القـــدس بوصلـــة تجميــع لا مكـــان
تفريق
بقلم القاضي المقدسي
فواز ابراهيم نزار عطية
18/12/2020
بعطعف النظرعلى تسلسل الاحداث التي تتعرض لها مدينة القدس حديثا، وهي احداث متدحرجة كجلمود صخر حطه السيل من علِ دون توقف، ورغم انبطاح المحيط العربي - إلا من رحم ربي- وحبوه للتطبيع مع الكيان المحتل بتفاخر واذلال، دون التدبر واخذ الدروس والعِبر من شعب احتلت اراضيه على مدار سبعة عقود، ودون التبصر والتَفكّر في معرفة ما وراء اهداف التطبيع، إلا لتثبيت مصالح ضيقة في سبيل الحفاظ على الحكم دون مراعاة لمصالح شعوبهم.
فاعتبرهذا المقال موقفا اسجله للتاريخ، لأننا
على مفترق طرق لا مناص لنا اهل القدس إلا بسلوك أحد الطريقين: إما أن نستمر في صدّ
المخططات الشيطانية الممزوجة بمكر انسانيب الصمود والثبات على الارض ، أو أن
نرفع الاتراس الحامية لوجوهنا واعراضنا
ونسير مع الركب ونذوب في شيطنتهم ومكرهم.
القدس اليوم تعتبر جزء لا يتجزء من
مشروع الدولة الفلسطينية، فيجب أن يخضع لكيان
الدولة بكامل هيئاتها وأفرادها لأحكام القانون، وألا خرج عن حدوده أحد، لأن من
مقتضيات هذا المبدأ أن تحترم الإدارة في تصرفاتها أحكام القانون، وأن تحاسب كل من
يخرج عن اطار المشروعية الدستورية، فحُسن ادراة المرافق العامة والخاصة خدمة
للشعب، فلا تلاعب ولا تحايل في المال العام سواء أكان هذا المال يخضع للدولة أو
الاوقاف العامة الخيرية أو الذُرية.
فالقدس أكبر من
مصالهم الضيقة، تزهو وتزدهر مرافقها ومؤسساتها
وأوقافها في حالة تحييد جميع مؤشرات ومسببات الفساد، وسوء استغلال المال العام
والاهمال الجسيم في الحفاظ على حقوق الرعية.
لذلك،
يجب أن يكون القانون السبيل الامثل والوحيد في سبيل تعزيز مشروع الدولة، ويجب أن
يكون هذا القانون محل ردع لكل من يحاول الاضرار بمصالح الشعب أو الرعية، وعلى
القائمين بتطبيق القانون ألا يمنحو أي فرد أو متولي يرعى حقوق ومصالح رعيته أية
استثناءات، ويجب رفع غطاء الحصانة عن كل من ألحق الضرر في المال العام سواء أكان
هذا المال يتعلق بمرافق الدولة أو مال عام يتعلق بالوقف الخيري أو الوقف الذُري.
فالضوابط والتعليمات النافذة في القانون الاساسي الفلسطيني
"الدستور الفلسطيني المؤقت"، تلزم الرئيس والوزير والمدير وكل متولي
مسؤولية، أن يكون على مستوى عالٍ من التواضع
والفهم والإدراك لكل المخاطر، التي تحيط بالقدس في هذه الظروف، وعلى جميع من ذُكر واجب
وطني قومي بمنع الشر المستطير، باعتبار كل من الرئيس والوزير والمتولي.....ليس
لديهم الصلاحية في عدم محاسبة من أهدرالمال العام واستغلال النفوذ، وعليهم
حسن تطبيق القانون على الجميع دون استثناءات، كما وعلى اولي الأمر توزيع ريع
الثروات بالصورة العادلة على الشعب أو الرعية....
االيوم
لا نظيره له في القدس، فاستحكمت بأطواق المستوطنات، لمنع اقامة الدولة الفلسطينية
التي يجب أن تكون على قاعدة اقليمية قابلة للحياة، وما يدعو للقلق أن تلك المستوطنات
تنشأ وتشييد على أراضٍ عربية، فهل هذا التشييد من قبيل المصادرة أم من قبيل البيع
والشراء للمنفعة ؟
اعتقد
أن الامر في بناء المسوطنات يشتمل على واقعين علقميين شديدين المرارة، فهناك مستوطنات
شيدت على اراضي تمت مصادرتها، ومستوطنات شُيّدت على اراض تم بيعها من اصحابها أو
تأجيرها من خلال الحكر أو تنظيم عقود خاصة لاستغلالها واستثمارها، فالمستوطنات
التي شيدت على أراضٍ تم بيعها من اصحابها
للجمعيات الاستيطانية أو نتيجة تصرف متولي الاوقاف الخيرية أو الذرية بتنظيم عقود
الحكر أو عقود خاصة لاستثمارها من الجمعيات المذكورة، أشد فتكا وضررا على القضية
الفلسطينية بشكل عام وعلى القدس بشكل خاص، من الاراضي التي تم مصادرتها لتشييد
مستوطنات غير شرعية.
فالمصادرة
وغصب العقارات من السلطة المحتلة الحاكمة يعارض القانون الدولي، وهذا الامر يشكل
ورقة رابحة بيد الفلسطينين، لكن بيع العقارات بطيب خاطر أو تأجيرها من خلال الحكر
أو عقود خاصة من متولي الوقف سواء أكان الوقف خيريا عاما أو لطائفة معينة أو
ذُريا، فلا معقب من القانون الدولي على ذلك التصرف، بحيث يبقى الامر بين دفتي
الصراع حول حدود الدولة الفلسطينية، وفيما إذا كانت تلك المستوطنات المنشأة بعقود
ضمن حدود الدولة الفلسطينية أو خارجها، وفيما إذا توافق اسرائيل بأن تُحكم وتدار
تلك المستوطنات من خلال الدولة الفلسطينية ......
ازعجني
كما ازعج كثير من ابناء القدس المخلصين لقضيتهم، واقع مستوطنة جفعات همتوس (همطوس)
التي اعلن عن اعادة اقامتها قبل اسبوع، ولم تكن للاسف هذه القضية محل اهتمام من
الاعلام المحلي أو الخارجي، حيث تقع في القدس العربية ضمن ما يطلق عليه القدس
الشرقية بين بيت لحم وبيت صفافا، تلك المستوطنة التي أُوقف البناء فيها في عهد
ادارة باراك اوباما، وكتحد جديد لإطباق مدينة القدس العربية بالمستوطنات، تم اعادة
مخططات احياء المستوطنة التي سنتشأ على أراضي الوقف المسيحي الارثوذكسي المقدسي،
لبناء اكثر من 2600 وحدة سكنية، في الوقت الذي يعاني ابناء القدس من العرب
المسيحين والمسلمين من ضائقة السكن نتيجة التكلفة الخيالية لقيمة ترخيص البناء المفروض
من بلدية الاحتلال وشح الموارد المالية لتسديد قيمة تلك النفقات.
فهل
من مجيب عن سبب اعادة البناء وعن اختيار حكومة الاحتلال لهذا الوقت، لا سيما أن
الرئيس الجديد المنتخب جو بايدن من مدرسة الرئيس السابق باراك أوباما، وهل من مجيب
فيما إذا شكلت لجنة تحقيق للاستيضاح عن سبب اقامة البؤرة الاستيطانية المذكورة على
اراضي الوقف الارثوذكسي المسيحي المقدسي، وهل من مجيب فيما إذا فعلا سربت تلك الاراضي أم أنها كانت من
ضمن واقع المصادرة ؟؟؟؟
ليس
من المستغرب أن يدعو مركز
السبيل وبمشاركة من مركز اللقاء للدراسات الدينية التراثية الثقافية في القدس، وبالتعاون
مع الأمانة العامة للشبيبة المسيحية في فلسطين ومؤسسات اخرى، لاطلاق فيلم بعنوان
"بطريرك الشعب: يتعلق محطات مع
البطريرك ميشيل صبّاح يوم السبت الماضي ١٢ كانون الأول ٢٠٢٠، بهدف ادارة حوار مع
البطريرك العربي الفلسطيني السابق ميشيل صبّاح، الذي جلس على كرسي البطركية
اللاتينية لسنوات قدم خدمات جليلة للقدس وابنائها، وكان له الاثر الواضح في تعزيز
صمود ابناء الطائفة واعادة الممتلكات للبطركية، ورغم أن روما اتجهت نحو تغيير نمط
تعيين البطاركة من خلال تعيين بطريرك عربي لهذه المهمة الجليلة، واستكملت
بالبطريرك فؤاد طوال، التي اعتبرها مفصلا ورسالة واضحة في حياة الكنيسة اللاتينية
ونقطة تحول ارضت ابناء البلد، ودون الدخول في ادق الامور والتفاصيل حول واقع
البطريرك الثاني فؤاد طول كعربي اردني، ودون التقليل من شأن البطريرك الحالي بيير
باتيستا بيتسالا،إلا أنني أضم صوتي لصوت ابناء بلدي من المسيحين، أننا كنا نرغب
ببطريرك عربي مسيحي في هذه الظروف التي تمر فيها القدس، لتكون نقطة التحول كنهج
حياة الكنيسة اللاتينية في المشرق العربي.
وبناء على ما تقدم اعتقد كتابة أو صياغة
سيناريو من خلال فيلم لهذا الرجل نابع عن استحقاق وجدارة، الامر الذي يجب أن يكون
هذا الفيلم محفزا ودافعا لكل مسؤول ومتولي رعية، بأن التاريخ سيكتب السيرة ببصمات من
بنور ليكون حديث الاجيال القادمة أو يكون
من زمرة قوله تعالى:" أُولَئِكَ
يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ".
واخيرا، اقلقني
واقع هجرة الشباب العربي المسيحي من القدس وعلى قدم وساق مع الشباب العربي المسلم،
بتوجههم وافراد اسرهم للدول الغربية للبحث عن لقمة العيش الكريمة، بعيدا عن
المضايقات والصراعات واستفزازات السلطة المحتلة لمعيشتهم، فشاهدت فيلما حديثا
يتعلق بهذا الواقع المرير، فلو استثمرت الاراضي التابعة للبطركية الارثوذوكسية
حُسن الاستثمار لابناء الرعية، وخصصت اراضي لاقامة مشاريع البناء ورصدت الاموال
الزكية من العرب المخلصين الذين مازالوا للقضية الفلسطينية عنوان النخوة والمروءة،
لتعزيز صمود أهل القدس، وتم تأجيرها لابناء الرعية بثمن رمزي، وكذلك للشباب العربي
المسلم، باعتبار القدس بوصلة تجميع لا طريق تفريق.
فلن تكون الهجرة سيدة الموقف، ولن ينقص عدد
المسيحين في القدس بل سيزداد، وستكون القدس زاهرة بأهلها، إلا أننا وللأسف نعاني
اشد المعاناة وما زلنا، من كثير من أولي الامر وحاشيتهم الذين مازالوا خارج اطار
المحاسبة القانونية.
إرسال تعليق Blogger Facebook