هذا المقال:
1) موضوع ندوة قدمها الكاتب عزيز العصا في مدرسة الشابات المسلمات بالقدس، وبدعوة من نادي الموظفين، وهي بعنوان: المخطوطات المقدسية: إنقاذ ما تبقى.. قبل فوات الأوان. وأدار الندوة الشيخ الجليل "نور الدين الرجبي".
2) كان أحد مكونات فيلم تم إعداده من قبل "إيليا التجارية":
https://www.youtube.com/watch?v=qHi-X-UOcV8
3) كذلك، هناك تقرير تم نشره على الجزيرة نت:
4) مقال تم نشره في صحيفة القدس، مضاف إليها الصور وبعض التفاصيل الخاصة بالمخطوطات:
1) موضوع ندوة قدمها الكاتب عزيز العصا في مدرسة الشابات المسلمات بالقدس، وبدعوة من نادي الموظفين، وهي بعنوان: المخطوطات المقدسية: إنقاذ ما تبقى.. قبل فوات الأوان. وأدار الندوة الشيخ الجليل "نور الدين الرجبي".
2) كان أحد مكونات فيلم تم إعداده من قبل "إيليا التجارية":
https://www.youtube.com/watch?v=qHi-X-UOcV8
3) كذلك، هناك تقرير تم نشره على الجزيرة نت:
4) مقال تم نشره في صحيفة القدس، مضاف إليها الصور وبعض التفاصيل الخاصة بالمخطوطات:
المخطوطات المقدسية:
بشير بركات يشتت الظلمة التي فرضتها
الاحتلالات عليها.. وهناك ضرورة لجسم يجمعها معًا
نشر في
صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 29/11/2016، ص: 18
عزيز
العصا
بشير عبد الغني بركات باحث مقدسي، يبحث في شتى المواضيع
المقدسية ذات الصلة بتاريخ القدس وأوضاعها الثقافية والتاريخية والاقتصادية
والاجتماعية، وله في كل ما ذُكر كتابات وكتب وأبحاث منشورة. ومن أكثر ما يمكن
الوقوف عنده من أعمال الباحث "بشير بركات" تلك الفهارس الخاصة بالمخطوطات التي أنجزها لعدد
من المكتبات المقدسية[1].
وأما الإنتاج الفكري الذي نحن بصدده
للباحث "بشير
بركات"، فهو كتابه الصادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية[2]
في العام 2012 بعنوان "تاريخ
المكتبات العربية في بيت المقدس". ويتألف هذا الكتاب، في طبعته
الأولى، من (345) صفحة، يتوزع عليها (15) عنوانًا، بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة
والملاحق والمصادر والمراجع، وينتهي الكتاب بكشاف عام يشكل حوالى ربع حجمه؛ يوفر
للقارئ سهولة البحث في ثناياه[3].
عندما وجهت لي الدعوة من نادي الموظفين بالقدس لتقديم محاضرة حول المخطوطات
المقدسية بتاريخ 28/11/2016، لكي أستعرض فيها خلاصة تجربتي البحثية في أروقة عدد
من المكتبات المقدسية الرئيسية المالكة للمخطوطات، وجدتُني أمام هذا المؤلف المهم،
الذي لا يمكن الاستغناء عنه عند الحديث عن المخطوطات في القدس.
وبالاطلاع على الكتاب، وإجراء قراءة تحليلية له وجدتُني أمام خمسة عشر
عنوانًا تشكل، في مجموعها، أرضية صلبة للباحث في مجال المخطوطات، بدءًا بصناعة الكتب
عبر العصور، التي كانت تكتب بخط اليد وهي ما يسمى "المخطوطات"، وصولًا
إلى الطباعة العربية التي بدأت في حلب في العام 1706م، وانتهاءً بأول مطبعة تأسست
في القدس في العام 1830م[4]،
حتى وصل مجموع المطابع في القدس (11) مطبعة في العصر العثماني و(11) مطبعة أخرى في
حقبة الاحتلال البريطاني. وما بين هذين العنوانين يشرع الباحث في وصف حال
المخطوطات وأحوالها في المكتبات المقدسية العامة كمكتبات المدارس والزوايا
والأروقة والخاصة والعائلية منها، كما يتطرق لكل ما يتصل بالمخطوطات من القضايا
ذات الصلة؛ كالنسخ والتجليد والتوزيع والترميم، ووقف المخطوطات وحركتها من وإلى
القدس.
نظرًا لحجم المعرفة الرابضة بين
غلافي هذا الكتاب "القيّم"، فإنني اجتهدت بالإشارة إلى القضايا المعرفية
والمعلوماتية التالية:
إذ يشير "بشير بركات" إلى
أن القدس شهدت حركة دؤوبة في مجال صناعة الكتب، وما يتصل بها من النواحي التقنية
والفنية، مثل: استيراد الورق، واستيراد الأقلام، وصناعة الحبر، والنسخ، والتجليد،
والترميم، والتوزيع، حتى يصل إلى ذكر مصنع تجليد مدرسة دار الأيتام الإسلامية.
وبالاطلاع على الشروحات الخاصة بتلك العمليات، نجد أن غالبية المخطوطات
الموجودة حاليًا في القدس قد جلبت من القاهرة ودمشق (ص: 14).
من جانب آخر، هناك مخطوطات تكتب بخط يد العالم نفسه، تسمى "المخطوطة الأم"، وعلماء يستأجرون من ينسخ لهم مخطوطاتهم. ويشير "بشير بركات" إلى أن القدس شهدت نسخ أعداد كبيرة من المخطوطات، وأن مئات من المخطوطات المقدسية تم نقلها إلى خارج فلسطين (ص: 16). كما كان بعض علماء بيت المقدس وطلبتها ينسخون مخطوطات أثناء وجودهم خارج فلسطين، ثم يحملونها معهم إلى مدينتهم (القدس) (ص: 15).
بالنسبة لعملية النسخ، يتبين لنا أنها أكثر العمليات مشقة في صناعة
المخطوطات؛ حيث يستغرق وقتًا طويلًا، وتختلف جودة الخط من ناسخ إلى آخر (ص: 21)، وأنه برز في
القدس العديد من الخطاطين الذين يعلمون فن الخط لناسخي المخطوطات وكتّاب المحاكم والدواوين
(ص: 144). وأن
المقدسيين كانوا يصنعون الحبر الحديدي الأسود والكربوني محليًا؛ بسبب سهولة إعداده
وتوفر مواده الخام: الصمغ العربي، والسناج، والخل، والنيلة وغيرها (ص: 25).
كما طور المقدسيون التجليد، ليس على مستوى حفظ الورق وحسب، وإنما كفن من
الفنون الإسلامية، حيث كانت الأغلفة تُزيّن بإطارات مذهّبة وأشكال هندسية ورسوم
نباتية (ص: 26).
نتيجة لتكرار استخدام المخطوطات وتعرضها للرطوبة والحشرات، ظهرت مهنة
الترميم، وكان بعض العلماء يمارسون هذه المهنة في منازلهم بعد تقاعدهم (ص: 31-32).
ثانيًا: القدس حاضنة الكتب وتعج بالمكتبات
لم يتوقف "بشير بركات" عند
صناعة تلك المخطوطات وتوزيعها، وإنما انتقل للإجابة على السؤال غير المعلن، وهو:
كيف تم حفظ تلك المخطوطات، عبر تلك القرون الطويلة من الزمن حتى وصلتنا، كما هي
عليه الآن؟ وأخالني أرى أن هذا السؤال هو الأكثر صعوبة والأكثر حاجة للبحث والتحري
بشأنه من أجل الوصول إلى إجابة تتصف بالحد الأدنى من الخلل والخطأ، فانتقل للبحث
بشأن المكتبات التي احتضنت المخطوطات والكتب، بشتى أنواعها، المقدسية الصنع أو
الواردة إليها من حاضرات الأمة الإسلامية الأخرى، كالقاهرة وبغداد ودمشق وغيرها.
ويمكن تلخيص حال المكتبات المقدسية وأحوالها، وفق ما ورد في هذا الكتاب للباحث "بشير بركات"، بالخطوط العريضة التالية:
1) كانت المخطوطات تحفظ في خزائن (خشبية)، اتخذت فيما بعد
مسمى "مكتبة"، موزعة على مباني المسجد الأقصى المبارك (ص: 33)، كانت تقدم
خدماتها للباحثين وفق قوانين صارمة، يتابع تنفيذها "أمين المكتبة"؛ تضمن
المحافظة على سلامتها وعدم ضياعها (ص: 39)، وكان القاضي يأمر بجردها بين الحين والآخر (ص: 41). وعندما تشكل
المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، بعيد الاحتلال البريطاني، تم نقل ما تبقى من كتب
ومصاحف إلى دار كتب المسجد الأقصى التي أنشأها المجلس في العام 1922 (ص: 33). أضف إلى ذلك المكتبات الصغيرة التي دأب
مشايخ المدارس والزوايا (كانت تعرف بالخوانق) والأروقة على تأسيسها، والتي كانت
الأمكنة الهادئة للناسخين (ص:
43).
2) خصص الباحث "بشير
بركات" مساحة كبيرة من بحثه هذا للمكتبات الخاصة (ص: 52-124). ولا يمكننا
الابتعاد بهذه التسمية كثيرا عن "العائلية"؛ إذ أنها انتقلت من الجد،
وإلى الأب، لتنتهي عند الإبن، وذلك عبر العصور المختلفة. وهناك مخطوطات
"عائلية" تتعمق في عمرها الزمني إلى القرن الرابع الهجري (العاشر
الميلادي)؛ أي قبل حقبة صلاح الدين
الأيوبي رحمه الله (ص: 52).
3) وقد حصر الباحث ممتلكات المكتبات في العصر العثماني، لنحو
(41) عائلة مقدسية (المكتبة هنا تضم 100 مخطوطة فما فوق)، ومكتبات أخرى (ويقصد بها
أعيان القدس والمفتون والقضاة والعلماء، تضم 20 مخطوطة فما فوق) (ص: 100)، وكتب أخرى تعود
لأفراد اهتموا باقتناء المخطوطات أو وقفها (ص: 112)، فوجد أنه كان في القدس نحو سبع عشرة ألف
مخطوطة (16,984 مخطوطة)، أكبرها عددًا مخطوطات عائلة أبو اللطف ثم عائلة
الخالدي، وأن أكثر من نصف المخطوطات في الحقبة العثمانية تعود إلى القرنين الحادي
عشر والثاني عشر الهجري (السابع عشر والثامن عشر الميلاديين)، وهي نفس الفترة التي
شهدت ارتفاع عدد الناسخين (ص:
55-56)، ويعزى ذلك إلى الاستقرار
السياسي الذي شهدته القدس بعد إخفاق ثورة الأشراف عام 1117ه/ 1705م (ص: 19).
4)
ثالثًا: وقف الكتب (المخطوطات): بين العقدية
والعائلية
الوقف في الإسلام جزء من العقيدة، ولا يمكننا، في هذه العجالة، الغوص في موضوع
وقف الكتب والمخطوطات، سوى الإشارة إلى أن الأمة الإسلامية أجمعت من لدن صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا على مشروعية الوقف, ونفذته عمليا؛
بوقف العقارات والأراضي والآبار, وبوقف الأموال غير المنقولة, كالأسلحة والكتب
والمخطوطات... الخ[6].
ونتيجة لصعوبة تتبع مسارات وقف المخطوطات، نجد أن الباحث "بشير بركات" يصل إلى "تقديرات"
وليس أعداد، بقوله: أكثر ملّاكي المخطوطات وقفوا المخطوطات على ذرياتهم، وفق شروط
تختلف من واقف إلى آخر؛ كالوقف على الرجل الصالح من الذرية، وتحديد المكان الذي
يوضع فيه الوقف، وغير ذلك من الشروط (ص: 125-126)، وكان أقل صنف من الموقوف عليهم هم طلبة العلم بشكل
عام، أو فئات محددة من العلماء (ص: 127). ولا شك في أن الواقف كان يقصد خير الأمة، وضمان الإبقاء
على مصادر المعرفة متوفرة بين أيدي الباحثين، ولكن الباحث يشير إلى أن الأمر قد
انتهى إلى حجب الكثير من المخطوطات في بعض مكتبات القدس المعاصرة، من قبل الأمناء
عليها؛ بمنع الاطلاع عليها وتفحص أوراقها الأولى (ص: 125).
رابعًا: الواقع المعاصر للمخطوطات و/أو الكتب
المطبوعة
أما حاليًا، فقد وجد الباحث أن هناك تراجعًا مذهلًا في أعداد تلك المخطوطات، التي انخفض عددها من العدد الآنف الذكر إلى نحو الثلث تقريبًا، وفق الجدول التالي:
الجدول
رقم -1-
عدد العناوين في مخطوطات المكتبات المعاصرة حسب تواريخ النسخ
(دائما يكون عدد المخطوطات أقل من عدد العناوين؛ لأن هناك العديد من المخطوطات التي تضم عنوانين فأكثر)
|
القرن
|
المكتبة الخالدية
|
مكتبة الشيخ الخليلي
|
مكتبة المسجد الأقصى
|
المكتبة البديرية
|
مكتبة دار إسعاف النشاشيبي
|
مكتبة جامعة القدس
|
مكتبة الزاوية الأزبكية
|
مؤسسة إحياء التراث[5]
|
المجموع
|
6
|
10
|
1
|
1
|
4
|
1
|
17
| |||
7
|
43
|
7
|
5
|
6
|
3
|
64
| |||
8
|
85
|
68
|
17
|
32
|
6
|
1
|
1
|
210
| |
9
|
135
|
73
|
49
|
54
|
25
|
8
|
11
|
355
| |
10
|
264
|
97
|
89
|
112
|
36
|
12
|
22
|
632
| |
11
|
438
|
111
|
105
|
266
|
156
|
57
|
32
|
1165
| |
12
|
676
|
126
|
192
|
522
|
206
|
78
|
56
|
1856
| |
13
|
245
|
9
|
132
|
150
|
305
|
56
|
72
|
969
| |
14
|
35
|
2
|
29
|
31
|
6
|
2
|
3
|
108
| |
مجموع
|
1931
|
494
|
619
|
1177
|
744
|
214
|
197
|
650
|
6026
|
منذ زوال الحكم العثماني في العام 1917، واحتلال فلسطين من قبل بريطانيا، أنشئ المجلس الإسلامي الأعلى الذي أنشأ دارًا للكتب في المسجد الأقصى (ص: 148)، والتي يشير الباحث "بشير بركات" إلى أنها تعرضت للإهمال والتلف والسرقة، بخاصة حقبة النكبة التي يؤكد فيها الباحث اليهودي "غيش عميت" أن الشعب الفلسطيني قد مني بنكبة ثقافية؛ عندما توزع مصير الكتب والمخطوطات الفلسطينية المنهوبة من المكتبات الفلسطينية ومن المنازل التي تم طرد سكانها منها بقوة السلاح، بين الهرس والسرقة والنهب والتزوير[7].
وبعد النكبة، يشرع الباحث في تسمية المكتبات المقدسية الحديثة، التي ضاعت
محتوياتها بحلول النكبة، منها (ص:
150- 158): مكتبة دار الكتب في المسجد الأقصى، ومكتبة إسعاف النشاشيبي،
ومكتبة الكلية العربية، مكتبة عبد الله مخلص، مكتبة تهذيب الأرواح (في سلوان)،
مكتبة خليل السكاكيني، مكتبة عجاج نويهض، ومكتبة أمانة القدس التي سيطر عليه
الاحتلال بعد النكسة في العام 1967. ومكتبات عدد كبير من المفكرين الفلسطينيين.
ويضاف إلى هذا كله عشرات المخطوطات المقدسية التي نقلت إلى خارج فلسطين، بخاصة في
أواخر الدولة العثمانية وبعد سقوطها (ص: 159).
رغم ذلك الوجع الموصوف الذي ابتلي به الشعب الفلسطيني إلا أن هناك من بقي
قابضًا على ما ورثه كالقابض على الجمر في وجه الخوف والقلق من الاحتلال وإجراءاته
القمعية، وما يرافقها من بريق الأموال، بأرقام فلكية، تزجى لكل من
"يفرط" في أي شئ من هويته الوطنية! وإنه من دواعي غبطتنا وسرورنا أن
نؤكد على أن هناك الآلاف من المخطوطات المصانة من قبل الوارثين لها، والذين بقوا
على العهد، هم وأبناؤهم وذريتهم القادمة إن شاء الله، وأكتفي هنا بالإشارة إلى
نماذج من تلك المخطوطات المصانة:
في مكتبة المسجد الأقصى المبارك: كتاب (المستصفى) في علم أصول الفقه، تأليف حجة الإسلام أبي حامد الغزالي (506 هـ)
في المكتبة الخالدية: مخطوطة أهداها مؤلفها "عبد المنعم بن عمر الأندلسي الجلياني" إلى
أبناء صلاح الدين الأيوبي عام 1201م، تعتبر سجلًا لبطولات الملك الناصر وتاريخه
المجيد وحسن الطالع الفلكي للأيوبيين.
في المكتبة الخالدية: مخطوطة قدمها مؤلفها
(طبيب هندي) كهدية إلى حاكم الموصل "الزنكي نور الدين"؛ يحذره فيها من
السموم لحمايته من الاغتيال.
خامسًا: الباحث قلق وغير مطمئن
لم يبد الباحث "بشير بركات"
ثقته التامة، فيما أورد من أعداد وتواريخ وأحداث، وإنما يشير إلى التقريب وعدم
الدقة العالية التي تتخطى (بكثير) ما يُسمح به في الأبحاث الكمية (ص: 55-56)، مما يعني أن
الباحث يحترم عقل القارئ ويحترم إرادته في البحث عن الحقيقة. وبالتالي؛ فإنه لا
يمكن لقارئ هذا الكتاب الخروج منه بتقييم يخطّئ الباحث، وإنما الباحث والقارئ
"معًا" عليهما التوقف مليًا عند تفاصيل ما ورد في هذا الكتاب، ومراجعة
عدد من الكتب والمصادر الأخرى ذات الصلة، والمقارنة، فيما بينها وما ورد في هذا
الكتاب بهدف حصر الفجوة الكبيرة بين الواقع وما هو على الورق.
كما أيؤخذ على الباحث اعتماده على البيانات والبيّينات التي قام هو نفسه
بفهرستها، كالفهارس الخاصة بالمكتبات التي فهرسها في وقت سابق. كما يلاحظ اعتماده
على سجلات المحكمة الشرعية، في الغالبية العظمى من بياناته، مع القليل من مقاطعتها
مع مصادر أخرى، دولية وإسلامية وعربية، وبلغات مختلفة، وقد يُعزى ذلك إلى ضآلة
الأبحاث السابقة في هذا المجال.
كما يلاحظ على الباحث "بشير بركات"
"الاستسلام" للواقع الذي لمسه، للمخطوطات المقدسية، معلنًا عن
"قناعته!" في أن تسرب المخطوطات المقدسية لأيدٍ تحفظها وتصونها، أفضل من
الإبقاء عليها عرضة للتلف، ويعزز وجهة نظره هذه بأن ينبئنا بإلقاء مخطوطات إحدى
العائلت (المقدسية) في حاوية النفايات.
ومما يؤكد قلق الباحث "بشير بركات"
وعدم ارتياحه لما ورد في هذا الكتاب، أنه يناشد الباحثين الآخرين بضرورة البحث في
مجال الناسخين؛ مما يساعد في الوصول إلى التواريخ (الدقيقة) لنسخ العديد من
المخطوطات (ص: 223)،
كما يحث باحثين آخرين على البحث في مجال الملحوظات والتمليكات المثبتة على الصفحات
الأولى والأخيرة، من المخطوطات المحفوظة في المكتبات المقدسية (ص: 225).
لنا كلمة.. الاستنتاجات والتوصيات
كاتب هذه السطور، هو أيضًا، باحث في مجال المخطوطات
المقدسية؛ حيث نشر سبع مقالات، بالتتابع، حول المخطوطات في المكتبات المقدسية، في
عامي 2015 و2016[8]، فتبين له مدى تفرد
المكتبات المقدسية بمخطوطات نادرة؛ لا يوجد مثيل لها في العالم، كما تبين له حجم
المسؤولية وثقلها على كاهلنا، إذ أن العالم ينظر إلينا، ورغم أننا تحت مطرقة
الاحتلال، بأننا في القدس بشكل خاص وفلسطين بشكل عام، نشكل بارقة أمل في المحافظة
على الحضارة الإنسانية.
ولتأكيد
ذلك الدور المناط بنا، على مستوى العالم، صرح السيد "ستافروس أندراوس"؛
خبير اليونسكو المقيم في مركز ترميم المخطوطات في المسجد الأقصى، بأن اليونسكو
تطمح في جعل مشروع ترميم المخطوطات لخدمة كل مقتنيات القدس الورقية، كما ينقل
"أندراوس" على لسان مسؤوليه[9]: "تهدف
اليونسكو إلى تهيئة وإعداد جيل من الشباب القادر على متابعة الحفاظ على هذا الكنز
الثقافي؛ في إشارة إلى المخطوطات المقدسية، الذي
لا ينحصر في القدس وإنما هو تراث عالمي. كما تهدف اليونسكو إلى أن يكون
مركز ترميم المخطوطات في المسجد الأقصى، هو القبلة التي تتجه نحوها جميع مخطوطات
الشرق الأوسط. ولا تنحصر مهمة المتدربين والعاملين في هذا المركز في ترميم الأوراق
بذاتها؛ وإنما نأمل منهم نقل هذه التجربة للأجيال القادمة؛ لأن الترميم عملية
دائمة ومستمرة يستحيل توقفها عند وقت معين."
الأمر الذي يدفع باتجاه عدد من التوصيات النابعة عن
"مرارة" تجربة بحثية وعملية عاشها الكاتب وعايشها مع مخطوطات المكتبات
المذكورة؛ وفق ما لاحظه ولمسه بشكل مباشر، وبالاستناد إلى الهموم والقضايا العالقة
التي يحياها المقدسيون القابضون على "المخطوطات والكتب" وما ورثوه من
إرث ثقافي وحضاري، كالقابض على الجمر؛ حرصهم على الدشت كحرصهم على المخطوط الأصلي
المتماسك الأوراق والتجليد. ولكي تتمكن الأجيال القادمة من إكمال المشوار نحو المزيد
من الحفاظ على الهوية الدينية والوطنية والقومية للقدس التي تجتاحها "ريح
صرصر" من التهويد.
وإذا ما علمنا بأنه تم تأليف الكتاب، قيد النقاش، للباحث "بشير بركات"، في العام 2012؛ أي أن آخر
المعلومات والأحداث الخاصة بالمخطوطات الموصوفة فيها هي قبل خمس سنوات من الآن،
فإنه يمكننا المزج بين توصيات الباحث المذكورة أعلاه، والتوصيات التالية؛ بهدف وضع
المسؤولين عن الشأن الثقافي المقدسي أمام مسؤولياتهم التاريخية:
1)
لضمان
استمرار المكتبات المقدسية في المحافظة على ما لديها من مخطوطات، ووقف الهدر في
تلك المخطوطات، والتطور، يجب الاستمرار في ترميم المخطوطات، وترميم
الكتب القديمة من القرنين التاسع عشر والعشرين، وتوفير أنظمة تسجيل وترجمة وصوتيات وتوابعها، والتطوير الرقمي للمخطوطات، بما
يوفر الفرصة لتفعيل السياحة المعرفية والمعلوماتية بشأن بيت المقدس، وإضافة قسم الكتب
الإلكترونية لكل مكتبة؛ لتمكين الباحثين من الوصول إلى المعلومات بسهولة ويسر. وفتح
المكتبة/ات، بانتظام, لجمهور القراء والباحثين.
وتعيين موظفين مدربين جيدًا ومؤهلين في كل مجال تم الإشارة إليه؛ لتحقيق الغاية
منها، والمتمثلة بالمحافظة على الهوية الثقافية للقدس ذات الصبغة العربية:
الإسلامية والمسيحية.
2)
نحن بحاجة إلى استراتيجية وطنية يتم من خلالها نقل هذا
النوع من المكتبات، من الإطار العائلي أو الفردي، إلى الإطار الوطني الذي تصبح فيه
أبوابها مشرعة للباحثين والدارسين، وتوظيفها بأعلى مستويات المسؤولية في الحرب –الهوياتية-
التي يخوضها الفلسطينيون بشكل عام، والمقدسيون بشكل خاص، في مواجهة عملية التهويد
التي تهب نيرانها علينا منذ أكثر من قرنين من الزمن.
3)
ترميم وصيانة مباني المكتبات، لا
سميا وأن منها أبنية من الفترة المملوكية مروراً بالعثمانية. وتوفير وإعداد مستودع
خاص للمخطوطات وَفْق المواصفات العلمية والمعايير الدولية المتبعة لحفظ المخطوطات.
4)
إقامة "متحف"
للمخطوطات الفلسطينية تكون القدس مركزه.
5) كما أنه، وبالاستناد إلى ما يقوله خبير اليونسكو أعلاه،
نجد أنفسنا، كل من موقعه، أمام مسؤوليات تتعدى القدس وتتعدى الوطن الفلسطيني،
عندما ينظر العالم إلينا على أننا الأمناء الوحيدون على نتاجات الحضارات العالمية،
على مستوى الشرق الأوسط على الأقل. مما يعني ضرورة رفع وتيرة الانتباه إلى مركز
ترميم مخطوطات المسجد الأقصى، الذي هو سفيرنا المتجول بين حضارات هذا الكوكب، بل
أنه الأب الحاني الذي ينظر إليه العالم نظرة مهابة وإجلال واحترام.
6) فهرسة المخطوطات التي لم تفهرس حتى الآن، وتحديث الفهارس
القديمة، لا سيما وأن هناك مكتبات تمكنت من الاستفادة من الدشت المتوفر لديها في الحصول على مخطوطات
جديدة. ويشير "بشير بركات" بأنه جمع (30) مخطوطا نادر وفريدا يعود أكثرها للعهد المملوكي، في دشت المكتبة
البديرية.
7)
وأما بخصوص
مخطوطات المسجد الأقصى، فإنه لا بد من تجميعها في مكانٍ واحد، هو مكان المكتبة الأم.
8)
هناك
مخطوطات تعاني من الإهمال والتكدس في خزائن أو كراتين، وفي أجواء غير صحية على
الإطلاق، كما في حالة مخطوطات جامعة القدس والزاوية الأزبكية، علمًا بأنها مفهرسة
منذ زمن. مما يعني ضرورة توفير المعدات والمواد والأدوات الأساسية الخاصة بترميمها
وإمكانية حفظها في حاويات (كراتين) خاصة، وخزانات خاصة لحفظها في بيئة صحية تحميها
وتمنعها من التلف.
9)
أما بشأن الأبحاث في مجال
المخطوطات، فإن هناك مساحة واسعة لاستحداث برنامج دراسات عليا حول المخطوطات.
فبالإضافة إلى ما أوصى به الباحث "بشير بركات" أعلاه،
فإنني أرى بضرورة البحث في مجال الأوراق التي كتبت عليها تلك المخطوطات، والأحبار
المستخدمة في الكتابة، من أجل التعرف على السر في ديمومة تلك المخطوطات ووضوحها
رغم مرور مئات السنين عليها. كما أنه لا بد من البحث في مجال مواضيع المخطوطات في
الحقب الزمنية المختلفة؛ للتعرف على طبيعة الحراك العلمي والمعرفي عير العصور، وما
يحمل من دلالات التطور للدول المختلفة التي حكمت القدس. وغير ذلك من المواضيع
البحثية.
10) وأما
التوصية الأخيرة، فتتعلق بضرورة العمل الجاد والفوري على تشكيل جسم للمكتبات
المقدسية العائلية والأهلية والخاصة والعامة، وذلك بهدف صياغة مجموعة من النظم
والقوانين واللوائح التي تشجع البحث العلمي والسياحة المعرفية من جانب، وتضع هموم
تلك المكتبات وقضاياها على طاولة الشأن الثقافي المقدسي، بما يوفر الدعم والإسناد
والمعالجة لقضاياها وهمومها كافة. كما أن هذا الجسم سيكون قادرًا على تمكين أعضائه
من العمل على تنفيذ جميع التوصيات المذكورة أعلاه وغيرها مما لم يذكر.
هذه
هي الأمانة التي أردت أن أودعها هنا، في صحيفة القدس الغراء، لعل مسؤولًا يقرأها،
فيحيلها إلى برامج القدس العاصمة الدائمة للثقافة العربية؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!
اختتام فعاليات نادي الموظفين.. الخبر كما ورد في صحيفة القدس، بتاريخ: 3 12 2016 ص9
[1] يشير
الباحث "بشير بركات" إلى أنه قد فهرس مخطوطات كل من المكتبات التالية: البديرية،
ودار إسعاف النشاشيبي، وجامعة القدس، والزاوية الأزبكية (ص: 56).
[2] تأسس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في العام 1983م،
وهو يهدف إلى دعم البحوث والدراسات وتطويرها وتوسيع أفق المعرفة حول الموضوعات
المتعلقة بالدراسات الإسلامية، والسياسة، وعلم الاجتماع والإرث. ويضم المركز وحدات
بحث متعددة تجمع الباحثين في حقول مختلفة للمساهمة في بناء المعرفة وتوسيعها
(انظر: http://www.kff.com/ar/King-Faisal-Center-for-Research-Islamic-Studies)
[4] بدأ اهتمام الغرب بالطباعة في العام (1486م)،
وسمح لليهود بإنشاء مطابع لهم في عهد السلطان بايزيد الثاني (1481-1512م) (أنظر ص:
217).
[5] لم
يتم استكمال تصنيفها حسب القرون حتى اللحظة، ولكن العدد الإجمالي للمخطوطات
الأصلية في هذه المؤسسة هو (650) مخطوطة. صرحت بذلك شفا سباتين عند مقابلتها بتارخ:
04/09/2016م.
[6] العصا، عزيز (2016). كتاب
"الوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق"
للشيخ عكرمة صبري: يحتضن مائة مبحث.. يؤصّل للمفاهيم الوقفية.. ويؤسس لموسوعة
وقفية. صحيفة القدس، بتاريخ: 21/07/2016م، ص: 22.
[7] العصا،
عزيز (2015). النكبة الثقافية: الكتب والمخطوطات الفلسطينية.. بين الهرس والسرقة والنهب والتزوير. في "مجلة
قضايا إسرائيلية، العدد (60)، ص ص: 117-123".
[8] قام بنشر
مقالات في مجلة مشارف مقدسية حول المخطوطات في المكتبات المقدسية التالية: 1)
إسعاف النشاشيبي (العدد: 1، ص: 241-248). 2) الخالدية (العدد: 2، ص: 13-22). 3)
مركز ترميم مخطوطات المسجد الأقصى (العدد: 3، ص: 65-72). 4) البديرية (العدد: 4،
ص: 26-38). 5) مخطوطات مكتبة المسجد
الأقصى (العدد: 5، ص: 27-34). 6) الزاوية الأزبكية (العدد: 7، ص: 122-128). 7) كما
أن هناك مقالًا بعنوان: مكتبة المسجد الأقصى المبارك: مائة وثلاثون ألف كتاب
مصفَّدة بالقيود.. تنتظر الباحثين (نُشِرَ في صحيفة القدس، بتاريخ: 04 أيلول 2016،
ص: 19). كما أنه بصدد الإعداد والتدقيق لمقالات حول المخطوطات في كل من: 8) مؤسسة
حفظ التراث، و9) المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى.
[9]العصا،
عزيز (2015). مخطوطات المسجد
الأقصى المبارك: رحلة ترميم.. تجمع بين الألم والأمل. مجلة
"مشارف مقدسية"، العدد الثالث، خريف 2015، ص: 65-72. انظر الرابط
التالي: http://alquds.pna.ps/masharef3.pdf
إرسال تعليق Blogger Facebook