مــــا
يُــدبـــــــر للقـــــــدس
بليلة
داكنـة الظـلام
نشر في صحيفة القدس المقدسيَّة، بتاريخ:
09/04/2020م، ص: 10
بقلم: القاضي المقدسيّ فواز
ابراهيم نزار عطيَّة
9/4/2020
ما
بين مخاطر فيروس الكرونا "كوفيد 19" على البشريَّة بما أوقعه من خسائر
جسديَّة تمثَّلت بإصابة الملايين وخسارة في الأرواح بالآلاف، ناهيك عن خسائر
اقتصاديَّة جمَّة هزت الاقتصاد العالمي، بما ينذر بحرب كونيَّة نتيجة شبه الشَّلل
للواقع الاقتصاديّ العالميّ، يخرج علينا في هذه الأيام بعض من المحللين وأصحاب
النظريات المختلفة للحديث عن معضلة "الفيروس" ونتائجه، ومنهم من شخَّص
الواقع بصورة علميَّة وعمليَّة، ومنهم من استغل هذه الجائحة للشهرة، ومنهم من أوجد
الحل بعد التشخيص وهم قلة قليلة.
وما
بين التوقعات المبنيَّة على الظن والتوقعات المبنيَّة على الدراسات، هناك توقعات مبنيَّة
على الحقائق المفروضة على أرض الواقع الّتي برزت لحيز الوجود المادّيّ في التطبيق العمليّ نتيجة انشغال العالم بعدو غير
مرئيّ يهدد حياة البشر ومصالحهم التجاريَّة بصورة لم تشهد لها البشريَّة من قبل
ولم تُكتب في كتب التاريخ، وهذا الوضع الدوليّ المشدود في كيفيَّة محاربة ذلك
الفيروس، بالنظر لحجم الاصابات البشريَّة والخسائر في الأرواح، حيث لم يستنِ
الفيروس أحدا؛ فقد طال عددا من المسؤولين من مختلف دول العالم.
هناك واقع خطير في القدس لا يمكن السّكوت عنه -
لا يقل أهميَّة عن الجائحة العالميَّة- وإن كانت الجائحة العالميَّة ووقعها على
النَّفس وتأثيرها أكبر من أن يتم مناقشة أيّ أمر آخر في هذه الايام، إلا أن القدس
وأهميتها بالنسبة لنا نحن أهالي القدس تمثل أهميَّة قصوى لا يسري عليها أيّ استثناء،
لما تمثله لنا مدينتنا كالرئة الحيويَّة بما تقوم به من دور أساسيّ في علم الأحياء
للإنسان، من امدادات متواصلة لا تنقطع بالأوكسجين النقيّ وطرد ثاني أوكسيد الكربون،
ولما تمثله من سد وجدار منيع وحامٍ لأيّ تحريك أو هزٍ لواقع غير مألوف، بصورة
تحاكي واقع جهاز المناعة الّذي خلقه الله
تعالى في جسم الإنسان.
من
هذا المنطلق استغلت سلطات الاحتلال الحدث العالميّ المذكور، للبناء عليه وفرض الأمر
الواقع لما بعد انتهاء الوباء العالمي، بما يوازي النظام العالميّ الجديد المُنتظر،
وأستشهد بحالتيْن بدأتا للتو من قبل سلطات الاحتلال بصورة ستشعل المنطقة وتؤدي
لنتائج لا تحمد عقباها:
الأمر الاول:
حالة التحالف الحاليّ ما بين الحزبين الإسرائيلييْن الليكود وأبيض أزرق وتقاسم
السلطة في سبيل تطبيق سياسة الأمر الواقع، بهدف ضم أجزاء متفاوتة من الضفة الغربيَّة
بما في ذلك القدس العربيَّة والأغوار، ورغم أن ذلك الفكر أو المقترح كان قبل قيام
دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكيَّة بالإعلان عن صفقة القرن في
28/1/2020، لأن ذلك المقترح هو جزء من أيدولوجيَّة وعقيدة الحكومات الإسرائيليَّة
منذ سنوات حتى قبل انتخابات شهر آذار من عام 2020.
إذ
بإعلان صفقة القرن، الّتي تضمنت في بنودها
ضم 3% من أراضي القدس العربيَّة لإسرائيل، وهي: مستوطنة "معاليه أدوميم"
شرقيّ القدس، ومستوطنة "غفعات زئيف" شماليّ القدس، بالاضافة لمستوطنة
غوش عتصيون الواقعة على اراضٍ من بيت لحم، حيث يقيم فيها ما يقارب (150) ألف
مستوطن، وبموجب تلك الخطة سيتم ضم ما نسبته 25% من إجماليّ عدد المستوطنين المقيمين
في الضفة الغربيَّة للقدس الكبرى وفق مخطَّطهم.
بدأت
المرحلة الخطيرة في التطبيق فيتغير واقع القدس، بذلك التحالف الّذي وصفه البعض بالتحالف الهشّ، بالرغم أن هذا
التحالف من وجهة نظري، هو الأمثل لتمرير سياسة الاحتلال في هذه الظروف والعالم
مشغول بوباء لا يُعلم نهايته ونتائجه بصورة دقيقة، علما بأن إجراءات تنفيذ هذه
المرحلة، سبقها سلسلة من الخطوات في العام الماضي تمثّلت بـ: المس بجودة ونوعيَّة
التعليم، وتحريك الرّحلات المنتظمة بصورة مكثّفة للمستوطنين لاقتحام المسجد الاقصى
بما يوحي بالبدء في التَّقسيم الزمانيّ، وتخصيص زيارات ميدانيَّة لأحياء البلدة
القديمة بصورة منتظمة، واستكملت باعتقال بعض رموز السلطة الفلسطينيَّة بصورة مهينة
وتخالف الأعراف الدبلوماسيَّة، للتأكيد على أن اتفاقيَّة أوسلو لا وجود لها في
قاموس أيّ حكومة اسرائيليَّة، إلا بقدر التنسيق الأمنيّ فقط، بما يشمل ذلك من
تبعات أمنيَّة تؤدي الغرض من استمراريَّة السلطة الفلسطينيَّة في إدارة ذاتيَّة.
إنَّ
المتتبع لواقع القدس، يجد المرحلة الثانية قد بدأت رغم الجائحة الدَّوليَّة؛ فأهل
القدس يلامسون واقع التغيير لأنهم في قلب الحدث من واقع وجودهم فيها، وهذا الواقع ليس
بناء على دراسات وتخمينات، فما زالت اسرائيل من خلال نشر مخطَّطات وخرائط جديدة لواقع
مسار القطار الّذي سيصل الجزء الغربيّ والقبليّ
لسور القدس ونشره قبل أيام، وخلوّ البلدة القديمة من الحركة وإغلاق جميع محلَّاتها،
والتَّدخل في منع اقامة الصلاة في المسجد الاقصى، تحت مسمى الحرص على سلامة وصحة
المصلين، في الوقت الّذي لم نشاهد ذات التشدد
والمنع لليهود المتزمتين من ممارسة شعائرهم الدّينيَّة، الذين انتشر بينهم الوباء بنسبة
تزيد عن 60% وفق الاحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة الاسرائيليَّة، حيث سنجد المتغيرات
بواقع يذهل العقول بعد نفض الغبار عن الجائحة.
ثانيا:
وهو الاخطر على الصعيد الدولي، حيث تدخلت السلطة المحتلة في تحديد مسار أعياد عيد
الفصح المجيد للطوائف المسيحيَّة، وقامت بخرق واقع قائم وثابت لم تجرؤ أيَّة حكومة
على تغييره على الأقل منذ عهد الصلاحي، أيّ واقع مضى عليه (850) عامًا تحت مسمى "لا
تطبيق للستاتيكو القائم في كنيسة القيامة في الظروف الراهنة" وتمثل هذا
الخرق بأن طلبت سلطة الاحتلال من الطوائف المسيحيَّة الراعية لكنيسة القيامة،
ليفتح باب الكنيسة شرطة الاحتلال وليس لمن عُهد لها بأمانة المفتاح من عائلة جودة
آل غضيَّة المقدسيَّة المسلمة ومسؤوليَّة فتح الباب لعائلة نسيبة المقدسيَّة
المسلمة.
ورغم
أن بعض الأوساط المقدسيَّة تتهم بعض الطوائف ممن هم ليسوا من أولاد البلد في هذه
المؤامرة، وهو قول يفتقر للدليل، ومن هنا أدعو لدرء الفتنة وعدم كيل الاتهامات قبل
وجود بيّنة ثابتة قاطعة تدين هذا العمل والتخطيط الاجرامي، الّذي يهدف لخلق حالة من تمزيق نسيج التآخي المسيحيّ الاسلاميّ
على مرّ العصور.
وأخيرا
بين هذين الحدثين، هناك من يحاول استغلال الجائحة لنصب فخ السيطرة على ما تبقى من
وجود عربيّ وإسلاميّ في القدس، نتيجة الاعتداء المستمر على القبور في منطقة باب الاسباط،
وكنتيجة لعدم توفر الثقة ما بين لجنة القبور وبعض الاهالي في القدس الشريف، لتكون
مقبرتيّ باب الرحمة واليوسفيَّة محل استهداف من المحتل، حيث سمعنا في الآونة
الاخيرة من البعض يدعوا للتواصل مع بلديَّة الاحتلال والجهات المختصة فيها، لتنظيم
واقع المقبرتيْن بما يمنع الاعتداء على القبور، وكأن القدس ينقصها مزيدا من
اجراءات المحاولة التهويديَّة، لنجد أنفسنا بعد فترة زمنيَّة ممنوعين من دفن
موتانا، بذريعة وجود الصديق شمعون رقم 2 في هاتيْن المقبرتين.
الأمر
الّذي يستدعي إعادة التفكير في جميع ما
ورد أعلاه، بتشكيل لجنة وطنيَّة مقدسيَّة ممن يُشهد لها بالصلاح والاستقامة من
المسيحيين والمسلمين، لتحافظ على جهازيّ المناعة والرئة في القدس الشريف، ولتفويت
الفرصة على المحتل وأذنابه من نشر الفوضى، وتمزيق النسيج الاجتماعيّ والتآخي بين أبناء
القدس الّذي بناه الأجداد والآباء منذ
الفتح الإسلاميّ قبل 1450 عامًا.
إرسال تعليق Blogger Facebook