كارول صنصور:
شاعرة تنفتح على مركب شعري جديد
نشر في صحيفة
القدس الفلسطينية، بتاريخ: 08/04/2017، ص: 14
عزيز العصا
كارول صنصور؛ فلسطينية
الأصل والفصل والانتماء والمشاعر والشعور. مغتربة السكن ولكن الوطن يسكنها، وتحمله
في كل تفاصيلها الروحية والمعنوية والفكرية، وحتى الجسد ملئ بزيت وطنها (فلسطين)
وزيتونه وزعتره وأزهاره البرية والحدائقية والعشوائية والمنتظمة. مشبعة بالوطن لحد
الانصهار فيه دون تركه و/أو تغييبه عن الذهن والذاكرة للحظة واحدة.
ثورية بامتياز؛ ترفض الخضوع للواقع والتماشي معه ومسايرته، بل تقتحمه وتدعو
إلى تمزيقه شر ممزق، والتعالي عليه، وجعله وراء ظهورنا، والقفز عنه نحو الحرية
والبناء، بل إعادة البناء على أسس سليمة متعافية من الانهزامية والوصولية والجهل
والتخلف.
تلك هي سمات وخصائص وطرائق تفكير "كارول
صنصور"، التي لم ألتقِها يوما، ولم أقرأ عنها –ولا بأي لغة-
ولكنني قرأت لها، وتمعنت في قراءة ما كتبت من أشعار وخواطر -مشبعة بالشاعرية. فهي
شاعرة في كل ما تهمس وتكتب، حتى أكاد أراها تعيد صياغة النظريات العلمية الجامدة
كأشعار تغنى في المناسبات المختلفة.
بقراءة لما وصلني ما كتبته "كارول
صنصور" وجدتُني أمام "تركيبة" سهلة-ممتنعة من الأشعار
والفقرات التي جمعت غالبيتها العظمى تحت عنوان "في المشمش"؛ وهو المثل
الشعبي لذي يشير إلى الدلالة على صعوبة تحصيل الشئ المطلوب، وتحمل الملامح
التالية:
أولًا: أشعار بلا أوزان:
السمة الرئيسية لأشعار "كارول صنصور"
هذه أنها الأقرب إلى الأشعار الأوروبية والأمريكية؛ التي لا تلتزم بالأوزان
والعروض والقوافي، وإن كانت تتمتع بشئ من الموسيقى التي تظهر عند قراءتها جهرًا،
وهنا يظهر الجمال الحقيقي لهذا المخزون الشعري.
لا يمكن لمن يلج إلى مجموعة "في المشمش" إلا ويجد نفسه وقد دخل
إلى مسرح رحب واسع أعدت له الشاعرة "كارول
صنصور" كل ما يلزم من مواد وأدوات ومظاهر وظواهر وأفراد وجماعات
ومؤسسات، ثم تنطلق بالقارئ بشعر "مسرحي"[1]،
يتخلله شعر نثري[2]، أو كما
يطلق عليه أحيانًا "نثر فني"، تقترب فيه من التصوير البصري الدقيق
للأحداث وتطوراتها. وفي تلك الأحداث "هذرمات" مختلفة تستعرضها "كارول صنصور"، حين تقول:
(...)
بحث عن غرفة نوم
لبائعة هوى// استحمام في بحر لا موج فيه// شرب كأس وسكي رخيص على الطابق ٦٣// ابتسام
في حفل استقبال// مقارعة أخرق// جميعها هذرمة.
وتغادر هذه "الهذرمة"
لتقول في التالية:
هكذا تكون الأوطان مطلع كل صباح
الثورة لن تبدأ قط
جميل أن تقرأ لـ "كارول صنصور"
المغتربة وهي تصور، بشكل فكاهي مرير، عادات مجتمعها لفلسطيني، كذلك المُصلّي لذي
يعطس في يده مرارًا، وتلك العجوز التي تمارس "الثرثرة" الخارجة عن أجواء
المشهد الجنائزي المحزن في "قداس دفن المسيح".
وأما الذي تنطبق عليه مقولة "في المشمش" فهو السردية الأخيرة:
صباحات خضراء صفراء
عسلية// في المشمش
رائحة السكر يحترق//
أطفال يلهون في تراب// وأمي تعد القهوة// والحليب والشاي
أمي// في المشمش
أمي دائمًا// أكبر الخيانات
وأعنف الخسارات وأطول اغتراب// في المشمش
رابعًا: الشعر القصصي:
تكتب "كارول صنصور"
الشعر القصصي؛ الذي يهدف إلى استجلاء صور الحياة الاجتماعية، ورصد تفصيلاتها المثيرة الحية بأسلوب فني يجذب اهتمام القارئ، ويثير انتباهه([3]). ففي قصيدة "حب تشلابي" تستذكر حوارها مع أمها حول الحب، وهي تجلس "جنب الياسمينة الرافضة للموت
تمامًا أو العيش تمامًا"، كما تسرد علينا قصة المراسلات بين الحبيبين التي
تدرجت فيها العلاقة ولمشاعر لمتبادلة بينهما: صلّيني (في الرسالة لأولى)، مشتاق
(في الرسالة الثالثة عشر)، أحبك (في الرسالة الرابعة بعد الأربعمائة)، أنا
لك.. وعندما تزاحمت الرسائل "استنفدت المشاعر// وسقط لقلب في كمين
السر لمكشوف". وفي لرسالة الألفين: أعلن الحبيب عن "الملل".
وبعد الرسالة الثامنة بعد الألفين تقول الشاعرة على لسان "الحبيبة":
لم أعِ ما كان//
ولم أرغب// “فالمعرفة ألم وقوة على الاخرين”// والمسافة والافتراضية// عدو لمن
يشتاق// فلا اعتذارات أنتظر// فأنا فيك وأنت في
بدون قيود أو
وعود// سأجدك وتجدني// احتل عرش روحك الفوضوية
بلا مقدمات أو
شروط// سأحبك دومًا// ولن يكون للرسائل منهجية
كلمة أخيرة،
ها هي الشاعرة الفلسطينية البيت لحمية "كارول صنصور" التي وضعت بين أيدينا أشعارًا،
باللغتين: العربية والانجليزية[4]، تعبر
عن تمزقاتها وهواجسها على وطن ضاع، وعلى مجتمع بحاجة للإصلاح والصلاح، والذي ترى
شاعرتنا أنه "في المشمش" تحقيق ذلك. ولذلك، فهي تدعو، عبر أشعارها
المختلفة، إلى الثورة على الواقع، وعلى المتاجرة بقضية شعبها ووطنها. ولأنها مغتربة
عن الوطن، نقول لها: أهلًا وسهلًا بك على أرض وظنك فلسطين، وفي أحضان مدينتك -بيت
لحم- مهد رسول المحبة والسلام نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 01/04/2017م
[1]انظر: طبانة، بدوي (1986). التيارات المعاصرة في النقد الأدبي. دار المريخ للنشر.
الرياض. المملكة العربية السعودية. ط2. ص: 16.
[2] الحدود بين الشعر والنثر، أن الشعر
يزخر
بالتماثلات الصوتية، والتكافؤات الزمنية، والتوازيات الدلالية، ولهذا يعد خطابا غايته قائمة في ذاته؛ أي إنه يمتلك تتابعه الزمني الخاص. (انظر: د. سلام
خلف. السرد القصصي في شعر أبي تمام. مجلة كلية الآداب. العدد 101. ص: 198-215).
إرسال تعليق Blogger Facebook