0

 محمد الطوس في "عين الجبل"- أسير منذ نصف قرن:

يوثق للفدائيين.. يلعن العملاء والجواسيس.. ويتجول في الجبل بحرية

نشر في صحيفة القدس بتاريخ 11/10/2021، ص: 10

                                                         عزيز العصا

http://alassaaziz.blogspot.com/

aziz.alassa@yahoo.com


محمد الطوس
؛ أسير فلسطيني مولود عام 1955 في قرية الجبعة الفلسطينية من ضواحي القدس، وهو أحد قادة الثورة الفلسطينية المسلحة. شرع في محاربة الاحتلال، وهو لا يزال بعمر الطفولة، فاعتقل سنة 1970م، وطارده الاحتلال لمدد متفاوتة. قاتل الاحتلال، وواجه التحقيق والمحققين بشجاعة وبسالة يستحق معها أن يسجّل في سفر أبطال فلسطين الخالدين.

أعرف "محمد الطوس" أسيرًا مناضلًا، أقرأ عنه كثيرًا في وسائل الاعلام المختلفة، لا سيما في الذكرى السنوية لآخر اعتقال له (منذ 6/10/1985م). أما العمل الأدبي قيد النقاش لـ ""الطوس" فهو كتابه "عين الجبل"، الصادر عن نادي الأسير الفلسطيني، عام 2021. يقدّم لهذا السفر الجميل الأخ عيسى قراقع حامل هموم الأسرى، فرادى وجماعة، فيصف الأسير الكاتب بـ "المقاتل الإنسان، الحقل والبيت والفجر والفلاح، عاشق التراب والصخر والحصى وشجر الرمان والمفاجآت.. محمد الطوس لا ينام، عينه فوق الجبل، وخيرته تحت الدالية".

يبدأ الكتاب بعتبته المتمثلة بغلاف يحمل سيمياء تنبئ عن نص "جبليّ" السمات والخصائص والسيرة، لجبل معمور بأهل الأرض الأصليين، وهو حاضنة الثوار؛ فيحميهم ويحمونه.

يقع الكتاب في (234) صفحة من القطع المتوسط، يتوزع عليها (15) سردية أو محطة غير معنونة، ولكل محطة محتواها الخاص بها. ولكن المشترك بين تلك السرديات أن كلًّا منها تحتل في نفس القارئ مكان ومكانة، وتترك أثرًا وتأثيرًا لا يمكن محوهما، وترفع مستوى ثقافته عن مرحلة الثورة المسلحة التي خاضها شعبنا، وكان شبابه يقدمون على التضحية والفداء وهم يضعون نصب أعينهم هدف كنس الاحتلال والخلاص منه.

لقد شكلت هذه السرديات، في مجموعها، سيرة زمان ومكان. فأما الزمان فيتكثف لعقد يمتد بين عاميّ 1975م و1985م، إلا أن الأسير "الطوس" يأخذ مكانه ومكانته في السياسة الفلسطينية، عندما يستعرض الأحداث التي مرّ بها شعبنا خارج الوطن، بخاصة في لبنان، ويمتد في متابعة هموم الامة، حتى يصل إلى مصر وسوريا والعراق وليبيا، محذرًا من المشروع الاستعماري الغربي الذي يستهدف إضعاف الأمة، من أجل الإبقاء على دولة الاحتلال "إسرائيل" بكامل قوتها وعنجهيتها، وبذراعها الممتد من المحيط على الخليج؛ فهو يؤمن بأن "حياة الإنسان المناضل لا تنفصل عن كل ما يحصل حوله" (الكتاب، ص: 43). وبقراءة متمعنة لما بين دفتي هذا الكتاب، وجدتُ فيه ملامح سيريّة وفكريّة ومعرفيّة لا بد من إبرازها لتعريف القارئ بها، منها:

أولًا: جوهر الكتاب: لقد كشف الطوس في كتابه هذا عن تفاصيل عمل الخلية الفدائية "جبل الخليل"، التي نفذت عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي على مدار 3 سنوات، أنه تم استهداف أفرادها جميعا عام 1985، وهم: علي خلايلة، ومحمد نفيعات، ومحمود النجار، ومحمد عدوان، وكانت المعجزة -كما يصفها في كتابه- أنه خامسهم، وكان أصيب بجروح بليغة، واعتقد الجميع أنه استشهد، حتى أن أهله فتحوا بيت عزاء له، ولكن تبين أنه مصاب وتعافى مع سنوات اعتقاله الطويلة (https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2021/10/1/)[1].

ثانيًا: ثورة متأججة ثم تراجع: فقد كانت العمليات العسكرية الفدائية ترعب العدو وتقلقه؛ ففي عام 1969م بلغت العمليلات نحو (30) عملية يوميًّا (الكتاب، ص: 15)، وأصبحت (850-900) عملية شهريًّا عام 1970، تراجعت لتصبح بالعشرات ثم أقل مع نهاية 1975م (الكتاب، ص: 21). وهذا الأمر بحاجة إلى مراجعات بحثية وتحليلية.

ثالثًا: "الطوس" أسير ومقاتل منذ نصف قرن ونيّف: عندما تقلب سيرة هذا الأسير البطل، المنشورة هنا وهناك، تجد الجميع يتوقف عند اعتقاله الأخير سنة 1985م، ولا يُشار إلى أن  "الطوس"، الذي عاش يتيم الأم، قد تم اعتقاله لأول مرة وهو بعمر الطفولة في 07/10/1970م، بتهمة حيازة أسلحة، فخرج من التحقيق لأنه لم يكن يملك شيئًا حينها (الكتاب، ص: 15). وهرب من السجن عام 1975م، ثم أعيد إلى المعتقل ليخرج سنة 1981م (الكتاب، ص: 23-24)، ويُعتقل مرة أخرى في 1982م ليُمارس المحققون شتى أصناف التعذيب بحقه، فيخرج دون الاعتراف عما لديه من أسلحة في 21/3/1983م (الكتاب، 29-30، 39)، واعتقل مرة أخرى لمدة عشرة أيام في 31/01/1985م، وتعرض للتعذيب حتى شارف على الموت (الكتاب، ص: 55-59).

أي أن "الطوس" دخل الأسر سبع مرّات، بين عاميّ 1970م و1985م، وأن الـ (37) عامًا هي المدة التي تفصلنا عن آخر أسْر له. وأنه على المؤسسات الوطنية المعنية باحتساب سنوات الأسر أن تتوقف عن الحديث عن (37) عامًا؛ لأن النوات الخمسة عشر السابقة هي سنوات أسْر وتعذيب ومطاردة وأعمال تنظيمية مختلفة، وقتال مباشر مع الاحتلال. كما أنه على وسائل الإعلام أن تكفّ عن هذا الحديث أيضًا. 

رابعًا: الأسير "الطوس" يقود مجموعة مسلحة: خلال الفترة الممتدة بين 1983م-1985م تنتظم الخلية العسكرية التي يقودها الأسير "الطوس"، بما توفر لديها من الأسلحة، بقليل من الخبرة وعدم التدريب (الكتاب، ص: 55).

يسرد الأسير "الطوس" بشئ من التفصيل، على مدى السرديات 6-9 عمليات المطاردة والعمليات القتالية (الكتاب، ص: 72-136)، والانتقال من كهف إلى آخر ومن بيت مموه صنع يدويًّا إلى آخر، في المنطقة الممتدة بين شمال بيت لحم حتى جنوب حلحول، لينتهي الامر على يد "جاسوس" يعمل مع الاحتلال، إذ سلّم المجموعة لمخابرات الاحتلال وجنوده، في خريف 1985م، وفق عمليّة خداع مدروسة جيّدًا، فاستشهد جميع الفدائيين في المجموعة، قبل الأسر وبعده، ما عدا "الطوس" الذي قدّر الله له أن يبقى بيننا يشهد على مرحلة يكاد النسيان أن يطويها.       

خامسًا: الأسير "الطوس" يحلق خارج السجن: كما عوّدنا أسرانا الأبطال، واستكمالًا لما ذكر أعلاه، فإن "الطوس" يحلّق خارج السجن، فيجوب فلسطين، وينطلق في جولات بين المحيط والخليج، ويتحدث عن تسلسل الأحداث التي تخص فلسطين وشعبها –داخل الوطن وخارجه- والتي تخص عددا من أقطار الأمة، حاملًا هموم وطنه وأمته بمسؤولية وهمّة عاليتين، ومستذكرًا مرارة المؤامرات وظلم ذوي القربى، داخل فلسطين وخارجها. ويختصر دوره تجاه شعبه وتجاه الأجيال القادمة بالقول: "لا يمكنني التحدث عن ذاتي بدون الحديث عما يشغل فكري في الماضي والحاضر ومستقبل أولادي" (الكتاب، ص: 29).

خاتمة واعتراف،

إن الأسير "الطوس" وهو يكتب عن تجربته النضالية ويوثق لها يسهم في حياكة بساط واسع شارك فيه نحو مليون فلسطيني، لكل طرزة فيه حكاية مشبعة بالإرادة والصمود والقدرة على المواجهة التي لولها لما كانت فلسطين، ولما كان لنا هويتنا التي نزهو بها، رغم أنف قوى دولية وإقليمية اجتمعت على محو الشعب الفلسطيني وإنشاء الدولة العبرية على أشلائه. وكان للأسرى الدور الأكبر في صياغة المعادلة الوطنية على أرض فلسطين على المستويات كافة.

وأنا أغادر هذا الكتاب الذي خطّه الأسير "محمد الطوس" الذي يجمعني به أنني من مجاييله، كما أن نجله "شادي" من مجاييل ابني البكر "فادي"؛ فيكون لكل كلمة أقرأها له أو عنه وقع خاص في نفسي، ففي سيرته سيرة جيل نحن من مكوناته، بآلامه وآماله. كما أنني أعترف أيها الحبيب بالخجل أمامك عندما سهرتَ الليالي وسط الأشواك، وبين الأفاعي والجوارح، ونحن نأخذ فرصنا في التعلم ورغد العيش.. عندما كنت تقاتل دفاعًا عن عزتنا وكرامتنا، ونحن مقصرون تجاهك وتجاه رفاقك الأسرى والشهداء والجرحى.  

هكذا، فإن الجبل الذي عمرته، أنت ورفاقك في السلاح، برصاصاتكم الثائرة في وجه الظلم والطغيان، سيبقى حرًّا شامخًا لن تهزه رياح الغطرسة الاحتلالية، وستبقى عينه يقظة تحتضن الثورة والثوار وتوفر لهم الأمن والأمان، ترصد المحتلين وأعوانهم ومريديهم، فتنبذهم وتحطم مؤامراتهم التي يحيكونها في الظلام!

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 05/10/2021م



[1] فادي العصا. 2021. "عين الجبل".. سيرة مقاوم فلسطيني معتقل منذ 37 عاما. وفق الرابط الآتي (شوهد في 4/10/2021).

 

https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2021/10/1/

إرسال تعليق Blogger

 
Top