نبيل شعث في كتابه "حياتي: من النكبة
إلى الثورة":
والده أنموذج يُحتذى.. وياسر عرفات قائده
الذي لا يُرد له طلب
نُشِرَ في مجلة
أوراق فلسطينية –تصدر عن مؤسسة ياسر عرفات- العدد 15 و16. رام الله. ص: 241-250
قراءة: عزيز العصا
أصدر "نبيل علي شعث"
سيرته الذاتية تحت عنوان: حياتي.. من النكبة إلى الثورة"، وقد قُدّر لي
الاطلاع على كتابه هذا في طبعته الثانية الصادرة عن "دار الشروق" في
القاهرة في العام (2017). يقع الكتاب في (550)
صفحة من القطع المتوسط، يتوزع عليها (14) فصلًا؛ لكل فصل عنوانه المستقل، الذي
يشير إلى محتوى مشبع بالمعلومات والبيانات والبيّنات. إلا أن تلك الفصول تشكل، في
مجموعها، سيرة قائد فلسطيني وأسرته التي عاشت النكبة واللجوء، بعد أن خسرت الأرض
وفقدت الهوية وتشرد أفرادها في أسقاع المعمورة، كما تشكل سيرة ثورة وشعب واجها،
معًا، مؤامرات القريب والبعيد والعدو والشقيق.
لم يرهقنا "نبيل علي شعث" بالرمزيات أو الخطابات ذات
صبغة المزايدة، أو تلك التي تدعي البطولات الخارقة، وإنما جاءت السيرة بمنهجية سرد
مباشرة وسهلة، وأكاد أعتبرها من نوع السهل الممتنع، ومتسلسلة وفق التواريخ
والأحداث الكبرى الملتصقة بها.
ولا يمكنني الفصل بين "نبيل علي شعث"
-كاتب السيرة- وبينه كأكاديمي جعل لكل فصل جوهر تدور حوله الأحداث، ويصف حقبة
زمنية محددة، دون أن يبتعد بالقارئ في متاهات وبطولات خارقة كثيرًا ما يرهقنا بها
كُتّاب السير الذاتية. وجاءت تلك الفصول
متميزة بعناوين واضحة، وكل عنوان ينبئ عن محتوى الفصل بالضبط دون أي شطحات أو خروج
عن النص، وينتهي الفصل بـ "إقفال" جميل وبعبارات ملؤها الأمل والتفاؤل؛
تشكل صلة الوصل بين الفصل السابق والذي يليه.
لقد جاء الفصل الأول من هذا الكتاب-المجلد يحمل
عنوان: "الجذور"؛ الذي يشير فيه إلى ولادته ونشأته
المبكرة، والفصل الأخير، يحمل
عنوان: "ملحمة بيروت: حزيران 1982"؛ التي بها
يسدل الستار على حقبة تمتد بين ولادته (العسيرة) في العام 1938 حيث ضربته القابلة
عدة مرات حتى صرخ، ومغادرة بيروت في العام 1982 بعد حصار شرس وصمود أسطوري للشعب
الفلسطيني وثورته. وبين هاتين المحطتين تتوالى الأحداث والعذابات والغربة ومواجهة
العنصرية بأشكالها المختلفة، وأما المحطة الأطول فهي تلك الأكثر وجعًا وإيلامًا
والتي تركت في الخاصرة الفلسطينية ندبًا لن تمحوها الأيام والسنين مهما طالت؛ وهي "سنوات الحرب الأهلية
اللبنانية (1975-1982)" والتي أُتبعت بـ "ملحمة بيروت-1982".
بقراءة، متأنية، وجدت أن هذا الكتاب يتكئ على مجموعة
مرتكزات، منها:
أولًا:
اعتراف بالوالد ودوره وأثره وتأثيره
هناك من كتّاب السيرة الذاتية من يبدأ بذاته، ويبقى
متمحورًا حولها على طول النص الواقع بين دفتي سيرته، للحد الذي يجعلك تعتقد بأن
الدنيا بدأت معه وستنتهي معه. أما "نبيل
علي شعث" في كتابه هذا فقد خصص مساحة واسعة لصاحب الفضل الأول في
نشأته وتنشئته؛ وهو والده، الذي قدمه لنا تربويًا ومؤسس بنوك ومفكرًا وهو من كان
يزود الثوار بالأسلحة، كما أن والده تحمل مسئولية رعاية الفلسطينيين في الإسكندرية،
منذ بداية تدفق اللاجئين من البحر على ميناء الإسكندرية عام 1948، وساعد الطلبة
المحتاجين، عندما زاره وفد منهم برئاسة شاب إسمه ياسر عرفات، وكان معه طالبان هما:
فاروق القدومي وصلاح خلف دعاهم لبيته فتعرف "نبيل
علي شعث"، أثناء تلك العزومة، على ياسر عرفات الذي أطلق عليه والده
لقب "رئيس فلسطين القادم".
بقي "نبيل علي شعث" في سيرته هذه يذكر
والده في الكثير من التفاصيل التي تتعلق به على حتى وفاته، رحمه الله، في نهاية
الفصل السابع، رغم أنه اختلف معه وهو بعمر (21) عامًا. ويذكر الكثير من قادة الصف
الأول في القيادة الفلسطينية الذين كانوا على صلة مباشرة به، منهم: الحاج أمين
الحسيني، وأحمد الشقيري، وياسر عرفات، وفاروق القدومي وصلاح خلف وأكرم زعيتر
وغيرهم، بالإضافة إلى علاقته الشخصية بالرئيس المصري جمال عبد الناصر. كما أن
والده هو من أنشأ "نادي فلسطين" في القاهرة في العام 1953 بعد ثورة
الضباط الأحرار.
ولعلني
أرى في ذلك نمط جديد من كتابة السيرة، عندما يحمل الكاتب معه سيرة أخرى موازية أو
مكملة. كما أنني قرأت في ذلك شكل من أشكال الوفاء لمن ربّى وأحسن التربية، وحرص وأحسن
الحرص، فضرب أنموذجًا للأب الصلب المثابر الذي كرّس حياته لأبنائه، وبذل الجهد
الكبير لضمان مستقبلهم حتى أبعد مدى.
ثانيًا:
من الصبا إلى الشيخوخة: حياة حافلة بالأحداث والشخصيات
لا شك في أنه من حق كاتب السيرة الذاتية تسليط الضوء على تفاصيل حياته
الخاصة، وهذا ما فعله "نبيل علي شعث"
عندما غاص في مسلسل حياته الشخصية، متضمنًا علاقاته وانفعالاته، في المراحل
العمرية المختلفة، وواصفًا تطوره الأكاديمي من البكالوريوس حتى الدكتوراه، مرورًا
بانتمائه لحركة فتح في العام 1960، وقبل انطلاقتها والإعلان عنها للملأ، والتزامه
بالعمل مندوبًا لمجلة "فلسطيننا-نداء الحياة" التي كان "أبو جهاد
يشرف عليها، ويكتب مع ياسر عرفات معظم مقالاتها.
لقد بدت حياته الشخصية أرستقراطية وميسورة الحال إلى حد كبير، علمًا بأن
والده ألحقه بمدرسة الرمل المصرية الحكومية؛ لكي يكون مع الناس وهو يعده ليصبح
"قائدًا سياسيًا يسهم في تحرير وطنه"، وأن والد علمه الرياضة
والرحلات الكشفية ولعب التنس والموسيقى، وبقيت الفنون له هواية وثقافة، أغنتا
حياته حتى تاريخه.
ظهر في السرد السيري معاناة الكاتب في حياته، أيام الطفولة والصبا والشباب،
كما وجدها في سويسرا وبريطانيا وأمريكا، والتي كانت ذروتها أنه عانى من النظرة
العنصرية اتجاه العرب، وفي أحد أشكال المعاناة تعود لكونه يحمل جواز سفر مصري، في
الوقت الذي كان اللوبي الصهيوني قد اشتد ضد الزعيم المصري الثائر "جمال عبد
الناصر". وعليه، فلم تكن ملامح النكبة وإفرازاتها هي المسيطرة على ذكريات
الحقبة الممتدة بين 1947-1965 من سرد السيرة الذاتية للكاتب "نبيل علي شعث".
وعندما خاض غمار الحياة السياسية، كانت علاقاته مع الصف الأول، سواء بين
الفلسطينيين أو بين المصريين؛ فقد التقى بالرئيس المصري "جمال عبد
الناصر" مباشرة ووجهًا لوجه ثلاث مرّات، وفيها جميعًا كان له فرصة الحديث
معه، وكان على صلة مباشرة مع أنور السادات منذ كان نائبًا للرئيس جمال عبد الناصر.
كما كان من أصدقائه الطلبة: أسامة الباز/ النجم المصري للدبلوماسية والسياسة
الخارجية، ومنصور حسن/ الذي أصبح وزيرًا في حكومة السادات، وكمال الجنزوري/ أصبح
رئيسًا لوزراء مصر، وحفيظ الله أمين الذي أصبح رئيس أفغانستان فيما بعد.
ثالثًا:
يبدي الكاتب إعجابه بالإخوان.. ويضيق ذرعًا بالبعثيين..
يدلي "نبيل علي شعث"
في سيرته هذه بشهادة إيجابية لصالح الإخوان المسلمين بدءًا بالتحاقه بالجمعية
الدينية في مدرسة الرمل الثانوية في مطلع العام الدراسي 52/53، ثم إعجابه بذكاء
وأخلاق الإخوانيين من زملائه، فأصبح هو إخوانيًا لفترة قصيرة ثم غادر الحركة. ولم
يغادر "نبيل علي شعث" هذه
الحقبة قبل أن يشير إلى عددًا كبيرًا من مؤسسي حركة فتح كانوا من الإخوان المسلمين
منهم: ياسر عرفات، وخليل الوزير،
وصلاح خلف، وكمال عدوان، أبو يوسف النجار، ومن البعثيين، منهم: فاروق القدومي وصخر
حبش. ومن القوميين العرب كمنير شفيق وغيره.
من جانب آخر، نجد أن "نبيل علي شعث"
يبدي ضيقه الواضح من البعثيين، فأخذ يسلط الضوء عليهم منذ العام 1960، ويبرز
منافسته لهم، وهو راغب في هزيمتهم نقابيًا، ويتابع إخفاقاتهم في قيادة منظمة
الطلاب العرب، حتى
خروجهم من حلبة هذه المنظمة في العام 1963. ولم يشر إلى دور العراق في الوقوف إلى
جانب سوريا في حرب تشرين، وإسهامهم في حماية دمشق، وحتى عندما ذكر طارق عزيز وزير
خارجية العراق أطلق عليه "وزير خارجية صدام حسين".
رابعًا: قادة الصف الأول لحركة فتح قادمون من عالم
الحراك السياسي والفكري
يشير "نبيل علي شعث"
إلى أنه بعد النكبة بدأ توجه الشباب الفلسطيني الغاضب نحو الأحزاب العربية التي
ترفع شعارات مختلفة، يحصرها في كل من: تنظيم الإخوان المسلمين، واليسار
الماركسي الفلسطيني وحزب البعث العربي الاشتراكي.
وبعد انتصار مصر-عبد الناصر في مواجهة العدوان الثلاثي عليها في العام
1956، باتت فكرة الكفاح المسلّح لتحرير فلسطين مسيطرة على أفكار الشباب
الفلسطينيين في مختلف مواقع الشتات، وكان هذا المناخ السياسي حافزًا لانطلاق
تنظيمات فلسطينية مستقلة، وقد انبثقت فتح في هذه الفترة.
أما على المستوى الشخصي، فإن "نبيل
علي شعث" في سيرته هذه يدلي بشهادة إيجابية لصالح الإخوان
المسلمين بدءًا بالتحاقه بالجمعية الدينية في مدرسة الرمل الثانوية في مطلع العام
الدراسي 52/53، ثم إعجابه بذكاء وأخلاق الإخوانيين من زملائه، فأصبح هو إخوانيًا
لفترة قصيرة ثم غادر الحركة، مقتربًا من الفكر الاشتراكي والفكر القومي العربي.
ولم يغادر "نبيل علي شعث"
هذه الحقبة قبل أن يشير إلى أن عددًا كبيرًا من مؤسسي حركة فتح كانوا من الإخوان
المسلمين منهم: ياسر عرفات، وخليل الوزير، وصلاح خلف، وكمال عدوان، أبو يوسف
النجار، ومن البعثيين، منهم: فاروق القدومي وصخر حبش. ومن القوميين العرب كمنير
شفيق وغيره.
وبعد حرب تشرين في العام 1973 ونتائجها السياسية، وتحول الرئيس السادات من
تحالفه مع الاتحاد السوفيتي إلى التحالف من أمريكا، ونمو جبهة رفض عربية، وتبني
القرار 242 وما ينبثق عنه من اعتراف بإسرائيل والتخلي عن الكفاح المسلح، نشأ
انشقاق عربي انعكس على الساحة الفلسطينية أدى إلى ظهور تيار داخل حركة فتح،
باعتباره تيار يساري، مناوئ للقيادة التي كانوا يرون فيها "اليمين" بسبب
الأصول الإسلامية لبعض أعضائها.
رابعًا: المثقفون يأخذون دورهم.. والثورة تطرح مناهج
تعليمية مستقرة
يشير "نبيل علي شعث"
إلى الحراك الثقافي والفكري والتربوي للشعب الفلسطيني على الساحة اللبنانية الذي
بدأ يظهر فور امتلاك القيادة السلطة على المخيمات، بخاصة بعد اتفاق القاهرة. فقد
كان هناك تعطشًا عند المثقفين الفلسطينيين والعرب للإسهام بعلمهم وبخبرتهم في
تحقيق النجاح للثورة الفلسطينية "طليعة الثورة العربية". فكان العديد من
المؤسسات والمجلات والصحف والفعاليات والاتحادات النقابية، كما توفر المتنفس
للكتاب والمفكرين والشعراء والفنانين وغير ذلك من مقومات وركائز المجتمع المدني.
وعندما نزل ياسر عرفات من جبل الشيخ إلى بيروت، وسيطرت الثورة على
المخيمات، نظمت أمورها المدنية والأمنية والتربوية والتعليمية... الخ. وإنه من
الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الفلسطينيين في تلك الحقبة تمكنوا من بناء
"فلسفة التربية للشعب العربي الفلسطيني"، وطرحوا مشروعات
"تربوية-تعليمية" لأطفال المخيمات الفلسطينية ومعهم فقراء السوريين
واللبنانيين، وتم إعداد كتب الأطفال وملصقاتهم التي استمرت خلال الفترة (1972-1994).
وقد جاء ذلك كله بعد أن تقلص نفوذ "المكتب الثاني" اللبناني على
الفلسطينيين في الساحة اللبنانية، وفي ذلك إشارة إلى قدرة الشعب الفلسطيني على
تفعيل وتوظيف الإمكانات الحضارية والمعرفية والثقافية الكامنة فيه، والتي توارثها
جيلًا بعد جيل وهو على أرضع التاريخية.
خامسًا: سبع سنوات من الحروب والمذابح
بعد أن وضعت حرب تشرين (التحريكية) أوزارها، وبعد حصلت منظمة التحرير
الفلسطينية على إقرار عربي (بالإجماع) على تمثيلها للشعب الفلسطيني، وما تلاه من
انتصار (دبلوماسي) في الأمم المتحدة حققه ياسر عرفات بخطابه الشهير في أواخر العام
1974، والذي أشرف على صياغته وتحريره نخبة من مفكري ومثقفي الشعب الفلسطيني... بعد
ذلك كله، بدأ أعداء الشعب الفلسطيني وأعداء ثورته وتحرره، يخططون للانقضاض عليه،
بل للقضاء عليه قضاءً مبرمًا. فكانت حقبة (1975-1982) التي خصص لها يشير "نبيل علي شعث" مساحة على مدى (110)
صفحات الأكثر حلكة وسوادًا في تاريخ الثورة الفلسطينية، منذ شباط من العام 1975
حتى مغادرة ياسر عرفات وقوات الثورة بيرة في العام 1982، ومما جرى فيها:
1) تعمد الميليشات اللبنانية المدعومة من
"إسرائيل" افتعال المناوشات والمعارك مع الفلسطينيين بدءًا بقيام مسلحي حزب
الكتائب، بتاريخ 13/04/1975، اعتراض حافلة للفلسطينيين العائدين من مخيم تل الزعتر
إلى بيتهم في مخيمي صبرا وشاتيلا وقتل جميع ركابها البالغ عددهم 30 شخصًا.
2) في 06/12/1975، وهو ما يُعرف بالسبت الأسود، نفذت
ميليشيا حزب الكتاب مذبحة بحق المئات من المسلمين على الهوية: اللبنانيين
والفلسطينيين؛ فانقسمت بيروت، ولبنان معها، إلى منطقتين: الشرقية وأغلبها مسيحيون،
وغربية مختلطة مع أكثرية إسلامية.
3) في 18/01/1976، قامت الميليشيات المسيحية باقتحام
الكرنتينا وقتلت 1500 من سكانها (أكراد، وفلسطينيون ولبنانيون من الشيعة). فردت
الميليشيات الفلسطينية باقتحام بلدة الدامور المسيحية وقتلت ما لا يقل عن (200)
ممن بقي من أهلها.
4) اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية، وبدا الناس بالهروب، كل
باتجاه منطقة سيطرة طائفته، وانقسم لبنان إلى قوتين: جبهة تزعمها حزب الكتائب وحزب
الوطنيين الأحرار، وغيرهما من المنظمات والأحزاب والتيارات المسيحية. وفي الجانب
الآخر الحركة الوطنية اللبنانية التي تشكلت من الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية
بقيادة كمال جنبلاط، والتي تحالفت مع منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات،
وفي نيسان 1976 سيطر التحالف اللبناني-الفلسطيني على حوالى 70% من لبنان.
5) دخل النظام السوري على الخط، فوجه حافظ الأسد تهديدات
جادة بالقتل إلى كمال جنبلاط لتحالفه مع الفلسطينيين، وتم تنفيذ عملية القتل فعلا
بعد مغادرة جنبلاط دمشق في 16/03/1976. وبعد أن وجد الأمريكان أن الحل الوحيد
للحفاظ عل التوازن لصالحهم في لبنان هو التدخل السوري،
دخلت القوات السورية إلى لبنان في حزيران 1976، بمئات المدرعات والدبابات و(4,000)
جندي. فبطش النظام السوري بلبنان ومدنه وقراه، كما بطش بمؤسساته وشخصياته الوطنية
والدينية.
6) استغلت الكتائب الاجتياح
السوري للهجوم على تل الزعتر، ونفذت مذبحة هناك في 12/08/1976، كان نتيجتها
استشهاد (2,000) فلسطيني (وهناك من يقول 3,000).
7) مع بدء العام 1978، حيث أصبح بيغن رئيس الحكومة الإسرائيلية،
احتدم الصراع السياسي مع إسرائيل التي سعت إلى توسيع الشريط الحدودي مع لبنان الذي
يحكمه سعد حداد، وعزل المقاومة.
8) في 11/03/1978 تمت عملية كمال عدوان بقيادة دلال
المغربي، على الشواطئ الفلسطينية، أوقعت مئات الإصابات في صفوف جنود الاحتلال (الإسرائيلي)،
واستشهد أفراد العملية بالاغتيال المباشر من الجنود. فردت "إسرائيل" على
ذلك باجتياح لبنان تحت إسم "عملية الليطاني"، كان نتيجتها تحول
(285,000) لبناني إلى لاجئين، واستشهاد (1100-2000) لبناني من المدنيين.
9) في العام 1981وعندما أعيد انتخابه رئيسًا للحكومة مرة
أخرى، أخذ بيغن يخطط مع شارون وزير دفاعه، لغزو لبنان مرة أخرى؛ لطرد منظمة
التحرير الفلسطينية منها، وشرعوا بإشعال المناطق الحدودية اللبنانية بقصف متكرر،
أدى في تموز/ 1981 إلى إيقاع (200) شهيد و(800) جريح.
10) في كانون الثاني من العام 1982، التقى شارون مع
"بشير الجميل" على متن سفينة قبالة السواحل اللبنانية وناقشا خطة تقتضي
بوصول القوات الإسرائيلية إلى مشارف بيروت، ومحاصرة بيروت الغربية فيما تقوم
ميليشيات القوات اللبنانية باقتحامها والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية.
11) في 6 حزيران من العام 1982، انطلق الغزو الإسرائيلي
للبنان، ووصل إلى بيروت التي صمد فيها (10,000) مقاتل فلسطيني ولبناني، وصمدوا
لمدة (80) يومًا في مواجهة الجيش الإسرائيلي بكل إمكانياته العسكرية برًّا وجوًّا
وبحرًا .
12) بعد أن قطعت "إسرائيل" الماء والكهرباء عن
بيروت، ولأن أبو عمار كان يدرك أنه لن يستطيع مواجهة الحصار إلى الأبد، وبعد أن
صمد (88) يومًا، وقاد صمود الشعب الفلسطيني واللبناني، ولأن صبر مضيفيه بدأ ينفد،
كان عليه أن يحاول الخروج بسلامة وكرامة، ويضمن استمرار الثورة، وأن يفتح بابًا
للتفاوض يمكن أن يؤدي إلى العودة إلى فلسطين الحرة المستقلة. ورغم تلك الأجواء من
الهدوء، قامت "إسرائيل"، في 12/08/1982، بعملية مباغتة قام خلالها بقصف
بيروت على مدى عشر ساعات متواصلة.
13) في 19/08/1982 بدأت "إسرائيل" في تخفيف الحصار
عن بيروت، ووافقت على خروج المقاتلين (الفلسطينيين) بأسلحتهم الفردية تحت حماية
دولية. في 21/08/1982 بدأ المقاتلون بالمغادرة وتوزعوا على عدد من الدول العربية،
وفي 30/08/1982 توجه ياسر عرفات إلى ميناء بيروت وأخذ وقته مع مودّعيه حتى قيل
"إنه أتى إلى الميناء لوداع القيادات اللبنانية المسافرة بينما هو باقٍ في
بيروت! فغادرها إلى أثينا ثم إلى تونس.
سادسًا: ياسر عرفات القائد المُطاع
كانت المرة الأولى التي قابل فيها "نبيل
علي شعث" ياسر عرفات الذي يكبره بتسع سنوات، في العام 1948 وهو
بعمر عشر سنوات، وبتوضيح من والده أصبح مشبعًا بفكرة "الرئيس ياسر
عرفات"، وظل يناديه بالخِتيار، والوالد، و"أبو عمار"، ولم يعامله
أبدًا مثل الأخ أو الزميل؛ معاملة الند للند، ظل له أبًا وقائدًا منذ أول لقاء به
(عام 1948) حتى استشهاده (عام 2004).
لقد قاد ياسر عرفات الثورة الفلسطينية، منذ اللحظة الأولى التي قلب فيها
اختصار حركة التحرير الوطني الفلسطيني من "حتف" إلى "فتح"؛
بمعنى إطلاق حركة وطنية تهدف إلى النضال حتى الانتصار وليس حتى الموت. ثم ينقل "نبيل علي شعث" عن ياسر عرفات أنه
صاحب فكرة إطلاق الرصاصة الأولى، قبل أن يتوفر المال والسلاح المطلوبين، وقل لأبي
يوسف النجار: نقوم بعملية عسكرية، فإذا نجحت تتبناها فتح، وإذا فشلت يكون الذين
قاموا بها مجموعة من الشبان المتحمسين ليس أكثر.
كانت الرصاصة الأولى في الفاتح من كانون الثاني من العام 1965،
وهو العام الذي كان الأخير لـ "نبيل علي شعث"
في أمريكا، وصلته في حركة فتح لا تزال بمستوى زهير العلمي الذي نظّمه في العام
1960، ولم يستعد "نبيل علي شعث"
دوره الفتحاوي إلا عند انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني في الداخل ومعركة الكرامة
في العام 1968، وبالتحديد عندما توجه إلى هايل عبد الحميد معتمد حركة فتح بالقاهرة
وأبلغه برغبته الشروع في العمل، فشرع يغادر "نبيل
علي شعث" بفكرة "العيش
المشترك على أرض فلسطين لمن يلتزم بدولة ديمقراطية تنبذ العنصرية والاحتلال والطرد
القسري وتنهي الاحتلال والهيمنة العسكرية".
تتسارع الأحداث، وفي 01/04/1969 ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني، الذي شارك
فيه يغادر "نبيل علي شعث"
كشخصية مستقلة، ويصبح ياسر عرفات رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
بدلًا من "يحيى حمودة". وفي العام 1969 أرسله ياسر عرفات إلى اليونان
للدفاع عن أبناء الجبهة الشعبية الذين اختطفوا طائرة إسرائيلية في أثينا، ثم توالت
التكليفات إلى لندن وهولندا وغيرهما، وتكليفه بتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في
لوزاكا في مؤتمر القمة الثالث في أيلول من العام 1970، ثم تكليفه من قبل ياسر
عرفات في رئاسة المؤتمر الحركي الثالث في دمشق 1971، وفي العام 1973 يشارك ياسر
عرفات إلى مؤتمر قمة عدم الانحياز في الجزائر.
ولعل ذروة علاقة "نبيل علي شعث"
مع ياسر عرفات كانت في "النصف الثاني من آب من العام 1974"؛ حيث مقابلته
في مكتبه في الفاكهاني. وعندما طلب منه التوجه إلى الأمم المتحدة، وأبدى "نبيل علي شعث" التردد قال له ياسر
عرفات: خايف زيهم؟ ما حد منهم مستعد يروح. والمقصود هنا أعضاء اللجنة التنفيذية
لمنظمة التحرير الفلسطينية. وهنا، انضبط "نبيل
علي شعث" أمام تعليمات وأوامر قائده الذي قال له: أرسل حكيما ولا
توصه؛ وفي ذلك إشارة إلى نظرة الاحترام والثقة التي ينظره ياسر عرفات اتجاه "نبيل علي شعث"، الذي أتقن مهمته في
الإعداد والاستعداد للخطاب الشهير
الذي ألقاه ياسر عرفات في الأمم المتحدة، والذي شكل انعطافة مهمة في مسار الثورة
ومسيرتها، على مستوى الحضور على الساحة الدولية، رغمًا عن أنف إسرائيل وقادتها
والتهديات بقتل كل قائد فلسطيني يصل إلى نيويورك.
ويرى "نبيل علي شعث"
أن ما تم إنجازه لصالح القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، لا يعود فقط لمهارة
الفلسطينيين و"كاريزما" قائدهم، ولكن جزءًا كبيرًا من الفضل يعود لنصر
حرب تشرين الذي غير موازين القوى بين العرب و"إسرائيل"، وأثبت أن العرب
قادرون على التوحد واستخدام "سلاحهم البترولي" عندما يقررون. لقد ذهب
الفلسطينيون إلى هيئة أمم متحدة مختلفة عن تلك الهيئة التي أصدرت قرار التقسيم
وقبلت "إسرائيل" عضوًا في الفترة 1947-1949. تغير أعضاؤها وانقلبت
موازينها، وأصبح إنهاء الاستعمار والعنصرية هدف الجزء الأكبر من أعضائها، ولم تعد
أمريكا وأوروبا قادرتين على تسييرها كما يشاؤون.
لعله من الطريف الإشارة إلى الحادثة التالية التي أوردها "نبيل علي شعث" في سيرته هذه، والتي
تتلخص بأن أبلغ كل من "نبيل علي شعث"
نفسه وأبو اللطف وسعدات حسن، كل على انفراد وبسرية تامة بمهمة مقابلة السيدة
ماركوس، ففوجئ كل منهم بالاثنين الآخرين عند باب المصعد المؤدي إلى سكن السيدة
ماركوس الرئيسة الفلبينية التي أرادت من ياسر عرفات التوسط لدى "ثوار
المورو" المسلمين، لإقناعهم بالتوقف عن ثورتهم على الحكومة الفلبينية. ويعلق "نبيل علي شعث" على ذلك بالقول: لقد
أبلغ أبو عمار كلا منا بسرية المهمة، للتأكد من قيامنا بها، وليستخدمنا كعادته في
الرقابة بعضنا على بعض.
وفي إشارة إلى إنسانية ياسر عرفات ودماثته يورد "نبيل علي شعث" كيف استقبله في بيروت بعد إنجازات
الأمم المتحدة: "كما يستقبل الأب إبنه العائد ناجحًا من الجامعة"، وأخذخ
معه لحضور اجتماع اللجنة المركزية ثم اللجنة التنفيذية للمنظمة، وإلى القيادة
العامة لقوات العاصفة، وإلى القواعد في الجنوب، وإلى السهرة السياسية في بيت سامي
العلمي، وفي بيت عبد المحسن قطان، وإلى حفل تكريم بمناسبة إنجاز ياسر عرفات في
الأمم المتحدة أقامه على شرفه السفير
الهندي في بيروت.
وفي العام 1976، وعندما عرف ياسر عرفات بقرار "نبيل
علي شعث" مغادرة بيروت، حاول بكامل جهده إقناعه بالتراجع، وكان
ياسر عرفات على "نبيل علي شعث"
لمرافقته في لقاءاته ومهرجانات الحركة وأسفاره، ويجلسه إلى يمينه، ويغرقه بحنانه
وتقديره العلني في كل مكان.
ختامًا،
هذه هي سيرة حياة على "نبيل علي شعث"
التي يتوقف فيها عند العام 1982. وكل من يقرأها ويمعن القراءة يخرج بمجموعة من
القضايا والمفاهيم والأحداث والبيانات والبينات التي تميز بها على "نبيل علي شعث" دون سواه، والتي تضاف
إلى ما أدلى به قادة شعبنا وثورتنا من شهادات حول نفس الحقبة الزمنية وما دار فيها
من أحداث، بخاصة على الساحة اللبنانية. وأما المشترك بين أولئك جميعًا فهو: إن
ثورتنا حظيت بالقائد ياسر عرفات؛ صاحب "الكاريزما" التي وضعت فلسطين
وقضية شعبها في المحافل الدولية كافة، كما مكنته من الصعود فوق الأمواج العاتية،
وتجاوز أكبر المحن خطورة على الثورة الفلسطينية.
وسنبقى بانتظار استكمال "نبيل علي شعث"
لسيرته في الحقبة الزمنية التالية؛ لأن الأجيال الفلسطينية بحاجة ماسّة إلى
استكشاف ماضي وسِيَر الآباء والأجداد، بما يسعفهم في التخطيط لمستقبلهم، لأن
الماضي هو مرآة المستقبل والمؤشر إليه.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 15 شباط، 2017