وليد الشوملي يكتب: عزيز العصا في كتابه فلسطينيو 48: إجماع على الوطن... إختلاف على التسميات يشخّص أسباب النكبة.. ويفصّل التسميات التي أطلقت على فلسطينيي48 بقلم: الدكتور وليد الشوملي

عزيز العصا في كتابه فلسطينيو 48: إجماع على الوطن... إختلاف على التسميات

يشخّص أسباب النكبة.. ويفصّل التسميات التي أطلقت على فلسطينيي48

بقلم: الدكتور وليد الشوملي

يقسم الباحث الكتاب الصادر عن دار الجندي للنشر والتوزيع في العام 2016، إلى خمسة فصول، حيث يعرض في الفصل الأول الحقبة التاريخية لحوالي مائة وخمسين عاما سبقت نكبة عام 1948، حيث  بدأ خلال تلك الفترة تفكك الامبراطورية العثمانية ثم هزيمتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى. أما في الفصل الثاني فيعرض الباحث الظروف الموضوعية التي أدت إلى النكبة، وكيف أن احتلال فلسطين من قبل الإنجليز كان بالأساس من أجل تهيئة الظروف لقدوم الإستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.

ويتناول الباحث في الفصل الثالث واقع الفلسطينين الذين بقوا خلف الاخط الأخضر في مواجهة مصيرهم لوحدهم، في كيان حاول اقتلاعهم وطمس هويتهم بشتى الوسائل، وأنهم أصبحوا أقلية مضطهدة في دولة تعادي قوميتهم بعد أن كانوا الأكثرية في أرضهم التاريخية. أما في الفصل الرابع فيتطرق الكاتب إلى التسميات المختلفة التي اختارها الكيان الصهيوني بعناية ليطلقها على فلسطينيي الخط الأخضر، وذلك بهدف طمس هويتهم ومسح ذاكرتهم الوطنية، أما في الفصل الخامس والأخير فقد تناول الباحث إنعكاسات تلك التسميات والواقع الذي فرضته على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.

ويبين العصا أن المخطط الصهيوني، وبالتعاون مع المحتل الانجليزي، أراد السيطرة على منابع المياه الحيوية مثل نهر الأردن ومنابع نهر الليطاني، وكأن الباحث أراد أن ينبه إلى حقيقة أن السيطرة على منابع المياه الرئيسية كان من أولويات الحركة الصهيونية. وهذا ما تم تجسيده بالفعل حين قامت بريطانيا بإدخال ما يسمى "بإصبع الجليل" في حدود فلسطين عند ترسيمها في العام 1921، وهذا ما يتلاءم مع ما كان يقوله دائما بن غوريون في العشرينيات من القرن الماضي بأن السيطرة على منابع المياه الرئيسية في فلسطين، وفي مناطق محاذية لها تشكل إحدى الأعمدة الرئيسية في جعل الدولة اليهودية المستقبلية قابلة للحياة.

في الواقع، لقد خرج الباحث عن السرد التقليدي للتاريخ، حيث قرأه قراءة نقدية، مما دفعه للتساؤل: لماذا لا ندرس التاريخ بشكل نقدي كالرياضيات والفيزياء؟

 ويعزو الباحث نكبة فلسطين إلى سببين رئيسيين هما:

أولا، أنه كانت هناك خطة محكمة رسمها الغرب الاستعماري والحركة الصهيونية لاحتلال فلسطين، وثانيا حالة السبات التي كانت تعيشها الشعوب العربية، بالإضافة إلى تخاذل الأنظمة العربية في الدفاع عن فلسطين وتعدد ولاءات تلك الأنظمة، مما بعثر جهودهم وإن لم تكن تلك الجهود بالأصل مخلصة وهادفة.

وهناك نقطة مهمة وجديرة بالتوقف عندها وهي ما ذكرها الباحث (في الصفحة 82) في كتابه مفادها أنه عند قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية صدت الولايات المتحدة والدول الغربية عامة أبوابها أمام هجرة اليهود إليها، مما يؤكد على حقيقة أنه كان هناك تنسيقًا خفيًا بين النازية والصهيونية العالمية، بالإضافة إلى دول الغرب من أجل إجبار اليهود إلى التوجه إلى فلسطين. علما بأنه لم يقض في المحرقة إلا البسطاء وغير المتعلمين من اليهود، ناهيك عن أن هناك مئات الآلاف من غير اليهود كانوا قد قضوا أيضا في المحرقة النازية.

يذكر العصا في كتابه، وكما عوّدنا في مقالاته الأدبية والفكرية، أن المسيحيين الفلسطينيين نبته أصيلة في هذا الوطن، وأنهم ساهموا دوما إلى جانب إخوانهم المسلمين في النضال الوطني الفلسطيني. ويحضرني أن أستشهد بالمطران هيلاريون كبوشي السوري الذي نذر نفسه مدافعًا عن القضية الفلسطيني، وقد توفاه الله في اليوم الأول من هذه السنة في منفاه القسري في مدينة روما، إثر نفيه من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد اعتقاله وتعذيبه، والحكم عليه بالسجن اثنتي عشر عامًا، أمضى منها أربع سنوات، بتهمة تهريب أسلحة في سيارته الخاصة للمقاومة الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى العديد من الشخصيات الدينية المسيحية التي تدافع عن القضايا الوطنية الفلسطينية في المحافل الإقليمية والدولية نذكر منهم: المطران عطا الله حنا، والمطران منيب يونان وغيرهم. ويذكر الكاتب (في الصفحة 95) أن بريطانيا كانت دائما تدعي أن الوازع الديني فقط هو سبب مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال البريطاني لفلسطين، وردا على ذلك بدأت الجمعيات الإسلامية-المسيحية بالتشكل حيث تبنت شعار "الهلال وفي داخله الصليب".

لم يغفل الباحث ذكر جامعة الدول العربية وخضوعها للإرادتين الأمريكية والبريطانية مما سهل على الصهاينة احتلال فلسطين واغتصابها. ويحضرني هنا أن أذكر أن جامعة الدول العربية لم تكن فقط خاضعة لتلك الإرادتين، بل هي أصلا شكلت وبدعم بريطاني صريح في العام 1945 من قبل سبع دول عربية من أجل تمرير المخطط الصهيوني في اغتصاب فلسطين.

في الواقع، لقد أثرانا الكتاب بمعلومات مُجَدْوَلَة ومفصلة عن كل المشاريع التي تم إقتراحها لإقامة دولة لليهود قبل أن تستقر الفكرة نهائيا على فلسطين. كما يحتوي الكتاب أيضا على ملاحق  تتعلق  بعوامل الحركة الصهيونية، وكذلك تيارات الحركة الصهيونية. والجدير بالذكر هنا أن بذور الصهيونية بدأت بما يسمى بالهسكلاة (أي التنوير) وهي حركة قادها الفيلسوف الألماني اليهودي MOSES  MENDELLSOHN  الذي ترجم التوراة إلى اللغة الألمانية، وعمل على تشكيل اليهودية الجديدة لتناسب متطلبات ذلك العصر. وقد حدث ذلك قبل سنوات معدودة من الثورة الفرنسية التي اندلعت في تموز في العام 1789م، حيث ساهم ذلك بشكل كبير في انفتاح اليهود على المكونات الاجتماعية والعرقية والدينية لمجتمعاتهم وخروجهم من جيتوهاتهم، حيث كان معظمهم قبل ذلك منكب فقط على قراءة التوراة داخل تلك الجيتوهات.

ويجب علينا أيضا أن لا نغفل  مسألة مهمة وهي أن الإمتيازات التي منحتها الإمبراطورية العثمانية للدول الأوروبية الغربية في أعقاب حرب القرم (1854-1856) كمكافأة لها لوقوفها معها ضد روسيا في تلك الحرب. فقد بدأت بعدها البعثات الدبلوماسية الفرنسية والإنجليزية والألمانية بالإنتشار في فلسطين، ناهيك عن المؤسسات المتعددة التابعة لها، والتي ساهمت في إرساء الأرضية الخصبة لتقبل الأفكار الصهيونية التي تشكلت لاحقا في أواخر القرن التاسع عشر، والتي تجسدت، كما يذكر الباحث، في ثلاث منظمات مكملة في عملها لبعضها البعض وشكلت مثلثًا متساوي الأضلاع. تلك المنظمات تمثلت بالتحديد بالمنظمة الصهيونية العالمية، والوكالة اليهودية لأرض إسرائيل، والصندوق القومي اليهودي.

 أما بالنسبة لموضوع الكتاب الأساس، وهو المتعلق بالفلسطينين الذين بقوا داخل الخط الأخضر، فقد أراد الباحث أن يرسل رسالة مفادها أن المؤامرة الصهيونية ما زالت قائمة على كل قطاعات  شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات، بما فيهم أهلنا الذين بقوا متمسكين بأرضهم  والذي تجاوز عددهم  آنذاك ال 150,000 نسمة. ولم يغفل الباحث ذكر نضالات بدو النقب الذين يتعرضون لهجمات شرسة لاقتلاعهم من قراهم، إلا أنهم يستميتون في الدفاع عن أراضيهم وهويتهم.

ويستعرض الباحث أسباب التسميات الكثيرة التي أطلقتها دولة إسرائيل على عرب الداخل الفلسطيني، وذلك بقصد طمس هويتهم ومحو ذاكرتهم الوطنية، مثل اصطلاح عرب اسرائيل والجماهير العربية في إسرائيل، والعرب الإسرائيليون وغيرها من التسميات التي تم اختيارها بعناية لربطهم بإسرائيل، إلا أن المشكلة الأكبر تكمن في الآتي: أولا أنه جرى تهميشهم في اتفاقيات أوسلو، وكأنهم  ليسوا جزءا لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني، وثانيا المحاولات المتكررة من قبل القيادة الإسرائيلية لنيل اعتراف الفلسطينيين والدول العربية  باسرائيل على أنها دولة يهودية، ليكون ذلك مقدمة ليس  لمحو وجودهم الثقافي والحضاري فقط، بل أيضا وجودهم الفيزيقي على أرضهم التاريخية.

ومما لفت نظري وأدهشني أن الباحث العصا قد نوه ليس إلى النكبة السياسية أو الجغرافية فقط، بل إلى النكبة الثقافية التي حلت بنا إثر اختفاء أكثر من 30,000 كتاب وصحيفة ومخطوطة وأيضا أكثر من 2000 مكان أثري ومقدس؛ وذلك في محاولة يائسة لتزوير التاريخ وإحلاله بتاريخ ملفق ومزيف، وكذلك تجسيد لأساطير غيبية وترجمتها على الأرض، مما يذكرنا بالدمار الذي قامت به القوات الأمريكية في العراق من نهب وتدمير لآثار شعب يتجاوز عمره خمسة آلاف عام. فواأسفاه، لقد قام شعب لا تراث ولا تاريخ له بتدمير تراث أعرق شعوب الأرض، لأن عراقة الشعوب تؤرقه وتقض مضاجعه.

وبالرغم من بعض ملاحظاتي البسيطة حول بعض الأخطاء المطبعية، إلا أنني أقول وبحق أن الكتاب ثمرة جهود مضنية وجبارة، ويستحق القراءة المتمعنة ومرجع يضاف إلى قائمة المراجع المتعددة في المكتبة العربية والفلسطينية لطلبة المدارس والجامعات على حد سواء.

وأود أن أختم قراءتي المتواضعة هذه بملاحظة ذكرها الباحث في أن الغرب الإستعماري ساهم في تشكيل الفكر الصهيوني، وذلك بالاستناد على الديانة اليهودية، وذلك بدعوى الحق التاريخي والديني في فلسطين والبقاء بجانب الهيكل المزعوم والبكاء عليه، مما يستحضر فينا السؤال التالي: هل يحق للمسيحي النيجيري على سبيل المثال أن يطالب باحتلال روما بدعوى أن حاضرة الفاتيكان مكان مقدس عنده، أو هل يحق للمسلم الباكستاني أن يطالب باحتلال مكة المكرمة بنفس المنطق؟!

بيت ساحور، 07/01/2017