خطيب
المسجد الأقصى المبارك الشيخ د. عكرمة صبري:
الحذر
من مواقع التواصل الاجتماعي.. الأذان سيبقى يجلجل في جنبات الأقصى.. وسور القدس
مشهد حضاري إسلامي يُمنع المساس به
نشر في صحيفة القدس، بتاريخ: 18/01/2019م، ص: 12
عزيز العصا
تتميّز خطبة الجمعة عن غيرها من الخطب في أنها
جزء من إيمان المسلم وعقيدته، والمعلوم أنه يحرم عليه البيع والشراء أثناء صلاة
الجمعة، لقوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
(الجمعة: 9). وقد ورد في التفسير الميسّر لهذه الآية: " يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إذا نادى المؤذن للصلاة في يوم
الجمعة، فامضوا إلى سماع الخطبة وأداء الصلاة، واتركوا البيع، وكذلك الشراء وجميع
ما يَشْغَلُكم عنها".
كما
أن في هذه الآية دليل على وجوب حضور الجمعة واستماع الخطبة، إذ تجتمع في خطبة الجمعة أهداف ومقاصد وغايات قلما تجتمع في غيرها من
المناسبات، لعلّ من أهمها: تقوية
الإيمان، وحماية العقيدة، والتذكير
والنبيه، والتعليم، وتهذيب الأخلاق، وتقويم السلوك، وتقوية أواصر الأخوة، ونشر
المحبة بين الناس، وبث روح التضامن والتعاون والتكافل بينهم، وحماية الوحدة الدينية والوطنية للأمة... الخ (عن: www.alukah.net).
أما عندما تكون الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، فإن فضائل الجمعة
تجتمع مع فضائل المسجد الذي بارك الله سبحانه وتعالى فيه وبارك حوله، لقوله تعالى:
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء:
1). أي أن من يحظى بصلاة
الجمعة في المسجد الأقصى المبارك يكون في رحاب الله سبحانه ويتفيّأ بظلال بركة هذا
المكان، فيجمع بين فضيلتين معًا.
بذلك، يكون خطيب المسجد
الأقصى المبارك أمام مسؤوليات مضاعفة، مقارنة مع أي خطيب في مكان آخر، تتعلق
بالقضايا التي عليه أن يطرحها في معالجة هموم المسلمين؛ جماعة وأفرادًا. لا سيما
وأنه يصدح برأيه من على منبرٍ محاط بالاحتلال في كل جانب، الأمر الذي يتطلب شجاعة
وجرأة تجعل للخطبة معنى، وتترك في المستمع أثرًا لا يمحى، وتكون قادرة على تحقيق
أكبر عدد من الأهداف والغايات المذكورة أعلاه. وهذا ما عوّدنا عليه خطباء المسجد
الأقصى المبارك.
ففي خطبة الجمعة الأخيرة (وفق 11 كانون الثاني 2019)،
اعتلى منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى "الشيخ الدكتور عكرمة صبري"،
التي حملت الرقم التسلسلي 713 -وهو رقم الخطبة التي
ألقاها الشيخ عكرمة من على منبر المسجد الأقصى المبارك، وكانت الخطبة رقم 1 بتاريخ
4/5/1973م-، فتحدث، وأسهب، في العديد من القضايا، توزعت على الخطبتين: الأولى
والثانية، والتي يمكن أن نوجزها فيما يأتي:
أولًا: الحذر من مواقع التواصل الاجتماعي:
إذ ارتأى الشيخ عكرمة أن الهدف من التواصل الاجتماعي هو
تقوية الروابط بين الناس وتوعيتهم بما هو مفيد من المعلومات والمعارف والعلوم، وأن
يكون التناصح فيما بينهم دون إيذاء ولا تشهير.
ولكن ما نلاحظه في هذه الأيام هو عكس ذلك، مع الأسف الشديد، حيث يساء
استخدام التواصل الاجتماعي من خلال: نشر الإشاعات والافتراءات والتشهير بالآخرين
وتشويه سمعتهم وإساءة الظن بهم بألفاظ نابية وبذيئة، ونشر الفوضى والأحقاد، مما
يؤثر على النسيج الاجتماعي.
وأشار إلى أن إساءة استخدام التواصل الاجتماعي يؤدي إلى
الخلافات بين الأزواج وتفكيك الأسر، كما تؤثر على العملية التعليمية والتربوية
وعزوف الطلبة عن الدراسة.. إلى غير ذلك من السلبيات التي تنعكس سلباً على مجتمعنا
في فلسطين بعامة وفي القدس بخاصة.
ولم يغادر الشيخ عكرمة هذا الموضوع قبل أن يتوجّه
بالنصيحة إلى الأسرة والمدرسة ورجال الإصلاح والوعاظ، بضرورة توجيه الأجيال
الصاعدة لكيفية استخدام ما بين أيديهم من أجهزة، للتواصل الاجتماعي أو غيره، بما
هو مفيد.
ثانيًا: الأذان سيبقى يجلجل في جنبات الأقصى وفي سماء
فلسطين:
أشار الشيخ عكرمة إلى أنه بالرغم من فشل حكومة الاحتلال في
إستصدار قرار بشأن الأذان في مدينة القدس بخاصة وفي فلسطين بعامة، إلا أنها لم تتوقف
عن طرح محاولات أخرى لإسكات الأذان بأي طريقة من الطرق الملتوية الغادرة، فيطرح ما
يسمى به (رئيس بلدية الاحتلال بالقدس) اقتراحاً جديداً يتضمن تخفيض أجهزة الصوت
حين رفع الأذان في مدينة القدس، وذلك كمقدمة لمنع الأذان إذا نجح في اقتراحه.
في هذا الصدد، أكّد الشيخ عكرمة على أن الأذان شعيرة
دينية من شعائر الإسلام وأنه مرتبط بركن من أركان الإسلام وهو (الصلاة) وأن أول من
رفع الأذان في المسجد الأقصى هو الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه مؤذن
الرسول محمد صل الله عليه وسلم، وذلك في فتح بيت المقدس (15هـ/ 636م) وبحضور أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعشرات من الصحابة الكرام رضي الله عنهم،
ومنذ ذلك التاريخ والأذان يصدح في جنبات الأقصى وعلى مآذن فلسطين، لذا لا نسمح بالتدخل
في الشؤون الدينية للمسلمين، وإذا حصل تدخل في موضوع الأذان فإن كل مسلم في القدس
وفي فلسطين ملزم أن يحرص على رفع الأذان بالطريقة التي يراها مناسبة أو يرفع
الأذان فوق أسطحة المنازل. وأن نداء (الله اكبر) سيبقى يجلجل في جنبات الأقصى وفي
سماء القدس وفلسطين.
ثالثًا: سور القدس جزء من تاريخها.. مرفوض
المساس به:
استهجن الشيخ عكرمة واستغرب طرح (آرييه كينغ) أحد أعضاء
بلدية الاحتلال بالقدس الذي يتضمن هدم سور البلدة القديمة التاريخي بهدف توحيد
شطري مدينة القدس!! وأعاد الشيخ عكرمة ذلك إلى أن كينيغ وغيره من قادة الاحتلال يضيقون
ذرعاً بمشاهدة آثار إسلامية ذات حضارة عربقة، في الوقت نفسه لا توجد آثار يهودية
بالقدس.
وبالرغم من الدعم الأمريكي لسلطات الاحتلال فيما يسمى
بيهودية الدولة وأن القدس عاصمة لهم إلا أن القدس ستبقى هي القدس بآثارها وتاريخها
وحضارتها ومساجدها ولن تكون يهودية بإذن الله وعونه، مستنكرًا جولة ما يسمى (جون
بولتون) مستشار الأمن القومي الأمريكي لحائط البراق الإسلامي ولمحيط الأقصى
المبارك.
ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك أكّد الشيخ عكرمة
لكل هؤلاء بأن العرب والمسلمين يتجذرون في هذه البلاد المباركة المقدسة، وإن
آثارها الحضارية الزاخرة بما ذلك حائط البراق الإسلامي والسور التاريخي الإسلامي
لتؤكد على ذلك، بالإضافة إلى الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة
والتي تؤكد أيضا على حق المسلمين الديني في هذه الديار، وأن المسجد الأقصى المبارك
الرابض كالطود الأشم هو الذي يربط مسلمي العالم كله بفلسطين ارتباط عقيدة وإيمان.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} سورة يوسف
الآية 21.
رابعًا: اقتحامات المسجد الأقصى المبارك..
تسويق لجلب يهود العالم!
وأما بشأن المسجد الأقصى المبارك، فقد أعلن الشيخ عكرمة
أنه تحدق به الأخطار من خلال اقتحامه من قبل مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية،
وأيضاً من أعضاء الكنيست المتطرفين... وعزا ذلك إلى أنهم يوهمون العالم بأن الأقصى
تحت سيادتهم ويلتقطون صوراً يوزعونها إلى يهود العالم لتشجيعهم لزيارة فلسطين، كما
أن هذه المحاولات هي محاولات يائسة فاشلة ظناً منهم أن هذه الاقتحامات تعطيهم حقاً
في الأقصى، ولن يكون ذلك بمشيئة الله.
وأنهى الشيخ عكرمة هذا الموضوع بالتأكيد على أن حق
المسلمين في الأقصى قائم إلى يوم الدين بقرار من رب العالمين، وهذا ما نؤكده المرة
تلو الأخرى. وختم بالدعاء الذي يردده دائمًا "حماك الله يا أقصى".
الخاتمة والتعليق
نلاحظ مما سبق أن هذه الخطبة جاءت مشبعة بالأحداث
والقضايا التي تتوزع على النواحي الاجتماعية والسياسية، والتي احتكم الشيخ عكرمة
في معالجة كل منها إلى العقيدة والشريعة الإسلامية، دون خوف من محتل ولا مهادنة
لأحد.
لقد أعلن الشيخ عكرمة حربًا ضروسًا على الساقطين
والمتخاذلين الذين يسعون إلى المساس بالنسيجيْن الأخلاقي والاجتماعي لأبناء القدس
بشكل خاص وفلسطين من البحر إلى النهر بشكل عام. كما اتجهت بوصلة خطبته، كما هي
دومًا، نحو فضح مخططات الاحتلال الرامية إلى المساس بقدسية المسجد الأقصى المبارك،
ومكانته التاريخية، معلنًا رفض تلك المخططات والمحاولات اليائسة التي ما انفك
الاحتلال يقوم بها صباح مساء، والتأكيد الدائم على عروبة القدس وإسلاميتها، ودعوة
الشعب الفلسطيني للالتفاف حول مقدساته وحمايتها والذود عنها بكل السبل.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 12 كانون الثاني،
2019م
إرسال تعليق Blogger Facebook