عز الدّين المناصرة وهو يدخل عقده الثامن:
صنوّ محمود درويش.. ويتربّع إلى جانب إدوارد
سعيد وروحي الخالدي
نشر في صحيفة
القدس المقدسية، بتاريخ: 15/04/2018م، ص: 14
عزيز العصا
عز الدين المناصرة؛ عالمٌ فلسطينيّ، ولد بعيد توقف الحرب العالميّة الثانية
التي نكبت العالم أجمع، وقبيل النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطينيّ ونكبته وشرّدته
في أسقاع المعمورة. فهو من بلدة بني نعيم الفلسطينيّة –محافظة الخليل- ومولود فيها
في (11 نيسان، 1946م)؛ أي أننا في أجواء اكتمال عامه الثاني والسبعين. وعندما أرسل
لي سيرته الذاتيّة، صباح (08 نيسان، 2018م) وتعمّقت في قراءتها، وجدتُني أمام
مسؤوليّة وطنيّة اتجاه هذا العالِم، الذي أعلم جيّدًا، ويعلم غيري ممن تعاملوا
معه، مدى ارتباطه بوطنه فلسطين، والقدس عاصمتها الأبديّة، وبلدته بني نعيم التي لم
تكتحل عينه بها منذ العام (1964م).
من هنا، أرى بضرورة إطلاع القارئ الفلسطيني، بخاصة جيل
الشباب، على سيرة ومسيرة البروفيسور "عز الدين المناصرة"، كعالمٍ متعدد
الأبعاد والاتجاهات والثقافات. والتي قمت بتوزيعها على المحاور التالية، لاستعراضها بالكثير من الاختصار:
أولًا: المولد والنشأة والتعليم والإبداع
ولد
أ. د. عز الدين المناصرة في (11/4/1946)، في (بلدة بني نعيم- محافظة
الخليل) بفلسطين، التي غادرها إلى القاهرة في العام 1964م بهدف الحصول
الشهادة الجامعيّة الأولى، فحصل على (الليسانس)
في (اللغة العربية، والعلوم الإسلامية) 1968م. ثم انطلق للحصول على الشهادات
والدرجات العلميّة الأخرى تباعًا، حتى حصل
على رتبة الأستاذية (بروفيسور) في جامعة
فيلادلفيا، عمّان 2005.
لم يتوقف "مناصرة"
عند تلك الرتبة، وإنما أخذ يحصد الجوائز الأخرى، منها: جائزة "التميز في
التدريس والبحث العلمي"، وجائزة (الباحث
المتميز في العلوم الإنسانية)، وجائزة "الدولة
التقديرية في الآداب) من وزارة الثقافة الأردنية، 1995، و(جائزة القدس) في القاهرة عام
2011.
لم يكن "مناصرة" مجرّد
أكاديميّ تقليديّ، اكتفى بإصدار (25 كتاباً في النقد والتاريخ والفكر)، وإنما انطلق بقوّة في عالم الشعر، فأصدر (11 ديواناً شعرياً)، وأول قصائده المنشورة هي قصيدة (غزال زراعي، 1962).
ويضاف إلى ذلك أكثر من عشر مجموعات شعريّة صدرت له، باللغات: العربيّة،
والانجليزيّة، والفرنسيّة، والفارسيّة، والهولنديّة. آخرها، (مختارات شعرية): لن
يفهمني أحدٌ غير الزيتون، الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، ط4، 2017. وله
نحو (40) مشاركة شعريّة في مهرجانات عربية وعالميّة، بين الأعوام 1967م-2016م. أضف
إلى ذلك الأنشطة النقابيّة، التي جعلته يتربّع على سدّة الرابطة العربيّة للأدب
المقارن ثلاث مرات (1983- 1993). وكان الثلاثي (المناصرة- ودرويش- وفدوى طوقان)،
هم من قدموا أول مبادرة عربية (1997) إلى اليونسكو الدولية، لتأسيس يوم عالمي
للشعر-.
وعلى مستوى
تأليف الكتب وتحريرها والتقديم لها ونقدها، فإن "المناصرة" أجرى ما يزيد
عن الثمانين منها. أضف إلى ذلك تلك الكتب والبحوث والدراسات ورسائل الماجستير والدكتوراة
التي صدرت، في شتى أنحاء الوطن العربي، حول "عز الدين المناصرة" الشاعر
والناقد والأكاديمي والباحث، والتي يصعب التطرق لها في هذا المقال، ونذكر منها: (مجموعة من الباحثين): امرؤ القيس الكنعاني-قراءات في شعر المناصرة، المؤسسة العربية، بيروت –
عمّان، 1999، ود. فريال غزول، الجامعة الأمريكية، القاهرة، (إشراف): الفلسطينيون،
والأدب المقارن: (روحي الخالدي، إدوارد سعيد، عز الدين
المناصرة، حسام الخطيب)، منشورات
قصور الثقافة، مصر، 2000. الطبعة الثانية، الصايل للنشر والتوزيع، عمّان، 2012.
ثانيًا: شهادات عربيّة وأجنبيّة بحق عز الدين المناصرة
لا
شك في أن الإنجازات المتعددة المجالات التي حققها "المناصرة"، لا سيما
الشعريّة منها والبحثيّة، إلى جانب أنشطته النقابيّة المتميّزة، جعلت منه شخصيّة
لامعة على مستوى العالم. حتى أخذ المحللون والنقّاد وقادة الفكر والأدب يتوقّفون
معمّقا عند سماته وخصائصه، منها:
1)
قال عنه الروائي الجزائري (الطاهر وطّار) في حفل تكريم (المناصرة)
بمؤسسة الجاحظية، عام (2004) بأنه: (لا يقلّ أهمية عن زميله محمود درويش في
الشعر، ولا يقلُّ أهمية عن مواطنه إدوارد سعيد في النقد الثقافي).
2)
وقال عنه الأكاديمي الهندي الدكتور ن. شاماند (N.
Shamnad) من جامعة كيرالا: (يعدُّ عز الدين المناصرة من
أهم النقاد المقارنين العرب، الذين بذلوا جهدهم في اقتراح: (منهج مقارن جديد، خصوصاً في كتاب:
(المثاقفة والنقد المقارن- والنقد الثقافي المقارن).
3)
وقالت الباحثة الإيرانية (مريم السادات
ميرقادري): (الشاعر المناصرة... شاعر عالميٌّ بكل المقاييس).
4)
أما الفرنسي (كلود روكيه)، مدير دار
سكامبيت في حفل تكريم المناصرة في مدينة (بوردو) الفرنسية بتاريخ
29/5/1997، فقال: (بعد قراءتي لديوان (رذاذ اللغة) لعز الدين
المناصرة المترجم إلى الفرنسية، أعلن أنه، لا يقلُّ أهمية عن شعراء فرنسا
العظام في النصف الثاني من القرن العشرين).
ثالثًا: عز الدين المناصرة مهجّرًا وثائرًا
ومدافعًا عن قضيته
غادر (المناصرة) بلدته بني نعيم بعد إنهاء الثانويّة
العامة في العام 1964م، فالتحق بالثورة الفلسطينية المعاصرة (1964-1994). وكان
(الشاعر الفلسطيني الوحيد) الذي حمل السلاح وخاض المعارك في المرحلة اللبنانية
(1972-1982). ولم يستطع دخول فلسطين (مسقط رأسه) منذ عام (1964-وحتى اليوم). فعاش
منفياً، مُهجَّراً في العديد من البلدان العربيّة والأجنبيّة. وكان نضاله في منظمة التحرير الفلسطينية، في العديد من
الساحات، لا سيما ساحة لبنان، وما فيها من صدامات عسكريّة مباشرة مع العدو، قد
اتخذ أشكالًا مختلفة: عسكريًا، ونقابيًا، وثقافيًا، وتربويًا... وغير ذلك من
الأنشطة والفعاليات التي لا يتّسع المجال لذكرها في هذه العجالة.
اعتراف وخلاصة،
وأنا أغادر هذه التي أسميتُها "عجالة"، أجد
لزامًا عليّ الاعتراف بالتقصير وعدم الوفاء بما يكفي، لهذا العالِم الفلسطينيّ
الجليل، الذي لم يأخذ حقّه في أوساط الشعب الفلسطيني؛ على المستويات الأكاديميّة
والشعريّة والنقدية... الخ، بالقدر الذي أخذه عند الآخرين. ومما يفضح واقعنا هذا،
تلك الأقوال والشهادات التي سجلها علماء من العرب والعجم بحق عز الدين المناصرة،
وليس من بينهم من هو فلسطينيّ تعمّق، بما يكفي، في أعماله لكي يصطف إلى جانب من
يشيد بإنجازاته ويعززها ويضعها في مكانها الصحيح.
هنا، لن أردّد مقولة "لا كرامة لنبيّ في
وطنه"، وإنما قد أعزي الأمر إلى ضعف إعلاميّ للتعريف بـ "عز الدين
المناصرة": 1) الشاعر، الذي يصطف إلى جانب محمود درويش وفدوى طوقان، ليشكلون
"معًا" مجموعة شعراء عالميين بلا منازع. 2) الناقد، الذي يصطف إلى جانب
روحي الخالدي (1864م-1912م)
رائد البحث العلمي والأدب المقارن،
وإدوارد سعيد (1935م-2003م)، وأدونيس وغيرهم من كبار العلماء العرب والعالميين.
لذا؛ تكون صحيفة القدس قد أخذت على عاتقها الشروع في
وضع سيرة عز الدين المناصرة ومسيرته الشعريّة والنقدية والأكاديميّة والنضاليّة...
الخ، تحت الضوء؛ لعل في ذلك محاولة جادّة في ردّ الجميل لابن فلسطين، الذي حمل
لواء الوطن وهمومه وقضاياه، وجعل منها همّه المباشر الذي لا يتفوّق عليه أي شأن
آخر؛ شخصيّ أو عائليّ أو أسريّ.
فلسطين، بيت لحم، العبيديّة، 09/04/2018م
إرسال تعليق Blogger Facebook