المقدسيون يحتضنون التاريخ
-المكتبة البديرية أنموذجًا-
مقدمة
إن
الحديث عن القدس يعني الحديث عن التاريخ بتفاصيله الدقيقة. فقد كانت هذه المدينة،
عبر التاريخ، في حالة يقظة تامة؛ إذ لم يسجل أنها نامت يوما أو غفت هادئة هانئة،
كما مدن العالم الأخرى، فهي مكان للصراع بين الحضارات المختلفة. وإذا استثنينا ما
قام به السفاحون والقتلة الذين أعملوا السيف في رقاب أهلها، كالصليبيين وغيرهم،
فإننا نرى فيها تراكم الحضارات وتزاحم التاريخ واكتظاظه، ما لم نره في أي مدينة
على هذا الكوكب. وهنا؛ نجد أنفسنا أمام السؤال الاستراتيجي: كيف نقيس أثر حضارة
ما، وكيف نتعرف على ملامحها المكانية والزمانية؟
كأني
بمن مروا على القدس، عبر تاريخها الطويل، قد أدركوا أهمية هذا السؤال مبكرًا. إذ
أنك تجد الإجابة عليه من خلال الحفر في الصخور، والنقوش والرسومات والكتابات التي
لا يكاد حجر في القدس يخلو منها، بشكل أو بآخر، والكتابة التوثيقية بأشكالها
المختلفة؛ على الجدران أو على الجلود أو على الورق. وأن كل من لم يفعل، واحدة على
الأقل من ذلك، يكون قد غاب وفقد حقه التاريخي في هذه المدينة المقدسة.
أما
الحضارة العربية الإسلامية، ومنذ خمسة عشر قرنًا، فإنها لم تغب عن المشهد المقدسي،
سواء كانت منتصرة ومتفوقة، أو كانت مهزومة على أيدي أعدائها الذين انتهزوا كل فرصة
للانقضاض عليها وإعمال السيف في رقاب أبنائها. وقد تمكن المسلمون، وهم أمة إقرأ،
من توثيق وجودهم بأشكال مختلفة؛ بدءًا بالحفر في الصخر والعمران وانتهاءً بالحرف
والكلمة المطبوعة.
ونحن
نحيا حالة الصراع الهوياتي على أرض القدس، في هذه الأثناء التي تتم فيها عملية
تزوير المكان والزمان، والسعي الجاد إلى تهويدهما بكل السبل، فإنه علينا مواجهة
ذلك بالبحث بين ثنايا تاريخنا المكتوب، الذي هو الشاهد الحي والصادق على الهوية
الحقيقية للقدس ذات الطابع العربي-الإسلامي. وهذا يعني التوجه إلى تلك المكتبات
التي حظينا بمن وفرها لنا، وانتزع محتوياتها من بين أنياب الضياع والاندثار.
في
فترات الهزائم والضياع، وبخاصة في فترة ما بعد القرن السابع عشر الميلادي، كانت
المكتبات العائلية أو الأهلية في فلسطين هي البصيص الثقافي الوحيد المشرق في القدس
خاصة وفلسطين عامة، ومنها ما كانت العائلات تغلق الأبواب على محتوياتها من الكتب
والمخطوطات، فينتهي أمرها إلى التشتت والضياع[1].
تضم
مدينة القدس عددا من المكتبات والخزائن، تم حصر أربعة عشر منها[2].
علمًا بأن هناك مجموعات متفرقة من المخطوطات، أغلبها اندثر أو نقل إلى أماكن أخرى
خارج فلسطين؛ وذلك بسبب الأحداث المأساوية التي مرت بها البلاد خلال العقود السبعة
الأخيرة[3].
إلا أن هناك ثلاث مجموعات رئيسية من المخطوطات، في القدس، وهي[4]:
مـجموعة مكتبة الـمسجد الأقصى الـمبارك التي يتم إعداد دراسة حولها للنشر في
الأعداد القادمة من المجلة (مشارف)، ومجموعة المكتبة الخالدية[5]،
ومـجموعة البديرية (مكتبة الشيخ محمد حبـيش) التي نحن بصددها في هذا العدد
(الثالث).
وكانت
المكتبة البديرية واحدة من المكتبات التي تحفظ لذلك البصيص ديمومته، إذ دأبت عائلة
البديري على جعل قيّم على المكتبة، ينتقل من جيل إلى جيل. وبالتالي، فلا بد لمن
يبحث في شأن المكتبة البديرية من التواصل مع القيّم عليها. وهذا ما فعلته؛ بأن
تواصلت مع السيد "عادل البديري"/ متولي وقف البديري والسيدة الشيماء
البديري/ أمينة المكتبة. بذلك؛ تمكنتُ من الاطلاع المباشر على المخطوطات والكتب
التي تحتضنها هذه المكتبة التي تشكل تحفة تاريخية. كما قمت بمراجعة فهرس مخطوطات
المكتبة البديرية الذي كان قد أعده "د. خضر سلامة" في العام 1987. ا أن
هناك مشروعًا لفهرسة جديدة، تضم آخر إحصائية دقيقة للمخطوطات المتوفرة في المكتبة.
المكتبة البديرية: قصة عائلة ومؤسسها
مؤسس المكتبة البديرية هو "الشيخ
محمد بن حبيش". وهناك تضارب في مكان ولادته؛ فهناك من يقول بأنه ولد في
المغرب عام 1747م، وقدم به أبوه إلى مصر وهو ابن سبع سنين، فالتحق بالأزهر عدة
سنوات، وصار من مشايخ الطريقة الخلوتية، ثم جاء إلى القدس، فاستوطنها[6]. إلا أن د. خضر سلامة
تحرى الأمر من مصادره، فتبين له أن عائلة الشيخ كانت
موجودة في القدس قبل مولده بنحو (150-200) عام، وأنه والده أخذه إلى مصر وهو في
العمر المذكور، وبقي هناك لمدة (30) عامًا، عاد بعدها إلى القدس في العام (1780م)، فاستقر في داره التي
اشتراها بجانب المسجد الأقصى، إلى أن توفاه الله، عن عمر ستين عامًا هجريًا (58
عامًا ميلاديًا)، في 20/11/1805م ودفن فيها[7].
وعندما زرت
مقامه الملاصق لباب الناظر؛ وهو واحد من أبواب المسجد الأقصى، وجدت ملصقًا عليه،
نصه: مقام سيدنا العلّامة الأوحد والفهامة الأمجد مولانا "الشيخ محمد بن بدير بن محمد بن محمود بن حبيش"
الشافعي المقدسي "جد عائلة البديري".. توفاه الله في القدس الشيريف رحمه
الله عام (1220هـ) وينتهي النص بعبارة: "قدس الله سرّه.. الفاتحة على روحه
الطاهرة.
يتضح من هذا
كله أن صاحب هذه المكتبة ومؤسسها كان عالمًا فذّا في عصره، حتى يبدو وكأنه قلّ
نظيره على المستوى الفقهي، حتى أنه قد وصل إلى تلك المستويات العلمية المتقدمة
التي لا يتفوق فيها عليه أحد من عصره؛ ويدل على ذلك اللقبين العلميين:
"العلّامة الأوحد" و"الفهامة الأمجد". وهذا يعني أن محتويات
هذه المكتبة هي من درر المخطوطات، التي يقل نظيرها على مستوى القدس، بل على
المستوى العالمي.
المكتبة البديرية: قصة المكان-الوقف وأهميته التاريخية
تشير البيانات
إلى أن "الشيخ محمد بن بدير"
ورث عن والده وعن شقيقه "مصطفى" أملاكًا وعقارات تتوزع على مجالات
متعددة، كما أنها تنتشر في جغرافيا واسعة، داخل القدس وخارجها؛ كالخليل ويافا وحتى
مصر التي ورث فيها وكالة صابون. كما أن عمله في التجارة أتاح له أيضا شراء عدة
عقارات كانت خربة، ومن ثم رممها وأصلحها وجعلها تعمل من جديد. أي أن "الشيخ محمد بن بدير" كان ميسور الحال وصاحب
أملاك وعقارات، فسهّل له هذا الوضع المادي المريح الاتجاه إلى التصوف طيلة حياته[8].
وأما المكتبة، التي نحن بصددها فإنها تقع في الطابق
السفلي من داره الملاصقة لواحد من أبواب المسجد الأقصى الواقع في الحد الغربي من
السور، وهو الباب الذي جدد في العصر المملوكي في عهد الملك المعظم شرف الدين عيسى
(1203م)[9]، يرجح أن يكون
قد بني في العصر الأموي (661-969م)، والذي حمل، عبر الحقب التاريخية المختلفة،
الأسماء التالية[10]:
1)
باب الناظر؛ نسبة إلى ناظر الحرمين الشريفين (القدس والخليل) الأمير علاء الدين
البصير، الذي أقام بالقرب من هذا الباب في العصر المملوكي.
2)
باب المجلس؛ نسبة للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، الذي كان يعقد
جلساته في المدرسة المنجكية (1361م).
3)
باب الحبس؛ بسبب استخدام "رباط المنصور قلاوون" المجاور
للباب كحبس في نهاية العصر العثماني.
لوحظ من وقفية "الشيخ محمد بن بدير"
ومن حصر الإرث، أنه كان من أثرياء عصره، وقد تم تسجيل حصر الإرث الخاص به بعد تسع
سنوات من وفاته[12]، وسلّم
ليد نجله "الشيخ عبد الله أفندي"[13] في (أواسط محرم 1229ه) الموافق (كانون الثاني من العام
1814م) [14]. وكان المرحوم
"الشيخ محمد بن بدير" قد
أوقف "جميع ما استخلف عليه من عقارات وأمتعة وأثاث ونحاس وغير ذلك"،
ومما ذكره في وقفيته: "وإذا انقرض ذوو رحمي جميعا ولا أفاوت بين ذكرهم
وأنثاهم جعلته وقفًا على صلحاء بيت المقدس"[15].
وأما المكتبة البديرية، التي هي ضمن الوقف الذري على أولاده وأولاد أولاده
وعلى طلبة العلم، فقد تأسست عام 1180هـ (1767م) في الطابق الأرضي من الدار
المعروفة بدار البديري، أو ما كان بعرف بالزاوية الوقائية عند باب الناظر بالبلدة
القديمة، مقابلة للمدرسة المنجكية (دائرة الأوقاف الإسلامية حاليا)، والتي تمتد
مساحتها من شارع علاء الدين شمالًا، وحتى وقف الشهابي جنوبا من رواق الحرم القدسي
شرقًا، وحتى رباط الكرد غربًا.
ويعود السبب في إنشاء تلك المكتبة، إلى أنه كان للمرحوم "الشيخ محمد بن بدير" حلقة دراسية في المسجد
الأقصى، إذ كان له مكرمة عبارة عن باب خاص يستخدمه للدخول إلى المسجد الأقصى
والخروج منه متى شاء. وعندما اكتشف أن طلبته لا يكتفون بما ينهلون من العلم , قرر
أن يشغل بيته لطلبته؛ فزودهم بالمراجع الإضافية التي تمكن هؤلاء الطلبة من استكمال
أبحاثهم[16].
المكتبة البديرية:
يبدو أن حال المكتبة البديرية مثل حال المكتبات العائلية الأخرى في القدس،
من حيث أنها فردية في تأسيسها وخدماتها. وقد تسلسل القيمون على الوقف (المكتبة جزء
منه) من آل البديري، كما يلي: 1) عبد الله (نجل الشيخ المؤسس)، 2) يعقوب بن عثمان
(حفيد الشيخ المؤسس)، 3) حامد بن عبد الله (حفيد الشيخ المؤسس)، 4) علي ثم عبد
الرحمن (حفيدا عثمان ابن الشيخ المؤسس)، 5) عبد الله بن توفيق بن حامد بن عبد الله
بن الشيخ محمد بن بدير، 6) عادل بن يوسف بن عارف البديري، حتى نصل إلى السيدة
الشيماء بنت عبد الله البديري؛ أمينة المكتبة حاليًا.
لقد مرت المكتبة البديرية بمرحلة من الإهمال و/أو عدم القدرة على متابعة
شئونها، وعدم قدرة على توفير متطلبات صيانة مخطوطاتها وكتبها، وعزز ذلك الظروف
الاستثنائية التي مرت بها القدس أواخر الحكم العثماني، وخلال فترة الانتداب
البريطاني التي انتهت بنكبة الشعب الفلسطيني ونهب كل ما تمكن الصهاينة من الوصول
إليه، من مخطوطات ومراجع ومصادر.
ولم يكن الوضع أحسن حالًا إبان الحكم الأردني الذي انتهى أمره بالنكسة في
العام 1967 التي أودت بالقدس في قبضة الاحتلال الإسرائيلي الذي حاصر أنفاس
المقدسيين، بخاصة أولئك القاطنين في البلدة القديمة، الذين كانوا بصمودهم شوكة في
خاصرة عملية التهويد المستندة إلى شراء الذمم بالمال الوفير، الذي صمد أمامه
القيّم على المكتبة المرحوم "عبد الله البديري" (توفي في العام 2011م)،
حتى آلت إلينا المكتبة وهي تحتضن ما تبقى فيها من كتب قيّمة، تتوزع على المحاور
التالية[17]:
أولًا: المخطوطات:
جمع الشيخ مكتبته خلال حياته، ومن الثابت أنه اشترى جزءًا منها في مصر،
عندما كان يدرس علوم الدين في الأزهر الشريف، وأحضرها معه عند عودته إلى القدس.
تضم هذه المكتبة، التي تمتلكها عائلة البديري عددا من المخطوطات تتوزع بحسب
أهميتها, على النحو التالي[18]:
1) 6 مخطوطات فريدة.
2) 26 مخطوطا نادرا على الأقل.
3) 18 مخطوطا نُسخت بخط المؤلف.
4) 9 مخطوطات نسخت بخط المؤلف
ترجيحا.
5) تقدر المخطوطات الموجودة من تأليف الشيخ المؤسس بحوالي
136 مخطوطًا.
6) مخطوطات أخرى غير نادرة, لكنها تكتسب أهمية كبرى من جهة
التمليك، فبعضها كان بحوزة ابن حجر العسقلاني، وابن هشام الأنصاري، والمرتضى
الزبيدي، وعبد الله الشرقاوي، وعلي بن يشرط التونسي الحسيني, إضافة إلى سبعة قضاة.
7) هناك سبعة مخطوطات كانت موقوفة على مساجد وثمانية على
طلبة العلم واثنان على مدرسين.
من جانب آخر؛ هناك مخطوطات وصلت إلى المكتبة في عهد الشيخ نفسه، عن طريق
الاستنساخ أو الإهداء أو الوقف، أو ومن خلال ما يمكن تسميته بالتبادل الثقافي بين
المتعلمين في تلك الفترة، سواء في البلد الذي يعيشون فيه أو في خارجه. ويبين
الجدول رقم -1- تلك المخطوطات، بحسب مصدرها[19].
الجدول رقم -1-
بعض مخطوطات المكتبة البديرية بحسب اتجاه حركتها حتى
استقرت في المكتبة[20]
العدد
|
المصدر
|
العدد
|
المصدر
|
4
|
مكتبة حسن الحسيني الخلوتي
|
5
|
اشتراها محمد (حفيد الشيخ)
|
6
|
مكتبة الشيخ محمد الخليلي
|
5
|
نسخها محمد الدنف الأنصاري
|
8
|
عبد الحي جار الله اللطفي
|
3
|
عامر بن نعير العانيني(أجزاء من شرح الروض)
|
9
|
اشتراها عبد الله (ابن الشيخ)
|
غير معلوم
|
تعود لدار الخالدي والحسيني
|
أما عند التصنيف بحسب موضوع المخطوط، فقد وجد أن المكتبة البديرية تضم (1177)
مخطوطًا موزعة كما في الجدول رقم -2-، وقد قسمت على (15) موضوعًا.
الجدول
رقم -2-
توزيع مخطوطات المكتبة البديرية بحسب الموضوعات
الموضوع
|
العدد
|
الموضوع
|
العدد
|
المصاحف
|
9
|
العقيدة
|
93
|
علوم القرآن
|
46
|
الأدب
العربي
|
206
|
التفسير
|
30
|
التاريخ
|
43
|
الحديث ومصطلحاته
|
57
|
الفلسفة
والمنطق
|
39
|
الآداب
الشرعية والأذكار
|
210
|
أدب
البحث والمناظرة
|
13
|
مدائح
النبوية وصلوات محمدية
|
65
|
الرياضيات
|
15
|
الفقه
|
226
|
الفلك
وملحقاته
|
48
|
موضوعات متفرقة
|
77
|
||
المجموع 1177 مخطوطًا
|
يتضح من هذا الجدول أن أكثر المخطوطات في المكتبة البديرية ذات صلة بالفقه،
والآداب الشرعية والأذكار، والأدب العربي، يليه العقيدة... وهكذا.
وأما عند التصنيف بحسب العصر الذي كتبت فيه، فقد وجد أن الـ (1177) مخطوطًا
التي تضمها المكتبة البديرية تتوزع بين القرنين السادس الهجري (الثاني عشر
الميلادي) والرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي). وتبين أن أقدم مخطوط, وهو
"الرسالة القشيرية" لأبي القاسم القشيري، ويعود نسخها إلى سنة (562هـ)
أي 1167م، أما أحدثها، وهي: "الإسفار عن نتائج الأسفار"، فيعود إلى
العام (1320هـ) أي 1902م؛ مطلع القرن العشرين.
ثانيًا: الدشت:
إذ تحتوي المكتبة
البديرية على أعداد هائلة من الدشت؛ وهي مجموعة من أوراق متفرقة ومبعثرة من
المخطوطات، ويجري العمل على ترميمها والاستفادة منها. وقد تم تجميع ما يزيد عن
(400) مخطوطة من هذا الدشت، خلال الفترة 2004-2010 بإشراف وجهود كل من البديريين:
عادل والشيماء وراغب.
ثالثًا: الكتب المطبوعة:
تحتوي المكتبة
على عدد محدود من الكتب المطبوعة، باللغات: العربية، والتركية، والفارسية
والانجليزية. ويعود القسم الأكبر من هذه المطبوعات إلى أواخر القرن التاسع عشر
وبداية القرن العشرين، وقد غلبت أعداد الكتب التركية على الكتب العربية في هذه
الفترة. ومن الجدير ذكره أن الكتب التركية هي عثمانية؛ مكتوبة بحروف عربية وليس
لاتينية، كما أن هناك كتب من عهد طباعة الحجر؛ حيث يحفر الحرف على الحجر، وهي
مرحلة ما بعد المخطوطات[21].
الجدول رقم -4-
توزيع كتب المكتبة البديرية بحسب الموضوعات
الموضوع
|
عدد
الكتب
|
الموضوع
|
عدد الكتب
|
المصاحف
الشريفة
|
5
|
اللغة
العربية
|
195
|
علوم
القرآن
|
45
|
التاريخ
|
43
|
العقيدة
والتصوف
|
62
|
اداب
|
93
|
التفسير
|
31
|
فلسفة
|
195
|
المجموع (669) كتابًا
|
ثالثًا: مخطوطة تم رؤيتها:
هناك مخطوطة تعود للإمام ابو حامد الغزالي، الذي كان
يقطن في الغرفة الغزالية خلف باب الرحمة في مدينة القدس المطل على مقبرة باب
الرحمة والمدفون بجانبها الصحابيان: عبادة بن الصامت وشداد بن أوس ولا زالا
قبراهما إلى الآن شاهدين على إسلامية القدس وعروبتها. وتشكل هذه الغرفة (الغزالية)
الآن مقرًا للجنة الزكاة المركزية التابعة للأوقاف الإسلامية.. وقد قدر لي، في يوم
الجمعة بتاريخ 05/09/2014م، مقابلة السيدة "الشيماء البديري" أمينة
المكتبة البديرية، والاطلاع على واحدة من مخطوطاته رحمه الله، وهي:
الموضوع: الفقه الشافعي الرقم:
342/374
العنوان: إحياء علوم الدين
المؤلف: الغزالي, أبو حامد محمد بن
محمد (ت 505/1111)
المحتوى: فروع الفقه الشافعي مع
التركيز على الأخلاق والتزكية.
تأريخ النسخ: ق 10هــ .
عدد الأوراق: 528.
عدد الأسطر: 31.
مساحة الورق: (32,8سم
×21,2سم).
مساحة النص: (21,5سم ×
13سم).
أوله: البسملة قال ... أحمد الله
أولا حمدا كثيرا؟ وإن كان يتضاءل دون حق جلاله حمد الحامدين وأصلي على رسله
ثانيا...
آخره: ... فإن الله تبارك وتعالى
أرحم بكم جميعا من هذه بابنها فتفرق المسلمون على أفضل السرور وأعظم البشارة فهذه
الأحاديث وما أوردناه في كتاب الرجاء يبشرنا بسعة رحمة الله ... أن لا يعاملنا بما
نستحقه ويتفضل علينا بأهوان منه وسعة رحمته إنه غفور رحيم.
تمليك: مهر عبد العزيز خان, مع
ختمه "الواثق بالله الملك المنان عبد العزيز المسند العالي آصف خان في شوال
1137" . مهر فريدون. عبيد بن محمد الشامي سنة 1195, مع ختمه. وقف محمد بدير.
ملاحظات: بحالة جيدة. الخط نسخي
متقن صغير جميل. الحبر أسود, رؤوس الموضوعات بالأحمر والأزرق والذهبي. رسومات
ذهبية وزرقاء جميلة أوله. ورق رقيق. النص داخل إطار مذهب. رطوبة قليلة أوله.
الغلاف بحالة جيدة, الغلاف من الجلد، وهو بحالة جيدة محفور فيه حبرة ودلِاّيتان مذهبتان، وهو يحمل الرقم
374 في المكتبة البديرية.
وأما ما شاهدته بأم عيني فهو:
1)
أول ما تفتح المخطوطة تجد ثابتاً من ثوابت مخطوطات
البديرية، وهو النص التالي:
"من وقف الشيخ محمد بن بدير على اولاده واولاد اولاده ثم على طلبة العلم
بالمسجد الاقصى ومقره الخلوة بداره".. وهي
عبارة ثابتة كتوقيع له تشاهده على جميع مخطوطات المكتبة البديرية"
2)
الصفحة الأولى، ورؤوس الموضوعات مزينة بالألوان: الذهبي
والازرق وباشكال هندسية تتكرر بما يريح النظر وينعش الفؤاد ويبث الأمل في النفس..
3)
تبدأ المخطوطة بالسجلّة المتبوعة بــ: قال الشيخ .... ثم
تبدأ اجزاؤها بالتتابع، وهي فروع في الفقه الشافعي مع التركيز على الأخلاق
والتزكية، منها:
باب بعنوان: كتاب أسرار الطهارة من ربع العبادات؛ والتي يتحدث فيها عن تطهير الظاهر
من الأحداث والأخباث والفضلات وتطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والرذائيل
الممقوتة وتطهير السر عما سوى الله وهي طهارة الأنبياء والصديقين (ص44 ب ).
الباب التاسع، بعنوان: الأذكار والدعوات من ربع
العبادات، ويتفرع منها أبواب عدة, منها: في فضيلة الذكر وفائدته جملة وتفصيلاً وفي
أدعية مستحبة من الأدعية المأثورة (ص104ب).
هناك باب يقع في أواخر المخطوطة (ص541ب)، بعنوان: كتاب التفكر من ربع المخبيات يتحدث
فيه عن فضيلة التفكر، يشير فيه أن قد ورد في السنة بأن تفكر ساعة ضر من عبادة سنة وكثير الحث في كتاب
الله على التدبر والاعتبار والنظر والأفكار, ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار
ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم وأكثر الناس قد عرفوا
فضله ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره وبنوده ومجراه وفرحه وطريقه ثم يتحدث
عن فضيلة التفكر، يقول الغزالي: أمر الله عز وجل بالتفكر والتدبر ثم ينتهي الغزالي
في مخطوطته هذه في (ص582أ).
آخر أبوابه، باب في حقيقة الموت وإلقاء الميت في المقبر إلى نفحة الصور (564ب)
4)
من الجدير ملاحظته أن كل باب ينتهي بملخص على شكل هرم مقلوب.
يقوم على إدارة
وقف آل البديري والمكتبة هينة إدارة، تتألف من:
1)
عادل البديري؛ متولي وقف البديري وعضوية كل من: ممدوح
البديري وتوفيق البديري.
2)
راغب البديري/ المدير المالي والإداري.
3)
السيدة الشيماء عبد الله البديري أمينة المكتبة.
ويحسب علم القائمين على هذا الوقف الآن؛ فإنهم لم يرثوا لها موازنة من الدولة،
وإنما الاعتماد على أبناء العائلة وبعض المساعدات البسيطة. وأن جميع القائمين على إدارة
الوقف والمكتبة متطوعون؛ ولا يتقاضون أي أجر، ويعتبرون ذلك من ضمن واجباتهم، فرادى
وجماعة, اتجاه التاريخ العريق الذي تحتضنه هذه المكتبة والذي يمتد إلى عمق ثمانية
قرون من الزمن.
وإن الهيئة الإدارية لوقف آل البديري يطالبون صانعي القرار، في المجالات
المعرفية والعلمية والثقافية، وعلى المستويات: الوطنية، والعربية والإسلامية التعامل
مع هذه المكتبة كإرث وطني وديني وإنساني. وأما المطلوب فهو رصد الموازنات الكافية
للمحافظة على هذا الإرث العظيم، وتطويره وإعادة توثيقه بالطرق الالكترونية
الحديثة، بما يضمن الإبقاء على محتويات المكتبة من مخطوطات ومراجع وأمهات الكتب،
كما هي؛ دون ضياع أي حرف منها.
وعلى ذلك؛ فإن من الأمور المستعجلة والحيوية جداً إعداد نشر فهرس مخطوطات
جديد للمكتبة البديرية تضمن المخطوطات التي تم تجميعها من خلال فحص أوراق الدشت
والتي بلغت عند حصرها (400) مخطوطة, ليصبح مجموع مخطوطات المكتبة البديرية أكثر من
(1,166) عنوانًا. وهناك مشروع، قيد العمل وهو انجاز فهرس جديد للمكتبة البديرية
ليشمل مخطوطاتها كافة.
ولنا كلمة،،
إذا كان لا بد
من النظر إلى نصفي الكأس للمكتبة البديرية، فإنه يمكنني القول بأنني أتفق مع من
يقرع الخزان من الداخل؛ لكي يوصل صرخة مخنوقة تفيد بأننا نعاني من كارثة ثقافية
وهوياتية في صراعنا مع عملية التهويد التي أخذت نيرانها تلتهم حجارة القدس الصلبة
وتلالها ووديانها وعماراتها ومبانيها التاريخية، فما بالك بالورق الهش وما يحمل من
تراث حضاري؟
والمقصود من
هذا القول أن تلك الكتب القيّمة، بم تحتوي من معلومات ووثائق وبيانات هي واحدة من
الأدوات والوسائل التي تؤكد الهوية العربية والإسلامية للقدس التي فيما لو وصلت
إليها يد الاحتلال، لا سمح الله، فإنها ستكون خسارة وطنية ودينية وإنسانية ستضاف
إلى ما الهدر المخيف والموجع الذي يعاني منه وجودنا الحضاري في هذه المدينة
المقدسة التي، وإن احتلت ودمرت عبر التاريخ، إلا أنها بقيت بهوية عربية كنعانية
واضحة وضوح الشمس.
وعليه؛ فإنني
أضم صوتي إلى صوت الهيئة الإدارية لوقف ومكتبة آل البديري، وأضيف على ذلك أن
المنظمات الدولية ذات الصلة بالحقائق التاريخية، وتلك المتخصصة في توثيق عناصر
ومكونات التراث العالمي كاليونسكو وغيرها، يتحملون وزر ما يجري من تلف و/أو ضياع
للحضارة الإنسانية، وحفظها من السرقة والتزوير والاختلاس.
ونحن في هذه
الأجواء من الاحتقان، حرصًا على تراثنا الحضاري ببعديه؛ الوطني والإنساني، فإنني
لا أستطيع إخفاء ما ألمسه من تطور مستمر وتحسين في الأداء المتعلق بالمكتبة
البديرية، التي أتردد عليها منذ العام 2009، والتي أقرأ في عيون القائمين عليها
الإصرار على المحافظة على كل "قصاصة" مهما صغرت[23].
وقد استجاب
لهذا الإصرار أبناء عائلة البديري، وإلى جانبهم العديد من الخيرين الذين يوفرون،
ما أمكنهم، من أجل وقف الهدر في محتويات المكتبة، وتطويرها، الذي يجري على قدم
وساق؛ لكي تصطف إلى جانب المكتبات العائلية والعامة التي يتم إحياؤها في القدس.
كما أنني أنهي
بالقول: إننا بحاجة إلى استراتيجية وطنية يتم من خلالها نقل هذا النوع من
المكتبات، من الإطار العائلي أو الفردي، إلى الإطار الوطني الذي تصبح فيه أبوابها
مشرعة للباحثين والدارسين، وتوظيفها بأعلى مستويات المسؤولية في الحرب الهوياتية
التي يخوضها الفلسطينيون بشكل عام، والمقدسيون بشكل خاص، في مواجهة عملية التهويد
التي تهب نيرانها علينا منذ أكثر من قرنين من الزمن.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 15/11/2015م
[1] سلامة، خضر (1987). فهرس
مخطوطات المكتبة البديرية. مطابع دار الأيتام الإسلامية. القدس. لندن. ص: 3.
[2] انظر: تقديم وليد الخالدي في: الجعبة، نظمي (2006). "فهرس
مخطوطات" الخاص بالمكتبة الخالدية/ القدس. تقديم: وليد الخالدي. تحرير: خضر
إبراهيم سلامة. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. لندن. صص: 24-25.
[3] انظر: مقدّمة المُفهرس في: الجعبة، نظمي (2006). "فهرس
مخطوطات" الخاص بالمكتبة الخالدية/ القدس. تقديم: وليد الخالدي. تحرير: خضر
إبراهيم سلامة. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. لندن. صص: 52.
[5]
العصا، عزيز (2015). المقدسيون حرّاس الحرف
والورقة -المكتبة الخالدية نموذجًا-. مجلة "مشارف مقدسية"، العدد
الثاني، صيف 2015، ص: 13-22.
[6] انظر: الموقع الالكتروني لمؤسسة الأقصى للوقف والتراث، موسوعة المقدسيين،
الرابط التالي (أمكن الوصول إليه بتاريخ: 22/08/2015): http://www.iaqsa.com
[7] سلامة، خضر (1987). فهرس
مخطوطات المكتبة البديرية. مطابع دار الأيتام الإسلامية. القدس. لندن. ص: 4-6.
[9] دليل المسجد الأقصى
المبارك (الحرم الشريف). إصدار: الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك
وقبة الصخرة المشرفة. كانون الثاني (2015). ص: 48.
[10] النتشة، يوسف (2002).
المسجد الأقصى المبارك (كتيب رقم -2-). صدر عن مؤسسة التعاون-المكتب الفني لإعمار
البلدة القديمة في القدس،
ص: 4.
[11] المعالم الإسلامية. مركز
المعلومات الوطني الفلسطيني. انظر الرابط التالي (أمكن الوصول إليه بتاريخ:
23/08/2015م):
[12] كان قد تولى الوقف السيد
يعقوب محمد أفندي المغربي. وعندما توفي تم نقل التولية لـ "عبد الله"
نجل الشيخ "محمد بن بدير".
[13] ورد ذكر اسمه خلال ثورة
العام 1834م على حكم المصريين للقدس، وكان من بين وجهاء القدس الذين اصطحبهم
"إبراهيم باشا" إلى يافا لملاقاة والده "محمد علي باشا"، ومن
ثم نقل إلى عكا فمصر؛ لأنه كان من نشيطي الثورة المذكورة، وقد عاد إلى القدس وعاش
فيها سنوات طويلة، ثم تنازل عن وظيفة التولية على وقف آل البديري لـ "يعقوب/
ابن أخيه عثمان"، وتنازل عن النظارة لإبنه "حامد" (انظر: سلامة،
خضر (1987). مرجع سابق، ص: 19).
[16] ورد ذلك في مقابلة خاصة مع
السيدة "الشيماء البديري"؛ أمينة المكتبة البديرية، بتاريخ:
25/07/2013م.
[21] تعززت هذه المعلومات من
خلال المقابلة الخاصة مع السيدة "الشيماء البديري"؛ أمينة المكتبة
البديرية، بتاريخ: 25/07/2013م.
[22] تم تشخيص واقع المكتبة
البديرية من خلال المقابلة الخاصة مع السيدة "الشيماء البديري"؛ أمينة
المكتبة البديرية، بتاريخ: 25/07/2013م. وكذلك من خلال اللقاء الذي تم مع السيد "عادل البديري" في
1/9/2015م.
[23] قام الباحث في عامي 2009 و2010 بمقابلة المرحوم "عبد الله بن توفيق بن
حامد بن عبد الله بن الشيخ محمد بن بدير" (توفي بتاريخ: 05/06/2011م) ثلاث
مرات، ووثق لذلك بمقال نشر في صحيفة القدس، بعنوان: المقدسيون: بيوتنا ملك الأمة،
بتاريخ: 13/07/2011م، ص: 44.
إرسال تعليق Blogger Facebook