جميل السلحوت في روايته "المطلقة":
ثيمة
روائية إبداعية.. وحلول ناجعة
نشر في صحيفة القدس، بتاريخ: 22 شباط 2021، ص: 13
بقلم:
عزيز العصا
معهد
القدس للدراسات والأبحاث/ جامعة القدس
http://alassaaziz.blogspot.com/
جميل السلحوت؛ كاتب مقدسي ولد في أجواء
لهيب النكبة الفلسطينية، نُشر له ما يقارب ستين إصدارًا بين رواية وقصة وسيرة
ذاتية وسيرة غيرية، وقصص أطفال. وأمّا العمل الذي نحن بصدده للكاتب السلحوت فهو:
روايته "المطلقة"، صدرت عن مكتبة كل شيء حيفا عام 2020. تقع الرواية في
عشرين محطة (استراحة)، توزعت على (201) صفحة من القطع المتوسط.
أمّا
لماذا اخترنا هذه الرواية للمناقشة والتحليل، من بين أعمال الكاتب "جميل السلحوت"، فلأن
الرواية، وفق ما يشير نوره المرّي ولطيف زيتوني، أصبحت تتبوأ مكانة بارزة بين
الأجناس الأدبية الحديثة من حيث الكثرة والإزدهار والانتشار. إلا أنها ذات ملامح
هامة لا بد من التوقف عندها بالقراءة والتحليل، أهمها: أنها تتميز بازدهارها وتعدد
أنواعها واتساع أغراضها واختلاف أساليبها، وتنوّع مصادرها وسرعة تطورها ورحابة
مجالها، وتمردها على القوالب واستيعابها لكثير من عناصر الفنون، وانتشارها في كلّ
الآداب المعاصرة([1]).
ووفق
هذه الأهمية، سنقوم، فيما يأتي، بمناقشة هذا السرد الروائي من حيث: نوعها، وقضيتها
الروائية (ثيمتها) التي عالجتها، وبنيتها، وعناصرها (كالشخصيات والمكان والزمان...
الخ).
تبدأ الرواية بغلاف يحمل سيمياء تشي بالنص الروائي وبوح
به قبل أن يلج القارئ إلى المتن. فلوحة الغلاف تحمل رسمًا تعبيريًّا لفتاة تقف
منتصبة، وتنظر للبعيد، وقد أدارت ظهرها للعالم. والغلاف الأخير امتداد للأول، إلا
أنّ هناك وردة نبتت في منظر شبه صحراوي؛ وكأنها تعبير عن الأمل والتفاؤل، المنطلق
رغم عوامل اليأس والإحباط المحيطة. وبين الغلافين سرد روائي، سنتعرف عليه، فيما
يأتي من هذه القراءة التحليلية.
فالرواية
هي من نوع "الرواية الاجتماعية"؛ إذ اهتمت بقضية اجتماعية تخص
الأسرة الفلسطينية بشكل عام، والأسرة المقدسية على وجه الخصوص. وهي في جانب مهم
منها "رواية نسوية"، من حيث أن السرد يحتفي بالمرأة،
ويُبرز الرؤية الأنثوية الناضجة والعقلانية في إدارة الأحداث، وأعطت للروابط الإنسانية
قيمة عالية، عندما احترمت الذكورية كشريك في كل تفاصيل الحياة. ومن تزاوج هذين
النوعين للرواية، تكثَّف السرد على ما يتعلق بشريحة المطلقات من الفتيات، لا سيما
الأمّهات منهمنّ.
تقوم الثيمة "القضية" الروائية الرئيسية،
لرواية "المطلقة"، كما رأيتها، على وصف الوضع النفسي والاجتماعي
للمطلقة، والتغيرات الدراماتيكية التي تحدث في حياة الفتاة بعد طلاقها. ولأجل ذلك،
أنشأ "جميل السلحوت" مجموعة
مرتكزات اتّكأت عليها الرواية، أهمها اختياره الدقيق لشخصيات روايته، كما سيتم
التطرق لها لاحقا.
لقد
سعى الكاتب إلى معالجة هذه القضية، ووضع الحلول الناجعة لها، بمنتهى الانسيابية
والسهولة واليسر، من خلال الحوارات الداخلية الواعية بين شخصيات الرواية، دون أن
يُقحم رأيه عنوة، وقد اعتمد في ذلك على جعل الأحداث
والشخصيات محل اهتمامه، دون أن يجعل من نفسه وصيّا
عليها، ونلاحظ أنه تغلغل داخل هذه الشريحة، مبيّنا بعض الأسباب الكامنة خلف ظاهرة
الطلاق، ووضع القارئ في صورة بعض التناقضات المجتمعية التي تؤدي إلى هذه الظاهرة.
من
ناحية أخرىـ عالج "السلحوت" دور الفكر التكفيري، أو الأفكار المتعصبة
والمنغلقة غير القابلة للتطبيق، في تمزيق الأسر والمجتمعات، كما علّق الجرس فيما
يتعلق بالدّجالين والمشعوذين، الذين ينتهكون أعراض الناس البسطاء ويسلبون أموالهم،
بغير وجه حق؛ من خلال استغلال المفاهيم السحرية ذات الأثر (السحريّ) عليهم.
وفي
معالجاته هذه، استشهد "السلحوت" بالآيات القرآنية التي كان للاستشهاد
بها بالغ الأثر في تطييب النفوس وجبر الخواطر. كما وظَّف عددًا لا بأس به من
الأمثال الشعبية، التي استخدمت في مواكبة الأحداث، وتعزيز وجهات نظر شخصيات
الرواية أثناء الحوارات.
يتألف هيكل الرواية من بنية مكانية
والتي كان لها حضورها ودورها في عدد من المشاهد والأحداث، حيث احتفى السرد بمدينة
القدس، وجعل معظم الأحداث على أرضها وفي محيطها القريب؛ إذ تم توظيف المسجد الأقصى
المبارك ومسجد باب الرحمة، وقبة الصخرة المشرفة، وشارع صلاح الدين في الأحداث
المختلفة؛ كالصلاة والمناجاة من قبل المهمومين، والمحكمة الشرعية والمحامين
المتواجدين في شارع صلاح الدين، ومستشفى المقاصد لعلاج الأسير المريض.
وأما البنية الزمانية، فلم تتضح ملامحها، ولم يولِها السارد أهميّة كبيرة،
ولعله يقصد بذلك جعلها تصلح لكل زمان.
أمّا
شخصيات الرواية،
فقد اختارها الكاتب بدقّة وعناية، توزعت بين الشخصيات الصلبة التي تأخذ أدوار البطولة في المشاهد المختلفة،
وتمثلت بثلاث مطلقات، كان المشترك بينها أنّ كل واحدة منهنّ تعرضت للظلم والاضطهاد
من الزوج وأسرته، وزوجة شرسة وفالتة من عقال المجتمع (أم أسامة). كما أنه اختار
أسماءهن لتكون ذات سيميائية تتوزع بين الحداثة "جمانة"، والأسماء
التقليدية "عائشة" وما يشير إلى الصبر والتحمّل (صابرين)، كما أن هناك
طفلا وطفلة اكتويا بنار الطلاق، حظيا بما يلزم من الرعاية والحب من أسرتي
والدتيهما. كما كانت الشخصيات الهشّة التي دخلت في المشهد ثم غادرته كشيخ الجامع
والفتّاح ومدير مكتبه، والشخصيات الثانوية؛ التي أخذت دور المساندة كالوالدين
والأخوة. وقد شكلت الشخصيّات، بمستوياتها الثقافية والأكاديمية المختلفة، الهيكل
الأساس للرواية، الذي مكّن الكاتب من تحقيق سرد روائي متماسك، يسير بالقارئ بتؤدة
وهدوء بين ثنايا النّصّ.
وعلى مستوى المعمار الروائي، فقد جاء السرد
الروائي بلغة عربية سليمة وواضحة، خالٍ من الأخطاء، وقد تنقل القارئ بين الأحداث
بتتابع سلس، بأحداث تقترب جدّا من الواقعية، مما خدم ثيمة الرواية، والنهايات التي
سعى الكاتب إلى تحقيقها.
كلمتنا،
ونحن نغادر هذه الرواية يمكنني القول السارد، وهو الكاتب
نفسه، قد تجول بنا في ثنايا نصّ، مشبع بروح العمل الروائي؛ فهناك "خيط"
روائي متين، يصل بين الأحداث والمشاهد، وينسق بينها، ويضبط إيقاعاتها، بما جعلها
تعبر عن مدرسة فكريّة، عميقة الأهداف والرؤى، في مواجهة ظاهرة الطلاق؛ التي هي بحد
ذاتها آفة اجتماعية موجعة ومريبة.
ولعلّ جماليّات النص تكمن في قدرة البطل الرئيس (جمانة)
على إدارة الحوارات مع الوسطاء؛ بعزة نفس، وشموخ، وتميّز في الإقناع، ووضوح في
الطرح، متكئة على الرصيد المعرفي والثقافي الذي امتلكته من خلال المستوى الأكاديمي
البكالوريوس الذي وصلته، وهذا الشهادة نفسها التي كانت السلاح الفعلي المدافع عنها
عندما حلت نائبة الطلاق، إذ انطلقت فورًا إلى الجامعة، للشروع في برنامج
الماجستير. وفي نفس الوقت حفظت لطليقها كرامته الخاصة وحقه في مقابلة ابنه والتمتع
به، دون التنازل عن حضانتها.
كما تمكن السارد من توزيع الأدوار، ضبط إيقاع الأحداث،
وصولا إلى مجتمع نسويّ واعٍ، لمجموعة من الفتيات اللاتي وظفن إمكاناتهنّ المعرفية
والثقافية، وفهم دورهن في مجتمعهنّ، بما لهنّ من حقوق انتزعنها بقوة واقتدار وخلق
رفيع، وما عليهنّ من واجبات أدّينها نحو مستحقيها عن طيب خاطر، وصولا إلى نهايات
سعيدة متزامنة لهنّ جميعا.
بقي القول، إنه من الأهمية بمكان أن تصل هذه الرواية
للأسرة الفلسطينية، قدر الاستطاعة، وأن تصل لكل مكتبة مدرسية وجامعيّة؛ لتمكين
الطالبات، من مختلف الأعمار، من مطالعتها، لما يعتمرها من تشجيع على مواصلة الفتاة
لتعليمها، والاقتداء بالسلوكيات والتصرفات الإيجابية لشخصيات الرواية، والتعرف على
نهايات الشرير/ة، مهما علا صوته/ا وهو يشوه خصومه ويدعي عليهم ادعاءات باطلة.
فلسطين،
بيت لحم، العبيدية
06
كانون الأول، 2020م
[1] المرّي، نوره (2008). البنية السردية في الرواية
السعودية. رسالة دكتوراة غير منشورة. جامعة أم القرى. المملكة العربية السعودية.
ص: 2؛ وزيتوني، لطيف (2002). معجم مصطلحات نقد الرواية. ط1. مكتبة لبنان/ ناشرون. بيروت،
لبنان. ص: 98-99.
إرسال تعليق Blogger Facebook