دينا سليم في "جدار الصمت": رواية سيرية حزينة.. بنكهة نسوية؛ تهشم جدران الصمت الذكورية قراءة: عزيز العصا

دينا سليم في "جدار الصمت":

رواية سيرية حزينة.. بنكهة نسوية؛ تهشم جدران الصمت الذكورية

نشر في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 3 تموز، 2015، ص: 22

                              

                           عزيز العصا

http://alassaaziz.blogspot.com/

aziz.alassa@yahoo.com

دينا سليم؛ روائية فلسطينية، ولدت بين النكبة والنكسة؛ فعاشت تفاصيل الطفولة المنكوبة، وعايشت وجع ضياع ما تبقى من الوطن. أنجزت سبع روايات خلال عقد من الزمن، أودعت فيها تجاربها الحياتية بقلم رفض الانحناء أو التقوقع داخل المرأة التقليدية التي أرادها الزوج (ومجتمعه) بذكوريّته الطاغية.    

أما العمل الأدبي الذي نحن بصدده، فهو روايتها "جدار الصمت"، الصادرة عن دار الجندي للنشر والتوزيع في العام (2015)، وتقع في (285) صفحة من القطع المتوسط، احتضنت (44) محطة سردية.

تطل علينا "دينا سليم" منذ بدايتها المبكرة، بكلمات مشبعة بالوجع والألم، لتقول لنا قبل السرد: "قمت بتدوين هذه الرواية مباشرة بعد وفاة ابني "باسم" سنة 2014". وبهذا؛ تومئ لنا الكاتبة بأننا أمام رواية سيرية بامتياز. وهذا ما يجده القارئ؛ فقد قامت الكاتبة ببناء الشخصيات، الرئيسية والثانوية، من الواقع الذي تعيشه الروائية نفسها، بالإضافة إلى بعض الشخصيات التخيلية التي وظفتها في خدمة النص ضمن مساحة محدودة، علمًا بأن القلق والتوتر الذي عاشته الكاتبة قد انعكس على النص الذي كان قلقًا في جنسه الأدبي؛ عندما تأرجح بين القصة والرواية، وأطلقت عليه "هذا المؤلف"، حتى استقر كرواية سيرية.

وقد أمسكت الروائية نفسها، بدور البطل الرئيس للرواية، وإن كان ابنها شخصية موازية؛ ينافسها البطولة، إلا أنها أبقت على نفسها في صدارة المشاهد. أما الشخصيات الثانوية، فقد جاءت ضمن ضرورات السرد السّيري، كوجود الزوج والبنات والأصهار. بالإضافة إلى شخصيات ثانوية "هشة"؛ دخلت النص، ثم ما لبثت أن غادرته فجأة، دون أن تترك الأثر الذي جيء بها من أجله.      

تتوزع البنية المكانية للرواية على أرض فلسطين المحتلة عام 1948؛ بلد المولد والنشأة، واستراليا (بلد الغربة والاغتراب عن الوطن). وتمتد تلك البنية لتشمل أمريكا وكندا.  وقد شملت العديد من المدن الفلسطينية: عكا، حيفا، يافا، القدس، والعديد من المدن والمقاطعات الاسترالية. أما البنية الزمانية، فلم تخرج عن الفترة الواقعة بين عامي 1978 و2014؛ وهي عمر البطل الموازي (الابن المتوفى).

وكأحد أشكال الوفاء، أجهدت الأم-الكاتبة نفسها لكي تروي تجربتها، وتوظف أحداثها لصالح نص روائي يحتفظ بابنها إلى الأبد، وقد كانت حريصة على إنجاز تلك الرواية لتكون مزيجًا من مشاعر طازجة وليس استحضاراً لها. فقد سعت إلى أن تحتفل بالذكرى الأربعين لوفاة ابنها وقد أختتمت سطرها الأخير، ولكنها استغرقت معها أربعة أشهر بعد وفاته. وبذلك يتضح حجم الجهد المضني في استحضار تلك الحقبة، بما فيها من مفاصل للأعوام: 1985 الذي شهد اكتشاف مرض الإبن ذي الست سنوات ونصف بمرض "اللوكيميا"، والعام 1991 الذي شهد نشوب حرب الخليج، والعام 2005 الذي شهد على الهجرة من الوطن الأم (فلسطين) إلى استراليا، والعام 2014 وهو عام وفاة باسم (البطل الموازي) ومغادرته الأبدية.  

لقد كانت فكرة الرواية واضحة للكاتبة، منذ اللحظة الأولى، وكانت تدرك ما الذي تبغي الوصول إليه، وما الذي تحتاجه للوصول إلى غايتها، علمًا بأن خطتها للرواية لم تكن صلبة وجامدة، بل أعطتها قدرًا من المرونة لإضافة شخصيات أخرى للرواية. ثم تقدم "دينا سليم" لقضيتها الروائية هذه بالإشارة إلى "تجار الموت"؛ الذين لا يهنؤون إلا على عذابات الآخرين وآلامهم وجراحهم، وأكثر ما يزعجهم أن يشفى مريض أو يتعافى سقيم، أو ينهض متعثر.  

وأما الثيمة (القضية) الروائية، فهي وصف "شبه بصري" لآلام مريض وعذابات الأم وتشرد أسرة. فالمريض باللوكيميا؛ ذلك المرض السرطاني القاتل، لا ينفك يقاوم الألم ويتحاور مع الموت؛ مرة يرحب به ومرّات يراوغه ويلعنه ويطرده من حياته، ولكن ينتهي الأمر به إلى القول: "أنا لا أخاف الموت بل أتمناه، أنتظره، وأريده؛ لأنني سأكون في مكان سيصل إليه قليلون". والأم تعيش عذابات ابنها "المريض"، و(تتوحد) مع آلامه لحد قبولها بأي فيروس قادم من ابنها حتى لو أودى بحياتها. وما عدا حالة الارتباك التي واجهتها عند سماع خبر مرض ابنها أول مرّة، تبقى الأم بكامل هيبة "الأمومة" حتى النهاية.

أما الأسرة، المكونة من الأم وبناته الأربع والولد المرض، فقد عانت من  الأب-الزوج الذي لعب "لعبة الحب مقابل الكراهية، البغض مقابل التسامح، والخير مقابل الشر"، فدفعت الزوجة-الأم، وبالتالي الأبناء، ثمن الظلم الاجتماعي، الذي تتعرض له الزوجة التي تتمرد على مفاهيم "مجتمعية" تطالبها بالتنازل عن انسانيتها وأنوثتها، ومتطلبات حياتها كزوجة وكأم، لصالح زوجها الباحث عن الملذات، على حساب سعادة أبنائه واستقرارهم. وتخلق الكاتبة حوارات جميلة ومعمقة تركز، في غالبيتها العظمى، على وصف المشاهد الدرامية، التي تجعل القارئ يتتبعها وكأنها أشرطة فيديو تمر أمام ناظريه.

ولا يمكن للقارئ مغادرة الرواية قبل أن يلمس ملامحها النسوية؛ حيث جاءت الكتابة السردية مشبعة برؤية أنوثية ظهرت على أنقاض الرؤية الذكورية, حتى أزاحتها من طريقها، بعد أن زعزعتها, بل أنها حاولت تفكيك النظام الأبوي, واستبداله بنظام أمومي، أخذ الدور المزدوج للأب والأم، في آنٍ معاً، رغم الغربة وعذاباتها، ورغم المرض الذي كان يفتك بالإبن، الذي أرغمه والده على التخلي عن حقوقه الإرثية، ثم يقوم ذلك الوالد بملاحقة وصية ابنه المتوفى؛ لعله يقتنص منها ما يشبع نهمه وطمعه اللامحدود.  

وطغى على الحوارات بين الشخصيات المكونة للرواية، صيغ الحوار المباشر، دون الإغراق في الرمزيات والطرق اللولبية في إيصال الفكرة للقارئ. وتقاسمت الكاتبة السرد والتوصيف وتصوير المشاهد المختلفة مع ولدها، الذي يكتب أجزاء من سيرته كذلك، حيث تم توظيفها في وصف المراحل المختلفة من مرض اللوكيميا، ودور الأم في المتابعة، في ظل غياب الأب و"هيمانه" مع عشيقته وتخليه عن خدمة أبنائه ورعياتهم أثناء وجود "زوجته" مع ابنهما في المستشفى.

أما الصورة السائدة للحوارات، فقد كانت مشبعة بعذابات أمٍ ترى وليدها يذوي بين يديها ويتألم، على مدار الساعة، دون أن تستطيع فعل شئ يخفف من آلامه وعذاباته. كما جاءت غنية بمشاعر زوجة يخونها زوجها، ثم يحاول إرغامها على "شرعنة" هذه الخيانة والتعايش معها. وتركز مشاعرها تلك في جملة تصف فيها حالها، بالقول: "لا شيء يضاهي عذاب امرأة، لا أصعب من جرح الكبرياء". كما لم يخلُ النص الروائي من الفكاهة ووصف جماليات الطبيعة في الوطن الأم، رغم الألم. وتميزت الرواية بوجود الخيط الروائي، على مدى السرديات،

دون انقطاع، وعزز ذلك البطولة المزدوجة للأم وإبنها؛ فبقي حضور البطل طاغيًا وهو الذي يتحكم في تفاصيل المشاهد.

إلا أن الشخصيات الثانوية، ما عدا الندابتين (دجّانة وبيضاء)، لم تتمكن من الدخول في الحوارات، لإبداء الرأي أو الدفاع عن النفس، كالبنات-الشقيقات اللاتي تم توظيفهن لخدمة النص، بصيغة استعمالية، لا تتعدى الوصف من قبل الراوي و/أو الراوية. حتى "الأب-الزوج" تم استحضاره في الرواية رغمًا عن الكاتبة، وفي ذلك ما يمكن أن نطلق عليه "تمرد الشخصية على الكاتب"، إذ تقول الكاتبة: "وكم تمنيت إنكار وجوده في هذا المؤلف، ولكنه هنا سيحضر إن شئت ذلك أم أبيت".

تأتي هذه الرواية كرواية سيرية، يطغى فيها الانكفاء على الذات؛ لأنها تعالج قضية محددة يتفرع منها مجموعة من القضايا والهموم التي لا تخرج عن نطاق الأسرة. ولكنها تمكنت من توفير المعرفة، والقيم والمفاهيم، في مختلف المجالات الفكرية والطبية والنفسية والتربوية، والتي يمكن توزيعها على عدة محاور، منها:

أولاً: الأمومة سيدة الموقف:

لا أعتقد بالمبالغة إن قلت أننا أمام رواية مشبعة بالأمومة الصادقة، من الغلاف إلى الغلاف، حتى أنها تجعل القارئ جزءًا من المشاهد المختلفة، من خلال القدرة التي تمتعت بها في استخدام مفردات "قاموس الأحزان"، بما فيه من مترادفات تشكل، في مجموعها، إطاراً جاذبًا للتعاطف. ونظرًا لتعدد تلك المشاهد التي تصف لوعة الأم لفراق ابنها "الشاب"، فإننا نكتفي بالإشارة إلى "بيضاء"، التي أخالها تمثل ملك الموت، عندما أسرعت إلى الأم لكي تخبرها بوفاة ابنها، فوجدتها "جاثمة في مكانها ساكنة"، ثم ألقت عليها الصفحات البيضاء، التي تلقفتها الأم، وهي تقول: أن الأوان لكي أنتهي من "رواية تنتهي نهاية حزينة".

إنها الأمومة التي تقول فيها الكاتبة "حاسة الأمومة، تلك اللعنة الأبدية التي لا تموت"، كما تقول: "الأمومة أكبر لعنة". وكأني بالكاتبة تود القول بأن "غريزة" الأمومة التي تدفعها نحو "الموت" دفاعًا عن أبنائها، هي التي قادتها إلى هذا الدور في تربية أسرتها، مقابل الأب "الشرير والأناني الذي أخذ دور المتفرج. وقد صرحت بذلك، عندما قالت: فضلت الموت على أن أرى أبنائي تعساء".

إنها الأمومة التي تقول في وصفها: الشمس تلتهب في حضن الأفق قبل المغيب، دخان الحرائق للغابات المجاورة لم يستطع تغييب لهيب قلبي المحترق الذي اخترق حرمة السماء دون هوادة.

ثانيًا: مفاهيم طبية تم توظيفها في خدمة النص:

عرّجت الكاتبة على مدى سردياتها المختلفة على العديد من المفاهيم والمصطلحات الطبية ذات الصلة بحياة البطل، وركزت على الآلام والعذابات، بمستوياتها المختلفة، المصاحبة للعمليات الجراحية والتدخلات العلاجية. فتُحدثنا عن هشاشة العظام التي تنتج عن مرض خطير ألمّ به بعد شفائه من مرض "اللوكيميا"، ثم عن مرض "فقر الدم المنجلي"، والحقن بمادة الهيبرين؛ لكي لا يتجلط الدم وينغلق الوريد، وفي حال تجلط الدم يتم زرع دريلا جديدة للحفاظ على بقاء الدم متخثرًا". وأن تساقط الشعر ناجم عن مشكلة ارتفاع مستوى الحديد في الدم، بالإضافة إلى كثرة استخدام العلاجات الكيماوية".

ثم تدخلنا الكاتبة في عالم الخلايا الجذعية التي يتم زراعتها في المريض، لتقوم بتقسيم نفسها وتكوين خلايا الدم المهمة. وتصف كيف أخطأت في قص حقنة الدريل، بسبب الإرهاق والنعاس، فاضطرا للسفر مسافة طويل لإعادة زرعه.

كما تطرقت إلى الأمراض الأخرى كمرض الكبد، ما ينجم عنه من طفح جلدي وجفاف في الجلد وحكة، وإلى مفهوم الوسواس القهري الذي سيطر على ابنها المريض، الذي جعله قليل الصبر، وجعلها تتجه نحو الكتابة".

ثالثًا: مفهوم الوطن:

إذا قدر لك قراءة هذه الرواية، فإنك لن تجد فيها كلمة "اسرائيل" مطلقًا، وحيثما يتم التحدث عن جغرافية الوطن، تّذكر فلسطين، بمدنها وقراها، وحتى عندما تضطر الكاتبة إلى ذكر بعض المسميات "العبرية"، فإنها ما تلبث أن تعيدها إلى أصلها العربي، قبل عملية المحو والإنشاء التي تعرضت لها فلسطين". فحيثما يذكر الموطن الأصلي، ومكان النشأة تكون فلسطين، أو "البلاد" أو "شمال البلاد"؛ في إشارة إلى عكا وحيفا. وقد يشفع لبطلي الرواية (الكاتبة وإبنها) حب استراليا واعتبارها وطنًا لهما ولباقي أفراد أسرتهما، أنها وفرت لهم الأمن والأمان والحماية من نائبات الزمن، وهو ما حرموا منه في وطنهم الأصلي "فلسطين".

رابعًا: محاكمة العادات والمفاهيم والأمثال الشعبية التي تعزز الخنوع:

قامت الكاتبة، من خلال وصفها للصراع القائم بينها وبين زوجها، بإجراء محاكمة شبه شاملة للعادات والتقاليد والفلسفات المجتمعية، التي تبيح للرجل: إهانة زوجته، وضربها، والتمتع مع عشيقة خاصة به، كل ذلك دون أن يُسمح للزوجة بالاعتراض أو التذمر، وإنما عليها أن تتفرغ لتربية الأولاد، وأن يتفرغ هو لتحقيق رغباته المجنونة التي ليس لها حدود. كما أنه من "حق!!" الزوج أن يضرب زوجته بالسوط حتى يحفر في جسدها. وترى الكاتبة أن أمثال هؤلاء الرجال كثيرون فهم "أكثر من اللطم على الخدود".

إلا أن الأمر ينتهي بالثورة على هذا الواقع؛ بطرد المختار (الوسيط) الذي حضر ليقنع الأم-الزوجة بالصبر على تلك الإهانات التي اعتبرها "قوانين عمرها سنين"، ثم السفر إلى مسافة (2300 كم)  وهي المسافة بين فلسطين واستراليا، وهناك تحقق الأم وأسرتها نجاحات باهرة بغياب الأب. وفي هذا المجال نجدها وقد ساقت مجموعة من الأمثال الشعبية التي تعزز هذا الوضع الشاذ، وأخضعتها للعليق والتهكم والرفض التام لها جملة وتفصيلًا، مثل: "غلب وسترة ولا تطلع برة وتفضح"، "ظل زلمة ولا ظل حيطة"، أو قول المجتمع: "والله فلانة ساكتة وصابرة، والله إنها امنيحة".

من جانبٍ آخر، ورد في الراوية ذكر لخرافات لجأت لها الأسرة، كخرافة تكسير الصحون والأواني لطرد الشيطان، ويتصدى الإبن لهذه الفاهيم بقوله: شو ما تعملوا مش راح يخرج الشيطان من بيتنا، الوالد نسينا تماما". وتعتقد الكاتبة أن "الـشيطان يتلهى برجم أحجار اللعنة في المكان".

الخاتمة والتعليق

ها هي الرواية السيرية لكاتبتها "دينا سليم" تضاف إلى المكتبة العربية، التي تعج بالروايات السيرية، التي بدأها "جبران خليل جبران"، قبل أكثر من قرن من الزمن، من خلال روايته "الأجنحة المتكسرة". وتصطف إلى جانب جبرا ابراهيم جبرا، وأحلام مستغاني، ومؤنس الرزاز وواسيني الأعرج وغيرهم الكثير. 

وبعد أن أمعنا النظر في هذه الرواية لتفحص السر الكامن خلف عنوانها "جدار الصمت"، نجدها وقد توقفت عند الصمت كمفموم وسلوك، إذ ترى أن له قاع يدوي في أزمنة ضائعة، وأنها "مـن بيـن ردفيه تستنشق دويّ الهمس". وارتأت، في فترة ما، أنها بالصمت تحافظ على تماسك أسرتها، إلا أنها تصل إلى نتيجة مفادها: "بالتزام الصمت، تتضخم المشاكل، وتتوسع حتى يختل توازن (الأسرة)، فيفشل الجميع في تسيير المركب الذي يغرق في الجميع. وتنهي الحديث عن الصمت بالقول: "خائن هو الصمت ومسكين العنفوان عندما ينكسر".

بذلك؛ يتضح لنا ما الذي أرادته الكاتبة من وراء عنوانها لروايتها هذه، التي هي تتويج، حتى اللحظة، لعشقها للقلم وللكتابة، هذا العشق المدوي الذي أزعج الزوج القمعي، الذي أرادها أن تكون مجرد صامتة خلف جدار ذكورته الطاغية بمفاهيمها اللاإنسانية، المدعومة من الجهل المجتمعي، الذي يبرر له أفعاله الشريرة، حتى أضحى بيت الزوجية المكان الذي تعتقل في الزوجة، في أجواء من الكراهية والحقد لحد تمنّي الموت.

بقي القول

هذه الرواية هي تسجيل لأحداث حقيقية، تمتعت بلغة سرد ومعالجة درامية جيدتان، كما أن المعالجة الطبية جميلة ومتناسقة، إلا أن هناك حاجة للعناية بدقة المصطلحات الطبية، وعرضها على المتخصصين. كما أن الكاتبة لم تمنح الشخصيات الثانوية، بخاصة الزوج، فرصة الدفاع عن نفسه، وإنما أخذت هي دور القاضي والجلاد في محاكمته والحكم عليه، عندما ظهر في المشهد ملائكية الزوجة وشيطانية الزوج، وهو ما لا يتفق مع واقع الحياة. كما أنها مرّت عن العديد من الأماكن دون التوقف عندها بقدر من الوصف، كأجواء استراليا مقارنة مع فلسطين، والكازينو الذي هو مؤسسة جدلية، ذات أبعاد عقائدية وسياسية واقتصادية.

نبارك للكاتبة قدرتها على جذبنا لقراءة روايتها، من الغلاف إلى الغلاف، وتوظيف ما امتلكته من أحاسيس ومشاعر  ومعارف ومعلومات في روايتها هذه، التي فيها الكثير من الدروس الكافية لأن تتمكن المرأة من تهشيم جدران الصمت؛ بالإرادة الصلبة والتصميم والشجاعة عند اتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية.  

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 14/06/2015م