فنزويلا
بين التهديد الامريكي والتآمر الكولومبي:
طعنة
في ظهر سيمون بوليفار
بقلم : الدكتور
وليد الشوملي
ولد سيمون بوليفار في مدينة كاراكاس
العاصمة الحالية لفنزويلا في 24 يوليو 1783 لعائلة أرستقراطية. توفي والده بمرض
السل وهو في عامه الثالث، كما توفيت والدته وهو في عامه التاسع، حيث تولى بعدها أخواله
العناية به. ثم أرسل إلى إسبانيا في عمر اﻟ 15 لإكمال دراسته هناك، فتعرف على
ماريا تيريزا، وتزوجها في السابعة عشرة من عمره، وهي في سن العشرين. إلاّ أن
زواجهما لم يدم أكثر من ثمانية أشهر بسبب وفاة الزوجة بمرض الملاريا، وفي عام 1803
أقسم أنه لن يتزوج بعد وفاة زوجته.
سافر بوليفار إلى
باريس، ثم إلى إيطاليا لحضور حفل تتويج نابليون بونابرت ملكا على إيطاليا في عام
1805 بعد احتلاله لها، وفي نفس العام أدى بوليفار قسم "مونتي ساكرو" في
روما حيث أقسم بتحرير بلاده من الاحتلال
الإسباني. وفي عام 1806 عاد بوليفار إلى فنزويلا لحشد الجهود لقضيته المقدسة
بتحرير بلاده من الاستعمار الإسباني.
في العام 1498 وقعت
أمريكا اللاتينية في قبضة إسبانيا والبرتغال. وفي بداية القرن التاسع عشر وقعت
أحداث شجعت سكان أمريكا اللاتينية من أصل إسباني أن يغتنموا الفرصة ويثوروا على
الاستعمار الإسباني، مستلهمين الثورة الفرنسية التي وقعت أحداثها في عام 1789 بالإضافة
إلى احتلال نابليون بونبارت لإسبانيا في عام 1808، وتنازل كارلوس الرابع عن العرش.
فاستغلت الشعوب اللاتينية ضعف إسبانيا المستعمِرة في تلك الفترة، وأطلقت حركات
تحرر بقيادة بوليفار خاصة في الجزء الشمالي من أمريكا اللاتينية، و قد ألهمت تلك
الأحداث الروائي العالمي"جابرييل غارسيا مركيز" الحائز على جائزة نوبل
للآداب عام 1982 أن يصدر رواية في العام 1989 حول الأشهر الأخيرة في حياة بوليفار
المتوفي عام 1830 بعنوان "الجنرال في متاهته"، علما أن تلك الرواية
أثارت جدلا؛ كونها تسلط الضوء على جوانب
سلبية من شخصية بوليفار خاصة النزعة الديكتاتورية التي كانت لديه في الحكم.
لقد استطاع
بوليفار تحرير كل من فنزويلا، وكولومبيا، والإكوادور، وبنما (والتي سميت حينها
بكولومبيا العظمى) بالإضافة إلى البيرو. وتدعى فنزويلا رسميا "الجمهورية
البوليفارية الفنزويلية" نسبة إليه، كما اتخذت بوليفيا اسمها منه بعد
استقلالها وترؤسه لها في عام 1825 بعد أن كان رئيسا لفنزويلا وكولومبيا العظمى
والبيرو. وقد لقب بحق "بالمحرر" وأصبح أيقونة المقاومة والتحرر لدى شعوب
أمريكا اللاتينية.
وعودة إلى
فنزويلا، فقد كانت إحدى الدول التي برزت بعد انهيار كولومبيا العظمى ووفاة بوليفار
في العام 1830، وتعتبر أكبر منتج نفط في أمريكا
اللاتينية، وقد أظهر اقتصادها قبل الأزمة الحالية تحسنا كبيرا بسبب ارتفاع أسعار
النفط والصادرات غير التقليدية. ومن أهم الصناعات التي تشتهر فيها فنزويلا تصنيع
المواد الصلبة والألمونيوم، والإسمنت، والأجهزة الإلكترونية، والسيارات، والمشروبات
الغازية والمواد الغذائية المختلفة. أما على الصعيد السياسي، فبرزت الأجندة
اليسارية للقيادة الفنزويلية بعد وصول الرئيس الراحل هوغو شافيز للسلطة عام 2000
عبر انتخابات ديمقراطية. فهاجم هذا الأخير الحرب على العراق، وحاول فرض ضرائب أعلى على شركات
البترول الأمريكية في فنزويلا. وفي العام 2002 كانت هناك محاولة انقلاب فاشلة ضده
استمرت فقط 47 ساعة عاد بعدها شافيز إلى الحكم. وقد قالت وزيرة الخارجية الامريكية
آنذاك كوندليزا رايس "على شافيز أن يعلم أن العالم يراقبه، وأن عليه الاستفادة
من هذه الفرصة لقيادة السفينة بشكل جيد".
الولايات المتحدة من جهتها أنكرت ضلوعها في
محاولة الانقلاب الفاشلة تلك، لكن إنكارها لم يقنع أحدا؛ اذ أن نيكولاس مادورو
الذي تولى الحكم بعد وفاة شافيز في العام 2013 تعرض لأكثر من عشرين محاولة انقلاب
واغتيال ضده من قبل الولايات المتحدة، وذلك باستخدام المعارضة اليمينية هناك ومساندتها.
كما أن الولايات
المتحدة الأمريكية تتدخل بشكل سافر في الشؤون الداخلية لفنزويلا بعد فرض العقوبات
الاقتصادية عليها، وذلك بتأييد "خوان غوايدو" اليميني من أجل إسقاط
مادورو، معيدة للأذهان انقلاب " بيدرو كارمونا" الفاشل في 2002 على
شافيز. لكن مادورو على غرار رفيقه السابق شافيز يقف صلبا يدافع عن تياره اليساري،
متكئا على الدعم الداخلي لليسارين والثوريين ومستوحيا عقيدته الثورية من صورة
سيمون بوليفار التي يضعها خلفه كما ظهر قبل عدة أيام أثناء إلقاء خطابه، وعلى دعم
روسيا والصين له دوليا لا سيما في مجلس الأمن.
ويقف العالم كله
الآن بانتظار ما ستؤول إليه حالة التوتر القصوى بين فنزويلا والولايات المتحدة
وأزمة الدبلوماسيين الأمريكيين في كاراكاس. وغريب الأمر أنه إذا ما قررت الولايات
المتحدة مهاجمة فنزويلا عسكريا فإنها ستستخدم القواعد العسكرية المتواجدة لدى
جارتها كولومبيا بعد أن تم توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين أمريكا وكولومبيا في العام
2009 تسمح لأمريكا باستخدام سبع قواعد عسكرية كولومبية.
ومما يثير الحزن
ويبعث على الأسى أنه بعدما كانت كلا من فنزويلا وكولومبيا دولة واحدة في ظل
كولومبيا العظمى بقيادة سيمون بوليفار، نجدهما الآن على طرفي نقيض حيث نرى كولومبيا
متورطة في المؤامرة ضد جارتها وحليفتها السابقة فنزويلا، مما يفضي إلى سؤال يتراوح
بين التأصيل البوليفاي والخيال الثوري: ماذا لو كان سيمون بوليفار حيا ويرى ثوريته
البوليفارية تدحض نفسها وتنفي بعضها بعضا في ضدية تناحرية؟!
26/01/2019م
إرسال تعليق Blogger Facebook