ليس من السهل الكتابة عن الشخصيات العامة في المجتمع، فالمعلومات الغزيرة المتوفرة قد تفرح الباحث أو الكاتب، إلا أنها، في ذات الوقت، تسبب إرباكاً؛ لتعدد بياناتها وبيناتها. وإذا كان "المبحوث" شخصية جماهيرية، متعددة المحاور والأبعاد، ومتشعبة العلاقات؛ فإن ذلك يفتح آفاقاً رحبة للتأويل؛ ببعديه الإيجاب والسلبي. وكلما ارتفعت وتيرة جدّيّة "المبحوث" وصلابته في اتخاذ قراراته، كلما اتسعت مساحة (المُنْتَقِدين)، تلك المساحة التي لا تنتقص من قيمة الشخص ولا من قدره، بقدر ما هي تعبير عن الغضب، وعدم الرضا عن قرارات يثبت، فيما بعد، أنها كانت للصالح العام ولرفعة المجتمع، ولم تكن موجهة ضد أحدٍ بعينه.
أما الشخصية العامة، قيد البحث والدراسة، فهو المرحوم الأستاذ "حسني الأشهب" الذي كان آخر مسمياته الوظيفية "مدير تربية القدس"، والذي أطلق إسمه على مدارس مديرية تربية القدس التابعة لوزارة التربية الفلسطينية.
إن الحديث عن "حسني الأشهب" يعني الحديث عن حقبة زمنية ممتدة بين مولده في العام 1917، ووفاته في العام 1998، وما جرى في تلك الحقبة من أحداث على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. ونظراً لأن المرحوم خليلي-مقدسي المولد، والنشأة والانتماء. فقد كان للأحداث التي مرّت بها فلسطين، بشكل عام، والقدس بشكل خاص بالغ الأثر على شخصيته التي أصبحت متعددة الأبعاد والمرتكزات.
وبعد البحث والتمحيص، تبين لي أننا أمام "حسني الأشهب"؛ التربوي المنتمي لكل أبجديات التربية، والسياسي-الوطني الكاره للاحتلال وأعوانه ومريديه، والإداري الحازم؛ الذي لا يخشى في العمل غضب مقصّر. تلك السمات والخصائص البارزة، التي سوف نتطرق لها وفق الأبعاد التالية:
أولاً: البعد التربوي: نظراً لأن عمله في التربية هو السمة الطاغية على شخصيته وإنجازاته عبر العقود التسعة التي عاشها؛ فإنه من الطبيعي أن تكون مساحة حسني الأشهب-التربوي هي التي تحتل الصدارة عند الحديث عنه. فقد عمل معلماً، ومدير مدرسة، ومدير تربية، ورئيس قسم في وزارة التربية والتعليم. كما أنه (خَبر) معظم الجغرافيا الفلسطينية-الأردنية؛ عندما عمل في الخليل، والقدس، وعمان، والكرك ومعان... الخ.
لذلك؛ نجد أن معظم من تم مقابلتهم ممن يعرفون المرحوم "حسني الأشهب" قد ركزوا على هذا البعد؛ لأنهم ارتأوا فيه مكوناً هاماً من المكونات والعناصر التي شكّلت الحدث الأبرز، على المستوى الوطني، عندما واجه المقدسيون عملية "تهويد القدس" التي بدأ الاحتلال بممارستها، منذ اللحظة الأولى لاحتلاله القدس. ومما قاله معاصروا "حسني الأشهب" في هذا المحور، أنه "حافظ على حق أبناء القدس في التعليم العربي".
إذ يرى "سمير جبريل"/ الذي يشغل نفس المنصب الذي شغله "حسني الأشهب"؛ مديراً لتربية القدس: بأن "حسني الأشهب" تصدى لسياسة الاحتلال وقوانينه المدعومة بآلته العسكرية والأمنية والإدارية؛ لفرض مناهجه التعليمية على مدينة القدس. حيث جمع "حسني الأشهب" من حوله نخبة من المعلمين الأوفياء، الذين استجابوا لنداء الوطن وكانوا الدرع الحصين في حماية الوعي والانتماء وتثبيت الهوية لأجيال القدس. كما أننا أمام إنسان وضع نصب عينيه الوطن كما كان يراه، من خلال شفافية العلم والتعليم؛ فرسم صورة للقدس، ولم تحرف الألوان المزعجة التي كان سكبها الاحتلال على هذه الصورة نظرته، لتغيير ملامحها، فبقي متمسكا بالصورة التي تروي حكاية القدس الفلسطينية ومستقبلها بالعودة والازدهار في أحضان الأمة.
ويرى "جاك خزمو" أن لـ "حسني الأشهب" دوراً بارزاً، وبطولياً، في الحفاظ على المنهاج العربي بالقدس؛ برفض تطبيق المنهاج الاسرائيلي على مدارسها. كما يشير "طاهر النّمّري" إلى أن الطلبة أحجموا عن التوجه لتلك المدارس، حيث أن المدرسة الرشيدية الثانوية كانت تضم 39 معلماً و(12) طالباً فقط.
وفي النهاية؛ هناك إجماع على أن الاحتلال (أُرغِمَ) على القبول بتعليم المنهاج العربي في مدارس القدس، وحتى في المدارس الرسمية التابعة لبلدية الاحتلال. ولهذا، كله، قصة يلخّصها التربوي-المقدسي "طاهر النّمّري"، كما يلي:
1) لجنة المعلمين السريّة قادت التعليم في القدس: إذ أنه عند احتلال القدس في حزيران من العام 1967، حاول الاحتلال الهيمنة عليها؛ بضمها وتطبيق قوانينه عليها؛ فقام بمصادرة كل مخلفات الحكومة الاردنية. فتحرك "حسني الأشهب"/ رئيس مكتب التربية، لتشكيل مجموعة "بؤرية"؛ كخلية أزمة، تتكون من: حسني الاشهب، فوزي جابر، طاهر النّمري، عليَّة نسيبة وفاطمة ابو السعود، إبراهيم الباشا وعبد الجليل النتشة. وحملت هذه المجموعة مسمى "لجنة المعلمين السريّة": رئيسها "حسني الأشهب"، وأمين سرّها "النّمّري" وجسر الاتصال فيها المعلمتان: عَليّة نسبية وفاطمة أبو السعود.
فكانت هذه هي القيادة المكلفة بالمحافظة على مناهج التعليم العربي في مدينة القدس. وهكذا استمر العمل الجاد والفاعل، بقيادة "حسني الأشهب" الذي كان يوجه السياسات التربوية العليا، بالتنسيق "الدائم" مع الحكومة الأردنية.
2) اعتقال وملاحقة: فعندما استشعر الاحتلال تأثير هذه المجموعة قام، بعد ستة أشهر، باعتقال أعضاء اللجنة من الرجال، بالإضافة إلى المرحوم "أحمد عبد اللطيف". فأجرى ضباط مخابرات الاحتلال (وهم أكاديميون كذلك) تحقيقات-حوارية مع المعتقلين انتهت بصمودهم واضطرار الاحتلال الإفراج عنهم بعد (44) يوما.
3) استخدام المدارس المرخّصة ومضاعفة أعدادها: ففي العام 1967 كان هناك (48) مدرسة (حكومية) ألحقها الاحتلال بوزارته (المعارف) وعيّن مديرين لها. فكان رد اللجنة السرية (برئاسة "حسني الأشهب") أن قامت بتشكيل مدارس "بديلة"، وهي المدارس الخاصة الخمسة التالية: الفتاة اللاجئة, النظامية, النهضة, الروضة والأيتام الإسلامية. حيث قام "حسني الأشهب" باستئجارها واستخدام تراخيصها، وعندما فاضت أعداد الطلبة والمعلمين عن إمكانات الاستيعاب، وبغرض الاستفادة من التراخيص؛ قام بـ "تفريع" كل مدرسة إلى مجموعة مدارس أخرى تحت نفس المسمى، ولكل منها رمز خاص (أ، ب، ج... الخ).
بمرور الزمن، وبالإصرار ومضاعفة الجهود، وباستصدار تراخيص لمدارس أخرى؛ أصبح الآن في القدس (45) مدرسة، تشكل مديرية تربية القدس؛ تدار (مباشرة) من قِبل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
4) جناحان ينطلقان بالقدس نحو عروبتها: فمع دخول الاحتلال، في العام 1967، كان في القدس (38) مدرسة: أهلية، وخاصة، وطائفية. التزمت (جميعها) بالمنهاج الأردني. وتم التوافق، فيما بينها، لتشكيل (قيادة) مشتركة بإسم "لجنة المدارس الخاصة بالقدس"؛ رئيسها أ.عبد المحسن جابر (الذي كان يعمل بتوجيهات مباشرة من "حسني الأشهب".
يضيف "م. هزّاع الأشهب": الأب "ألبرت روك"/ مدير مدرسة تراسنطة كان مؤازراً قوياً لـ "حسني الأشهب"، وأن المدارس الخاصة المسيحية فتحت ابوابها له وللعاملين معه، كما فتحت الآفاق لاستخدامها بما يحفظ للقدس عروبتها. كما يشير "طاهر النّمّري" إلى تلك العلاقة المتينة القائمة على الحب والتقدير بين المرحومين "حسني الأشهب" والمهندس "حسن القيق"؛ مدير المدرسة الصناعية الثانوية في بيت حنينا، الذي وضع مدرسته وإمكاناتها في خدمة الأهداف التي سعى إليه المرحوم حسني الأشهب وصحبه.
بذلك؛ نجد أنفسنا أمام حقيقة، نعتز بها، وهي أن "عروبة" القدس ما كانت لتتحقق بدون تعاضد جناحيها؛ من المسلمين والمسيحيين، الذين يعلمون، منذ العهدة العمرية، على تربية أبنائهم على قيم المحبة والتعاون والتعاضد في مواجهة الاحتلال وأعوانه، في مختلف الحقب والعصور.
من "أطرف" التعليقات على الإنجاز الوطني المتعلق بضمان عروبة التعليم، ما قاله بعض المغرضين والمزايدين، من ذوي الأفق الضيق: بأن "حسني الاشهب" وفّر المال على خزينة الاحتلال!! ويَرُد "م. هزّاع الأشهب" على ذلك بأن ما أنجزه "حسني الأشهب" ورفاق دربه قد فتح الآفاق، الرحبة، لأبنائنا المقدسيين لكي يكملوا تعليمهم في الجامعات العربية؛ التي ما كانت لتقبل بهم لو أنهم تخرجوا من الثانوية العامة وفق المنهاج الاسرائيلي.
ثانياً: البعد السياسي-الوطني:
يشير "محمد أكرم الأشهب" إلى أن "حسني الأشهب" كان كتوماً؛ لا يبوح لأحدٍ بما يختزن في داخله، بخاصة في القضايا السياسية والوطنية، كما يروي "م. هزّاع الأشهب" أن الاستاذ حسني الأشهب تخصص في الكيمياء وتخرج من الكلية العربية عام 1935، وانضم الى الثورة ضد الانجليز فور تخرجه، فهدم الجيش بيته في الخليل الذي كان معقلا للثوار في العام 1936. بعد ذلك درس الحقوق في جامعة بغداد، الا أنه انقطع عن الدراسة ليلتحق مع رفاقه من القوميين بالثورة الفلسطينية، عام 1946، الذين انضموا فيما بعد لحزب البعث في بداية نشأته؛ فكان المرحوم "حسني الأشهب" عضوا في المؤتمر التأسيسي الأول للحزب في لبنان، وكان المرحوم قد طورد ونفي وسجن طوال مسيرته النضالية.
ومما يرويه من قابلتهم؛ أن "حسني الأشهب" و"بهجت أبو غربية" رفضا رفضاً مطلقاً أي عملية تسليم رسمي للقدس عند احتلالها في العام 1967. كما كان "حسني الأشهب" يشكل "حاضنة" للسياسيين من المعلمين الذين كانت تقوم سلطات الاحتلال بفصلهم، لأسباب تتعلق بانتماءاتهم التنظيمية، عندما كان يفتش عنهم ويسعى لتوظيفهم في المدارس التي كان يشرف على إدارتها في القدس، ومن الأمثلة على ذلك:
1) يروي محمود شقير في مذكراته التي كتبها "محمود الكعبي" أنه عندما تم فصله، هو وزميله، من إحدى المدارس (الخاصة)؛ لأسباب سياسية، قام "حسني الأشهب" بتعيينهما في مدرسة دار الأيتام الثانوية المسائية الواقعة في طريق الواد في البلدة القديمة .
2) كما أنه استدعى كاتب هذه السطور بعد أن تم فصله من قبل سلطات الاحتلال/ من مدرسة بنات أريحا الثانوية؛ لأسباب سياسية، فطلب منه التوجه إلى المرحوم "نهاد أبو غربية"/ رئيس الكلية الإبراهيمية بالقدس، حيث تم تعيينه معلماً في تلك الكلية الرائدة.
ثالثاً: البعد الإداري-الحازم:
اتبع "حسني الأشهب" أسلوباً إداريًا، سمته الرئيسة الحزم، والشدّة، وعدم التهاون في تنفيذ التعليمات وإدارة الوقت والقيام بالواجب على أكمل وجه، دون نقصان. ومن الأمثلة على ذلك ما يرويه د. ادريس جرادات :
1) عندما كان مديراً لمدرسة الحسين في الخليل بأن طلب من الطلاب أن يحضروا أولياء أمورهم، وكان شقيقه من بين الطلاب وأصر على شقيقه أن يحضر وليه أمره، فذهب وأحضر عمه؛ مما يعني أن "حسني الأشهب" لم يكن ليجامل الخاص على حساب العام.
2) ذات مرة دخل إحدى غرف القاعة وسأل أحد المعلمين المراقبين على الامتحان: ما رأيك بالأسئلة؟ فأجاب المراقب: سهلة، فسأله "حسني الأشهب": هل قرأتها جيداً؟ فقال: نعم. فكان قرار "حسني الأشهب" نقل المعلم من المراقبة في القاعة لأنه خالف تعليمات عمل المراقب في قاعة الامتحانات.
ويروي "م. هزّاع الأشهب" أنه في الخمسينيات من القرن الماضي، بينما كان "حسني الأشهب" مديراً لمدرسة الحسين بالخليل، استجاب لفكرة طلبة المدرسة القادمين من قرى محافظة الخليل المبيت في المدرسة، وأضاف عليها قراراً مفاده أنه على المعلمين الحضور إلى المدرسة، ليلاً، لتدريس الطلبة والإفادة من أوقات مكوثهم في المدرسة.
كما يذكر "محمد أكرم الأشهب" أن "حسني الأشهب" كان شديد الانتماء لعمله، ويدلل على ذلك بأنه كان يستقل (شاحنة) يدور فيها خلف السيارة التي توزع أسئلة الثانوية العامة على القاعات؛ لضمان المحافظة على سرّية الأسئلة.
ويروي السيد يونس جدوع أنه في أوائل الستينيات من القرن الماضي؛ وحيث كان "حسني الأشهب" مفتشاً في تربية محافظة القدس (تشمل ألوية بيت لحم، رام الله وأريحا)، كان هناك أربع معلمات يدرسن في إحدى القرى، وأن المدرسة تبعد عن الشارع العام للقرية حوالى (300) متراً. وكان لكل منهن زوجان من الأحذية النظيفة؛ أحدهما تنتعله المعلمة من بيتها إلى حين مغادرتها للباص على الشارع العام، والآخر (مهترئ) تحمله لها طالبه؛ لكي تنتعله من الباص إلى المدرسة.
عندما علم "حسني الأشهب" بذلك توجه إلى المدرسة حوالي الساعة 7 صباحاً, فجلس في سيارته يراقب المشهد، إذ حضرت المعلمات، بعد تأخر حوالى ساعة عن وقت الدوام الرسمي، فتمت الإجراءات، كالمعتاد، أمام ناظريه. فانتظر حتى تمت العملية (بنجاح) وتوجهت المعلمات للمدرسة، ثم لحق بهن وأبلغهن عن مشاهدته لما حدث، وسألهن: هل يحق لكنّ استعباد الطالبات وإهانتهن بهذا الشكل؟ وهل هذا رسالتكن التربوية لطالباتنا؟!
ثم أصدر تعليماته (العقابية)؛ بنقل إحداهن إلى الشونة الجنوبية، والثانية إلى الطفيلة (استقالت فوراً) واثنتين منهن نقلتا إلى مدارس شمال الضفة الغربية.
رابعاً: البعد الاجتماعي-التربوي:
تشير أرشيفات العديد من المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية إلى أنه كان لـ "حسني الأشهب" دور ما فيها، مباشر أو غير مباشر، سواء على مستوى التأسيس أو التطوير أو الحماية من الانهيار والتلاشي، مثل: جامعة القدس، كلية الأمة، معهد بوليتكنيك فلسطين (الذي أصبح جامعة)، مستشفى المقاصد وغير ذلك مما يصعب حصره في هذه العجالة. كما أن المكتبات (تعتمر) بآثاره من الكتب العلمية، والكراسات، والأطالس... الخ، التي استخدمت للتعليم في شتّى التخصصات.
وفي إشارة إلى دور المرحوم "حسني الأشهب" في المحافظة على شخصية الإنسان المقدسي وهويته، تقتضي الأمانة أن أذكر جملة قالتها السيدة "الشيماء البديري"؛ واحدة من أبناء الجيل الذي نهل من إنجازات حقبة "حسني الأشهب"، إذ تقول: رحم الله حسني الأشهب وصحبه الكرام، الذين لولاهم لما تعلمنا العربية؛ ولكنّا نتجرّع العبرية في كل شأنٍ من شئون حياتنا.
كما أنه لا يمكننا المغادرة قبل أن نذكر ما قالته السيدة "سامية بركات" بشأن الجهود التي بذلها "حسني الأشهب" منذ العام 1974، من أجل إنشاء إسكان للمعلمين الذي عملوا معه، حيث بدئ بالمشروع ليخدم (58) معلماً ومعلمةً، فتدخل الاحتلال عندما كان المشروع في بير نبالا على مساحة (64) دونماً؛ حيث دمر ما تم بناؤه. ثم تم شراء (20) دونم في بيت حنينا، لينتهي الأمر بالحصول على رخصة البناء في العام 2002؛ أي بعد وفاة المرحوم "حسني الأشهب"، فأكمل المسيرة بعده السيدة سامية بركات/ رئيسة للجمعة، والمرحوم حسن القيق أميناً للسر، ليستمر هذا المشروع من نجاح إلى نجاح.
لقد زرع هؤلاء فأكلت من نتاجهم (58) عائلة مقدسية، ومن ينسل من ذريتهم، جيلاً بعد جيل، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ينعمون بالعيش الكريم، والسكن الآمن على تلة جميلة في بيت حنينيا؛ ذلك الحي المقدسي الذي يسعى الاحتلال لابتلاعه بكل السبل.
ختاماً؛ إذا كان من الجميل أن تكتب عن شخص قرأت عنه أو سمعت به، فإنه من الأجمل أن تكتب عن شخص عرفته مباشرة، لكي تكتمل الصورة. ففي لقائي الأول معه، عام 1980، تعلمت من "حسني الأشهب" تواضع المسؤول، وحسن خلقه؛ عندما تجتمع في شخصه صفات الحزم، والقوة، والشدة التي تلتحم مع الحلم والعطف ومحبة الآخرين. وفي لقائي الثاني معه قبيل وفاته رأيته، بأم عيني، في وزارة التربية والتعليم برام الله، وهو يتّكئ على المرحوم "عبد المحسن جابر"؛ نائبه في ذلك الحين. وقد حضرا للمطالبة بحقوق المقدسيين في التعلم والتعليم؛ فتعلمت درساً آخر، وهو: أنه على كل منا أن يستمر في العمل والإنتاج، حتى الرمق الأخير.
هنا؛ نسجل لهذا الرجل، الذي لا يحتاج إلى شهاداتنا، أنه اعتلى صهوة التعليم في القدس؛ فذاد عن عروبتها، كفارس شجاع يدافع عن حياته وعرضه وماله..
رحم الله "حسني الأشهب" وصحبه، الذين ذادوا عن القدس وأهلها، عندما بَنَوْا فأحسنوا البناء، وشيّدوا فأبدعوا، وبثّوا الأمل في النفوس فجعلوا في القدس من يذود عنها من جيل إلى جيل. إنهم، بذلك، سنّوا سنة حسنة، لهم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين. وهذا يحتّم علينا أن نفي لهم؛ بالكتابة عنهم والتوثيق لسيرهم ومسيراتهم في "كتب" متخصصة لهذه الأغراض، وهذا ما نحن مقبلون عليه في قادم الأيام بمشيئة من الله وتوفيقه.
aziz.alassa@yahoo.com
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 13 أيلول، 2014
نُشِرَ في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 19/9/2014م، ص22
إرسال تعليق Blogger Facebook