير ذلك من الممارسات. وتمَّ توثيق كلّ ذلك في بيانات واضحة كانت تصدر تباعًا لتكشف جميع تلك الممارسات العدوانية التي كانت تتم في السّرّ أو في العلن. بالإضافة إلى إقامة المؤتمرات الأكاديمية والمؤتمرات الصحفية التي تؤكد على مواقفها الاستراتيجية الثابتة تجاه المحافظة على الأماكن الدينية والمساجد والممتلكات الوقفيَّة من عبث الاحتلال.
وأما في الجانب التمويليّ، فهي لا تتلقّى دعمًا دوريًّا من أي دولة أو جهة أو جمعيّة أو حزب، وإنما تنحصر الموارد المالية من خلال فاعلي الخير، والميسورين من أبناء القدس بالدرجة الأولى، ومن المؤسسات الأكاديمية أو الخيرية الأخرى، والأشخاص الغيورين من أبناء الأمة، الذين يرون في الهيئة سدًّا منيعًا في حماية القدس من التهويد. وأما أنشطة الهيئة، فيتمّ تحصيل التمويل لكل نشاط على حدة، من خلال المؤسسات ذات الصلة بالنَّشاط بالدّرجة الأولى ومن فاعلي الخير والميسورين، وفي معظم الأحيان يكون للبنوك ولصندوق وقفية القدس الدور الرئيس في تمويل المؤتمرات والندوات ومطبوعات الهيئة.
وجدير بالذكر أنّ الهيئة تحظى بالتفاف جماهيري حول قراراتها وبياناتها ومواجهتها للاحتلال، الأمر الذي يشجع الخيّرين على المبادرة بالدعم والإسناد والمؤازرة، لتغطية احتياجات الهيئة.
خلاصة القول، إن الهيئة الإسلاميّة العليا بالقدس مؤسسة مستقلة بكل المعايير؛ إداريًّا وماليًّا وعلى مستوى رسم السياسات العليا للهيئة التي تتم من خلال الهيئة العامة التي تجتمع دوريًّا، واجتماعات طارئة عندما تقتضي الضرورة ذلك. وإنني أرى في ذلك أنموذجًا حيًّا لمعنى الاستقلالية، وأدعو المؤسسات الأخرى الشبيهة إلى الاقتداء بهذا النمط، من أجل بناء مؤسسات مستقلّة قادرة رفع الصوت في مواجهة الاحتلال وممارساته العدوانيّة في القدس وخارجها.        



الشيخ الدكتور عكرمة صبري-رئيس الهيئة الإسلامية: رحلة الصراع مع الاحتلال:
يتضح مما سبق أن الشيخ صبري استلم مهمة رئيس الهيئة الإسلامية العليا في العام 1998م، والاحتلال غاضب منه وغاضب عليه. الأمر الذي يعني أن الهيئة مستمرة في نهجها على طريق التأسيس؛ في حالة صراع مع الاحتلال بصوره وأشكاله وممارساته كافة.
سوف نقوم، فيما يأتي، برصد هذا الصراع من مختلف الأوجه، بالقدر الذي تسعفنا به الوثائق التي أمكننا الوصول إليها، وبالاعتماد على مؤلف السيرة الذاتية "محطات من سيرتي" كما كتبه الشيخ بنفسه، بالإضافة إلى مقابلة شخصية مع سماحته، قام فيها بتوضيح الغامض من الأمر. والتزامًا بالهدف من هذه الورقة؛ وهو التركيز على دور الهيئة الإسلامية العليا ورئيسها في مقاومة الاحتلال خلال الفترة 1998م-تاريخه، فإننا سوف نتتبع مسيرة الممارسات الاحتلالية خلال هذه الفترة، دون الرجوع إلى المرحلة السابقة:
الفتاوى الدينية المشبعة بالسياسة:
لقد زاد عدد الفتاوى التي أصدرها الشيخ الدكتور عكرمة صبري عن ثلاثة آلاف فتوى خطية مكتوبة في مختلف الموضوعات. وأما الفتاوى التي نحن بصددها، فهي تلك المتعلقة بالقضايا الدينية ذات البعد الوطني، والتي تصب في هدف رئيس يتعلق بالدفاع عن بيت المقدس وحمايتها من التهويد أو تلك التي تعزز الحالة الوطنية الفلسطينية وتصونها. وسوف نتناول الفتاوى التالية التي تم اقتباسها –بتصرف- من مذكرات الشيخ الدكتور عكرمة صبري "محطات من سيرتي وجولاتيوهي قيد الإعداد:  
أولًا: التعويض عن الأرض كبيعها لا يجوز شرعاً: أصدر هذه الفتوى الشرعية بتاريخ 22 تموز (يوليو) عام 2000م، والتي قامت على الأسس التالية:
-       أكدت على فتوى علماء المسلمين التي صدرت منذ الثلاثينات من القرن الماضي.
-       أن العودة حق مقدس وواجب مشروع، ولن يسقط مهما طال الزمان وتعاقبت الأجيال، وستبقى أرض فلسطين لأهلها وللمسلمين جميعهم في أرجاء المعمورة إلى ما شاء الله، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
-       تعرض في الفتوى إلى الفرق الشاسع بين التعويض عن الأرض وبين التعويض عن الأضرار التي لحقت بالمهاجرين الذين هجروا عن ديارهم بغير حق، لذا فإن عبارة (حق العودة والتعويض معاً) جائزة شرعاً: أي أن المهجر له الحق في العودة إلى دياره كما له الحق أيضاُ في المطالبة بالتعويض عن الأضرار والمعاناة والخسائر التي لحقت به وبأولاده وأحفاده.
-       عبارة (حق العودة أو التعويض) تفيد التخيير، فلا تجوز شرعاً؛ لأن المحظور قائم فيها؛ لأن التعويض عن الأرض محرم شرعاً.
-       الذي لا يرغب في العودة، أو يُمنع من العودة، فليس له الحق في أخذ التعويض مطلقاً مهما كانت الأسباب ومهما كانت المبررات. كما لا مجال شرعاً للتنازل عنها وإنما أملاكه تعود إلى عامة المسلمين وليس إلى الاحتلال.
ثانيًا: أخذ التعويض عن البيوت المهددة بالإخلاء حرام شرعاً: صدرت هذه الفتوى في العام 1430هـ/2009م، وقد جاءت لتحرم شرعاً أخذ التعويض المالي أو العيني مثل: مبان أو أرضٍ مقابل البيوت التي تهدد بلدية بيت المقدس بإخلائها من سكانها وأصحابها الشرعيين وبهدمها في حي البستان بمنطقة سلوان المحاذي للجهة الجنوبية من المسجد الأقصى المبارك وفي حي الطور المطل على المسجد الأقصى المبارك وفي غيرهما من الأحياء في مدينة بيت المقدس، بحجة عدم وجود تراخيص بناء وإقامة حدائق عامة مكانها. وتضمنت هذه الفتوى عددًا من البنود، أهمها:
-       إن أوامر إخلاء البيوت من أصحابها الشرعيين وتهجيرهم منها تعتبر غير شرعية وغير إنسانية وغير قانونية فهي صادره عن السلطات المحتلة وهي ليست ذات اختصاص.
-       يحرم على أصحاب المنازل المهددة بالإخلاء أخذ أي تعويض عن بيوتهم سواء كان نقداً أو عيناً، وإنما الواجب المطلوب منهم هو الثبات والتمسك في بيوتهم، حيث إن أي تعويض عن هذه المساكن يُعدّ بمثابة بيع لها وانتقال ملكيتها إلى سلطات الاحتلال.
-       إن بيع البيت أو الأرض إلى اليهود محرم شرعاً وكبيرة من الكبائر، وأن الذي يبيع بيته إليهم يكون خارجاً عن جماعة المسلمين ولا يغسل ولا يكفّن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين[28].
ثالثًا: بيع الأراضي أو العقارات للأعداء أو السمسرة لهم مـرفـوض وحـــرام شــــــرعاً وخـروج من الملـة: أكد في هذه الفتوى، التي أصدرها في العام 1417هـ/1996م، على أن بيع الأراضي والعقارات للأعداء مرفوض وحرام شرعاً وخروج من الملة، سواء كان البيع مباشراً أو غير مباشر بالسمسرة أو بالوساطة وبخاصة فيما يتعلق بأرض فلسطين المباركة المقدسة.
رابعًا: تحريم التجنّس بالجنسية الإسرائيلية: إذ يرى الشيخ عكرمة في هذه الفتوى، التي أصدرها عام 1419هـ/1998م، أن الحصول على الجنسية الإسرائيلية، باختيار دون إكراه، هو إعطاء الولاء لدولة إسرائيل والالتزام بقوانينها والاعتراف بها. ويؤكد أن حمل الجنسية يعطي الصفة الشرعية لاحتلال هذه الديار المباركة المقدسة. ويترتب على أخذ الجنسية إقرارٌ بضم بيت المقدس لكيان الاحتلال الإسرائيلي. كما أن حمل الجنسية من قبل أهل بيت المقدس يزيد من عدد السكان الإسرائيليين، ويصبحون هم الأغلبية مما يسهل لليهود التمسك بمدينة بيت المقدس وعدم التخلي عنها. ويترتب على حمل الجنسية الإسرائيلية الخدمة في الجيش الإسرائيلي ومحاربة إخوانهم المسلمين.
خامسًا: الوطن البديل وتبادل الأراضي مرفوضان ومحرمان شرعاً: جاءت هذه الفتوى في العام 1430هـ/2009م، لتؤكد على أن فكرة الوطن البديل تعني التنازل عن أرض فلسطين المباركة المقدسة. كما إن تبادل الأراضي يمثل صورة من صور التنازل والتنازل كما هو معلوم محرم وغير شرعي. وبخاصة فيما يتعلق بأرض فلسطين التي هي ارض إسلامية وقفية لا يجوز التنازل عنها أو المقايضة عليها، فإن الأوطان ليست محل مفاوضات أو تنازلات أو تبادلات، فأرض الإسراء والمعراج هي لسدنتها المسلمين اعدل من حكم في العالمين.
سادسًا: التدويل والتهويد مرفوضان ومحرمان شرعاً: في الوقت الذي تتعرض مدينة بيت المقدس المحتلة منذ عام 1967م إلى عملية تهويد على مختلف الأصعدة بهدف طمس الوجه الحضاري لهذه المدينة المباركة المقدسة، وإضفاء الصفة اليهودية المزيفة على هذه المدينة. فقد أفتى الشيخ عكرمة في العام 1430هـ/2009م بتحريم كل من التدويل والتهويد لمدينة بيت المقدس، وأنهما مرفوضان شرعاً، ويأثم شرعاً كل من يساهم أو يؤيد التدويل أو التهويد لهذه المدينة، ونؤكد على حقنا الشرعي في هذه المدينة المباركة المقدسة بقرار من رب العالمين.
سابعًا: المسجد الأقصى المبارك للمسلمين وحدهم: استند الشيخ صبري في هذه الفتوى، التي أصدرها في العام 1421ه/2001م، إلى إجماع علماء الأمة الإسلامية على أن "الأرض التي يبنى عليها المسجد هي وقف إسلامي: ظاهر الأرض وباطنها وسماؤها، وما بني على الأرض وأسوارها وساحاتها وأشجارها وكافة مرافقها فكلها وقف إسلامي". ولا يجوز لأي إنسان مهما كان وفي أي حال من الأحوال أن يتصرف بها لغير عبادة المسلمين. كما أن أي أرض يقام عليها مسجد تصبح وقفاً تلقائياً". وعليه يحرم على المسلمين أن يمكنوا غير المسلمين من الإشراف أو الخدمة أو القيام بالطقوس للشعائر الدينية والعبادات في هذا المسجد أو أي جزء منه أو من أرضه وباطنها مهما نزلت أو فضائه مهما علا.
ثامنًا: حائط البراق وقف إسلامي: جاءت هذه الفتوى في العام 1421هـ/2001م أيضًا على خلفية تساقط بعض الحجارة العلوية من حائط البراق وذلك بسبب الاهتزازات الناتجة عن الحفريات من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من حائط البراق. وأن السلطات المحتلة تحاول ترميم هذا الحائط وصيانته!
وتميزت هذه الفتوى بأنها كانت شافية ووافية على المستويات الدينية والتاريخية وحتى العمراني، من خلال ما ورد فيها مجموعة ثوابت وضعها الشيخ صبري أمام الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، منها:
-                   حائط البراق هو جزء من السور الغربي الخارجي للمسجد الأقصى المبارك.
-                   أسوار المسجد جميعها وقف إسلامي، لأن السور تبع للمسجد الأقصى بداهة، كما أن سور أي بيت هو تبع للبيت.
-                   وبالتالي فإن حائط البراق هو وقف إسلامي، بالإضافة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شرّف هذا الحائط بربط (البراق) به وذلك في ليلة الإسراء، خلال معجزة الإسراء والمعراج.
-                   الرفض المطلق لأي ملكية لليهود بهذا الحائط، بالإضافة إلى أنه لا يوجد أي حجر في هذا الحائط له صلة بالتاريخ العبري اليهودي.
-                   وضع اليد من قبل السلطات الإسرائيلية المحتلة هو تصرف احتلالي قسري عدواني، فهذا التصرف لا يعطيها الصفة الشرعية مهما طال الزمان وتوالت الأجيال.
-                   لا يجوز شرعاً لأي سلطة أو جهة غير إسلامية ترميم هذا الحائط أو التصرف به، فهذا شأن إسلامي ومن صلاحيات واختصاصات المسلمين فقط، مع الإشارة إلى أن عصبة الأمم في عام 1930م قد أقرت أن حائط البراق هو جزء من السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك، وهو وقف خاص بالمسلمين وحدهم.
-                   لا يجوز شرعاً استخدام تسمية (حائط المبكى) على (حائط البراق) فإن تسمية حائط المبكى هي تسمية دخيلة ومرفوضة، ولها دلالات غير شرعية.
-                   على المسلمين بشكل عام وعلى الأجهزة والمؤسسات الإعلامية الالتزام بالتسمية المشروعة وهي (حائط البراق).
تاسعًا: العمائر المحيطة بالأقصى تأخذ حكم الأقصى: وقد جاءت هذه الفتوى في العام 1421هـ/2000م على إثر ما تردد من تقولات بإقامة كنيس يهودي في محيط المسجد الأقصى المبارك. إذ اعتبر أن العمائر المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك هي كلها وقف إسلامي ولها منافذ مباشرة للأقصى من أبواب وشبابيك. وعليه، فإنها تأخذ حكم الأقصى في المباركة والقدسية. هذه العمائر التي أشادها أجدادنا منذ العهد الأموي ومروراً بالعباسي والأيوبي والمملوكي والتركي إنما تهدف حماية المسجد الأقصى المبارك من الغزاة الطامعين ومن المحتلين الغاصبين، وهي درعه الواقي وهي عبارة عن مدارس ومراكز للعلماء وطلاب العلم، فلا يجوز شرعاً أن تغتصب أي عمارة من هذه العمائر الوقفية لتكون كنيساً لليهود، ونحذر من الإقدام على هذه الخطوة العدوانية فهي فتنة هوجاء وضلالة عمياء، بالإضافة إلى أن هذه العمائر مقامة فعلاً على أروقة ولواوين المسجد الأقصى المبارك من الجهتين الشمالية والغربية فهي كلها وقف إسلامي.
عاشرًا: ثواب الذي يشدّ الرحال إلى الأقصى: تركزت هذه الفتوى، التي أصدرها الشيخ عكرمة في العام 1429هـ/2008م، على تذكير أهلنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس أن يحرصوا كل الحرص على الصلاة في المسجد الأقصى المبارك وعلى إعمار مدينة بيت المقدس خلال أيام الأسبوع وفي جميع الصلوات وليس أيام الجمع فقط إلا لأصحاب الأعذار والمسنين. وعلى الشباب أن يصلوا الجمعة في الموقع الذي يمنعون فيه من الوصول إلى المسجد الأقصى حالة منعهم ولهم كامل ثواب الجمعة إن شاء الله. وبهذا أفتي، والله تعالى أعلم. وحمل سلطات الاحتلال مسؤولية منع الشباب من الوصول إلى مدينة بيت المقدس بفرض الحصارات والحواجز الظالمة غير الإنسانية والتي تتعارض مع أوامر الله سبحانه وتعالى.
حادي عشر: وجوب النصرة وتحريم الخذلان: في العام 1431هـ/2010م أصدر الشيخ عكرمة هذه الفتوى على خلفية تصاعد وتيرة الاعتداءات  على المسجد الأقصى المبارك بخاصة، والأماكن المقدسة الإسلامية بعامة، مما يحتم على المسلمين، جميع المسلمين: حكاماً ومحكومين، وجوب العمل على نصرة هذه المقدسات، وحمايتها من المعتدين المحتلين، ورفع الأخطار المحدقة بها، فالنصرة واجبة شرعاً، كل حسب طاقته وإمكاناته، وحسب موقعه وحسب مسؤولياته، ويحرم التخلي والخذلان عن نصرة الأقصى والمقدسات وعن نصرة المرابطين في أرض الإسراء والمعراج.
يتبين من هذه العينة من فتاوى الشيخ عكرمة أنها تتوزع على طيف واسع ومهم من المجالات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، إذ تأتي الفتاوى لتكون "خارطة طريق" ترسم الملامح الرئيسة للمسار الذي على المواطن السير فيه بشكل أكثر أمانًا وطمأنينة؛ وهو يتكئ على رأي شرعي يستند إلى الفقه والشرع والشريعة السمحاء. كما أنها تضع حدودًا فاصلة وواضحة في كيفية التعامل مع الاحتلال وإجراءاته ومحاولاته اختراق الثوابت الدينية والوطنية للشعب الفلسطيني بشكل عام، وللمقدسيين على وجه الخصوص.


خطب الشيخ عكرمة في المسجد الأقصى المبارك- الخطبة التي أزعجتهم أنموذجًا:
ألقى الشيخ عكرمة خطبة في غرة ذي الحجة من العام 1440هـ (وفق 02/08/2019م) على منبر المسجد الأقصى المبارك. فتم استدعاءه من قبل مخابرات للتحقيق معه (أنظر الملحق (5)). وقد بدا الاستدعاء قيد النقاش، أكثر وضوحًا من الاستدعاءات السابقة للشيخ عكرمة، ويكشف عن استراتيجية الاحتلال في التعامل مع القدس والمقدسيين، فقد تبيّن أنه جاء على خلفيّة آخر خطبة ألقاها الشيخ عكرمة على منبر المسجد الأقصى المبارك. ومن أبرز ما جاء في هذه الخطبة أنها تعالج قضايا المجتمع المقدسي وفق الشريعة الإسلامية، ومما جاء فيها:
1)    وجوب المحافظة على الدماء والأموال والأعراض، وتحريم الخصومات والاقتتال بين المسلمين، وتحريم سفك الدماء وغصب الأموال وسرقتها، سواء أكانت أموالًا عامة أم أموالًا خاصة.
2)    تحريم الأخذ بالثأر وفورة الدم؛ لأن الدولة –أي دولة- في العالم ملزمة بالحفاظ على النظام العام وحماية أرواح المواطنين، وهي الملزمة أيضًا بإقامة عقوبة القصاص على القاتل العمد.
3)    وأما بشأن الأسرة، والعلاقة بين الأزواج، فقد أكد الشيخ عكرمة وجوب العناية بالنساء ووجوب المحافظة على حقوقهن، وخاطب الزوجات مطالبًا إياهنّ أن يحسنّ معاشرة الأزواج، ويحرم ثم يحرم اللجوء إلى الشرطة ضد الأزواج؛ فإن ذلك يؤدي إلى هدم الأسرة وتشتيت الأولاد. في الوقت نفسه فإنه يرفض استخدام العنف والقسوة بحق الزوجات والأطفال من قبل الأزواج والآباء.
4)    وجّه الشيخ عكرمة تحية احترام وتقدير لأهالي العيسوية بالقدس وأهالي العراقيب بالنقب لثباتهم وتمسكهم بأراضيهم وبيوتهم، وبحقوقهم المشروعة، ولرفضهم الظلم والممارسات الاحتلالية من القتل والاعتقال وهدم المنازل؛ بهدف تركيعهم وترحيلهم، فلن يركعوا ولن يرحلوا.
5)    وفي الشأن السياسي والحلول المطروحة بحق فلسطين، فقد وصفها الشيخ عكرمة بالاستسلامية، وملخصها حكم ذاتي للفلسطينيين، أي لا دولة في فلسطين.
6)    وأما بشأن المسجد الأقصى المبارك، فقد أشار الشيخ عكرمة إلى أنه لا يزال يتعرض إلى المخاطر من الاقتحامات اليومية، ومن الحفريات أسفله؛ مما يعرض بنيانه إلى التشقق وإلى الانهيارات. واستنكر ادعاءات اليهود المتطرفين التي لا تقوم على دليل، بل تستند إلى روايات زائفة ومزورة.
هذه ليست الخطبة الأولى للشيخ عكرمة على منبر المسجد الأقصى المبارك، وإنما تحمل الرقم (719)، وجميع خطبه لم تعجب الاحتلال ولم ترق له. ولعل ما أزعج الاحتلال ما في هذه الخطب من طيف واسع من القضايا المجتمعية والسياسية والعقدية.
لقد استدعي الشيخ عكرمة إثر ذلك للتحقيق، فماذا دار في هذا التحقيق؟[29]
الاحتلال يلاحق الشيخ الدكتور عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا:
لم يرق للاحتلال أن يرى على منبر المسجد الأقصى المبارك، وفي ساحاته وباحاته، من يصدح بكلام حق يواجه به الاحتلال ويفضح ممارساته التي تتناقض مع أخلاق الحروب والمحاربين. كما لم يرق للاحتلال أن تكون الهيئة الإسلامية العليا بهذا الزخم من الأنشطة والفعاليات المتنوعة. ولما كان الشيخ الدكتور عكرمة صاحب رؤى وحضارية على المستويات كافة؛ الدينية والفكرية والسياسية، فإنه من الطبيعي أن يقوم الاحتلال بتسليط الضوء عليه ومتابعة خطواته كافة، ويُتبع ذلك بوابلٍ من الإجراءات التعسفية بحق هذا القائد المقدسي الذي ترأس الهيئة الإسلامية العليا التي تذكرهم "دومًا" بأنها كانت صرخة حق مدوية، ويتصاعد دوّيها، دون توقف، منذ عشرات السنين.
سوف نسلط الضوء على الإجراءات الاحتلالية التعسفية واللاقانونية التي اتخذها للحد من أنشطة الشيخ صبري ومن أثره وتأثيره على الشارع المقدسي، والتي تظهر تفاصيلها في الملحقيْن: (2) و(3). فقد توزعت إجراءات الاحتلال على المجالات التالية:
أولًا: قرارات احتلالية عسكرية بالإبعاد عن المسجد الأقصى المبارك تهدف إلى حرمان الشيخ عكرمة من إلقاء خطب الجمعة، وأن لا يلتقي بالمصلين المسلمين، لتصور الاحتلال بأن في ذلك "تحريضًا وإخلالًا بالأمن العام!" حسب زعمهم[30].
ثانيا: قرارات احتلالية عسكرية بالمنع من السفر بحجة أن لا يتصل الشيخ بأي جهة معادية للاحتلال حسب زعمهم. ويتأكد ذلك من خلال "التهم!" التي بناء عليها يتم "تبرير!" قرار المنع الذي يمتد حتى بضعة أشهر[31].
ثالثًا: استدعاءات الشرطة الاحتلالية للتحقيق وهي عبارة عن محاولات بث الرعب والخوف في نفس الشيخ؛ بهدف ثنيه عن إصدار الفتاوى والخطب والمواقف الدينية والوطنية التي ترفض الاحتلال وتفضح ممارساته اليومية، وتحث المواطنين على الصمود والمواجهة، وشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك والمرابطة والاعتكاف فيه. وقد تم تنظيم جدول بهذه الاستدعاءات في الملحق (2).
إن جميع القرارات المذكورة أعلاه، وغيرها، هي قرارات تعسفية لا تستند إلى أي دليل أو حجة وليس فيها قرارات محاكم، وإنما يريد الاحتلال أن يستعمل أسلوب الإرهاب، وأسلوب (فرق تسد)، ويعاقب المواطن دون محاكمة.
وتعتمد هذه القرارات على قانون ظالم يعرف بـ (قانون الطوارئ) والذي صدر عام 1945م في فترة الانتداب البريطاني البغيض على فلسطين، وذلك ضد أهل فلسطين سابقاً، والآن يقوم الاحتلال بتطبيقه على أهل فلسطين أيضاً بشكل عام وعلى الأسرى بشكل خاص، وهي جميعها قرارات عسكرية ظالمة!
الاستنتاجات والنتائج
تأتي هذه الورقة في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إلى تشكيل إطار مقاوِم للاحتلال الذي تلتهم نيرانه بيت المقدس من كل حدب وصوب، وقد جاءت أيضًا انسجامًا مع أهداف وغايات المؤتمر الأكاديمي الدولي التاسع عشر لدراسات بيت المقدس "بيت المقدس اليوم: الاستمرارية والتغيير"، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على حال بيت المقدس اليوم لتفادي إنشاء واقع منقطع الصلة عن بُعده الوجودي الذي لا يسمح بتبني وجهة نظر مستقلة.
لقد جاءت الورقة ضمن محور "النضال والمقاومة". ولما كانت الهيئة الإسلامية العليا هي المؤسسة المقدسية الأولى التي أنشئت "أصلًا" رغم حراب الاحتلال وسطوته وقوته، والتي بذر بذرتها الأولى خمسة رجال مقدسيين أحرار بقيادة الشيخ عبد الحميد السائح، وعضوية كل من: الشيخ حلمي المحتسب، والشيخ سعيد صبري، والسيد حسن طهبوب والشيخ سعد الدين العلمي. وقد أجمع هؤلاء على رفض الأذان وإقامة الصلاة تحت حراب الاحتلال؛ مما اضطر الاحتلال على إنزال العلم عن قبة الصخرة المشرفة، وسحب جنوده من ساحات المسجد الأقصى وباحاته، كما كف يده عن مراجعة خطب المسجد الأقصى المبارك.    
تبين من هذه الورقة أن المقدسيين قد تمكنوا، بقيادة الخمسة المذكورين أعلاه، من سد الفراغ المفاجئ الذي تركته الحكومة الأردنية إثر حرب الخامس من حزيران في العام 1967، وذلك من خلال إنشاء الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس، التي كان له الدور البارز في المحافظة على إسلامية بيت المقدس وعروبتا، كما امتد أثرها ليشمل محافظات فلسطين الأخرى بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.
لقد تم تسليط الضوء على الأدوار التي قام بها رؤساء الهيئة الإسلامية العليا عبر الحقب الزمنية المتعاقبة، إذ تمتع كل رئيس منهم بقدرات عالية على مواجهة المحتل، وفق الاستراتيجية المرسومة منذ اللحظة الأولى للاحتلال في حزيران من تالعام 1967م.
ونظرًا لأن أطول فترة رئاسية للهيئة اختص بها الرئيس السادس سماحة الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري، تشكل ما يزيد عن الـ (40%) من عمر الهيئة، ولما امتازت به فترته الممتدة بين عامي (1998م و2019م) من كثافة الأحداث وزخمها، فقد تم تسليط الضوء على أنشطة الهيئة وفعالياتها في ظل قيادته لها، وأثر شخصيته الدينية والعلمية والفكرية على علاقته بالاحتلال الذي أخذ يلاحقه بشتى الأشكال والأساليب.
   فقد شكلت فتاوى الشيخ عكرمة، خلال فترة رئاسته للهيئة، سلاحًا دينيًا ووطنيًا في مواجهة الاحتلال الذي لا يتعامل مع بيت المقدس كمدينة محتلة، وإنما يرى فيها مدينة "يهودية" بكل المعايير، فيسقط عليها مجموعة من الأكاذيب والضلالات التلمودية التي إن لم يتم مواجهتها والتصدي لها فإن الوضع يكون كارثيًا. وهنا تأتي أهمية التأكيد على إسلامية المدينة وعروبتها بالاستناد إلى الإرث الفقهي والشرعي والتاريخي.
وأما على مستوى الأمة، فإن الشيخ عكرمة يضع أحرارها أمام مسؤولياتهم من حيث نصرة بيت المقدس والأقصى وفلسطين. إذ يذكرهم بتاريخهم المجيد، ويضعهم أمام فقه دينهم الحنيف الذي تتركز ذروته في قوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء: 1).
وقابل الاحتلال ذلك بإجراءات تعسفية هدفت إلى تلفيق ادعاءات باطلة ضد الشيخ عكرمة، منها: التحريض أو الارتباط بتنظيم القاعدة، أو تهريب أموال لتنظيم حماس، أو المشاركة في  مظاهرات ضد ممارسات الاحتلال الظالمة العنصرية. وغيرها من التهم الجائرة!!. وكانت سلطات الاحتلال، وأجهزته الأمنية المختلفة، تصر على تكرار تلك الادعاءات رغم عجزها عن إثبات أي منها.
ختامًا،
سوف تبقى الهيئة الإسلامية العليا في بيت المقدس مؤسسة مقدسية حرة قادرة على مواجهة الاحتلال ومقاومته وفضح ممارساته العدوانية، رغم ضيق اليد وصعوبة الحال والأحوال، راجين المولى عز وجلّ أن يسخر لها، في كل مرّة، قائدًا قادرًا على الاستمرار في ذلك وقادر على إحداث التغيير لصالح بيت المقدس والمقدسيين وفلسطين والفلسطينيين.


المصادر والمراجع
بنزيمان، عوزي (1976). بيت المقدس مدينة بلا أسوار. ترجمة محمد ماضي. وكالة أبو عرفة للصحافة. بيت المقدس.
الخطيب، أنور (1989). مع صلاح الدين في بيت المقدس - تأملات وذكريات. دار الطباعة العربية. بيت المقدس.
السائح، عبد الحميد (2001)، فلسطين –لا صلاة تحت الحراب-. مؤسسة الدراسات الفلسطينية. بيروت. لبنان. ط2.
صبري، عكرمة، والعصا، عزيز (2019). الهيئة الإسلامية ببيت المقدس: صحوة مبكّرة في مواجهة الاحتلال –في عامي 1967م و1968م أنموذجًا. غير منشور. ورقة مقدمة لمؤتمر "بيت المقدس: تحدّيات الواقع وإمكانات المواجهة". الجامعة الأردنية. عمان.
صبري، عكرمة سعيد (2018). سيرة ذاتية: محطات من سيرتي. غير منشور.
صبري، عكرمة (2013). أضواء على الهيئة الإسلامية العليا. نشرة صوت الهيئة. تصدر عن: الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس. بيت المقدس.
صبري، عكرمة (1974). فقيد الأمة المرحوم فضيلة الشيخ سعيد عبد الله صبري. مطبعة دار الأيتام الصناعية ببيت المقدس.
العلمي، سعد الدين (1984). وثائق الهيئة الإسلامية العُليا ببيت المقدس -24 تموز (يوليو) 1967م-31 كانون الأول 1984-. دار الطباعة العربية. بيت المقدس.
عناب، محمد رشيد (2012). بيت المقدس في مشاريع التسوية السياسية. دار الشيماء للنشر والتوزيع.
غانم، هنيدة (2012). السياسة الحيوية للاستعمار الاستيطاني انتاج المقدسيين كمارقين. مجلة قضايا إسرائيلية. عدد (47). المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار). رام الله. فلسطين. ص: 94-108. 
مواقع إلكترونية
مجموعة مؤلفين (2007). إنا باقون: نكبة حارة المغاربة في صور: أربعون عامًا تحت الاحتلال الإسرائيلي. إصدار: مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الاسلامية. أم الفحم. ص: 14-15. أنظر الرابط التالي (أمكن الوصول إليه بتاريخ: 18/02/2019م:
معجم المعاني. أنظر الرابط التالي (أمكن الوصول إليه بتاريخ: 08/04/2019):
موسوعة الجزيرة، على الرابط:
وزارة العمل الفلسطينية (2014). المستوطنات الإسرائيلية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية على الأراضي الفلسطينية وقطاع العمل. أنظر الرابط (تم الوصول إليه في 29/07/2017):
مؤسسو الهيئة الإسلامية العليا-بيت المقدس في 24 تموز (يوليو) 1967م
الرقم
الإسم
الرقم
الإسم
1
الشيخ عبد الحميد السائح/ رئيس محكمة الاستئناف
13
حسن طهبوب/ مدير الأوقاف
2
حلمي المحتسب/ عضو محكمة الاستئناف
14
عارف العارف/ مدير المتحف
3
سعيد صبري/ قاضي بيت المقدس
15
روحي الخطيب/ أمين بيت المقدس
4
أنور الخطيب/ محافظ بيت المقدس
16
المحامي كمال الدجاني
5
سعد الدين العلمي/ مفتي بيت المقدس
17
الدكتور صبحي غوشة
6
علي الطزيز/ رئيس الغرفة التجارية
18
المحامي العين ابراهيم بكر
7
المحامي العين عبد الرحيم الشريف
19
المحامي سعيد علاء الدين
8
المحامي عبد المحسن أبو ميزر
20
المحامي العين فؤاد عبد الهادي
9
الدكتور داود الحسيني
21
المحامي الأستاذ حافظ طهبوب
10
المحامي أنور نسيبه
22
المحامي عمر الوعري
11
اسحق الدزدار
23
القاضي حسن أبو ميزر
12
اسحق درويش
24
الأستاذ نهاد أبو غربية



الملحق رقم -2-
القرارات العسكرية الإسرائيلية الاحتلالية ضد الشيخ الدكتور عكرمة صبري بحسب التاريخ وماهية الإجراء
التاريخ
القرار
توضيح
19/11/2009م لمدة ستة أشهر انتهى في 18/05/2010
الإبعاد عن المسجد الأقصى المبارك
كان في حينها عائداً من الديار الحجازية لأداء مناسك الحج
في 12/05/2010م؛ لمدة ستة أشهر حتى 13/11/2010م.
الإبعاد عن المسجد الأقصى المبارك
أي قبل انتهاء القرار الأول، ومتواصل معه
من 08/03/2011م حتى 7/5/2011م
الإبعاد عن المسجد الأقصى المبارك

أربعة أشهر انتهت في 5/9/2007م بعد جهود من المحامي
المنع من السفر
لم يعلم إلا عند وصوله الجسر في 06/05/2007
من 28/03/2010م، لمدة ستة أشهر؛ حتى 27/9/2010م
المنع من السفر

من 13/03/2011م، لمدة ستة أشهر؛ حتى 12/9/2011م
المنع من السفر

من 02/06/2018م، لمدة ثلاثة أشهر؛ حتى 01/9/2018م
المنع من السفر



الملحق (3)
استدعاءات الشرطة الاحتلالية للشيخ عكرمة صبري خلال نحو نصف قرن
التاريخ
القرار
توضيح
06/11/1973م
استدعاء للشرطة من قبل مستشار وزير الشرطة الإسرائيلي بحجة أنه يرغب في التعرف الشيخ
حينما ألقى خطبة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك بعنوان (الغرور ومضاره) وأشار في الخطبة إلى غرور الاحتلال وتعسفه، وان الغرور سيقلب عليه. ألمح المستدعي (المحقق) إلى أن موضوع الخطب ينبغي أن تكون معتدلة ولا تدعو إلى التطرف ولا إلى التحريض!! فكانت إجابة الشيخ بأن خطب الجمعة مستندة إلى الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وأن ديننا العظيم ليس فيه أفراط ولا تفريط، وانه يدعو إلى الاعتدال أصلاً.
في عام 1980

استدعاء من قبل مستشار القائد العام للضفة الغربية
تركز التحقيق على كتاب "حقّنا في فلسطين" وهو من تأليف الشيخ عكرمة. ومما قال المستدعي (وهو أستاذ في الجامعات الإسرائيلية): أرغب في التعرف عليكم.. ثم سأل الشيخ: هذا الكتيب من تأليفك؟ فأجابه : نعم، وأخذ يناقش في مضمونه، وكانت إجابات الشيخ مستندة على وثائق وأدلة قوية.
في شهر  سبتمبر (أيلول) عام 2001م؛ أي بعيد أحداث سبتمبر مباشرة، والتي وقعت في أمريكا.
كان الاستدعاء من قبل الشرطة الإسرائيلية الاحتلالية بإيعاز من أمريكا.
كان الشيخ عكرمة قد دعا  في خطبة الجمعة بتاريخ 24/8/2001م قائلًا: اللهم جلل البيت الأبيض بالسواد[32].
قال له المحقق: هل قلت هذه العبارة؟ قال: نعم. قيل: لماذا قُلتها؟ قال: لأن السياسة الأمريكية متحيزة لإسرائيل، وكان الواجب على أمريكا أن تقف موقف الحياد. قيل له: ماذا تعني هذه العبارة؟ قال: أن يحصل حداد في أمريكا وأن ترفع العلم الأسود رمزاً للحداد.  قيل له: ما علاقتك بتنظيم القاعدة الذي يرأسه أسامة بن لادن؟ قال: لا علاقة لي بهذا التنظيم. قيل له: إنك في هذه العبارة تحرض ضد أمريكا. قال: هذه العبارة لا تفيد التحريض. قيل له: وكيف؟ قال: إن لفظ "اللهم" يعني يا الله فالجملة عبارة عن دعاء، وأن الدعاء موجه إلى الله عزّ وجل وليس موجهاً للجمهور، وبالتالي لا تحريض.
ثم قال: أما أن الله سبحانه وتعالى قد استجاب لدعائي فهذا أمر يتعلق بالله ولا يتعلق بي[33].
وعليه، لم تستطع الشرطة الإسرائيلية أن تثبت إدانته قانونياً، فأطلق سراحه في نفس اليوم.
في العام 2001 أيضاً

استدعاء من قبل المخابرات الإسرائيلية
كان قد شارك في مهرجان خطابي عقد في بيروت عام 2001م، وذلك بمناسبة مرور عام واحد على انتفاضة الأقصى التي اندلعت في أواخر شهر أيلول (سبتمبر) عام 2000م. بدعوة من القوى الوطنية والقومية في لبنان، وكان من ضمن المدعوين والمتكلمين السيد حسن نصر الله (الأمين العام لحزب الله) في لبنان أيضاً. وكان جلوسه بجانب الشيخ عكرمة على منصة الخطابة، مع الإشارة إلى أن مشاركته كانت بشكل مفاجئ له، وقد حضر في آخر لحظة من بدء المهرجان، وقد ألقى كلمتة ثم غادر المهرجان مباشرة.
عند عودة الشيخ إلى بيت المقدس كان هناك حملة إعلامية إسرائيلية احتلالية تحريضية ضده؛ لأنه شارك في هذا المهرجان الخطابي، ولأنه كان مع السيد حسن نصر الله على منصة الخطابة!!
وعليه فقد تم استدعاءه للتحقيق معه، وكان التركيز على مدى علاقته مع السيد حسن نصر الله ومع حزب الله؟! فكان جوابه: كنتُ مدعواً من قبل القوى الوطنية والقومية في لبنان، ولم تكن الدعوة من حزب الله، فكما أني مدعو إلى هذا المهرجان، فإن السيد حسن نصر الله كان أيضاً مدعواً له، وعليه فلا علاقة لي بحزب الله، ولا بالسيد حسن نصر الله، وبعد أسئلة كثيرة أثناء التحقيق أخلي سبيله!!
في العام 2002م

كان المحقق اليهودي معه من المتدينين اليهود، وفي بداية التحقيق أخذ المحقق يقرأ تقريراً باللغة العبرية، ويترجم له. ومفاد هذا التقرير أن الشيخ قام بتهريب أموال من الخارج لصالح حركة حماس!! فنفى هذه التهمة جملة وتفصيلاً، ولا أصل لهذه التهمة..
ثم قال لي المحقق: إنك في خطب الجمعة وفي لقاءاتك الصحفية تحرض ضد "إسرائيل"؟. فكان جوابه: إن ما تقوله حركة (ناطوري كارته) اليهودية أشد وأشد مما أقوله ضد سياسة الاحتلال، وكذلك فإن الأحزاب اليسارية الإسرائيلية تنتقد سياسة الاحتلال بلهجة أشد من انتقادي لها! ثم قال للمحقق: أرى أن تعتبرني في صف المعارضة التي تنتقد السياسة الاحتلالية، وعليه لا تحريض، وإنما اطالب بحرية الرأي والكلمة، ولا مجال للسكوت على الإجراءات العدوانية الإسرائيلية الاحتلالية ضد شعب فلسطين، وضد بيت المقدس والمقدسات.
توالت الاستدعاءات، منها:
في عام 2012،

قيل له في التحقيق: أنت شاركت في مظاهرة في حي وادي الجوز ببيت المقدس؟ قال: لم يحصل أن شاركت في أي مظاهرة في حي واد الجوز ببيت المقدس. قيل لي: يوجد شريط فيديو يُثبت أنك قد شاركت. قلتُ: ما هذا الشريط؟ فأحضر المحقق اليهودي جهاز الفيديو وأخذ يعرض الشريط، وإذ ظهر في الشريط صورة شخص على رأسه عمامة فقيل له: ها أنت! قال: لستُ أنا. وأصر المحقق أن يكون هذا الشخص الذي على رأسه عمامة. وبالمقابل فإنه كان مصراً على أن يقول: لستُ أنا.
ويأتي المحقق بعدة لقطات من الشريط، والشيخ على موقفه. وظهرت على المحقق اليهودي علامات النرفزة والإزعاج ويقول له: في كل مرة تقول: لست أنا!! فقال له الشيخ: إني لا أخاف إلا من الله عزّ وجل، فلو كنتُ فعلاً بالمظاهرة لاعترفت بذلك. ثم قال المحقق بشكل مفاجئ: مَنْ هذا الشخص؟ فقال: لا تسألني عن غيري. إن أردت أن تسأل فاسألني عن نفسي فقط. ثم قال للمحقق: الشريط لا يوحي بوجود مظاهرة، هو تجمع على مائدة الإفطار، إنهم صائمون صوماً تطوعاً يوم الخميس!! إلى هنا انتهى التحقيق وأطلق سراحي.
في 16/12/2015م
تم استدعاءه من قبل المخابرات الاحتلالية الإسرائيلية
وذلك حين كان راجعاً من جولة شاملة للأردن وقطر وتركيا، بدعوى التحريض في خطب الجمع التي ألقاها في المسجد الأقصى المبارك، وفي تصريحاته الصحفية حول الإجراءات الإسرائيلية الاحتلالية التعسفية بحق المسجد الأقصى المبارك، وبحق المقدسيين...
في 10/05/2018م
تم استدعاءه من قبل المخابرات الاحتلالية الإسرائيلية
وذلك بادعاء تعاونه من منظمات "إرهابية"!
في 26/08/2019م
تم استدعاءه من قبل المخابرات الاحتلالية الإسرائيلية
وذلك على خلفية خطبة ألقاها في المسجد الأقصى المبارك في 02/08/2019.










ملحق (5)
اقتحم جنود الاحتلال فجر يوم الإثنين بتاريخ 26 آب (أغسطس) من هذا العام (2019م) منزل سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري، وسلموه بلاغًا بالحضور للتحقيق لدى المخابرات "قسم 4" في مركز تحقيق "المسكوبية"، عند الساعة 12 ظهر نفس اليوم.
لم يكن التحقيق مع الشيخ عكرمة حول الشأن السياسي ولا العقدي، بل تركز على "تحريم توجه الزوجات إلى محاكم الاحتلال وشرطته"، فكان رد الشيخ حازمًا كحزم الخطبة نفسها؛ وهو أن الدين الإسلامي قد عالج قضايا المرأة والطفل والأسرة خير علاج، وأن المجتمع المقدسي ينتهج العديد من الآليات والأساليب التي يقوم بها عقلاء القوم وقادة المجتمع المقدسي؛ لمعالجة القضايا المجتمعية وفقًا للشريعة الإسلامية واللوائح والأعراف المجتمعية، بما يحافظ على الأسرة ويُبقي على الأطفال في كنف أبوين متفقيْن متحابّيْن. وأما التوجه إلى الشرطة فيشعل نيران العداوة والبغضاء بين الزوجين وبين عائلتيهما، مما يؤدي إلى طلاق الزوج لزوجته، وهذا يهدد وحدة المجتمع، ويجعل الأبناء في مهب رياح الفرقة والتشرذم والنزاع والخصام.
هكذا، جاء التحقيق وتسلسل وفق ما هو مبين في الملحق (2)، الذي يفصح فيه الاحتلال عن رؤيته لطبيعة العلاقة مع المقدسيين؛ بما يمكنه من التدخل في شأن الأسرة المقدسية، والتعرف على خصوصياتها وأسرارها. وبالتالي، فإن كل ما يعيق هذا التوجه الاحتلال من خلال قادة المجتمع المقدسي، يُفقد الاحتلال صوابه، ويجعله يتخبط كما فعل مع سماحة الشيخ عكرمة في الاستدعاء المذكور.
فيما يأتي نص التحقيق كما ورد بقلم سماحة الشيخ الدكتور عكرمة:
قبل دخولي إلى مبنى المخابرات جلستُ مع هيئة استشارية من المحامين المتطوعين وهم: جاد قضماني ومفيد الحاج وخالد زبارقة وحمزة قطينة ومدحت ديبة، حيث ناقشوا معي المحاور المتوقعة في التحقيق، ولكنني فوجئت حين التحقيق بتهمة غير متوقعة!! وهي تهمة (التحريض والإخلال بالأمن القومي) لماذا؟ لأني قد سبق أن ألقيتُ خطبة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك بتاريخ 2/8/2019م حيث تناولت فيها تحليلاً لخطبة الوداع التي ألقاها رسولنا الكريم الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- في موسم الحج السنة العاشرة للهجرة والمعروفة بـ(حجة الوداع أو عام الوداع) والتي شملت عدة مبادئ عامة، ومن هذه المبادئ: العناية في المرأة وحفظ حقوقها فيقول عليه الصلاة والسلام (...فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله) ثم قلت في خطبتي: يتوجب العناية في المرأة وحفظ حقوقها، ونرفض استخدام الزوج العنف والقسوة بحق زوجته، وبالمقابل فإنه لا يجوز شرعاً أن تلجأ الزوجة إلى الشرطة الاحتلالية ضد زوجها لأن هذا يؤدي إلى حبس الزوج، وبالتالي فإنه يؤدي إلى هدم الأسرة وتشتيت الأولاد وضياعهم.
وعليه فإن خطبتي لم ترق لسلطات الاحتلال حيث اعتبرت ذلك تحريضاً وإخلالاً بالأمن القومي!! لأن شرطة الاحتلال فسرت كلامي بأنه انتقاد لها وغمز بمهامها وتشكيك بأخلاقها. وكان جوابي واضحاً جلياً: إني رجل إصلاح بالإضافة إلى أني خطيب المسجد الأقصى المبارك منذ عام 1973م، ومن واجباتي التوفيق بين الأزواج حفاظاً على تماسك الأسرة وحماية للأولاد من التشتت والضياع. في الوقت نفسه فإني أرفض استخدام الزوج العنف والقسوة ضد زوجته، وفي حالة عدم قدرتنا على الإصلاح فإنه يمكن للزوجة أن تقيم دعوى ضد زوجها لدى المحكمة الشرعية وتطلب خلع الزوج أو تقيم دعوى (نزاع وشقاق) وهذا هو موقفي الواضح والثابت. ثم قلت في التحقيق أن الزوجة التي تلجأ إلى شرطة الاحتلال فإنها تهدم الأسرة بيدها وهذا مما يؤدي إلى ضياع الأولاد!! وانتهى التحقيق، ولم تتمكن المخابرات من أن تثبت أي تهمة ضدي. والله خيرٌ حافظاً. والله لن يتخلى عن عباده. ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
والحمد لله رب العالمين.






[1] رئيس لجنة الثقافة والإعلام في الهيئة الإسلامية العليا-بيت المقدس.

[2]  Head of the Culture and Information Committee of the Islamic Supreme Committee in Jerusalem.
[3] مجموعة مؤلفين (2007). إنا باقون: نكبة حارة المغاربة في صور: أربعون عامًا تحت الاحتلال الإسرائيلي. إصدار: مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الاسلامية. أم الفحم. ص: 14-15. أنظر الرابط التالي (أمكن الوصول إليه بتاريخ: 18/02/2019م: https://dspace.qou.edu/contents/0104/unit6/resources/pdf.pdf
[4] معجم المعاني. أنظر الرابط التالي (أمكن الوصول إليه بتاريخ: 08/04/2019): https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/هيئة/
[5] لا يُقصد هنا بيت المقدس الشرقية بمساحتها إبّان النكبة (البالغة 2220 دونمًا)، وإنما قام الحكم الأردني بتوسعتها في العام 1952م لتصبح (6500) دونم –بضم سلوان، ورأس العامود، والصوانة، وأرض السمار، والجزء الجنوبي من قرية شعفاط (عن: عناب (2012). مرجع سابق. ص: 13).
[6] غانم، هنيدة (2012). السياسة الحيوية للاستعمار الاستيطاني انتاج المقدسيين كمارقين. مجلة قضايا إسرائيلية. عدد (47). المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار). رام الله. فلسطين. ص: 94-108. 
[8] السائح، عبد الحميد (2001). فلسطين: لا صلاة تحت الحرب. مؤسسة الدراسات الفلسطينية. بيروت. لبنان.  ط2. ص: 78-82.
[9] السائح (2001). مرجع سابق. ص81.
[10] بنزيمان، عوزي (1976). بيت المقدس مدينة بلا أسوار. ترجمة محمد ماضي. وكالة أبو عرفة للصحافة. بيت المقدس. ص: 158-159.
[11] صبري، عكرمة (2013). أضواء على الهيئة الإسلامية العليا. نشرة صوت الهيئة. تصدر عن: الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس. بيت المقدس. ص: 13-14.
[12] انظر الملحق رقم -1-.
[13] أنظر: مطوية الهيئة الإسلامية العليا ببيت المقدس.
[14] صبري، عكرمة، والعصا، عزيز (2019). الهيئة الإسلامية ببيت المقدس: صحوة مبكّرة في مواجهة الاحتلال –في عامي 1967م و1968م أنموذجًا. غير منشور. ورقة مقدمة لمؤتمر "بيت المقدس: تحدّيات الواقع وإمكانات المواجهة". الجامعة الأردنية. عمان.
[15] العلمي، سعد الدين (1984). وثائق الهيئة الإسلامية العُليا ببيت المقدس -24 تموز (يوليو) 1967م-31 كانون الأول 1984-. دار الطباعة العربية. بيت المقدس. ص: 12-14.
[16] بنزيمان، عوزي (1976). بيت المقدس مدينة بلا أسوار. ترجمة محمد ماضي. وكالة أبو عرفة للصحافة. بيت المقدس. ص: 69-72.
[17] قراءة كتاب "المفتي الأكبر: الحاج أمين الحسيني، مؤسس الحركة الوطنية الفلسطينية"، لمؤلفه: تسفي إلبيلغ. مجلة الدراسات الفلسطينية. المجلد (6). العدد (21). ص: 156-161.
[18] صبري، عكرمة، والعصا، عزيز (2019). الهيئة الإسلامية ببيت المقدس: صحوة مبكّرة في مواجهة الاحتلال –في عامي 1967م و1968م أنموذجًا. غير منشور. ورقة مقدمة لمؤتمر "بيت المقدس: تحدّيات الواقع وإمكانات المواجهة". الجامعة الأردنية. عمان.
[19] السائح، عبد الحميد (2001)، فلسطين –لا صلاة تحت الحراب-. مؤسسة الدراسات الفلسطينية. بيروت. لبنان. ط2. ص: 87.
[20] السائح، عبد الحميد (2001)، فلسطين –لا صلاة تحت الحراب-. مؤسسة الدراسات الفلسطينية. بيروت. لبنان. ط2. ص: 89-93.
([21]) العلمي، سعد الدين (1984). وثائق الهيئة الإسلامية العليا (24 تموز 1967-31 كانون الأول 1984). دار الطباعة العربية. القدس.ص12.
[22] العلمي (1984) ص: 341-342.
[23] العلمي (1984) ص: 376-377.
[24] ورد ذلك في مقابلة أجراها الباحث مع م. محمد نسيبة في 20/09/2018م.
[25] ورد ذلك في مقابلة أجراها الباحث مع م. محمد نسيبة في 20/09/2018م.
[26] العلمي (1984) ص: 289، 341.
[27] صبري، عكرمة سعيد (2018). سيرة ذاتية: محطات من سيرتي. غير منشور.
[28] هذا ما أفتى به علماء فلسطين خلال عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، ووقع عليه في حينه علماء الأزهر الشريف في مصر وعلماء الشام والعراق والهند وغيره من أقطار العالم الإسلامي.
[29] انظر الملحق (5).
[30] انظر الملحق رقم -2-.
[31] انظر الملحق رقم -2-.
[32] - سبق له  أن دعا على أمريكا في خطب جمعة عدة مرات، فعلى سبيل المثال بتاريخ 25/1/1991م وفي 27/10/1995م,
[33] - إن المدة الزمنية بين دعائه ضد أمريكا وبين أحداث سبتمبر لم تتجاوز أسبوعين!!.

إرسال تعليق Blogger

 
Top