0
مكتبة المسجد الأقصى المبارك:
مائة وثلاثون ألف كتاب مصفَّدة بالقيود.. تنتظر الباحثين
نُشِرَ في صحيفة القدس، بتاريخ: 04 أيلول 2016، ص: 19
قراءة: عزيز العصا
يتعرض المسجد الأقصى؛ الذي هو الساحة المُسَوَّرَة الواقعة داخل أسوار القدس في زاويتها الشرقية الجنوبية ([1])، إلى جانب المقدسات الإسلامية الأخرى على أرض فلسطين، لخطر حقيقي، تتصاعد وتيرته في كل لحظة، بأشكال وصور متعددة تتمثل في منع المصلين من الوصول إليه، والتهديد الدائم باقتحامه لإعلان تهويده، والتلويح باقتراب موعد إقامة المعبد الثالث فعلياً مكان المسجد الأقصى المبارك ([2]).
لذلك؛ نجد أنه قد تم تهويد "جوف" المسجد الأقصى، وما حوله، وفق عملية مبرمجة لتهويده بالكامل، وبالتالي قطع واحد من الشرايين المهمة التي ينبض بها قلب الأمة المتمثل في فلسطين الطبيعية بين النهر والبحر.
رغم الحال المأساوي الذي تمر به الأمة، ورغم القدرات العسكرية والأمنية العالية التي يتمتع بها الاحتلال الذي يطبق على تفاصيل المسجد الأقصى، مهما صغرت، إلا أن المقدسيين قابضون على "أقصاهم" كالقابض على الجمر؛ فهم يذودون عنه، بصدورهم العارية، كلما ادلهمّ الخطب، ويسارعون إلى إصلاح ما تتلفه "عربدات" المستوطنين في ساحاته وباحاته.
في واحدة من صور محافظة المقدسيين على المسجد الأقصى، تتجلى صورة المحافظة على الإنتاج الفكري الذي وصل إلى أيديهم حتى اللحظة، والمتمثل بذلك الصرح الفكري والمعرفي المسمى "مكتبة المسجد الأقصى المبارك"، والتي تحتضن الكتب والمخطوطات المملوكة للمسجد الأقصى، ويتبعها قسم ترميم المخطوطات، والذي هو بمثابة "المستشفى" الخاص بمعالجة مخطوطات المكتبة وصيانتها وتحضيرها للحفظ في المكان المخصص لها.      
في محاولة لتسليط الضوء على حال هذه المكتبة وأحوالها، وبإذن مسبق من المدير العام لدائرة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية/ القدس الشيخ محمد عزام الخطيب، منذ شهر حزيران من العام 2015، شرعت بمتابعة هذا الصرح العلمي والثقافي والمعرفي الضخم، الذي وجدته مصفدًا بقيود الاحتلال التي تكبله من كل جانب.
في أواخر شهر آب من العام الحالي (2016) أقامت المكتبة، لقاءً مفتوحًا في قسم مكتبة الأطفال، قُدِّرَ لي حضوره والاطلاع على حال المكتبة وأحوالها، فوجدتُني أمام مجموعة من الحقائق التي أرى لزامًا عليَّ إطلاع المعنيين بالشأن والمقدسي أولًا، وبالشأن الثقافي والمعرفي والعلمي ثانيًا، وأصحاب الضمائر اليقظة الحية المتجهة إلى الله والقادرة على الفعل اتجاه القدس وأهلها ومؤسساتها ثالثًا. ومن بين تلك الحقائق: 
أولًا: مبنى مكتبة المسجد الأقصى المبارك:
كانت النواة الأولى للمكتبة في العام 1922م؛ حيث قام المجلس الإسلامي الأعلى في تلك السنة بافتتاح "دار كتب المسجد الأقصى" في القبة النحوية، ثم نقلت من مكان إلى آخر حتى العام 1976م، إلى المدرسة الأشرفية، تحت إسم "مكتبة المسجد الأقصى". ومنذ بداية الالفية الثالثة استقرت المكتبة فيما كان يُطلق عليه "مسجد أو مصلى النساء"؛ وفي نهاية عام 2013م تم إضافة هذه المكتبة إلى إدارة المكتبة الختنية الكائنة في الزاوية الختنية (في الأقصى القديم)، لتصبحا معاً مكتبة المسجد الأقصى، على أن لكل منهما تخصص معين.
وبسبب ضيق المكان في المكتبة الختنية؛ حيث لم تعد تستوعب الكتب الجديدة، وحيث أنها كانت تتابع كل جديد، حتى أنه كان يدخلها كتب بمعدل (14) عنواناً يومياً، وُجِدَ أنه من المصلحة توزيع التخصصات، في مكتبة المسجد الأقصى المبارك، كما يأتي:
  الزاوية الختنية: تبلغ مساحتها (400) مترًا مربعًا، تضم التخصصات التالية: العلوم الشرعية؛ من علوم وحديث وعلوم قرآن وأصول فقه وسير وتراجم وعقيدة وتصوف واقتصاد إسلامي وثقافة إسلامية، بالإضافة إلى اللغة العربية وآدابها وكذلك زاوية الفلسطينيات التي تعنى بالتاريخ والتراث والادب والاعلام والقضية الفلسطينية والمسجد الاقصى.

مسجد النساء (سابقًا)[3]: تبلغ المساحة المخصصة للمكتبة (560) مترًا مربعًا، أصبح يضم جميع العلوم الأكاديمية والانسانية بجميع تنوعاتها، مثل: التاريخ، والجغرافيا، والعمارة الإسلامية، والأنظمة والموسوعات وطرق التدريس، والتربية وعلم النفس والاجتماع وعلم الفلك والحاسوب والتنمية البشرية والمرأة والأسرة والزواج والزراعة بالإضافة الى جناح مكتبة الأطفال وكذلك المكتبة والقديمة والمخطوطات.





أي أننا نتجول الآن في أرجاء "مكتبة المسجد الأقصى"، البالغ مساحتها الإجمالية (1,060) مترًا مربعًا، بجناحيها؛ الختنية، التي تحتضن نحو (70,000) كتاب، والأروقة الخمسة من "مسجد النساء سابقًا" التي تضم نحو (60,000) كتاب بالإضافة إلى المخطوطات. وقد لمست ازدحام الزاوية الختنية بالكتب والمراجع، للحد الذي جعل ارتفاع رفوفها يقترب كثيرًا من سقف المكان، مما يعني صعوبة وصول الباحثين إلى تلك المراجع للتعامل معها.

صورة من المكتبة الختنية
ثانيًا: مخطوطات المسجد الأقصى: تاريخ عريق ورعاية دائمة
كان هناك ثلاث مجموعات رئيسية للمخطوطات في القدس، وهي: مجموعة المكتبة الخالدية التي تضم نحو (1200) مخطوط، ومجموعة المكتبة البديرية التي تضم ما يزيد عن (1000) مخطوطة، ومجموعة مكتبة المسجد الأقصى، قيد النقاش. كما أن مكتبة دار إسعاف النشاشيبي تضم (743) مخطوطة[4]. وهناك المئات، وقد تكون الآلاف الأخرى من المخطوطات الموزعة على مكتبات ومؤسسات مختلفة، من مساجد وكنائس ومكتبات العائلات وغيرها. يبلغ العدد الإجمالي لمجموعة مخطوطات المسجد الأقصى حوالي (2300) مخطوطة؛ تتوزع على ثلاثة أماكن داخل المسجد الأقصى، وهي[5]:
·           المكتبة الرئيسية في مسجد النساء، وتحتوي على ما يزيد عن (1100) مخطوطة.
·           في قسم الترميم يوجد حوالي (1000) مخطوطة.
·           في المتحف الإسلامي يوجد (230) مخطوطة.
وتتوزع هذه المخطوطات على شتى المواضيع والتخصصات، أقدمها كتاب (المستصفى) في علم أصول الفقه، تأليف حجة الإسلام أبي حامد الغزالي المنسوخ سنة (506 هـ). وأحدثها مخطوطة في العام 1922م، وهو كتاب "في أصول الخط" لمؤلفه "عبد السلام بن عمر الحسيني".
صورة خزانة مخطوطات مكتبة المسجد الأقصى
ولا بد من الإشارة إلى أن مكتبة المسجد الأقصى المبارك، وبالأخص قسم المخطوطات فيها، قد حظي باهتمام المسؤولين الأردنيين؛ فبالإضافة إلى المتابعة، المباشرة والمستمرة من المدير العام لدائرة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية / القدس، وتوالي زيارة المسؤولين الأردنيين اليها واهتمامهم بها ومن ذلك:
-       توفير وإعداد مستودع خاص للمخطوطات وَفْق المواصفات العلمية والمعايير الدولية المتبعة لحفظ المخطوطات.
-       تولى الصندوق الهاشمي توفير جهاز تصوير خاص بالمخطوطات بالإضافة للخزن الحديدية الخاصة لحفظ المخطوطات وغير ذلك جزاه الله خيرًا.
-       وقد بدأت المكتبة بتصوير جميع مخطوطاتها، وفور الانتهاء من التصوير، ستوضع جميع الصور على موقع إلكتروني سينشأ خصيصًا يُعلن عنه في حينه؛ وذلك لينتفع بها الباحثون في شتى أنحاء المعمورة.
ثالثًا: مساحات لتعليم الأطفال وترفيههم
لم يستطع الشيح حامد أبو طير إخفاء فرحته وابتسامته العريضة، وهو يشير إلى تلك الطاولات الملونة والمقاعد الزاهية، التي تنتظر أطفالنا للتعلم والمتعة والرفاهية. فأخذ يسرد علينا قصة هذا المشروع الديني والوطني الهام، وفق التسلسل الآتي:
بعد النكسة، واستكمال احتلال القدس من قبل "إسرائيل"، تعددت الأنشطة من قبل المكتبات الإسلامية، مثل: دور القرآن ودور الحديث الشريف والفقه الإسلامي وحلقات العلم في أروقة المسجد الأقصى. والفئة المستهدفة من هذا كله هم من كبار السن من الدارسين والباحثين والعلماء. أما الأنشطة ذات الصلة بالأطفال، وبالرغم من الظروف القائمة في القدس والمخاطر الثقافية المحيطة بهم، فإنها تكاد تكون معدومة، ولم يعد الطفل يجد ملجأ، يلوذ إليه في أوقات فراغه خارج المدرسة، إلا ان يتسكع في الطرق والساحات؛ ويكون صيدا ثمينا لذوي الغايات الشريرة.
ولأن الطفل هو أمل الأمة ومستقبلها؛ كانت فكرة توفير المعرفة والأمن والأمان في آن معًا، وتمثل ذلك في أن يتم توفير مكتبة متخصصة للطفل؛ لكي تأخذ بيده إلى عالم المعرفة والثقافة والعلم وبناء الشخصية السوية الصالحة، وهي لقاح ومصل ضد الأمراض والمخاطر التي تحدق بالقدس وأهلها. وعليه؛ كانت الرغبة الدائمة بإنشاء هذه المكتبة التي تشكل بارقة أمل لتحقيق الأهداف التالية:
1.     
ربط الطفل بالمسجد الأقصى؛ وجدانيا وروحيا ونفسيا، لينشأ على حب هذا المسجد والتعلق به ليكون جنديا من جنوده المدافعين عنه والحاميين له من نوائب التهويد التي تحيط به من كل مكان.
2.      تأتي فكرة مكتبة الأطفال في داخل مكتبة المسجد الأقصى المبارك، ضمن الاستراتيجيات القائمة على تكثيف وجود المقدسيين في مسجدهم، الذي يداهمه التهويد صباح مساء.
3.      تعويد الطفل على حب الكتابة والمطالعة والقراءة وتنشئته على ذلك، حيث أننا امة أهملت القراءة. واذكر، ونحن أطفال، أننا لم نجد من يطبّعنا على القراءة.
4.      خلق حالة التواصل الدائم بين مدارس القدس والمسجد الأقصى، بحيث يتم إرسال كامل الصف مع المدرس ليوم عمل كامل في المكتبة.
5.      لتوفير المزيد من المعرفة وتوسعة مدارك الطفل في المواضيع ذات الصلة بالقدس وما تحتضنه من تاريخ وحضارة، بخاصة تاريخ المسجد الأقصى والأماكن الدينية الأخرى.
صورة لمكتبة الأطفال في مكتبة المسجد الأقصى المبارك

وعند التجوال في مكتبة الأطفال هذه، لوحظ أن محتوياتها الورقية وغير الورقية، تتضمن العديد من المواضيع الهامة ذات الصلة بالتطور المعرفي والسلوكي والوجداني للأطفال حتى عمر خمسة عشر عامًا، منها: علوم، تربية، موسوعات للأطفال موجهة للفئة العمرية المستهدفة، لغة عربية، تاريخ، تراجم وأعلام، وأنشطة مختلفة، مثل: التلوين والأنشطة التعليمية، والمهارات اليدوية، وقصص الأطفال الموزعة على الفئات العمرية المستهدفة؛ وهي قصص تربوية وتعليمية.
رابعًا: مكتبة المسجد الأقصى المبارك: أنشطة مجتمعية وبرامج تدريبية
عند البحث في شأن علاقة مكتبة المسجد الأقصى المبارك في المجتمع المحلي، وجدنا أن المرحوم "حسن فطين طهبوب" مدير الأوقاف العام في القدس، يشير إلى ذلك عند تصديره للجزء الأول من فهرس مخطوطات المسجد الأقصى المبارك، في العام 1983، بقوله: إن افتتاح مكتبة المسجد الأقصى في عام 1976م، جاء من منطلق التوعية لشعبنا؛ بدعم المؤسسات الثقافية وإنشائها[6]. وعند الاستفسار من الشيخ أبو طير، أشار إلى ما يلي:
-   تتبع مكتبة المسجد الأقصى المبارك استراتيجية "الانفتاح على المجتمع المحلي"، إذ تضم مواد تعليمية حيث تم تفعيل قواعد البيانات الإلكترونية التي توفر للطالب والباحث أي كتاب او دراسة او بحث وتنزيل أي مقطع منه، ومن هذه قاعدة بيانات دار المعرفة وقاعدة بيانات المنهل وقاعدة بيانات المنظومة، وكذلك تحوي من صور المخطوطات التي توجد أصلا في كثير من المكتبات الغربية والإسلامية ما مقداره عشرون تيرا بايت. (علما ان التيرا بايت الواحد يحوي 10 الاف جيجا بايت)
-   تقوم المكتبة باستيعاب محاضرات الفقه الإسلامي ودور القران الكريم، بمستوياتها المختلفة؛ ابتداء بمحو الأمية وحتى طريقة السند التي ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك هناك محاضرات في مختلف المجالات التفافية والاجتماعية.
-   حرصا على تمكين العلاقة، وإدامة التواصل بينهم، ولعدم الانقطاع والانزواء، أسست المكتبة ما يسمى ملتقى الخريجين؛ حيث يتواصل خريجو المكتبة المذكورين أعلاه، من خلال هذا الملتقى، فيجتمعون ويحتفلون في المناسبات المختلفة، ويلتقون على محاضرات ونشاطات ورحلات.
-   الحق بهذه المكتبة قسم للقران الكريم حفظا وتجويدا وقد تميز بتعدد مستوياته التي تبدأ من محو الامية حتى مستوى السند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تخرج خلال الخمس عشرة سنة الماضية ما يقارب الستمائة وخمسون طالبة، إضافة الى المحاضرات والندوات والدورات التثقيفية التي تقام فيها.
نشاط مجتمعي في مكتبة المسجد الأقصى المبارك في 25 آب 2016 مجتمعية وبرامج تدريبية

خامسًا: مكتبة المسجد الأقصى المبارك: الصعوبات ومعيقات التطور
لا شك في أن الاحتلال هو العقبة الكأداء التي تعترض أي إمكانية للتطوير والتغيير نحو الأفضل في أي شأن من شئون المسجد الأقصى، سواء على مستوى الترميم أو الإعمار، أو على مستوى التأثيث، أو تأهيل المكان ليصبح قادرًا على استيعاب الخدمات المعاصرة؛ كالكهرباء، والإنارة، وتوصيل المياه، وتصميم الشبكات الخاصة بالخدمات الحاسوبية والانترنت وغير ذلك من متطلبات الإدارة الحديثة.
أما المكتبة، فهي تحتاج إلى جميع ما ذكر، ويضاف إليه تلك الاحتياجات الخاصة بإدخال الكتب والمراجع التي تحتاجها المكتبة، بالإضافة إلى التكنولوجيا الخاصة بعملها. وتتلخص أبرز المشكلات ومعيقات تطورها فيما يأتي:
1)   المشكلات الخاصة بترميم المكان وتأهيله: فأي حركة، في أي مكان داخل المسجد الأقصى تخضع لرقابة مشددة من قبل أمن الاحتلال، وقواته، وعلمائه المختصين بالتاريخ والآثار. وهم في كل ذلك يهدفون إلى إيجاد المبررات والأسباب الواهية لمنع أي ترميم للمكان، أو توسعة أيا كان مستواها، إلا بإذن من ضباط الاحتلال، بعد أن يعاين المكان ويدرس الطلب مليًا.
2)   المشكلات الخاصة بإدخال الكتب والماكينات والأجهزة والمعدات: نظرًا لأن السور المحيط بالمسجد الأقصى مسيطر عليه، بالكامل، من قبل قوات الاحتلال من مختلف الأصناف؛ شرطة، جيش، حرس حدود، مخابرات... الخ، فإن هناك رقابة مشددة على كل ما يدخل إلى المسجد الأقصى، أو يخرج منه. 
وبالتالي، فإنه يحظر على القائمين على المكتبة إدخال أي شئ إلا بإذن مسبق، وما يرافق هذا الإذن من تعقيدات وإطالة المدة قبل الإجابة بالنفي أو بالقبول. أي أن كل كتاب يتم إدخاله يخضع للفحص من قبل الرقابة الإحتلالية. وكذلك الأمر فيما يتعلق باحتياجات التشغيل اليومي للمكتبة، من مواد وأدوات وأجهزة ومعدات وآلات أثاث... الخ.
3)   المشكلات الخاصة باستفادة الباحثين والطلبة من خدمات المكتبة: كما هو معلوم، فإن الاحتلال يمنع المواطنين الفلسطينيين من الضفة وقطاع غزة من الدخول إلى المسجد الأقصى. وإذا سمح بالدخول، فإن ذلك السماح يشمل فئات عمرية محددة، تدخل في أوقات محددة وفي يوم محدد من السنة، كأيام الجمعة، والأعياد الدينية (أحيانًا). حتى أن المقدسيين أنفسهم ومواطني فلسطين المحتلة منذ العام 1948، يتعرضون في كثير من الأحيان إلى المنع من الدخول إلى المسجد الأقصى من أي باب من أبوابه، بناء على قوائم معدة سلفا من قبل الأجهزة الأمنية الاحتلالية.
 وهذا يعني أن مكتبة المسجد الأقصى معزولة عن الباحثين الفلسطينيين؛ من طلبة وأساتذة جامعيين، وكُتّاب وباحثين على المستويات كافة. مما يؤدي إلى حرمان هؤلاء من الوصول إلى تلك المراجع والمصادر العلمية الفريدة، التي لا توجد إلى في هذه المكتبة التي تضم أمهات الكتب والمراجع والمصادر والمخطوطات النادرة التي لا يمكن الوصول إليها في أي مكتبة في العالم أخص بالذكر طلاب جامعة القدس التي لا تبعد سوى ثلاثة كيلومترات عنها وكذلك طلاب جامعة بيرزيت وغيرها.
الخاتمة والتعليق:
قبل أن نغادر، لا بد من الإشارة إلى أنني، ومن خلال علاقاتي مع شريحة واسعة من المثقفين الفلسطينيين، وجدت أن الغالبية العظمى منهم لا يعرفون عن مكتبة المسجد الأقصى المبارك سوى النذر اليسير من المعلومات، وكانت الدهشة تصيب الواحد منهم عندما يعلم بأنها تحتضن بين جنباتها نحو 130,000 كتاب.
وهذا يعني أننا أمام حقيقة "مرّة" مفادها أن هناك انقطاعًا للأكاديميين والباحثين والمثقفين من أبناء شعبنا، عن مكتبتهم هذه. الأمر الذي يقودنا إلى التقدم بمقترح القيام بحملة وطنية كبرى، على مستوى الوطن والخارج، للترويج لهذه المكتبة والكشف عن تلك الدرر الثمينة التي تضمها، وما تتمتع به محتوياتها من خصائص قلما تتكرر في غيرها من المكتبات على مستوى العالم أجمع. كما أنني وجدت في هذه المكتبة الإمكانيات كافة من محطوطات ومعرفة وبتعدد صنوفها وأنواعها وإمكانات تكنولوجية وأجهزة حديثة بل وأرقاها، وكذلك احتواءها مكتبة متميزة للأطفال زودت بأفضل الخدمات والاجهزة التي تجعل منها "المكتبة الوطنية الفلسطينية"، والإعلان عنها كمكتبة وطنية أسيرة، لا بد من تحريرها وفك قيودها.
ولتحقيق ذلك كله لا بد من النظر في هموم هذه المكتبة، ومتطلبات صمودها وتطويرها. وذلك بتوفير الإمكانيات العينية والنقدية. كما أنه لا بد من توجيه المكتبات الفلسطينية ودور النشر الفلسطينية والعربية لإيداع إنتاجاتها الفكرية الورقية والالكترونية، وأي أشكال أخرى، في هذه المكتبة التي هي بمثابة مستودع الذاكرة الفلسطينية، ليس فيما يتعلق بالماضي فقط، وإنما للمستقبل أيضا.
من جانبٍ آخر، ومن منطلق تحمل المسؤولية الوطنية والدينية اتجاه القدس ومشهدها الثقافي والمعرفي والعلمي، فإنني أتقدم باقتراح يقوم على ضرورة العمل الجاد والفوري لإنشاء جسم يضم المكتبات المقدسية كافة؛ العامة والخاصة والعائلية والوقفية وغيرها، لأن في ذلك فرصة للاطلاع على واقع تلك المكتبات، وإنشاء شبكة من العلاقات التكاملية والتعاونية والتعاضدية فيما بينها؛ لكي تشد أزر بعضها بعضًا، وتتمكن من الإسهام، إلى جانب مركبات ومكونات المشهد الثقافي المقدسي، في مواجهة عمليات التهويد التي تجري على مدار الساعة؛ ليل نهار وعلى قدم وساق.    
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 31/08/2016م




[1] خليفة، أحد فتحي (2001). دليل أولى القبلتين، ثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين. مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية. ص ص: 10-11.
المسجد الأقصى مضلع، ذو أضلع أربعة غير منتظمة، طول ضلعه الغربي (491) متراً،  والشرقي (462) متراً. أقصرها الجنوب (281) متراً والشمال (930) متراً. وسوره الشرقي متحد مع سور القدس، والجنوب أكثر من نصفه من الجهة الشرقية متحد كذلك، والباقي من الجهة الجنوبية الغربية والغربية بكاملها والشمالية بكاملها، فهو سور خاص داخل المدينة المسورة نفسها.
[2] مجلس الإفتاء الأعلى يحذر  من خطورة  السكوت عن الاعتداء على المقدسات الإسلامية، بتاريخ: 28/3/2013م. أنظر: http://www.darifta.org/news2013/28-3-2013.htm
[3] ورد في الأنس الجليل (2/ 13): وبداخل الْجَامِع الْمَذْكُور ايضا من جِهَة الغرب مجمع كَبِير مَعْقُود بالأحجار الْكِبَار وَهُوَ كوران ممتدان شرقا بغرب وَيُسمى هَذَا الْمجمع جَامع النِّسَاء وَهُوَ عشر قناطر على تسع سواري فِي غَايَة الْأَحْكَام وَقد أخْبرت انه من بِنَاء الفاطميين. (انظر: الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي الحنبلي، أبو اليمن، مجير الدين. المحقق: عدنان يونس عبد المجيد نباتة. الناشر: مكتبة دنديس – عمان. سنة النشر:2009، ط2، عدد الأجزاء: 2).

[4] العصا، عزيز (2015). المقدسيون حماة ثقافتنا الوطنية: متحف التراث الفلسطيني ودار إسعاف النشاشيبي أنموذجًا. مجلة مشارف مقدسية. تصدر عن: القدس العاصمة الدائمة للثقافة العربية. العدد (1). ص: 241-248.
[5] العصا، عزيز (2016). مخطوطات مكتبة المسجد الأقصى المبارك: من ماضٍ مشرق وحاضرٍ مؤلم.. إلى مستقبل واعد. مجلة مشارف مقدسية. تصدر عن: القدس العاصمة الدائمة للثقافة العربية. العدد (5). ص: 27-34

[6] طهبوب، حسن (1983). تصدير الطبعة الثانية في "فهرس مخطوطات المسجد الأقصى"، الجزء الأول. مطابع دار الأيتام الإسلامية. ط2. ص: 3. 

إرسال تعليق Blogger

 
Top