0

واقع التعليم  في القدس:
بين تشتت النظم التربوية وأسرلة المنهاج!

الدكتور أمجد شهاب
رئيس كلية الشهاب المقدسي

يقول الفيلسوف أفلاطون في كتابه "الجمهورية": "لا سبيل إلى خلق المواطن الصالح الا من خلال نظام تربوي تعليمي متميز". أما النظام التربوي والتعليمي والثقافي  في مدينة القدس فيعاني من التشتت؛ بسبب تطبيق عدة أنظمة تعليمية ذات مرجعيات مختلفة، حيث تنقسم المدارس إلى  ثلاثة أنواع:  "المدارس الخاصة، ومدارس الأوقاف الإسلامية، والمدارس التابعة لبلدية  الاحتلال". وتأخذ تبعية مدارس البلدية للاحتلال شكلا معقدا؛ مما ينعكس سلبا على الطلبة المقدسيين، وعلى المسيرة التعليمية التي تعاني من عدة مشكلات، أهمها: محدودية البرامج اللاصفية التي تعتبر جزءًا مهما في ظل غياب استراتيجية تعليمية واضحة المعالم والأهداف. ومما يزيد تعقيد الامور تعدد اصحاب الولاية على العملية التعليمية.
ويشكل هذا الواقع خطرًا حقيقيًا على المجتمع المقدسي؛ وذلك لأن الشباب، وهم من يكتوي بالسلبيات المشار إليه أعلاه، يشكلون ما نسبته 55% من هذا المجتمع. أضف على ذلك تلك الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية  في المدينة التي تشكل أرضية خصبة لانحراف هؤلاء الشباب، خاصة ان نسبة التسرب من المدارس عالية وتصل الى  اكثر من 30% حسب احدث الدراسات، ويعود ذلك للوضع الاقتصادي السيء  ورغبة الشباب في  مساعدة وتحسين مدخول عائلاتهم، مما يصب  في مصلحة المحتل بتلبية حاجاته من أيدي عاملة وبأسعار رخيصة  للمصانع وورشات البناء -وخاصة المستوطنات- وقطاع الخدمات.
 ويعتبر قطاع التعليم  التحدي الأصعب للمقدسيين، لا سيما وان هناك محاولات منذ احتلال اسرائيل للشطر الشرقي من  المدينة عام 1967، للسيطرة على فكر الشباب من أجل محو ذاكرته وطمس هويته. ولكن إعادة المنهاج الأردني، وفتح مدارس الأوقاف ساهم  في الحفاظ على الموروث الثقافي والاجتماعي.  فيما يعاني  قطاع التعليم المهني أيضا إهمالا كبيرا، خاصة ان معظم العمال المقدسيين الذين يعملون لدى اسرائيل غير مؤهلين مهنيا مما يزيد من استغلالهم من قبل أرباب العمل.
معوقات إنشاء جيل مثقف وواعٍ
أهم المخاطر التي تهدد التعليم في القدس هو أسرلته. إذ أن الهدف الأساسي للاحتلال هو طمس الهوية الفلسطينية من خلال إفراغ النظم التعليمية من اطارها الوطني لخلق  فئات وشرائح متضاربة الانتماء والوعي؛ مما  يؤدي إلى توسيع الفجوات والتناقض، ويشيع روح  الاغتراب المجتمعي  بهدف عزل المجتمع المقدسي عن محيطه الفلسطيني والعربي والإسلامي. وقد بدأت أسرلة المنهاج بشكل فعلي بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وادعاء إسرائيل بان المناهج الدراسية تدعو إلى العنف ضدها.

هكذا يريد الاحتلال لأبنائنا أن يعرفوا عن القدس!

ومن نتائج أسرلة المناهج أنها تحرم الطالب المقدسي من مادة دراسية تربوية تعليمية وطنية واجتماعية متوازنة تتلاءم مع الواقع الذي يعيشه، خاصة وان إسرائيل تتفنن بأساليب أسرلة المناهج.
من جانب آخر، تنتشر الأبنية المدرسية غير الملائمة للعملية التعليمية، كما أن إسرائيل تضع الشروط التعجيزية لاستصدار رخص بناء للمدارس التي تعاني من اكتظاظ في الغرف الدراسية.
ومما يزيد صعوبة التعليم في المدارس الخاصة ومدارس الأوقاف ان المعلم يعيش ازدواجية الراتب الضئيل وغلاء المعيشة؛ مما يضطره للبحث عن عمل آخر بعد الدوام المدرسي يؤثر سلبا على أدائه، وينعكس سلبا على الطالب. أو يضطر المعلم إلى التوجه إلى مدارس البلدية التي تصل رواتبها ثلاثة اضعاف رواتب مدارس الأوقاف أو المدارس الخاصة.
وبالعودة إلى حالة التشتت في النظم التعليمية، فإنها تشكل خطرا، ليس فقط على الهوية الوطنية، ولكن على الموروث الثقافي والاجتماعي، ويخلق فجوات مجتمعية تنعكس بشكل كبير على نوعية ومستوى التعليم.
وقد انعكس ذلك كله على أنه يوجد أكثر من (12) ألف شاب مقدسي دون اي اطار تعليمي، مما شجع ارتفاع نسبة العنف.
ما الذي يمكننا فعله؟
لمواجهة تدهور الواقع  التعليمي والثقافي لدى الشباب  في المدينة المقدسة يجب أولا توحيد المرجعيات التعليمية الوطنية، والعمل على تنسيق الجهود الرسمية وغير الرسمية لمواجهة جميع التحديات، وخاصة سياسات الاحتلال، والحفاظ على الموروث الثقافي والاجتماعي، الذي تأثر كثيرا بسبب تنوع النظم التعليمية والمرجعيات الاشرافية  كونه جزء لا يتجزء من الهوية الفلسطينية الجامعة، وضرورة إصدار منشورات توعية لجميع المواطنين.




إرسال تعليق Blogger

 
Top