نشر في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 15/04/2015، ص: 17
قراءة:
عزيز العصا
صدر،
قبل بضعة أيام، عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" التقرير الاستراتيجي الذي ناقش المشهد
الإسرائيلي في العام الماضي (2014)، تحرير: د. هنيدة غانم، ومشاركة سبعة باحثين
متخصصين في الشأن الاسرائيلي، يقف كل منهم على رأس مشهد من المشاهد السبعة
التالية: العلاقات
الفلسطينية الإسرائيلية، السياسي- الحزبي الداخلي،
العلاقات الخارجية الإسرائيلية، الأمني– العسكري، الاقتصادي، الاجتماعي ومشهد
الفلسطينيون في إسرائيل.
لا شك في أننا على تواصل يومي
بتلك المشاهد، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا أن هناك مشهدًا منزويًا عنا، إلى حد
ما، أعتقد بأهمية تسليط الضوء عليه، وهو مشهد "العلاقات الخارجية
الإسرائيلية". ذلك المشهد الذي رمقه "د. مهند مصطفى" بنظرة أفقية
متفحصة لعلاقات "إسرائيل" الخارجية، التي تخضع إلى استراتيجية
"إدارة الأزمات وليس حلّها"؛ بمعنى "المحافظة على تلك العلاقات
بحدها الأدنى من الاستقرار". وتتم هذه الإدارة بأداة رئيسية وهامة وهي
"الإرهاب" ومحاربته، الذي تجعل منه إسرائيل مركبًا أساسيًا من مركبات
العلاقات التي تربطها بدول العالم المختلفة، في حين أن الأداة الرئيسية لإدارة
الصراع مع الفلسطينيين هو "مطلب نتانياهو للفلسطينيين بالاعتراف بيهودية
الدولة".
بقراءة متمعنة لهذا المشهد، نجد
أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق المتعلقة بالعلاقات الممتدة لإسرائيل على مستوى
العالم، والتي لا بد من التعرف عليها، منها:
أولًا: إن علاقة
"إسرائيل" بكل من الأمريكان والأوروبيين تقوم على عدم الوصول إلى الذروة
في الصراع؛ أي نقطة إنهاء الأزمة أو تفجيرها. ولا أحد يعلم ماذا سيتغير على الموقف
الإسرائيلي حال وصول الأمر إلى هذه النقطة. كما أن فعاليات المقاطعة (BDS)، وغيرها من الفعاليات المناوئة لإسرائيل، لم تؤثر على العلاقات الخارجية الإسرائيلية، حتى
أنها تعمل على خلق أسواق جديدة. وأن الموقف الأوروبي ليس عدائيًا لإسرائيل، وإنما
يكون على شكل ضغوطات تستطيع اسرائيل استيعابها، طالما أن الأمر لم يصل إلى
"العصب الموجع"؛ لأنه عند وصوله إلى هذا العصب ستقوم اسرائيل بتغيير
سياستها. ويستشهد الباحث على "عصب موجع" جعل الحكومة اليمينية
نتانياهو-بينيت تغير سياستها، هو مطالبة الاتحاد الأوروبي بإخراج المؤسسات
والأنشطة الأكاديمية الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ثانيًا: على مستوى بقية
العالم: فقد تمكن "ليبيرمان"؛ وزير الخارجية خلال العام 2014 من بناء
شبكة علاقات "عميقة" في أفريقيا، بمستوى تعاون أمني وعسكري وسياسي
واقتصادي. وأما الأداة الرئيسية لإدارة هذه العلاقات فهو ما أطلق "الإرهاب
الإسلامي"، وتتجلى هذه الصورة في العلاقة مع نيجيريا التي اتكأت على اسرائيل
في محاربة بوكو حرام، وقد كان لتلك العلاقة انعكاس واضح على دور نيجيريا في إفشال
القرار الفلسطيني في مجلس الأمن.
بخصوص العلاقة مع الهند، وهي
علاقة تاريخية، فإنها في حالة تصاعد كبير جدًا، وأن إسرائيل هي الدولة الثانية،
بعد روسيا، المصدرة للسلاح إلى الهند، وأن هذه العلاقة سوف تتعمق أكثر بعد صعود
اليمين في الهند إلى سدة الحكم، بقيادة "ناريندرا مودي"، وتشترك إسرائيل مع الهند في أكثر
من مشهد: فإلى جانب يمينية القيادتين، يعتقد كلاهما بأنهما يتشاركان في محاربة
"الإرهاب الإسلامي"، كما أن كلًا منهما يطور سياسة قومية تربط الدولة
بالمجموعة الإثنية-الدينية المهيمنة.
وبخصوص العلاقة مع الصين، فإنها تقوم
على تغلغل الاستثمار الصيني في اسرائيل؛ كشراء الصين لشركة "تنوفا" ولـ
حوالى 60% من الشركات الكيماوية في إسرائيل، بالإضافة إلى أن الشركات الصينية
ستقوم بشق سكة حديد الجنوب (في إسرائيل). وبشأن العلاقة مع روسيا، فهي على ما
يُرام، وتجلت في أحسن صورها عندما تغيبت إسرائيل عن التصويت على شجب السياسة
الروسية تجاه ضم شبه جزيرة القرم، مما أغضب الولايات المتحدة.
أما العلاقات مع تركيا، فتتراوح
بين المدّ والجزر، إلا أنها علاقات مركبة؛ فالعامل الاقتصادي لم يعد يتأثر
بالعلاقات السياسية التي تتوتر بين الحين والآخر. وأما علاقة إسرائيل بإيران فتقوم
على استراتيجيتها القائلة بأن المشكلة في إيران هي مع النظام وليس مع النووي، كما
يتردد على مسامعنا، كما أنها تعزز علاقاتها مع الساحة الخلفية لإيران (والعراق
طبعًا) في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
ثالثًا: على مستوى الوطن
العربي؛ يتضح من هذا البحث أن الوطن العربي، مضافًا إليه باقي دول الإقليم، لم تعد
مصدرًا للأزمات، وإنما هي، فرادى ومجتمعة، مصدرًا مريحًا للحلول. ويستشهد الباحث
على ذلك بالدور المصري في التهدئة خلال "أزمة غزة"، وكذلك التقاء
المصالح بين الدولتين بشأن مواجهة ما يسمى "الإرهاب في سيناء"، والدور
الأردني في القدس الذي ترى فيه إسرائيل مصدرًا لتسويات في القدس بمستوى تهدئة
الأوضاع في المدينة.
ويبقى القول بضرورة لفت النظر
إلى أن المصلحة الاستراتيجية العليا لإسرائيل تقوم على تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ
في الوطن العربي؛ لضمان خروجه، لأطول فترة ممكنة، من معادلة الصراع كجزء من
الأزمات التي تواجهها، والإبقاء عليه ضمن مساحات حلول الأزمات وتفكيكها. ولعل أوضح
مثال على ذلك، ما تشهده السياسة الإسرائيلية الإقليمية من عودة "منظور بن
غوريون لسياسة الأطراف"، والتي تتضمن دعم إقامة دولة كردية (وهي في طريقها
إلى ذلك) ودولة في جنوب السودان (وقد تم إنجازها بالفعل). وأما على مستوى ما يجري
على الأراضي العراقية والليبية واليمنية (وبالتالي السعودية)، فإن إسرائيل ليست
ببعيدة عنه، إذ أنها تتبادل المصالح مع دول الإقليم الأخرى، بخاصة تركيا وإيران،
من أجل ضمان المزيد من التفتت والتشرذم في الوطن العربي، بما لا يهدد وجودها أو
مصالحها في المنطقة.
هكذا؛ نجد أن علاقات إسرائيل
الخارجية غير متضررة، لا بشكك مباشر ولا غير مباشر، بل أنها تتعزز يومًا بعد يوم
وتتعمق في مختلف الدول. وأن ما قد يسميه البعض "توتر" في العلاقات مع
أمريكا، فإنه مسيطر عليه تمامًا؛ لأنه لا يمس "المسلمات" المتمثلة
بالتزام الولايات المتحدة نحو وجود إسرائيل وأمنها وضمان هيمنتها في المنطقة. أما
التوترات مع أوروبا، التي نسمع بها بين الحين والآخر، وبالرغم من اعترافات عدد من
البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، فإن الوضع "منضبط" ولم يمس
العصب الموجع لإسرائيل.
أما الوطن العربي فيعاني المزيد
من التفتيت والتشرذم، وتعميق العداوات الداخلية بين مكوناته وأطيافه السياسية
والاجتماعية، يقابله تمدد إسرائيل وتعمقها في العالم، في جميع الاتجاهات. وسيبقى
التاريخ شاهدًا، ولن يرحم كل متقاعس ومتخاذل أسهم في حالة التشظي هذه؛ من خلال
التعاون من الأجنبي المستعمر ضد الأمة وحقها في الوجود وفي توظيف ثرواتها لصالح
أبنائها.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 09/04/2015م
إرسال تعليق Blogger Facebook