في تقرير مدار
الثالث عشر:
فلسطينيو الداخل: يعانون من تحريض الدولة وقوننة العنصرية
نشر في
صحيفةالقدس، بتاريخ: 09/04/2017، ص: 18
عزيز
العصا
تم في أواخر
شهر آذار المنصرم مناقشة تقرير مدار الاستراتيجي حول المشهد الإسرائيلي في العام
2016، والذي يحمل الرقم الثالث عشر، تحرير: د.
هنيدة غانم، ومشاركة سبعة باحثين متخصصين في الشأن الإسرائيلي. وهو التقرير
الذي دأب مركز مدار على إصداره، لكي يضع صانع القرار الفلسطيني، والباحثين في
الشأن الإسرائيلي في صورة حقيقة ما يجري على الأرض في "إسرائيل". وقد
تعودنا على أن هذا التقرير لا يكتفي بسبر غور الأحداث التي تمّت، وإنما يحمل في
ثناياه ملامح المرحلة المقبلة، وذلك من خلال البيانات والبيّنات الدقيقة
والمترابطة التي تنبئ بما سيجري وفق تلك المعطيات.
يتميز
هذا التقرير بأنه محطة مراجعة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بعد مرور مائة عام على
وعد بلفور المشئوم، ومرور سبعين عامًا على قرار التقسيم، وخمسين عامًا على استكمال
احتلال فلسطين وأجزاء من مصر وسوريا، حيث احتلت إسرائيل من الوطن العربي ثلاثة
أضعاف مساحتها، وأطلقت مشروعا استيطانيًا واسعًا شمل الأراضي السورية والمصرية
والفلسطينية، إلى جانب ضم القدس الشرقية والجولان (ص: 15). وقد مارست دولة الاحتلال هذا كله خضوعًا
لتيار "ديني" اعتبر أن انتصارهم في تلك الحرب (1967) بمثابة معجزة
إلهية، أعادت اليهود إلى الأرض التوراتية(ص: 17)!
ويرصد
التقرير المشهد الإسرائيلي من سبع زوايا تشكل، في مجموعها، حقيقة ما يجري على
الحلبة الإسرائيلية بأبعادها الأيديولوجية والسياسية والأمنية والاقتصادية
والاجتماعية. وفي هذا كله، يستطيع القارئ الخروج بنتائج واستنتاجات تتعلق بعناصر
القوة والضعف في الدولة العبرية، كما يدرك سمات وخصائص العلاقة الفلسطينية
الإسرائيلية، سواء "فلسطينيو الداخل" الذين يعيشون داخلها، والذين
يصطلون بنيران أبارتهايدية هذه الدولة، أم على مستوى السلطة الوطنية الفلسطينية
التي تضع إسرائيل العصي الغليظة في دولاب تحولها إلى دولة كاملة السيادة على حدود
العام 1967.
وفقًا للعرض الذي قدمته محررة
التقرير (د. هنيدة غانم)، فإن المعطيات في العام 2016 تشير إلى أن الكيان
الاسرائيلي، المتمتع بقوة اقتصادية هائلة، أصبح تحت سيطرة كاملة لليمين المعادي
لكل ما هو غير يهودي، والذي يعزز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وأن هذا اليمين
أصبح يستمد قوة إضافية من الفوضى الدموية في الوطن العربي، ومن صعود اليمين
الأمريكي والأوروبي. وأما ذروة ما يصبو إليه الحكم في الدولة العبرية فهو تحقيق
"الدولة اليهودية" مع المحافظة على ادّعاء "الديمقراطية".
وإذا ما علمنا بأن اليمين قادم
من الأيديولوجيا الاستعمارية للمشروع الصهيوني الذي يعتبر الأرض غير محتلة، وإنما
السكان هم المحتلون، فإننا نستطيع "استقراء" طبيعة العلاقة بين إسرائيل
والفلسطينيين، أو بالأحرى طبيعة الصراع القائم على أرض فلسطين التاريخية.
يشير التقرير إلى أن حكم اليمين
الجديد في إسرائيل بقيادة نتنياهو يتمثل في مثلث، يسعى الى ضبط أضلاعه وفق مفاهيمه
السياسية، وهي: الضلع الأول: الموقف من الاحتلال/ الاستيطان، والضلع الثاني:
العلاقة مع الفلسطينيين في إسرائيل، وأما الضلع الثالث فيتمثل في بنية الدولة
والتوجه نحو إسرائيل يهودية أكثر وديموقراطية اقل (ص: 11).
وهناك مثلث آخر يتعلق بـ
"المتحول في المشهد الإسرائيلي"، والذي أضلاعه: الضلع الأول: إشكاليات
الحدود الجغرافية للدولة؛ غير واضحة وغير معروفة. والضلع الثاني: حدود المواطنة
والتعامل مع غير اليهود: كيف يجب التعامل مع مفهوم المواطنة في الدولة التي تعتبر
نفسها دولة اليهود في كل العالم، وليست دولة مواطنيها؟ وما هي مساحة المواطنة
للفلسطينيين فيها. والضلع الثالث: تحديد الرؤية القيمية للدولة
اليهودية-لديمقراطية: هل يمكن التوفيق بين الديمقراطية واليهودية وكيف؟ (ص: 20-21).
وبنظرة متمعنة إلى هذا المثلثيْن:
الثابت والمتغير للدولة العبرية، نجد أن الضلعين الثاني والثالث من من كل مثلث
يتعلقان بفلسطينيي الداخل، الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون؛ ويشكلون 21%
من حجم الديموغرافية في حدود هذه الدولة.
لتلك الأسباب، ونظرًا لاتساع
الحالة العنصرية والأبرتهايدية المهيمنة على الدولة العبرية والمتحكمة في تفصيلها
كافة، فإنه من الطبيعي أن ينتابنا القلق على الفلسطينيين القاطنين في حدودها،
للتعرف على ظروفهم وأوضاعهم، وما يجري بحقهم، أفرادًا وجماعات وتجمعات، من إجراءات
وممارسات تقوم بها هذه الدولة تحت ستار "الديمقراطية!" الخادعة التي
تمكنت، منذ نشأتها، تضليل العالم بها. وبالتالي، فإننا سوف نركز في هذا المقال على
مشهد "الفلسطينيون في إسرائيل".
إذا ما قمنا بسبر غور حال وأحوال
هذه الفئة من شعبنا، فإننا لا نتوقع من هذه الدولة، وفق المدى المرئي، أن تتعامل
معهم بأي شكل من أشكال العدالة أو الدعم والإسناد الكافي لخلق مجتمع حيوي متماسك؛
وذلك لأنها ترى فيهم نقيضًا استراتيجيًا على المديات القصيرة والمتوسطة والبعيدة.
وبقراءة هادئة لآخر ما يمر به المجتمع الفلسطيني في حدود الدولة لعبرية، وبالاتجاه
نحو القاعدة الأوسع للمجتمع الفلسطيني هناك؛ أي بعيدًا عن النخب والأحزاب السياسية
وما يجري على مستوى الكنيست، نجد أن هذا المجتمع يعاني مما يأتي:
أولًا: تصعيد التحريض على
الجماهير الفلسطينية:
ويقود هذا التحريض أعلى رأس في الدولة العبرية، وهو نتنياهو نفسه. ولعل أوضح مثال
على ذلك ما قام به نتنياهو ووزرائه باتهام تلك الجماهير بموجة الحرائق التي هبت في
البلاد في العام 2016، والتي أطلقوا عليها هؤلاء الوزراء وإعلامهم عدة مسميات
تنسبها إلى فلسطينيي الداخل، منها: إرهاب الحرائق، وإنتفاضة النار، وإرهاب إشعال
الحرائق. وأُتبع ذلك بحملة هدم البيوت العربية في مناطق مختلفة من حدود الدولة، وارتفاع
"مؤشر العنصرية والتحريض في الشبكات الاجتماعية للعام 2016". كما نجم عن
هذا التضييق على حرية الرأي للفلسطينيين، والتعامل العنيف والعنصري معهم من قبل الشرطة،
لحد استخدام العنف الجسدي (ص:
234-237).
ثانيًا: قوننة العنصرية: حيث يسعى اليمين
الحاكم إلى "قوننة" تعريف دولة إسرائيل بوصفها دولة قومية للشعب
اليهودي، بالتوازي مع قوننة ما يحاصر الفلسطينيين ويضيق عليهم ويحد من حريتهم.
ولضيق المجال نكتفي بذكر تلك القوانين، أو مشاريع القوانين: 1) قانون أساس:
إسرائيل دولة قومية للشعب ليهودي. 2) قانون الإقصاء لعضو الكنيست في حال القيام
بواحدة من: رفض وجود إسرائيل باعتبارها دولة يهودية وديمقراطية، تحريض على
"العنصرية!"، تأييد كفاح مسلح ضد دولة إسرائيل. 3) اقتراح "قانون
أساس: رفض ترشيح مرشح يتماثل مع الإرهاب. 4) قانون مكافحة الإرهاب. 5) قانون
الولاء في لثقافة. 6) قانون الجمعيات. 7) قوانين تشجّع التجنيد وتجرّم الدعوة إلى
رفض لتجنيد. 8) قانون الأذان. 9) تمديد قانون المواطنة ولدخول إلى إسرائيل (ص: 237-243).
ثالثًا: استهداف الأرض والمسكن: تبقى الأرض مركّبًا
جوهريًّا واستراتيجيًا من مركبات الصراع، والسيطرة على الأرض، بأبعدها المادية
والجوهرية، تحيل إلى الاستحواذ المباشر الذي ينطوي على غايات أمنية وتوسعية، كما
تحيل إلى الهيمنة المطلقة على المشهد والسكان وأدوات الإنتاج، والتي تنطوي على
أبعاد سياسية واجتماعية متجذّرة وغير مباشرة. ووفق هذه الاستراتيجية تنفذ الحكومة
سياسة تقليص ظاهرة البناء غير المرخص، التي تهدف إلى تركيز أكبر عدد من العرب في
أقل مساحة من الأرض. وعلى هذه القاعدة شهد العام 2016 هدم العديد من بيوت
الفلسطينيين في حدود الدولة العبرية (ص: 243-246).
رابعًا: المجتمع الفلسطيني يهدده
الفقر والعنف:
أشار النائب "أيمن عودة" إلى أن المواطنين الفلسطينيين في حدود الدولة
العبرية يدفعون (36) مليار شيكل سنويًا ضرائب لخزينة الدولة (ص: 247). ورغم ذلك، نجد
أن هذا المجتمع يعاني شظف العيش، من خلال الشواهد والمشاهد التالية (ص: 248-250):
1)
المكانة الاقتصادية المتدنية، والتي تتمثل
مظاهرها في قلة فرص العمل المتساوية مع المجتمع الاسرائيلي، وتدني مستوى البنى
التحتية، والمعيقات أمام الدخول إلى الاقتصاد الإسرائيلي.
2)
وجود فجوة بين المجتمعين
الفلسطيني والاسرائيلي: حيث
يندرج القطاع الفلسطيني من السكان في فروع عمل تقع في أدنى سلّم أجور، كما أن هناك
فجوة في مشاركة المرأة؛ حيث أن نسبة مشركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل 27%،
بينم نسبة مشاركة لمرأة الإسرائيلية تصل إلى 76%.
3)
تفشّي الفقر لدى الفلسطينيين: حيث يعيش غالبيتهم
في تجمعات سكنية ذات بنى تحتية غير متطورة، وفي أوضاع اقتصادية مزرية.
4)
تفشي ظاهرة العنف داخل المجتمع
الفلسطيني:
تبلغ نسبة الفلسطينيين في حدود الدولة العبرية 21% من ديمغرافيتها، إلا أن حصتهم
من المدانين بجرائم القت تصل إلى 59%، ومن جنح التجارة بالمخدرات 27%، ومن السرقة
32% ومن جرائم السطو المسلح 47%، ومن جرائم محاولات القتل 55%. وتشير معطيات العام
2016 إلى (64) قتيلًا من الفلسطينيين (10 نساء والباقي من الرجال). ومما يعزز تفشي
ظاهرة الجريمة في المجتمع الفلسطيني أن 80% من السلاح غير القانوني، والبالغ
أربعمائة ألف قطعة، منتشر في المجتمع الفلسطيني.
ويعزى
سبب هذا، في غالبيته، إلى الواقع الاقتصادي الصعب الموصوف أعلاه، وإلى إهمال
المتابعة للمجتمع الفلسطيني من قبل الشرطة التي لا تتدخل، ولا يعنيها الأمر إلا
إذا كان يهدد أمن الدولة أو أمن المستوطنين، وأما إذا كان الضرر داخليًا فليس
للشرطة والأجهزة الأمنية شأن في ذلك.
خلاصة
القول،
يشير الوقع الموصوف أعلاه إلى أن المستقبل ينذر بتأجج الصراع على أرض
فلسطين التاريخية. إذ أن الدولة العبرية التي يقودها يمين متطرف أصبحت تنظر بعين
الاستهتار والاستخفاف نحو الفلسطينيين القاطنين على أرضهم، دون الالتفات إلى أن
لهم حقوق العيش الكريم. فتقوم الدولة العبرية بقيادة الحكومة اليمينية، ذات السلطة
والسطوة وذات الأيديولوجيا المعادية للآخر (غير اليهودي) بشرعنة استباحة الأراضي،
ونهب الخيرات، والتضييق على الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين، وسد سبل توفر الدخل
الكافي لأن يسد الرمق، من أجل إفقارهم ودفع مجتمعهم نحو الجريمة والتشرذم والتفكك،
لضمان سيطرة واستقرار المجتمع الإسرائيلي على الأرض.
وقبل أن نغادر، لا بد من الإشارة
إلى المجتمع الفلسطيني في حدود الدولة العبرية يزخر بقادة الفكر والسياسيين
والأكاديميين، وغيرهم من الشرائح المجتمعية التي يعوّل عليها في أن توجه دفة قارب
شعبنا هناك نحو النجاة من مخططات الدولة و/أو التقليل من المظاهر والظواهر السلبية
في مجتمعهم.
وعليه، فإننا نطالب مركز مدار
بإضافة مشهد جديد ومتجدد دومًا يتعلق بإنجازات وإبداعات فلسطينيي الداخل من أجل
الصمود والدفاع عن وجودهم الشرعي على الأرض، وقدرتهم على المطالبة بحقوقهم، بكل
قوة واقتدار.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 06/04/2017م
إرسال تعليق Blogger Facebook