المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى المبارك: مخزن للذاكرة المقدسية على مدى عشرة قرون من الزمن بقلم: عزيز العصا

المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى المبارك:

مخزن للذاكرة المقدسية على مدى عشرة قرون من الزمن

نشر في صحيفة القدس بتاريخ: 19/12/2016، ص: 18

عزيز العصا

aziz.alassa@yahoo.com

http://alassaaziz.blogspot.com/

مقدمة

يشير الدكتور يوسف النتشة في كتابه "مسارات وجولات من السياحة الرديفة في مدينة القدس"، الصادر عن التجمع السياحي المقدسي في العام 2013، إلى أن المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى يشكل المحطة السابعة من محطات مسار الإسراء والمعراج، الذي يبدأ بقبة الصخرة المشرفة وينتهي بحائط البراق، مرورًا بقبة السلسلة والبائكة الشرقية والمصلى المرواني والأقصى القديم والجامع الأقصى.

بهدف البحث والكتابة حول هذا المتحف، توجهت إلى الشيخ عزام الخطيب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس الشريف الذي أشار عليّ بالتوجه إلى د. يوسف النتشة مدير دائرة السياحة والآثار الذي فوّض المهندس عرفات عمرو أمين المتحف الإسلامي بالتحدث عن المتحف، فكان لي معه عدة لقاءات تم فيها العودة إلى جذور هذا المتحف الذي تم تأسيسه في العام 1922م من قبل المجلس الإسلامي الأعلى، كما تم وصف المبنى والمقتنيات، بما يشير إلى أن المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى هو المرآة التي تعكس تاريخ  البلدة القديمة في القدس وتوثق لتطور مسيرة  المسجد الأقصى نفسه، وأنه مشمول بالرعاية الملكية الهاشمية، مثله مثل بقية أركان المسجد الأقصى، وقد مر، مؤخرًا، بمشروع مهم شمل إعادة تسجيل وتوثيق التحف الكترونيا إضافة إلى التسجيل الكتابي.

المبنى والمقتنيات

لا شك في أن للمبنى الذي يشغله المتحف أهمية بالغة ذات دلالات تاريخية وعمرانية وعقائدية، إلا أن  قيمة المتحف وأهميته ودوره في الرواية الدينية والوطنية تتركز فيما يقع بين جدران هذا المبنى من مقتنيات وموجودات، هي ملك مطلق للمتحف، تتمتع بالأصالة والتفرد للغالبية العظمى منها. وتُصنّف تلك المقتنيات إلى ما يلي:

1)      الوثائق: إذ يحتوي المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى على (950) وثيقة مكتوبة بخط اليد، تعالج  مواضيع مختلفة، مثل: البيع والشراء وللعقود، والوقفيات وغيرها.

  

2) المخطوطات القرآنية: وهي مصاحف شريفة، عبارة عن مجموعات المصاحف والربعات التي تجمعت في المسجد الأقصى عبر الحقب الإسلامية متعاقبة، وأقدم تلك المخطوطات هو نسخة من المصحف بالخط الكوفي تعود إلى القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي).

3)     المقتنيات الخشبية: يقدر عددها بمائتي قطعة، من مختلف الأنواع والأشكال، تعود لفترات إسلامية مختلفة. ومن بينها بقايا منبر صلاح الدين الأيوبي  الذي تم حرقه عام 1969م.

قطع من الأخشاب الأموية أحضرت من الرواق الأوسط للمسجد الأقصى المبارك

4)   المقتنيات المعدنية: مصنوعة من النحاس أو الحديد أو البرنز الإضافة إلى صفائح من الألومونيوم, كالقدور والأسلحة والطاسات والأواني بأشكالها المختلفة.

5)     المقتنيات الفخارية: التي يلاحظ أن لكل منها طريقة للعمل والنمط الخاص به، وكلما كان الفخار أقدم في الصنع كان أكثر إتقانًا وألوانه ورسوماته أكثر دقة وتحديدًا.

6)     المقتنيات الزجاجية: كالأواني الزجاجية، بجمالياتها الأخاذة، وتوزيعها على القوارير الزجاجية كالمدامع، والقناديل، والمكاحل والصحون وغيرها، ويوجد في المتحف قنديل مسجد من الزجاج يعود إلى الفترة المملوكية، وبالتحديد إلى الأمير تنكز (قبل العام 1340م). كما يوجد ثريا عثمانية تحمل عشرات القطع الزجاجية للتزيين، وإعطاء منظر جمالي يعكسه الضوء الصادر عن الشموع.

7)      المقتنيات القاشانية: وهي نوع من الفخاريات التي تعود إلى "قاشان" في إيران، والمصطلح المعاصر لها هو "السيراميك"، وتعود إلى فترات مختلفة. وفي العام 1964م استبدل القاشان بالرخام.

8)     المقتنيات الحجرية: كالنقوش الحجرية المزخرفة والمكتوبة والبارزة, وتتمتع تلك النقوش بأهمية قصوى للباحثين والدارسين وللمهتمين؛ إذ أنه من خلال الكتابات أو النقوش أو الزخارف الموجودة في محيط المسجد الأقصى يمكن تقدير أعمار الأبنية والأماكن المختلفة من المسجد التي تنتمي إليها تلك الحجارة.  

9)      المقتنيات القماشية والمنسوجات التي أشهرها: قطع  من كساء الكعبة المشرفة ؛ التي كانت تحاك في مصر وتهدى قطعة منها إلى المسجد  الأقصى سنويا لإبراز العلاقة الدينية والتاريخية بين المكانين  المقدسين  الكعبة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك. كما يحتوي المتحف الإسلامي نماذج من  الألبسة كالقطع الفريدة من مقتنيات زوجة حاكم القدس يعقوب باشا في العام 1830م، ولباس الشيخ محمد الحنبلي (عام 1734م) مفتي القدس  والخليل  وهي عبارة عن: الجبة، والقبعة، والحذاء.

المتحف الإسلامي –المسجد الأقصى المبارك-: متحف فلسطيني عالمي بلا منازع

بالاطلاع على تلك المقتنيات، والتمعن فيها من حثي قيمتها التراثية، ووفق ما يشير إليه م. عرفات عمرو يتضح أن المتحف الإسلامي هو المتحف العالمي الوحيد على مستوى فلسطين, من حيث: القيمة التاريخية والنوعية للقطع  التي يحتويها المتحف وأصالتها، وتفردها، وندرتها، والتي توثق لتاريخ القدس القديمة بشكل عام، والمسجد الأقصى المبارك بشكل خاص. كما تتميز تلك القطع بتنوّع البلدان التي أحضرت منها؛ مما يعني أننا أمام حالة من التزاوج الحضاري الذي أنتج تلك الموجودات التاريخية التي تحفظ الحضارة الإنسانية وتوثق لها.

المتحف الإسلامي وصراع الهوية

رغم الحقائق القرآنية والتاريخية الدامغة التي تؤكد على ملكية المسلمين للمسجد الأقصى المبارك، ورغم أن أيًا من الديانتين الأخريين لم تدّع ملكيته، الكلية أو الجزئية، إلا أن الحركة الصهيونية، ومن أسسها وأسندها ووظفها لصالحه من القوى الاستعمارية الأوروبية، أخذوا يدعون بـ "ملكية!" المسجد الأقصى باعتباره مكان "هيكل مزعوم". وفي هذا السياق، أصبح الصراع مع الاحتلال في القدس يشمل الوجود التاريخي والهوياتي على الأرض، والذي يصل ذروته عندما يتعلق الأمر بالآثار والتراث. الأمر الذي يجعل المتحف الإسلامي، والقائمين عليه، في قلب هذا النوع من الصراع.

وعند التحاور مع المسؤوليْن المذكوريْن أعلاه تجد حرص القائمين على المتحف على التعامل معه معاملة الوقف، بالحفاظ على المبنى والمقتنيات، ومنع البيع أو المبادلة، ومواجهة المتكسّبين، والسارقين والانتهازيين والمتاجرين بالتراث والهوية؛ أفرادًا وجماعات ودول. وأن المتحف وما يحويه من كنوز أثرية ومقتنيات نفيسة جمعت بين الفن الإسلامي والنقوش والمخطوطات والزخرفة، يعتبر قبلة العلماء والباحثين العرب والمسلمين وغيرهم من العلماء. ونأمل أن تسهم القوانين الأممية في الحد من إجراءات الاحتلال، وتمكينهم من الوصول إلى المتحف بسهولة ويسر، كما يأمل م. عمرو أن يكون لقرار اليونسكو الأخير بشأن إسلامية المسجد الأقصى، الأثر في إعادة الحياة في القدس بشكل عام، والمسجد الأقصى بشكل خاص، إلى طبيعتها والتمكن من الترميم والإعمار بسهولة ويسر. 

طموحات قيد الانتظار!

يرى د. يوسف النتشة أن المتحف ليس مجرد "مبنى ومحتويات"؛ وإنما يقدم رواية تاريخية وفكرية، لا بد من ضمان إيصالها بصدق وموضوعية لأبناء شعبنا وأبناء أمتنا وللبشرية جمعاء. وهنا، يتوقف عند الاحتياجات التي يرى بضرورة تنفيذها لتحقيق الرسالة الوطنية والدينية الكامنة خلف هذا المتحف الفريد من نوعه على مستوى العالم، وهي:

1)      توفير قاعة واسعة للعروض المختلفة، معززة بشاشات ضخمة وذات جودة عالية.

2)      تنفيذ عروض جاذبة للمواطن وللسائح، على حد سواء، وهي عبارة عن أفلام تتحدث عن الرواية الخاصة بالقدس، وما فيها من أماكن دينية وأثرية، بخاصة المسجد الأقصى المبارك.

3)      المحافظة التامة والكاملة على النسيج المعماري لمكونات المسجد الأقصى المبارك كافة، ويوصي باستخدام "سقوف متحركة"؛ زجاجية أو غير زجاجية، وذلك للإفادة منها في معالجة الاحتياجات للمزيد من المباني لأغراض مختلفة، دون الإخلال بمباني المسجد الأقصى ولا بنسيجها المعماري.

لنا كلمة،

بعد الاطلاع على تفاصيل المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى المبارك، وجدتُني وقد اكتشفت شيئًا ثمينًا لم أكن أعرفه قبلئذ؛ وهو: إن روايتنا الدينية والوطنية الخاصة بالمسجد الأقصى المبارك مصانة في جانب مهم من جوانبها، ألا وهو الصور الحية والوثائقية للتطور الذي مرّ به المكان والعمران والإنسان نفسه عبر الحقب الزمنية المختلفة، التي يمتد مداها إلى عمق نحو خمسة عشر قرنًا من الزمن. وأن الرواية التي ينقلها لنا هذا المتحف العالمي، الفريد من نوعه، والمتفرد في محتوياته هي رواية موضوعية، بكل المعايير، وغير متحيزة لحاكم دون غيره أو لدولة دون غيرها.   

لقناعتي التامة بأن الماضي هو مرآة المستقبل، وهو الدليل لكل من يخطط لمستقبل واعد، فإنني أرى بضرورة النظر بجدية مطلقة لمقترحات وتوصيات د. يوسف النتشة المذكورة أعلاه، كما أدعو إلى الضرورة القصوى لتفعيل زيارات طلبة المدارس والجامعات، من القدس وأرجاء الوطن الفلسطيني كافة، والذين سيحظون بالرعاية والاهتمام من موظفي المتحف المتخصصين الذين يقدمون شروحات كاملة وتفصيلية للزائرين، كما يزودونهم بالنشرات والمطويات الواضحة (البروشورات)، التي تجعل من زيارتهم ذكرى لا يمكن للأيام والسنين محوها من الذاكرة.

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 16/12/2016م