إبداعات فلسطينية على الحلبة الدولية:
-العلاقة مع اليونسكو أنموذجًا-
نشر في صحيفة
القدس بتاريخ 26/07/2017، ص: 15
عزيز العصا
المقدمة والتقديم
لا شك في أن
"إسرائيل"، ومن يقف إلى جانبها، يسعون إلى "شطب" فلسطين عن
الخريطة بأبعادها المختلفة؛ الجغرافية والسياسية والمؤسساتية، وغير ذلك من أوجه
الوجود الحقيقي على الأرض. وذلك باعتبار أن الدولة العبرية هي التي تمتلك فلسطين
الأرض والحضارة والهوية. ومن هنا يأتي المعارضة والفيتو الدائم الأمريكي وغير
الأمريكي على أي وجود لفلسطين في المحافل الدولية. إلا أن الشعب الفلسطيني قد
تمكن، بصبره وصموده وتضحيات أبنائه، من إثبات وجوده وحضوره عل المستويات الدولية
المختلفة، بدءًا من تثبيت دولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وانتهاءً
بعضوية أصغر منظمة دولية. وسنناقش، فيما يأتي علاقة فلسطين بـ "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة"
"اليونسكو"، حتى أصبحت عضوًا فاعلًا في هذه المنظمة الدولية ذات
الاختصاص الثقافي والتراثي والحضاري.
أنشئت اليونسكو في العام 1945 كواحدة من منظمات الأمم المتحدة، التي أُنشئت بُعيد الحرب العالمية الثانية. ومن بين الأهداف التي تسعى هذه المنظمة الدولية، التي تضم (195) دولة
ومقرها باريس، إلى تحقيقها: تعزيز
التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات وثقافة السلام. وخلال المؤتمر العام لليونسكو، الذي عقد في 16/11/1972، تم التوقيع على
اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، وانبثق عنها برنامج "مواقع التراث العالمي" يهدف إلى
تصنيف وتسمية والحفاظ على المواقع ذات الأهمية الخاصة للجنس البشري، سواء كانت
ثقافية أو طبيعية.
منذ ذلك
التاريخ، شرعت دول العالم المختلفة في العمل من أجل تسمية مواقعها على لائحة
التراث العالمي، التي تضمن حصول الموقع على اهتمام من المجتمع الدولي للتأكد من
الحفاظ عليه للأجيال القادمة. وتشترك جميع الدول الأعضاء في الاتفاقية، في حماية
الموقع المسجّل والحفاظ عليه
.ونظرًا لأن فلسطين تحت الاحتلال، فقد قامت المملكة الأردنية
الهاشمية بالعمل على تسجيل القدس على هذه اللائحة في العام 1981حيث قام خبراء أردنيون وفلسطينيون بإعداد ملف
الترشيح ، وفي العام 1982 تم تسجيلها على قائمة التراث العالمي "تحت
الخطر".
حاليًا، وبعد
حرمان فلسطين من حقها في تسجيل مواقعها التراثية في اليونسكو والحفاظ عليها لعقود
طويلة، وبعد أن أمسك الشعب الفلسطيني بزمام أموره –جزئيًا- أصبحت فلسطين عضوًا
كاملًا في اليونسكو بتاريخ 31/10/2011م، وصادقت على اتفاقية التراث العالمي لعام
1972م بتاريخ 8/12/2011. وتم ذلك رغم شراسة الاحتلال وعنجهيته في استخدام علاقاته
الدولية في محاربة أي ظهور فلسطيني على الحلبة الدولية؛ بجهود وزارة السياحة
الفلسطينية التي عملت، وبشكل جاد ومتفانٍ، من أجل تسجيل المواقع الفلسطينية
التراثية على لائحة التراث العالمي.
أخيرًا، حققت
فلسطين ثلاثة انتصارات متتابعة في هذا المجال، بتسجيل مواقع على هذه اللائحة في كل
من: بيت لحم، والخليل وبتير، فقد لوحظ أن هناك تنافسًا محمومًا من قبل وسائل
الإعلام بشكل عام، ومن قبل أصحاب الأصوات المسموعة بشكل خاص، بالحديث عن تلك
الإنجازات التي هي ثمرة جهود جبّارة ومضنية، دون الحديث عن أولئك الذين غرسوا تلك
الشجرة التي حملت إلينا هذه الثمار! الأمر الذي دفعني إلى "فتح" هذا
الملف على مصراعيه، والبحث عن كل من أسهم في جعل فلسطين تتربع على عرش اليونسكو،
رغم محاربة دولة الاحتلال لذلك.
لقد حظيت بلقاء
مع "د. أحمد الرجوب" مدير في وزارة السياحة والآثار ومنسق ملف التراث
العالمي في 19/07/2017، الذي قدم معلومات
قيّمة حول التجربة الفلسطينية في عضوية اليونسكو، وفي تسجيل المواقع الفلسطينية
المختلفة على لائحة التراث العالمي. كما تم العودة إلى الطبعة الثانية من "القائمة
التمهيدية لمواقع التراث الثقافي والطبيعي ذات القيمة العالمية المميزة في فلسطين".
واعتمادًا على ذلك سوف نتتبع مسار العلاقة الفلسطينية مع اليونسكو، منذ نشأتها حتى
تاريخه.
العمق التاريخي للعلاقة مع اليونسكو
بدأت العلاقة
الجدية مع اليونسكو في العام (2002)، بعد حصار كنيسة المهد وقصف البلدة القديمة في
نابلس وتجريف جزء كبير من البلدة القديمة في الخليل. حيث أدت تلك الأحداث إلى
التنبيه من أجل وضع هذا الملف –لأول مرة- أمام اليونسكو. فحصلت فلسطين في ذلك
العام على قرارات تتعلق بالتراث الفلسطيني، عندما اعتبرت لجنة التراث العالمي في
دورتها الـ (26)، التي عقدت في بودبست في
حزيران/ 2002، أنشطة "إسرائيل" تدمير للتراث الإنساني, مؤكدة على القيمة
العالمية الفريدة والمتميزة للتراث الفلسطيني، وشجّعت السلطات المعنية على اتخاذ
الإجراءات اللازمة لحمايته، كما قررت تخصيص ميزانية من لجنة التراث العالمي لجرد
التراث الفلسطيني الذي يحمل قيمة عالمية، وبناء قدرات داخل المؤسسات الفلسطينية
المسؤولة للحفاظ عليها وادارتها وفق المعايير العالمية المعمول بها.
لم يتوقف الأمر
عند هذا الحد، وإنما أُتبع ذلك بأن قامت بعثة من اليونسكو بزيارة فلسطين في تشرين
أول من نفس العام (2002)، هدفت إلى التخطيط من أجل "إعداد قائمة بمواقع
التراث الثقافي والطبيعي في فلسطين"، وتم تعيين خبير في مكتب اليونسكو في
رام الله لمتابعة هذا الموضوع. ولتحقيق هذا الهدف تم في العام (2003) مشاركة (16)
فلسطينيًا، من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، في ورشة عمل تدريبية في مقر
"المركز الدولي لدراسة وصون وترميم الممتلكات الثقافية (الإيكروم) في روما، تركزت
مهمتهم على التدرب من أجل جرد التراث الفلسطيني المادي، وفق المعايير الدولية
المعمول بها؛ ليتم المحافظة عليه من قبل المجتمع الدولي.
بالرغم من
صعوبة عقد اجتماعات منتظمة ولصعوبة التواصل بين الخبراء الفلسطينيين في الضفة
وغزة، خلال تلك الفترة التي كانت فيها انتفاضة الأقصى في ذروتها، فقد تم التواصل عبر
الانترنت؛ فنجم عن ذلك شبكة علاقات، وتتابعت الدورات والأنشطة والبرامج التي شارك
فيها الخبراء الفلسطينيين والدوليين، وبالتعاون مع الايكروم ومكتب اليونسكو في رام
الله، حتى العام 2005 حيث صدرت الطبعة الإنجليزية الأولى للمواقع التراث الفلسطينية
ذات القيمة العالمية الاستثنائية، والتي
سميت "بقائمة جرد المواقع الفلسطينية ذات القيمة العالمية المميزة"،
والتي تم تقديمها إلى "لجنة التراث العالمي في دورتها الـ (29) في حزيران
2005 في مدينة ديربان في جنوب أفريقيا، سلمها د. حمدان طه وسفير فلسطين في
اليونسكو (احمد عبد الرازق) وكان د. أحمد الرجوب من ضمن الوفد الفلسطيني. وفي
العام (2006) بادرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) إلى
ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، والتي تم إصدار طبعة ثانية منها في رام الله في
العام 2009.
بعد اعتماد
القائمة كقائمة جرد، أخذ الوفد الفلسطيني يسعى إلى تسميتها كقائمة تمهيدية (وهو
المصطلح الفني الذي يطلق على قوائم الدول الاعضاء في اليونسكو)، فصار جدل كبير
عليها؛ لأن هناك من مريدي إسرائيل من يرفض تسميتها قائمة تمهيدية. وبعد صراع مرير
تم اعتمادها وتثبيت إسم فلسطين عليها، كما تم في نهاية العام 2011 قبول فلسطين
كعضو في اليونسكو.
يبدأ الصراع على حلبة اليونسكو.. لينتهي
بفلسطين عضوًا فاعلًا
لقد
حازت قائمة فلسطين المقدمة على شهادة إعجاب وثناء من قبل مساعد مدير عام اليونسكو
للشؤون الثقافية "د. منير بشناقي"
بقوله: هذه أول دولة عربية تسلم اليونسكو قائمة لا تقل في مستواها ودقتها عن القائمة
التي قدمتها كندا في حينه. ومنذ ذلك الحين أصبحت فلسطين تحصل على قرار يدين
الاعتداءات الإسرائيلية في كل جلسة من جلسات التراث العالمي، تعتبره فلسطين
إنجازًا ينجم عن التقارير التي يقدمها الوفد الفلسطيني تباعا, يوثق الاعتداءات
الاسرائيلية على التراث الفلسطيني. وبعد مصادقة فلسطين على اتفاقية التراث العالمي
اعتمد (15) موقعا من هذه القائمة كقائمة
"تمهيدية" لفلسطين في اليونسكو.
فلسطين تتربع على عرش اليونسكو
منذ
اعتماد القائمة الفلسطينية للتراث كقائمة تمهيدية، وبعد أن تم قبول فلسطين عضوًا
في اليونسكو، ولأن الملفات الخاصة يتم تجهيزها، تِباعًا، بخاصة ملفّي بيت لحم
والخليل، فقد تم في العام 2012 انجاز ملف بيت لحم وتسليمه لمركز التراث العالمي في
اليونسكو كملف طارئ. والملف الطارئ يعني أنه يجب عدم تأجيله وإقراره في نفس السنة.
وشمل الملف، باللغة الإنجليزية، إدراج كنيسة المهد ومسار الحجاج (شارع النجمة) في
قائمة "التراث العالمي والتراث العالمي تحت الخطر"؛ حيث كانت مياه المطر
تتسرب من سقف الكنيسة مما شكلت تهديدا مباشرا
للحفاظ على الكنيسة واستقرارها إنشائيا فسجل الموقع، وقام المجتمع الدولي
بتمويل عملية ترميم الكنيسة.
في
العام 2014 تم إدراج بتير تحت عنوان: فلسطين أرض الزيتون والعنب و"المشهد
الثقافي لمدرجات جنوب القدس-بتير". وبهذا تكون قد دخلت القدس تحت إسم فلسطين،
وكان قد تم تقديم ملف بتير كملف طارئ أيضًا؛ بسبب نيّة الاحتلال بناء الجدار على أراضي
هذه القرية، وتم تحذير الأمم المتحدة بأن هذا الموقع مهدد, وأنه على العالم أجمع
تحمل مسؤولياته من أجل إخراج هذا الموقع من تحت الخطر؛ مما شكل ضغطًا دوليًا على
الاحتلال جعل محكمة العدل الاحتلالية تتخذ قرارًا بتجميد بناء الجدار في هذه
المنطقة. وأخيرًا، في شهر تموز/ 2017، تم تسجيل البلدة القديمة من الخليل ومحيطها
على لائحة التراث العالمي، بعد صراع مع "إسرائيل" مباشرة، ومع مريديها
بشكل غير مباشر، وهو الموضوع الذي سوف نتطرق له لاحقًا في مقال قادم إن شاء الله.
عزيز العصا
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 24/07/2017م
إرسال تعليق Blogger Facebook