0

نبيل حمودة في كتابه "قضايا مقدسيّة":
يضع النقاط على حروف القدس.. ويترك للأجيال نماذج تُحتذى
نُشِرَ في صحيفة القدس، بتاريخ: 17/07/2018م، ص: 09

تم التقاط الصور المرفقة في هذا المقال خلال ندوة عقدها كاتب المقال في مركز دراسات القدس بباب الملك فيصل (أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك)، بتاريخ 10 تموز 2018
                                                         عزيز العصا
تقديم
نبيل داود على حمودة؛ كاتب مقدسيّ، مولود في القدس إبّان الحرب العالمية الثانية، في العام 1944م؛ أي أن طفولته اغتيلت منذ لحظاتها الأولى، إثر النكبة التي مني بها الشعب الفلسطيني في العام (1948م). متخصص في التجارة والاقتصاد والعلوم السياسيّة، وعمل في هذا المجال لسنوات طويلة في دولة الإمارات العربية المتحدة (1968م-1995م) قبل أن يعود إلى أرض الوطن، ليستمر في ذات التخصص، إلى جانب الأعمال الخيريّة التطوّعيّة في القدس.
أما الإنتاج الفكري الذي نحن بصدده، لـ "نبيل حمودة"، فهو كتابه "قضايا مقدسيّة"، الصادر، عن المقدسي لتنمية المجتمع، في العام 2013. يقع الكتاب في (118) صفحة من القطع المتوسط، يتوزع عليها (23) موضوعًا تتركّز حول القدس وهمومها وقضاياها وشؤونها وشجونها، كان قد تم نشرها في صحيفة القدس المقدسيّة، خلال الفترة: 2005م-2012م.
جميع عناوين تلك المقالات ذات صلة بالشأن العام وهي، في جوهرها، لا تخرج عن عنوان الكتاب، كقضايا مقدسيّة، تتطلب التوقف عندها بالقراءة والتحليل، وإعادة القراءة؛ لكي تتمكن من إدراك ما يجري في هذه المدينة، التي تعيش في حالة من الضجيج والصخب والحرب الحقيقيّة التي تطال الساكن والمتحرك فيها. وبقراءة "متمعّنة" لهذا الكتاب-الدراسة وجدتُني أمام مجموعة من الحقائق، أهمها:     
أولًا: القدس في خطر.. وعلى أهلها المواجهة! 
في جميع المواضيع-القضايا، قيد النقاش، نجد أن "نبيل حمودة" يسلّط الضوء على العديد من تفاصيل ما يجري على الأرض في القدس، من إجراءات احتلالية، تعيق حياة المقدسيين، وتهدم بيوتهم وتصادر أخرى، وتصادر عقاراتهم وممتلكاتهم، وتنتهك مقدساتهم، وتمنعهم من الصلاة فيها، تحت أعذار واهية... الخ، وفوق ذلك كله أحاطت مدينتهم بجدار عازل يفصلهم عن محيطهم وامتدادهم الوطنيّ والإنسانيّ. ويهدف الاحتلال من ذلك إلى زعزعة نفوس المقدسيين وإرباكهم وإحباطهم، ودفعهم لمغادرة مسقط الرأس –مرّة واحدة وإلى الأبد-([1]).
وفي جميع تلك القضايا المطروحة، نجد أن "نبيل حمودة" يزجي النصح والإرشاد والتوجيه للمقدسيين، بضرورة الوحدة والتماسك، والتمسك بالحقوق وعدم التفريط بها، مؤكدًا، بالحكمة والموعظة الحسنة على أن "التهاون في الحق يؤدي إلى طمع الاحتلال، وسرقته لكل ما تصل يده إليه"([2]).
ثانيًا: القدس جوهر الصراع ومعيار الانتماء
يذكّر "نبيل حمودة" المقدسيين وأحرار الأمة بأن القدس هي ذاكرة الأمة، وذاكرة الأمة هي تاريخها، مشيرًا إلى أن الاحتلال يسعى إلى تغييب مدينة القدس عن الذاكرة الفلسطينية –وبالتالي العربية والإسلامية والعالمية-، ضاربًا بعرض الحائط الحقيقة الراسخة بأن جميع العرب والمسلمين "يرتبطون بهذه المدينة بعلاقات روحيّة واجتماعيّة ومكانية حميمية، تجمعهم بكل ما فيها من أماكن دينيّة وحضاريّة واقتصاديّة"([3]).
وفي شأن القدس، ومدى الارتباط بها، نجد أن "نبيل حمودة" يرفع شعارًا، جعل منه عنوانًا لفصل في كتابه هذا، وهو: "القدس للجميع والجميع للقدس"؛ يحمل الكثير من الدلالات: دينيًا ووطنيًا وإنسانيًا دوليًا، وغير ذلك من قوى الخير والعدالة. مؤكدًا أنه على الجميع أن يكرّسوا أنفسهم ويكيّفوها على كيفية إعزاز القدس واحترامها وتمجيدها وتكريمها، ويحافظ على هويتها ومقدساتها، ويصون تراثها... ثم يعلنها للملأ: إن القدس لجميع أبنائها، في أجواء من التلاحم الاجتماعي، والتسامي الديني، والتسامح الإنساني، وغير ذلك من ملامح التماسك والتعاضد([4]).
ولم يغادر "نبيل حمودة" هذا الجانب قبل أن يشير إلى أن في القدس من يبذل الغالي والنفيس للدفاع عنها، عبر عشرات المنظمات المجتمعية المدنية الأهليّة التطوعية([5]) ومن نقابات، وأندية، وجمعيّات خيرية ومؤسسات مختلفة التخصصات... وجميع هؤلاء وهبوا أنفسهم للدفاع عن "قدسهم" بما أوتوا من قوة([6]).
هنا، لا بد من استحضار رأييْن آخريْن:
فأما الرأي الأول، فيتبناه ويعبر عنه "د. رفيق خوري"، فيكتب تحت عنوان "القدس في قلب القلب"؛ ليعلن للعالم أجمع بأن قلب الشعب الفلسطيني ينزف وينزف، منذ اليوم الأول لدخول الاحتلال إلى القدس في حزيران من العام 1967م، حيث "المسجد الأقصى يتعرّض لهجمة شرسة، ومن ورائه هوية القدس بشكل عام". ثم يبحر في وصف القدس التي يرى فيها "السرّ والسحر.. وأنها مدينة الله ومدينة الإنسان"، فالقدس هي المشكلة وهي الحل([7]).
ووفق وصفه للقدس، يتوقف "خوري" عند الإجراءات الإحتلالية؛ من تطويق بالجدران، ومنع من دخولها، وكأنه يُمنع من الدخول في تلك الزاوية الحميمية من كيانه الداخليّ العميق([8])، وغير ذلك من الإجراءات، التي يرى فيها أنها تشكّل موتًا محقّقًا على أكثر من صعيد، يذكر منها([9]): موت نفسيّ، وموت روحيّ، وموت اجتماعي، وموت دينيّ، وموت وطنيّ، موت اقتصاديّ؛ فالقدس العقدة الأساسية في النسيج الاقتصادي الفلسطيني، وجميع المدن والقرى مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقدس كمورد رزق يومي لأبنائها.
ثم يطلق "خوري" صرخة مدوّيّة، علينا أن نرددها معه، وهي: لا معنى لفلسطين من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الفلسطينيين، ولا معنى للعالم العربي من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون العالم العربيّ، ولا معنى للقدس من دون العالم، ولا معنى للعالم من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون رؤية رحبة وشاملة([10]).
وأما الرأي الثاني، فتتبناه الصهيونية ومن يساندها من "الصهيونيّة المسيحية"، الذي يرى في القدس هي إحدى مدن العالم التي تحمل متلازمة نفسية اسمها "متلازمة القدس"، والحديث هنا عن حالة نفسية مضطربة تتمثل بعواطف دينية روحانية جياشة تصيب الحجاج المسيحيين الذين يزورون المدينة المقدسة، ويؤمنون بأن روح المسيح وأرواح شخصيات توراتية أخرى تدخل أجسادهم([11]).
وهناك من أطراف الحركة الصهيونية من يرى بأن القدس هي "المدينة التي تثير جنون الجميع"؛ إذ أن الكثير من السيّاح تلقوا طوال السنين "جرعة زائدة من القداسة" بعد زيارتهم للقدس، وأن "متلازمة القدس" هي التي أدّت إلى إحراق المسجد الأقصى عام 1969م، من قبل "مايكل روهان" المسكون بهذه المتلازمة([12]).
ووفق هذه الضلالات نجد أن الاحتلال يطلق العنان لـ "مجانينه" ليعيثوا في القدس خرابًا، بدءًا بحريق المسجد الأقصى المبارك في العام 1969م، وانتهاءً بالقادم الأكثر جنونًا، مرورًا بمذبحة العام 1990م، ومذبحة النفق في العام 1996م. وأما الجنون الأكثر شراسة فهو انتزاع القدس من عروبتها وجعلها عاصمة للدولة العبرية، على يد الأمريكان في العام 2018م.
ثالثًا: توظيف المنهج التربويّ في التوجيه والإرشاد
نشر في صحيفة القدس بتاريخ 17 تموز  2018 ص9
لقد قام "نبيل حمودة"، في أكثر من موقع بتوظيف القصص والحكايات والأساطير، والنكت التاريخية، من أجل شرح حال القدس وأحوالها، ولعل أكثرها وضوحًا تلك الأسكورة القائلة بأن حبة جوز هربت من غراب، ولجأت إلى جدار أشفق عليها فآواها في فتحة صغيرة جدًا، ثم بدأت الحبة تنبت جذورًا، فأخذ الجدار يتداعى، فاستمرت بالنمو، وواستمر الجدار بالتداعي!
تلك الأسطورة، وغيرها من القصص والأساطير ساقها "نبيل حمودة" بشأسلوب تربوي جميل، لتحريض المقدسيين على المقاومة، وتحفيزهم على الصمود، والتمسك بحقوقهم في مدينتهم التي فيها ولدوا، وعلى ثراهما الطور يعيشون بكرامة وكبرياء.
الخاتمة
لا يمكن مغادرة هذا الكتاب لكاتبه "نبيل حمودة" قبل الإشارة إلى أنه مشبع بالأفكار والتوصيات التي تشكل، في مجموعها، الأسس المتينة لخطط استراتيجية في شتى المجالات، السياسية والاجتماعية والاقتصاديّة، والسبل الكفيلة بالمحافظة على النسيج الوطني المقدسي، في حالة من التماسك والتعاضد، القادر على الصمود والتصدي ووقف حالة الهدر التي تصيب القدس في مقتل، إذا لم ينبري من يتنبّه إلى ذلك ويلجمه.      
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 06/07/2018م



 




[1] حمودة، نبيل (2013). قضايا مقدسيّة. المقدسي لتنمية المجتمع. الطبعة الأولى. ص: 13-16.
[2] حمودة (2013). مرجع سابق. ص: 18.
[3] حمودة (2013). مرجع سابق. ص: 23-24.
[4] حمودة (2013). مرجع سابق. ص: 27-29.
[5] يرى حمودة (2013: 35)، أن العمل التطوعي هو واجب دينيّ ومسؤولية أخلاقيةوذوبان الفرد في خدمة المجتمع.
[6] حمودة (2013). مرجع سابق. ص: 34-35.
[7] خوري، رفيق (2017). من أجل حدود مفتوحة بين الزمن والأبديّة –ج 4 (فلسطين في القلب). مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة. القدس. ص: 212-214.  
[8] خوري (2017). ج 4. مرجع سابق. ص: 230.  
[9] خوري (2017). ج 4. مرجع سابق. ص: 215-218.  
[10] خوري (2017). ج 4. مرجع سابق. ص: 221.  
[11] شاحام، يؤاف (2014). 10 حقائق عن القدس. مقال منشور على موقع "المصدر"، وفق الرابط (06/07/2018م):
[12] شاحام، يؤاف (2014). المدينة التي تثير جنون الجميع. مقال منشور على موقع "المصدر"، وفق الرابط (06/07/2018م):


إرسال تعليق Blogger

 
Top