0

 

عثمان صلاح في كتابه "المحكمة المتنقلة":

يسبر غور شخصيّة المرحوم "محمد سالم الذويب" أنموذجًا للأجيال!

نشر في صحيفة القدس، بتاريخ: 21/06/2021، ص: 11

                                                         عزيز العصا

http://alassaaziz.blogspot.com/

aziz.alassa@yahoo.com



عثمان موسى صلاح؛
إعلاميّ من قرية دار صلاح ومولود فيها. صدر له مؤخرًا (2021) كتابه "المحكمة المتنقلة"؛ وهو سرديّة سلّط فيها الضوء على الشيخ "محمد سالم الذويب (أبو سالم)" عضو مجلس النواب الأردني، شخصيّة مرموقة من شخصيات القرن العشرين، انطلق صيته وسمعته الطيبة، وقدراته القيادية التي قلّ نظيرها، من بلدته زعترة، جنوب شرق بيت لحم، وصعد نجمه حتى وصل إلى ملوك ورؤساء دول، على رأسهم: المرحوم الملك حسين، والمرحوم جمال عبد الناصر والمرحوم ياسر عرفات. وعندما قضى نحبه فجأة بكاه كل من التقاه و/أو سمع عنه أو تلقى منه خدمة مباشرة أو غير مباشرة.

بقراءة متمعنة لهذا الكتاب الذي يقع ضمن تصنيف السيرة الغيرية، نجد أنفسنا أمام "أبو سالم" الشخصية الوازنة والمتوازنة، المتعددة الأبعاد. تلك الأبعاد التي علينا التوقف عندها بالقراءة والتحليل، والفهم، للخروج بمفاهيم ورؤى تتعلق بجوهر هذه الشخصية الجاذبة، والمتمتعة بسمات قلّما تتكرر في الرجال. فقد تميّز عن أترابه بأن والدته قد تابعته وتتبعت مسيرته التعليميّة حتى أنهى آخر صف مدرسي في حينه في المدرسة اللوثرية ببيت ساحور. 

أولًا: تحدي الواقع، وصولًا إلى القمّة!


عند النظر إلى البيئة البدوية -أو القروية الواقعة على حافة البداوة- أو لنقل "الريف" بشكل عام، التي نشأ فيها "أبو سالم"، ومقارنتها بالآفاق التي انطلق نحوها ووصلها بجدارة، نجد أنه أعاد صياغة العلاقة مع كل من المدينة، وأركان الدولة كافة. فالمدينة، ومن خلال "أبو سالم" ومن هم بمقامه وقامته، ترى في الريف المساحة الشاسعة من الحب والتقدير، وقيم الرجولة والإباء والعزة، والرأي السديد.

كما أنّ ما وصل إليه من مستوى سياسي رفيع، ممثلًا بعضوية مجلس النواب، جعله يجالس الملك، ومن هو دونه في السلطة التنفيذية. فقد فاز بعضوية المجلس النيابي الأردني الخامس عن دائرة بيت لحم بتاريخ 21/10/1956م، وبقي عضوًا فيه حتى 21/10/1961م. ثم شارك في البرلمان الأردني السابع والثامن. وبنفس الدرجة وصل إلى سدّة المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1964.

لقد استثمر "أبو سالم" مناصبه في إيصال صوت الريف ليجلجل في جنبات القصور، ويستمع إليه الحاكم في قمّة الهرم، ويعلن للجميع عن حاجة الريف للإصلاح، وتطوير الخدمات، وتطوير التعليم، ورفع الظلمات عن المظلومين بـ "سوط الدولة". وإن كانت نتائج هذا كله غير كافية على الأرض، إلا أن "أبو سالم" أعلى الصوت في وجه الظلم الواقع على "الريف" الذي انتخبه.

 ثانيًا: النقلة النوعية للتعليم!

لقد أدرك "أبو سالم" أهمية التعليم، ودوره في رفعة المجتمع، كيف لا وهو من أوائل من نال حظًّا من التعليم بين أقرانه، فصال وجال ووجّه وشجّع من أجل إنشاء حالة تعليمية في بلدته وتطوير التعليم في المحافظة (بيت لحم) بشكل عام والريف على وجه الخصوص. كما أنه يسّر الأمر وسهّل الطريق لعديد من الشباب لعبور حاجز الجهل والانطلاق نحو التعلّم والحصول على أعلى الدرجات العلمية.

ثالثًا: رفع الظلم عن المظلومين، وإحقاق العدالة!

ورد في الأثر: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"([1]). وعلى هذه القاعدة كان لأبي سالم دورًا مهمًّا في زجر المتطاولين على حقوق العباد، الذي لا يخافون الله؛ لضعف إيمانهم وقلّة بصيرتهم. وفي مجال القضاء، ارتقى "أبو سالم" سلّمه حتى أصبح بلقب "شيخ المشايخ"؛ أي المرجعيّة المفصليّة، الذي لا يردّ له رأي، في أكبر القضايا المجتمعية، وأكثرها تعقيدًا. مما جعل الدولتين الأردنية والفلسطينية يعتبرانه المرجعية والموئل في المحافظة على السّلم الأهلي، وتوفير حالة الأمن والأمان في المجتمع. وكان يعالج ذلك كلّه بصوت العقل، والعدل، والمنطق، لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

الخاتمة

أسجل للكاتب الشكر على أنه رسم ملامح مرحلة مضت وانقضت، ولكنها تركت فينا المثل والقيم التي "نقتات" عليها من جيل إلى جيل. ويتمثل ذلك بهذه الإضاءة المهمّة على سيرة رجل شهد له القاصي والداني بحسن الخلق، واتزان السيرة والمسيرة، لتبقى أنموذجًا حيًّا للأجيال القادمة. ويسعدني الإشارة إلى أنه يمكن تطوير المنهجية البحثية والتوثيقية، وتوثيق المصادر والمراجع بشكل كامل؛ بتبيان دار النشر وسنة النشر، بما يجعل من هذا الكتاب بحثًا معتمدًا على المستوى الأكاديمي.

لا يمكننا مغادرة هذا الكتاب قبل التوقف، بمهابة واحترام وتقدير، أمام ذلك السرّ الذي جعل من "أبو سالم" "محكمة متنقلة"، وهو والدته "خضرة"؛ تلك المرأة البسيطة الأمية، إلا أنها القوية الحديدية التي لم تأخذ دور الأم-الأرملة البائسة الباكية على يتيم أنجبه والده، وهو بعمر يناهز المائة عام. وإنما كانت حكيمة، ومدبّرة، وذات بصيرة، وقد اتخذت قرارًا فاجأ مجتمعها بأن غادرت مجتمع البداوة لتقطن في بلدة بيت ساحور المجاورة؛ سعيًا وراء توفير بيئة مواتية لإبنها ليتعلم ويحمل شهادة تزهو هي بها بين أفراد مجتمعها. وكان لهذا التصرف وغيره من السلوكيات، قد جعل مجتمعها يطلق عليها لقب "خضرة الحكيمة". وهكذا، يكون "المحكمة المتنقلة" قادم من "خضرة الحكيمة".

بهذا أردتُ أن أختم قراءتي هذه. رحمك الله يا خضرة، ورحم من أنجبت وربيت وأحسنت التربية والتنشئة... فما أعظمك يا خضرة!

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 12/05/2021م





[1] يُنظر: موقع الإمام ابن باز (شوهد في 12/05/2021): https://binbaz.org.sa/fatwas/8780

 

إرسال تعليق Blogger

 
Top