في ذكراها الثانية...
مذبحة نيوزيلندا: تربية حاقدة، قتلت العلماء!
مهندس الحاسوب المبدع "علي المدني"
أنموذجًا!
نُشر في صحيفة
الدستور الأردنية بتاريخ: 15/03/2021، ص: 34
عزيز العصا
معهد
القدس للدراسات والأبحاث/ جامعة القدس
http://alassaaziz.blogspot.com/
"علي المدني"؛ من أذكى أذكياء زماننا. عشنا شظف الطفولة معًا، جنوب القدس في ريف بيت لحم الشرقي. تفوق في "المترك"، ثم في الثانوية العامة، فالجامعة.. أكمل عليّ تخصصه في الهندسة الالكترونية من الجامعة التكنولوجية ببغداد. فأبحر في عالم العمل، فأبدع كعادته، وابتكر، وألّف كتابًا مرجعيًّا في تخصصه، سيبقى منارة للأجيال. تزوّج وأنجب ثلاث بنات وولد. ثم انتقل للعمل في دولة الإمارات. وبينما هو على رأس عمله رئيسًا لقسم الحاسوب، اشتد شغفه بالعلم، وأخذ يفكر في توفير تعليم أفضل لأبنائه. وعندما بحث عن مكان تجتمع فيه هذه الشروط، وجدها قد انطبقت على نيوزيلندا (New Zealand)، فانطلق إليها عام 1997، وهناك حصل على شهادة في علوم الكمبيوتر، وعاش حياته الهانئة المستقرة.
في عام 2017 حضر إلى نيوزيلندا رجل استرالي مجرم بعمر (28) عامًا، قام
بشراء اسلحه تستخدم للصيد، ثم أجرى عليها بعض التعديلات، وكتب عليها بعض العبارات
عن الدولة العثمانية، وكتب على بعضها (اللاجئون)؛ إذ غاظه التزايد الكبير لعدد
المهاجرين الذين اعتبرهم محتلين وغزاه، ثم اختار مسجد النور ومسجد لينوود مسرحًا
لجريمته؛ لأن الكثير من (الغزاة!) يرتادونهما بحسب معتقده. وخلال صلاة الجمعة بتاريخ
١٥/٣/٢٠١٩ ارتكب المجرم مذبحة ضد المصلين في هذين المسجدين بمدينه كرايستشيرش بنيوزلندا.
كي
لا نحقق هدف القاتل في تأجيج العداوات بين الشعوب وأتباع الديانات المختلفة، نورد الصورة الإيجابية التي عبّر بها النيوزيلنديون عن
حزنهم على الضحايا، وخجلهم من هذا الأسترالي الذي اقتحم بلدهم وعبث بأمن مواطنيه
وأمانهم، وصبّوا جام غضبهم وحنقهم عليه. ومن هذه الصورة والمشاهد:
1)
قامت رئيسة الوزراء بلبس الحجاب، تكريمًا للإسلام ومسلمي نيوزيلندا، وقدمت
التعازي لأهل الضحايا، واستشهدت بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "مثل
المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر
الجسد بالسهر والحمى". ورفضت نطق اسم الإرهابي القاتل؛ تحقيرًا له. وفي يوم
تشييع الشهداء، أقيم الاذان لصلاة الجمعة في جميع مدن نيوزلندا.
2)
في ٢٧/٨/٢٠٢٠ أصدر القاضي النيوزيلندي الحكم على الإرهابي الأسترالي بالسجن المؤبد
مدى الحياة دون امكانيه الإفراج المشروط عنه، بحضور جميع اهالي الضحايا، ووجه كلمة
للإرهابي، قائلًا له: انت قتلت من هم من أصحاب الكفاءات والخبرات وقدموا الخدمات
لنيوزيلندا، وليس كما تدعي انت انهم غزاة، وهذا أمر مرفوض في نيوزلندا. وهذه هي
المرة الأولى التي يفرض فيها عقوبة السجن المؤبد دون عفو مشروط؛ وهي أقصى عقوبة في
نيوزلندا.
3)
صرح القاضي بأن المحكمة قررت فرض هذه العقوبة؛ لأنه يرفض بشكل حاسم
مثل هذا الحقد الشرير، وأن الإرهابي يخفي كراهية عميقه دفعته إلى مهاجمة الرجال
والنساء والاطفال العزل في مكان يؤدون فيه الصلاة. كما رحبت رئيسه الوزراء بهذه
العقوبة معتبرة أنه يستحق قضاء حياته خلف القضبان في صمت تام ومطلق.
4)
في الذكرى الثانية لهذه الجريمة الأبشع في العالم، تقرر أن يتم يوم
١٣/٣/2021 تجمعًا لإحياء ذكرى المجزرة. وتم اختيار "مها علي المدني"
لتلقي كلمة أهالي الشهداء.
ختامًا،
في
الذكرى الثانية لهذه الجريمة النكراء، نترحم على الزميل العزيز عليّ، وعلى شهداء
تلك المجزرة التي نفذها حاقد على الإنسانيّة جمعاء. ولكن، لا بد من الالتفات بعين
الرضى نحو هذا الشعب المشبع بالإنسانية؛ حكومة وشعبًا. ونحن نزهو بـ
"مها" التي حظيت بإجماع يشير إلى تميزها وقوة شخصيتها، نرجو الله عز وجل
أن يعين "أم سامي" على اكمال المشوار التربوي كما رسمه معها الشهيد عليّ؛
للوصول بأبنائهما إلى بر الأمان والاستقرار.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 08/03/2021م
إرسال تعليق Blogger Facebook