أحمد عبد الرحمن في كتابه "عرفات:
حياته كما أرادها":
يُبحر في تفاصيل حياة قائده.. حتى يعزف
اللحن الحزين على وفاته
نُشِرَ في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 07/03/2016، ص: 14
نُشِرَ في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 07/03/2016، ص: 14
قراءة: عزيز العصا
"أحمد عبد الرحمن"؛ القائد الفلسطيني المقدسي المولود في بيت سوريك عام (1943)، من أكثر من
التصق برمز الثورة الفلسطينية المعاصرة "ياسر
عرفات". منذ التحاقه بحركة فتح في العام (1967) وحتى وفاة "عرفات" في نوفمبر/ 2004، وهو ملازم له. وهو
الإعلامي الذي خبرته إذاعة "صوت العاصفة" في القاهرة عام 1969، ثم تدرج
في مناصب حساسة، وذات صبغة قيادية متميزة، حتى انتهى به الأمر وزيرًا ومستشارًا
سياسيًا للرئيس المرحوم "ياسر عرفات"،
وأمينًا عامًا لمجلس الوزراء لمدة سبع سنوات.
أي أن "أحمد عبد الرحمن"
لم يبتعد للحظة عن "ياسر عرفات"،
ولم يكن في يوم من الأيام على محيط الدائرة المحيطة به؛ بل كان يقف، على أقدام
صلبة، في مركز تلك الدائرة، خلف قائده. لذا؛ فهو صاحب قلم "عرفاتي": مراقبًا حذقًا، وموثِّقًا للأحداث
والوقائع، ومحذرًا، وناصحًا، ومستشارًا أمينًا. ولعل في هذا كله تفسير للنتيجة
التي تقول بأن "أحمد عبد الرحمن"،
وبالرغم مما يمتلك من الوثائق والمراجع وأرشيف الملاحظات اليومية، اقتصرت
مؤلفاته –حتى اللحظة- على سيرة "ياسر عرفات"
ومسيرته، ودوره في الثورة الفلسطينية المعاصرة؛ فقد صدر له كتابان، هما: الرئيس- سنوات مع ياسر عرفات، وكتاب "عشت في زمن عرفات" وقد فاز بجائزة الدولة لعام 2015. وها نحن الآن، مع كتابه الأخير، بعنوان: عرفات –حياته كما أرادها-.
صدر هذا الكتاب، للتو، في طبعته الأولى عن "دار الحرية للثقافة
الوطنية-رام الله" في العام (2016)، والذي يهديه إلى روح الشهيدين الخالدين: القائد العام ياسر عرفات والشاعر العام محمود درويش. يقع الكتاب في (530) صفحة من القطع الكبير،
يتوزع عليها (38) فصلًا؛ لكل فصل عنوانه المستقل، الذي يشير إلى حدث هام. إلا أنها
تشكل، في مجموعها، سيرة قائد وثورة على مدى (40) عامًا، بما حملته من أوجاع الصراع
مع الأعداء والأصدقاء، ولعل ذروتها في الصراع مع الأشقاء. فالفصل الأول يحمل
عنوان: "زمن السلاح"، والفصل الأخير، يحمل عنوان: "في اليوبيل الذهبي لحركة فتح..
فتح
ثورة حتى النصر"، وبين هاتين المحطتين تتفاعل
الأحداث والقضايا؛ فتتأزم أحيانًا لحد "فقدان الأمل"، وتنفرج أحيانًا لحد رؤية الدولة والحرية والتحرر تأتي
طائعة ملك اليمين.
بعد قراءة، متأنية، وإعادة القراءة على مدى نحو أسبوعين
من الزمن، وجدت أن هذا الكتاب يتكئ على مجموعة مرتكزات، منها:
أولًا: ياسر
عرفات: الجذور التاريخية.. والقائد الصلب
تعود
الجذور التاريخية لشخصية "ياسر عرفات" إلى طفولته المبكرة ومرحلتي صباه وشبابه التي شهدت النكبة، ساعة بساعة ويوماً بيوم، فقد عاش الدمار والموت
والمجازر
والتشريد القسري لشعبه، وغياب القيادة والوحدة والقوة الذاتية، أمام عدو أعد عدته للحرب والعدوان منذ زمن بعيد، ومارس عشرات المذابح بحق شعبه، حتى أن
بيغن يتحدث عن واحدة منها، وهي مذبحة دير ياسين، فيقول: "كانت قواتنا تتقدم
في البلدة كما السكين في الزبدة". أما شعبه فقد تم تجريده من السلاح، ونفي قيادته ومنعها من اتخاذ القرارات الوطنية، وإن اتخذ
القرار
فإنه يخضع للوصاية الرسمية.
عاش ياسر عرفات مهزلة الحرب ومأساتها التي أعلنتها
سبع
دول عربية، بعد إعلان قيام إسرائيل في 15 أيار 1948، حيث أضاعت هذه الحرب (الوهمية) ما تبقى من فلسطين، وقررت الوصاية الرسمية ضم الضفة الغربية للأردن، ووضع قطاع غزة بإمرة حاكم عسكري مصري، ولم يمض وقت طويل حتى شُطبت فلسطين من خريطة الشرق الأوسط ومن الأمم المتحدة وأصبحت قضية لاجئين، وأنشأت لهم الأمم المتحدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيي. فبادر على الفور إلى الالتحاق شاباً يافعاً بالجهاد المقدس، الذي تم تجريده من سلاحه لاحقًا، ثم
تلقى التدريب مع طلاب الجامعات المصرية، وحمل رتبة ضابط احتياط في الجيش المصري.
أدرك "ياسر عرفات"، مبكرًا، ضرورة حمل الشباب الفلسطيني للسلاح
دفاعًا عن فلسطين؛ فقام بتدريب الطلبة الفلسطينيين (في مصر) على حمل السلاح
واستخدامه، ومنذ العام (1953)، حيث انتخب رئيسًا لرابطة الطلبة الفلسطينيين،
فأعلنها إطارًا سياسيا-نقابيًا، التف حولها طلبة فلسطين[1]،
واتّخذ لنفسه نمطًا خاصًا تميز فيه بلباسه العسكري وباالكوفية والعقال[2]
ويحمل المسدس والرشاش بعد الانطلاقة في العام 1965، علمًا بأنه وهو طالب كان يتردد
على مقر المفتي (الحاج أمين الحسيني) وحكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد
الباقي.
في العام (1959) تصدر مجلة "فلسطيننا نداء
الحياة"، التي دعت الفلسطينيين إلى الانخراط في الكفاح لتحرير فلسطين، مما
يؤكد على أن النواة الصلبة لحركة فتح قد بدأت العمل الواسع في أوساط الشعب
الفلسطيني. وفي العام (1961) انفرط عقد الجمهورية العربية المتحدة (مصر-سوريا)،
مما وضع الشباب الفلسطيني أمام ضرورة تشكيل الإطار الفلسطيني الذي يتولى قيادة
الكفاح لتحرير وطنهم، فأخذت الكوادر من الأحزاب الأخرى بالتوجه للانخراط في صفوف
حركة فتح. وفي العام (1962) يكون ياسر عرفات ضيف الشرف في احتفالات استقلال
الجزائر، ويتم تكريمه من قبل القيادة الجزائرية بمنحه مكتبًا لحركة فتح، وسرعان ما
يدخل الجزائر مئات الشباب الفلسطيني للتدريب العسكري، ثم الصين وكوبا وفييتنام
التي تحذو حذو الجزائر في منح الفرص لتدريب دفعات من الشباب.
هكذا؛ أخذت شخصية ياسر عرفات القيادية تتخذ مكانتها، وفق
قناعات راسخة، ذات عمق استراتيجي، يتمثل في العديد من الشعارات والآراء والتصريحات
والمواقف، التي حملته ليحتل مكانة خاصة في حياة شعبه الفلسطيني، ويحظى على احترام
قادة العالم. وقد رصد "أحمد عبد الرحمن" في كتابه هذا، العديد من تلك القناعات التي كانت تسيّر "ياسر عرفات" وتشكل الهادي والدليل له عبر
تلك الأنفاق المظلمة التي تجاوزها نفق وراء نفق، منها:
1) شعار "التحرير
طريق الوحدة"؛ وهو الشعار الذي أطلقه "ياسر عرفات"، للرد على دعاة
"الوحدة" ثم الشروع في التحرير. ولأن هذه الوحدة لن تتحقق، فإنه كان يرى
بأن المعركة ضد العدو القومي تقضي على التناقضات الثانوية بين الأقطار والقوى العربية. كما طرح "نظرية التكامل بين
النضال القومي للوحدة والنضال الفلسطيني للتحرير"، واعتبر حركة فتح رأس
الرمح العربي في معركة التحرير.
2) كان "ياسر عرفات"، يقول: "نحن حركة تحرر وطني، ليست تابعة
ولا خاضعة لأحد، وإن قوتنا تكمن في عدالة قضيتنا وفي قرارنا المستقل".
3) لقد كون "ياسر عرفات"
جماعته السياسية على غرار فكرته؛ الاستحواذ المطلق لفلسطين، كما أن الأصالة
الوطنية لياسر عرفات ميزت حركة فتح عن غيرها من القوى والتنظيمات، وهي سر قوة
فتح وانضواء الشباب الفلسطيني تحت لوائها.
4) فتح، كما أرادها "ياسر عرفات"، ليس فيها طقوس جاهزة للانتماء
إليها، وأبوابها مفتوحة لكل فلسطيني أو عربي مستعد للعمل من أجل تحرير فلسطين من
الاغتصاب الصهيوني.
5) في الأول من كانون الثاني من العام (1965) أطلقت
الرصاصة الأولى، فكانت الانطلاقة الأولى. وبعد النكسة في العام 1967، لم تعد هناك
جيوش عربية على جبهات القتال، والقيادة العربية التي حظرت نشاط "ياسر عرفات"، مزقت
خططها الورقية دبابات العدو، وفي 27/08/1967 كانت الانطلاقة الثانية لفتح من
داخل فلسطين.
6) تتسارع الأحداث، فيصبح "ياسر عرفات" رئيسًا لـ "م. ت. ف"، وينشئ شبكة ضخمة من العلاقات مع الزعماء العرب
والعالميين، حتى يحقق ما أطلق عليه "أحمد
عبد الرحمن" "موسوعة ياسر عرفات في الدبلوماسية الناجحة".
7) تتسارع الأحداث مرّة أخرى، وتحدث انشقاقات
ومؤامرات كبيرة وكثيرة، ومحاولات استئصال للقرار الوطني الفلسطيني، فيصمد أبو عمار
ومن معه في مواجهة ذلك، حتى تمكن من أن يغرس في نفوس أبناء شعبه قناعات لا تمحوها
الآلات الإعلامية الضخمة للأعداء وللمتآمرين. فعند انعقاد المجلس الوطني في عمان،
في العام 1984، هناك من راهن على عدم اكتمال النصاب، ففوجئ "ياسر عرفات" بورقة
موقعة من أعضاء المجلس المنتمين للجبهتين الشعبية والديمقراطية، تفيد بجهوزيتهم
للمخاطرة بأوضاعهم التنظيمية ودخول القاعة لإكمال النصاب؛ حفاظًا على الشرعية.
8)
"ياسر عرفات" مسكون بالحيوية، ولأن "الأفعال
صوتها أقوى"، فقد رد على العديد من المؤامرات ومحاولات اغتيال الشرعية
بإيلاء العمل الجماهيري في الضفة وغزة الأولوية، وفق برنامج عمل شامل لتعزيز
الصمود الوطني على أرض فلسطين، في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية
والزراعية والإسكان والصحة، وقام بجولات لتأمين الدعم المالي لتلك المشاريع، وأعطى
الأولية للتعليم، فأنشئت الجامعات في الضفة وغزة والقدس.
9) تميز "ياسر عرفات"
بعقله البراغماتي؛ فهو لا يغلق الأبواب أمام اجتهادات قد تجد مخرجًا من المأزق،
إنه يقبل بالتغيير، ولكن دون أن يتغير، ويقبل بالتكيف مع واقع سلبي دون أن يتكيف.
ثانيًا: سيرة
ياسر عرفات تعني سيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة
إذا اعتمدنا أن الثورة الفلسطينية المعاصرة قد بدأت في
العام (1965)، فإنه علينا أن نعي بأن ياسر عرفات في تلك اللحظة كان مهندسها وحادي
مسارها ومسيرتها. وعليه؛ فإن السرد التاريخي والسّيري الذي قام به "أحمد عبد الرحمن" للثورة
ولقائدها، لا يمكن فصله بأي حال. وهذا ما لمحته بين سطور هذا الكتاب؛ فسيرة "ياسر عرفات" تعني
سيرة مقدمات الثورة الفلسطينية المعاصرة، والظروف التي أوصلت الوضع إلى الرصاصة
الأولى، أضف إلى ذلك أربعة عقود من الزمن (1965-2004) وهو يلبس الكاكي ويعتمر كوفية
تلك الثورة ورمزها الذي حفر في صخور التاريخ ما يستحيل محوه أو المساس به. كما أن
سيرة هذه الثورة تعني سيرة "ياسر عرفات"؛
إذ لا يمكن للباحث في شأن هذه الثورة الخروج، قيد أنملة، دون ذكر "ياسر عرفات"، كما أنه لا يمكن الحديث عن
"دقيقة" واحدة من حياته خارج نطاق الثورة وهمومها وشئونها وشجونها.
فقد كان
"ياسر عرفات" يمسك بالأوراق كافة، أي يدير دفتها مهما صغرت أو
كبرت. ويفسّر "أحمد عبد الرحمن" هذه
الظاهرة (العرفاتية)، عبر المفاهيم والرؤى التي يطول الحديث فيها، منها:
-
يمكن فهم
ذلك في الظروف التاريخية التي عاشها، وفي الصراعات التي خاضها، لإنقاذ قضيته من الضياع، إذ لم يكن يعمل من أجل مجد شخصي، بل من أجل رفعة شأن وطنه فلسطين، وإذا بدا أنه مطلق الحرية في كل قراراته، وأن قراراته تميل إلى الشخصنة والفردية، فإنه كان ينظر للأمر من زاوية مختلفة تماماً؛ إن قراراته تخدم وطنه وشعبه وليس له فيها أدنى مصلحة شخصية، والأخطاء التي يرتكبها من يضع فيهم ثقته، كان يعمل المستحيل لمعالجتها دون ضجة ودون تشهير بأحد".
-
قدم
"ياسر عرفات"
مبادرات سياسية جّرت عليه الكثير من النقمة
والتشكيك, من أقرب المقربين إليه في منظمة التحرير, وفي حركة فتح ذاتها, واتهم
بالإنفراد والدكتاتورية, وحتى بالخروج على الثوابت الوطنية, وهو يخوض هذا الصراع
المميت, حتى لا تسقط القضية الفلسطينية في أيدي الأوصياء, الذين لم يترددوا في ظل
الكيانية القائمة على سايكس/بيكو, أن يعقدوا الصلح الواقعي مع "إسرائيل"
لضمان بقائهم (في كراسي الحكم)، وكان "ياسر عرفات" يردد: "ثمن الكلمات دم
فلسطيني، فارحموا شعبكم وقضيتكم".
-
لم
يكن "ياسر عرفات"
يهتم بالكلمات الجارحة من رفاق الخندق وإخوة السلاح بمعناها المباشر على شخصه
ومركزه القيادي، وكان يرد على الغاضبين من رجاله بالقول: ليس المهم الكرامة الشخصية، بل المهم كرامة الوطن وقضيته، ويصدر تعليماته بالاسراع في إجراء حوار الوحدة والمصالحة، ولم يترك فرصة إلا وأجرى لقاء أو اتصالاً أو تهنئة أو تعزية، حتى يذوب الجليد وتصفو القلوب.
-
هناك مبدآن تبناهما ياسر عرفات في العلاقة
الداخلية، بين أبناء الشعب الفلسطيني، وهما: 1) رفض الاحتكام إلى السلاح لحل الخلافات في الساحة الفلسطينية. 2) حرية كل كادر قيادي أو قاعدي عسكري أو سياسي في تغيير موقعه التنظيمي، وإذا كان الخلاف يتناول كوادر عدة ولها قواعد على الأرض، فلا يجب الدخول في صراع مع الفصيل الأساسي، بل الساحة تتسع للجميع، ويمكن أن يعملوا ويناضلوا في الساحة، ولكن تحت مسمى جديد.
-
حين طُرح فصل المنشقين
ومن وقف إلى جانبهم من الفصائل، رفض أبو عمار ذلك، واعتبر هذه الدعوة سابقة خطيرة،
على قاعدة أن المعارضة حق للجميع، وأن الساحة "تتسع للجميع ولن نغلق أبوابنا
في وجه أحد".
في
نهاية هذا المحور/ المرتكز، المتعلق بالحضور الطاغي لـ "ياسر عرفات"، يصح القول: إذا كان وراء كل
إيطالي يقف قداسة البابا، فإن وراء كل فلسطيني يقف قداسة "ياسر عرفات".
ثالثًا: ياسر عرفات والنظام الرسمي العربي
يشير "أحمد عبد الرحمن" إلى أن "ياسر عرفات"
لم يكن يومًا مع الصدام في الساحة العربية، وكان يسعى جاهدًا لعدم انجرار أي نظام
عربي وراء المحاولات الخارجية للقضاء على الثورة الفلسطينية، علمًا بأنه كان يردد:
"إن المقاومة الفلسطينية ليست ورقة في جيب كبير أو صغير في هذه المنطقة"،
وكان يدرك أن الكيانات السياسية العربية هي نتاج اتفاقية سايكس/ بيكو، من أجل
تفتيت المنطقة. مما دفعه إلى ملء الفراغ في جبهات الأردن وسوريا ولبنان بالرجال
المدربين والرصاص والسلاح الذي جمعه من ساحات القتال في الجولان. وانبثق عن ذلك
علاقة متذبذبة مع النظام الرسمي العربي، يمكن إيجازها فيما يأتي:
1)
على الجبهة
المصرية: بارك جمال عبد الناصر فعل "ياسر
عرفات" هذا وقدم له، في العام (1968)،) موجة من موجات "صوت
العرب" باسم "صوت العاصفة".
2)
على
الجبهة الأردنية، تعزز المقاومة، مما يثير حفيظة "إسرائيل"،
فتقرر الهجوم عليها، وهي تحمل فكرة روجها وزير دفاعها (دايان)، بالقول: "هذه
فتح كالبيضة سأكسرها بأصابعي"، فكانت معركة
الكرامة التي قلبت الموازين، عندما التحم الجيش الأردني والمقاومة
الفلسطينية لإيقاع خسائر فادحة في العدو المعتدي، مما رفع أسهم المقاومة وقائدها "ياسر عرفات"، وتضاعفت أعداد الفدائيين الذين امتد وجودهم على الجبهتين الأردنية
والسورية، وفي تلك المعركة قال "ياسر عرفات": كفى تقهقرًا وتراجعًا وانسحابات بلا قتال،
والأمة تريد وقفة عز وصمود".
3)
تبع
تلك الإنجازات التئام جميع الفصائل المقاتلة في منظمة التحرير الفلسطينية، التي
كانت قد تأسست بقرار رسمي عربي في العام 1964، وانتخب "ياسر عرفات" رئيسًا للجنتها التنفيذية،
فيستخدم شرعيته الثورية لتتبوأ الشرعية الرسمية التي يعترف بها النظام الرسمي
العربي.
4)
على
الجبهة اللبنانية، كانت الثورة قد سيطرت على جبال العرقوب التي جعلت الثورة
قريبة من "البطن الطري لإسرائيل" (ص: 37). في العام (1969)،
وبفضل زعامة جمال عبد الناصر، أبرم "ياسر عرفات" اتفاقًا مع قائد الجيش
اللبناني, والذي شرّع وجود المقاومة في لبنان, وحق الإشراف الفلسطيني على المخيمات
في لبنان[3].
5)
في
حزيران من العام (1974) يعقد المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يصادق على برنامج جديد
لـ "م. ت. ف" أطلق عليه
"النقاط العشر" التي كتبها د. جورج حبش بخط يده، والتي تعني "إقامة
السلطة الوطنية في أية أرض فلسطينية يجري تحريرها أو ينسحب الجيش الاسرائيلي
منها"، ثم تلا ذلك انعقاد القمة العربية في الجزائر في أكتوبر من نفس العام،
التي قررت أن "م. ت. ف. هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني"، وفي
قمّة الرباط أصر "ياسر عرفات" على إضافة "الوحيد"، وأصبح القرار كما أن المنظمة هي "الممثل
الشرعي للشعب الفلسطيني".
6)
أتبع
"ياسر عرفات"
ذلك القرار بجولات مكوكية شملت جميع دول العالم المستعدة لاستقباله، وهو يتبنى
"الواقعية السياسية"، ثم خطابه الشهير
في الأمم المتحدة في (13/11/1974)، وقد اختتمه بالقول: الحرب تندلع من فلسطين
والسلام يبدأ من فلسطين"[4]،
والذي أصبحت بعده "م. ت. ف"
عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة، ثم أتبع ذلك بقرار يعتبر "الصهيونية شكل
من أشكال العنصرية"، وكانت النتيجة كما قالها "ياسر عرفات": عدد
الدول التي تعترف بـ "م. ت. ف"
أكبر بكثير من عدد الدول التي تعترف بإسرائيل.
7)
في
العام 1982 ونتيجة لغياب مصر، وعدم قدرة دول الخليج لاستخدام سلاح النفط خوفا من
التهديد الإيراني، وغرق العراق في الحرب مع إيران. كل ذلك جعل المقاومة مكشوفة
تماما في بيروت، فأسماها أبو عمار "حرب العظم الفلسطيني".
8)
يذكر
"أحمد عبد الرحمن" أن هناك سوريا وليبيا إلى جانب "إسرائيل" تتفقان مع الانشقاق
(الذي منيت به حركة فتح في العام 1983). وبعد مغادرة
طرابلس، إثر معارك مع المنشقين، يتوجه "ياسر عرفات" إلى مصر التي أعدت له
استقبالًا رسميًا وشعبيًا في مدينة الإسماعيلية. وفي هذا الصدد يقول "ياسر عرفات":
أسقطنا المؤامرة لسرقة القرار الوطني الفلسطيني المستقل بصمودنا في وجه الحصار
الذي فرضه علينا حافظ الأسد".
9)
بعد
قطيعة منذ العام 1970، أخذ الملك حسين يتطلع إلى لعب دور في مجال التسوية، فوافق
على انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان في العام 1984. وهنا عادت "م. ت. ف"، وعاد الأردن حاضنة للعمل الوطني
الفلسطيني.
10)
لدى
اطلاع "ياسر عرفات" على تقرير عن لقاء وزير عربي مع مسؤول أمريكي، بعيد اندلاع الانتفاضة، وما ورد في التقرير من أقاويل بأن المنظمة شئ
والانتفاضة شئ آخر، قال: "هذه الشرذمة
وعقلية ملوك الطوائف هي وبال على أمتنا العربية".
11)
كان "ياسر عرفات" يردد: إن الأرض العربية تضيق بنا وبقضيتنا، ولم
يبق أمامنا إلا أن نبحث عن مركبة فضائية تحملنا إلى أحد الكواكب؛ لنقيم قيادتنا
عليها للعمل من أجل استعادة وطننا فلسطين من المريخ.
12)
بشأن
دخول العراق إلى الكويت ونتائجه على الشعب الفلسطين، يشير "أحمد عبد الرحمن" إلى أن "أكثرية القيادة الفلسطينية كانت تقف مع العراق ووتدين تحالف
حفر الباطن"، و"ياسر عرفات" ليس مع الأكثرية وليس مع الأقلية، وهو ليس مع
تحالف حفر الباطن ولا مع دخول الكويت، وإنما قدم عدة مبادرات لحل الأزمة، من بينها
انسحاب الجيش العراقي من الكويت.
13)
يفيد
"أحمد عبد الرحمن" بأنه بعد غارة حمام الشط في عام 1985، طلب الرئيس التونسي بورقيبة من و"ياسر عرفات" إخراج جميع القوات الفلسطينية من تونس، وأما القوات في
ليبيا والجزائر والسودان، فقد انتقلت إلى معسكرات في قلب الصحراء، وأن طائرة "ياسر عرفات" سقطت في الصحراء الليبية وهو يبحث عن قواته في
الصحراء البعيدة ألف كم عن طرابلس الغرب.
رابعًا: الساحتان اللبنانية والسورية تتحولان إلى
"جمر ونار" خلال الفترة (1973-1982)
يدور الزمن، وتحرم الثورة من ممارسة فعلها من الجبهتين الشرقية
والشمالية، مما يريح "إسرائيل" ويزيح ثقلًا عن صدرها. لم يتوقف الأمر
عند هذا الحد، وإنما يشير "أحمد عبد الرحمن" إلى أنه منذ العام (1973)، الذي شهد "جريمة الفردان" التي أودت
بالشهداء: كمال عدوان، وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، التي نجا منها "ياسر عرفات" بأعجوبة (ص: 76)، فاشتعلت
الساحة اللبنانية تحت أقدام الثورة الفلسطيني حتى العام (1983)، والتي يمكن
إيجازها بالنقاط التالية:
1) نشأ في العام (1976) حلف بين حزب الكتائب اللبناني
و"إسرائيل"، ضد أبو عمار وثورته، فاصطف معه الحركة الوطنية اللبنانية. وعندما رجحت كفة الصراع الداخلي لصالح الثورة
الفلسطينية، كان للنظام السوري الدور الموجع بتدخله
ضد الثورة . ففي 12/08/1976م نفذ حزب الكتائب مجزرة مخيم تل
الزعتر التي راح ضحيتها (3000) فلسطيني، التي يرى "أحمد عبد الرحمن" أن "حافظ الأسد"
يتحمل مسؤوليتها؛ عندما منع قوات الثورة من الوصول إلى المخيم لإنقاذه، ومجزرة جسر
الباشا.
2) أطلقت الصحافة الأجنبية على حافظ الأسد لقب "أسد
الهلال الخصيب"، عندما اتّبع سياسة تجميع الأوراق لتقوية نظامه، إلا أن
الثورة خرجت عن طوعه، ووجهت عملية عسكرية قادتها دلال المغربي في آذار/ 1978، هزت
أركان "إسرائيل". وعلى إثر هذه العملية، وبعد ثلاثة أيام منها، شنت
إسرائيل عملية الليطاني، التي استمرت أسبوعًا، نجم عنها تشكيل "جيش لبنان
الجنوبي" بقيادة سعد حداد.
3) وفي 6/6/1982 اجتاحت اسرائيل لبنان وحاصرت الثورة 88
يوما، نجم عنها مغادرة الثورة الساحة اللبنانية إلى تونس (حيث كان "ياسر عرفات" آخر المغادرين في 30/08/1982)[5]،
ثم اقترفت "إسرائيل" مجزرة "صبرا وشاتيلا" في أيلول/ 1982. في
حين أن حافظ الأسد أبرم مع "إسرائيل" اتفاقية وقف إطلاق النار في
11/6/1982؛ أي قبل أقل من أسبوع من بدء المعارك[6].
ثم جريمة "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد التي يقف وراءها بشار الأسد
هذه المرّة. ولا بد من الإشارة إلى أن الشيخ سعد الدين العلمي أصدر فتوى شرعية ضد
حافظ الأسد الذي "استباح الدم الفلسطيني".
4) من الجدير ذكره أن سوريا كانت قد سحبت قواتها في شباط/
1982 من الجنوب اللبناني (صيدا والدامور والمشرف)، وقدمت الأركان السورية تفسيرًا
لذلك يقول: لا نريد للجيش السوري أن يقوم بدور الشرطة، وأنها (الأركان) تعمل على
تجميع الجيش تحسبًا لعدوان "إسرائيلي" محتمل.
5) يرى "أحمد عبد
الرحمن" أن القيادة السورية بإستراتيجيتها الضيقة، وجدت في ترسيخ "م. ت. ف" لوجودها في
لبنان خطرًا على الحكم في دمشق. كما يشير، على لسان مسئول إيراني كبير، إلى أن فشل
محاولة أبو عمار لوقف الحرب العراقية، كان بسبب قرار استئناف القتال من مكتب
الخميني, ويقول هذا المسئول: إن الرئيس الأسد كتب إلى الخميني شارحًا له أسباب
عدم استمرار سوريا في القتال ضد "إسرائيل" في عام 1982.
6) في 4/9/1982؛ أي بعد مغادرة الثورة لبنان، تمكن
مقاتلو فتح من أسر ثمانية جنود "إسرائيليين"، احتفظوا بستة منهم وسلموا
اثنين إلى القيدة العامة. وتم في 23/11/1983 عملية تبادل تحرر على إثرها خمسة آلاف
فلسطيني ولبناني ممن تم أسرهم في حرب 1982، وهذه العملية.
7) تبع ذلك "معركة طرابلس"، التي يرى "أحمد عبد الرحمن" أنها جمعت كل أعداء الاستقلالية الفلسطينية في جبهة واحدة هدفها القضاء
على الثورة: الحصار البحري الإسرائيلي لطرابلس، وتحريك "حافظ الأسد"
لجيش التحرير الفلسطيني لضرب الشرعية والقضاء عليها. ويتبع نظام الأسد ذلك بفرض الإقامة الجبرية على
"محمد زهدي النشاشيبي"؛ عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية؛ لإعاقة اجتماع اللجنة في تونس.
8) في العام 1985؛ بعد ثلاث سنوات من مجزرة صبرا وشاتيلا،
بدأت، بفعل "دمى الأسد اللبنانية"[7]
حرب المخيمات في بيروت للقضاء على وجود ما أسموه "زمرة عرفات".
خامسًا: ياسر عرفات: يقاتل بشراسة.. ويفاوض بهدوء في آنٍ
أصدرت
حركة فتح بقيادة "ياسر عرفات" في العام 1968 وثيقة سياسية تقول "بإقامة السلطة السياسية في الضفة
والقطاع". وكان "ياسر عرفات" يطور الوعي الوطني باتجاه الوقعية السياسية، وهو يقول: من كان طرفًا في
الحرب، فلا بد أن يكون طرفًا في السلام"، فيروي "أحمد عبد الرحمن"، في كتابه هذا، أنه في
العام (1973)، وأثناء انعقاد مهرجان الشباب العالمي في
وارسو، لم يغب عن ياسر عرفات وجود وفد إسرائيلي من حزب راكاح الشيوعي الإسرائيلي، فيطلب من أصدقائه الألمان عقد لقاء سري معه، وينعقد اللقاء الذي وجه ياسر عرفات من خلاله رسالة للإسرائيليين بأنه مستعد لتحقيق السلام العادل. وهنا لم يكن إلى جانب أبو عمار في هذا اللقاء السري جدا إلا شخص واحد هو "أحمد عبد الرحمن".
كان "ياسر عرفات" يقول: إن الصراع على أرض فلسطين هو صراع تاريخي وحضاري،
ولا يوجد في هذا الصراع صدقات من القوي للضعيف؛ فالقوي يأخذ كل شئ، والضعيف يخسر
كل شئ". كما كان يقول: "إن من ينتظر حلَا ناجزًا لقضيتنا وبمعجزة فلن
يراه أبدًا". وعلى ذلك المبدأ كان يدير دفة الصراع، وهو متيقظ لما يدور حوله.
بعد
إخراج الثورة من لبنان في العام 1982، بدأ أبو عمار يفصح عن رؤيته السياسية؛
لإدراكه لضرورة تعزيز موقع "م. ت. ف"
فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، كما أنه اتّبع سياسة (اللعم) بسبب رفض "إسرائيل
الاعتراف بالفلسطينيين ومراهنتها على حل عربي للقضية الفلسطينية.
في
8/12/1987، وبمقدمات غير مرئية ، اندلعت الانتفاضة الجماهيرية في الأرضي
الفلسطينية المحتلة، فتبوأت الذروة بين حركات الكفاح والاستقلال الوطني، وشكلت
تحديًا هز أركان المثلث الإمبريالي الاستعماري الذي أضلاعه: أوروبا الغربية
وأمريكا وإسرائيل. كما جاءت لكي تعوض غياب الخيار العسكري. وكان الرد عليها
بمضاعفة القوات الصهيونية المحتلة العاملة في الضفة والقطاع بعشرة أضعاف ما كانت
عليه قبل الانتفاضة، وأدخل أنواعًا جديدة من الأسلحة؛ كطائرات الهليوكبتر التي
تطلق القنابل الغازية السامة على المتظاهرين، والنتيجة أن الانتفاضة حسمت المعركة
لصالح الشعب الفلسطيني ووضعت العدو أمام طريق مسدود، وأمام مأزق لا خروج منه بغير
التقهقر والانسحاب من الضفة والقطاع، إلا أن العدو قام في 16/04/1988م بارتكاب
جريمته النكراء باغتيال أبو جهاد؛ المسؤول عن الأرض المحتلة، والهدف إحباط
الانتفاضة، ولكن دون جدوى؛ فازدادت الانتفاضة اشتعالًا.
بقيت
تجربة الشعب الفلسطيني مع قرار التقسيم في العام 1947 ماثلة أمام "ياسر عرفات"، ويشير "أحمد عبد الرحمن" إلى أن حركتنا الوطنية لم تتمكن في اللحظة
المناسبة من اتخاذ القرار الذي تفرضه الضرورة الوطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل
موازين القوى السائدة في ذلك الوقت. ولكن المستجدات تتمثل في أن الانتفاضة الفلسطينية (الأولى) والثورة
الفلسطينية و"م. ت. ف"، وما بينها من ترابط عضوي، فرضت قضية فلسطين على
جدول أعمال الكبار وعلى جدول أعمال القوى الدولية المختلفة، فحركت القيادة القوى
العربية والدولية كافة في دعم الانتفاضة التي أصبحت الحدث الأبرز في حينه، التي
كانت تحمل توقيع: منظمة التحرير الفلسطينية/ القيادة
الوطنية الموحدة/ دولة فلسطين [8].
في 15/11/1988م، وفي غمرة أحداث الانتفاضة المتصاعدة،
أعلن "ياسر عرفات" قيام دولة فلسطين، وهي "دولة محبة للسلام
ملتزمة بمبادئ التعايش السلمي". وفي نيسان/ 1989 انتخبه المجلس المركزي
رئيسًا لدولة فلسطين، وأخذ يتصرف كرئيس لدولة فلسطين، كما لو أن الدولة أقيمت فعلا
على أرض فلسطين، وعندما قررت الجعية العامة للأمم المتحدة الاستماع إلى "ياسر عرفات" في جنيف بتاريخ (14/12/1988)، لقي الخطاب ترحيبًا من
جميع دول العالم ما عدا أمريكا وإسرائيل، وأتبع الخطاب بنص قرأه على العلن في
القاعة الكبرى في عصبة الأمم، نجم عنه انفتاح أمريكا على العلاقة معه، وما تلاه من
مراثونات طويلة ومعقدة حتى توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993، وما نجم عنها من
اعتراف متبادل بين "م. ت. ف"، وإسرائيل[9].
وأورد "أحمد
عبد الرحمن" بأن كثيرًا من السياسيين الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب، وحتى الخبراء
في شئون الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يعتقدون بأن "ياسر عرفات" لم يقرأ اتفاق أوسلو؛ لأن الاتفاق لم يلب الحد
الأدنى من مطالبه، علما بأنه دافع عن ذلك الاتفاق، بالقول: إنها الخطوة الأولى
الضرورية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة".
سادسًا: ياسر عرفات والدولة: يشرع ببنائها.. ويواجه
مؤامرات قتلها جنينًا
عندما
عاد "ياسر عرفات"
إلى غزة حرك ماكينة الرئاسة، وقام في لمح البصر وأيام معدودة برفع العلم الفلسطيني فوق المباني الحكومية،
وأصدر جواز السفر الفلسطيني الذي كان يمهره بيده، وخطط لإصدار الجنيه الفلسطيني،
ليمحو عن ذاكرة العالم الأكاذيب الصهيونية الإسرائيلية التي تنفي وجود الشعب
الفلسطيني، وأصبح "ياسر عرفات" هو نفسه قائد السلطة.
يستعرض "أحمد
عبد الرحمن" في كتابه هذا، مجموعة من القضايا الاستراتيجية
والمصيرية التي مرت بها القضية الفلسطينية، بقيادة "ياسر عرفات"، منذ عودته إلى الوطن (في
العام 1994) بعيد اتفاقية أوسلو وحتى انتفاضة الأقصى في العام 2000، والتي يمكن
تلخيصها في النقاط الرئيسية التالية:
-
بدأت الأحداث تتسارع منذ اغتيال رابين (شريك ياسر عرفات
في عملية السلام) في أواخر العام 1995، كان صعود الليكود، وصعود العمليات العسكرية
الفلسطينية الموجعة لاسرائيل، واغتيال يحيى عيّاش، وانتفاضة النفق في العام 1996،
التي شكلت بداية رحلة العد التنازلي لعهد حكومة الليكود برئاسة نتنياهو، ثم قمة
واشنطن فاتفاقية الخليل في كانون الثاني/ 1997. ثم اتفاقية "واي ريفر"
حيث يوافق نتنياهو على الانسحاب من 13% من الأراضي الفلسطينية، ثم يحضر الرئيس
الأمريكي كلينتون لزيارة ياسر عرفات في وطنه فلسطين.
-
يسقط نتنياهو ويفوز باراك عن حزب العمل في العام 1999،
الذي استحوذ على عقل الرئيس الأمريكي "كلينتون"، الذي كان عرفات يرى فيه
شخصية منغلقة تمامًا ويتصرف في السياسة كما لو كان في ساحة حرب. وأعلن في شباط من العام 2000 أن هناك مفاوضات تجري بين إسرائيل وحافظ
الأسد، ولخص أحد المسئولين الاسرائيليين تلك المفاوضات، بالقول: نريد سلاما كاملا
يسمح لنا بالتسوق يوميا من سوق الحميدية بدمشق، والسماح بهجرة يهود سوريا إلى
إسرائيل، وطرد المنظمات التخريبية الفلسطينية من سوريا، وسحب الجيش السوري من
لبنان".
-
تأتي
قمة كامب ديفيد في العام 2000، التي أبلى فيها "ياسر
عرفات" بلاء حسنًا، وهو يدافع عن توابت الشعب الفلسطيني وحقه في
العيش الكريم على أرضه. تلك القمة التي انتهت بأن كلينتون حمل ياسر عرفات مسؤولية
فشلها، وأشاد بشجاعة باراك، وقدم له "عربون وفاء" بالتعهد بنقل السفارة
الأمريكية إلى القدس. مما يجعل باراك يطلق
يده في قتل المتظاهرين في ذكرى النكبة (أيار/ 2000)، يلي ذلك خروج جيش الاحتلال
الاسرائيلي من لبنان، في أواخر أيار من العام 2000.
سابعًا: ياسر عرفات و"انتفاضة الأقصى": عَ
القدس رايحين شهداء بالملايين
أعد
باراك/ رئيس وزراء إسرائيل وشارون/ الليكودي المعارض سيناريو دقيق يُسمح فيه
لشارون، بحماية أكثر من ألفي رجل أمن اسرائيلي، بزيارة المسجد الأقصى (يطلقون عليه
جبل الهيكل)، فكان ذلك في 28/09/2000م. وفي الموعد المحدد تمت الزيارة، التي
صاحبها قيام الأمن المرافق بالاعتداء على المصلين داخل المسجد؛ فسقط ثمانية شهداء
و(145) جريحًا. ثم امتدت الأحداث لتلهب الضفة وغزة. وأخذ باراك يقود عملية إغراق
المنطقة في حمام الدم ويقتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، ثم يسلم الراية
لشارون في 06/02/2001م.
لقد
كانت انتفاضة عارمة للشعب الفلسطيني في وجه الغطرسة الاسرائيلية، فتم عسكرتها،
عندما "هزت العمليات الفدائية داخل "إسرائيل" المجتمع الإسرائيلي
من جذوره، وأيقظته من طمأنينته الكاذبة، وشارك رجال الأمن الفلسطينيين في تلك
الانتفاضة، فتم تدمير السلطة الوطنية الفلسطينية؛ لإزالة أي معلم من معالم
الاستقلالية الوطنية. وحينها قال شارون للرئيس الأمريكي الجديد (بوش): عرفات هو
محرك الإرهاب، وبعد أحداث 11/أيلول/2001 اتصل شارون مع بوش، وقال له: عندكم بن
لادن وعندنا بن لادن، ولا فرق بين الإثنين، والحرب ضد الإرهاب واحدة هنا وفي
أمريكا"، في حين أن "ياسر عرفات" سارع للتبرع بالدم للأمريكان. ثم شرع شارون باغتيال القادة الفلسطينيين،
بدءًا بـ "أبو علي مصطفى" في آب/ 2001.
وجّه
شارون قواته لضرب المقاطعة بالصواريخ، فتلقى "ياسر عرفات" عدة نصائح تدعوه لمغادرة
المقاطعة حرصًا على حياته، فأصر على عدم الاستجابة لذلك؛ باعتباره واحدًا من أبناء
الشعب الفلسطيني الذي عليه التضحية. ثم تجتاح القوات الاسرائيلية الضفة الغربية،
وصاحب ذلك اغتيالات ومجازر، كمجزرة جنين التي قال فيها شمعون بيريس: ارتكب الجيش
المجزرة في جنين. ويرى "أحمد عبد
الرحمن" أن "ياسر عرفات"
المحاصر بالدبابات في المقاطعة كان هو المنتصر سياسيًا، وشارون المنتصر عسكريًا هو
المهزوم سياسيًا.
تتجدد
الولاية لشارون في العام 2003، فيستمر في غطرسته العسكرية، فيبادر الرئيس الأمريكي
بوش لطرح "تغيير عميق" في بنية النظام الرئاسي لأبي عمار،
فاستجاب "ياسر عرفات" لذلك
وأعطى صلاحيات لرئيس الوزراء. وليس ببعيد عما يجري حول "ياسر عرفات"، تشن أمريكا وحلفاؤها الحرب
على العراق في آذار/ 2003، فيقول فيها: هذه عاصفة هوجاء، يجب علينا أن نخفف من
وقعها على شعبنا وقضيتنا"[10].
وبعد تلك الحرب التي دمرت العراق، يشتعل فتيل الاستيطان ويبدأ شارون بسلسلة أخرى
من الاغتيالات، بدءًا بالشهيد "إسماعيل أبو شنب"، ثم محاولة اغتيال
الشيخ أحمد ياسين. وعندما تشتد الأزمة والحصار على "ياسر عرفات" تلتف الجماهير الفلسطينية
حوله، كالسوار حول المعصم، مما يصدم بوش، فيتوجه إلى رئيس الوزراء "أبو
علاء" ناصحًا بالابتعاد عن "دسائس عرفات".
ثامنًا: ياسر عرفات: العام 2004 رحلة وداع موجع تصل بين
زمنين يفصل بينهما 2000 عام
في
أواخر أيلول/ 2003، يصاب "ياسر عرفات"
بمرض غير معروف، إلا أنه يتحامل على نفسه، ويشكل حكومة برئاسة "أبو
علاء"، وكانت آخر عبارة قالها "ياسر
عرفات" في العام 2003: "نحن وإياهم والزمن طويل، وكل عام
وأنتم بخير، ويا جبل ما يهزك ريح".
من
أكثر الصور وجعًا، ما يقوله "أحمد عبد الرحمن" بأن التاريخ قد يسجل أن آلام "ياسر
عرفات" في العام 2004 تمتد في التاريخ والتراث إلى الفلسطيني
القديم "عيسى بن مريم"؛ الذي عُذب وصُلِب في زمن السلام الروماني، وفي
زمن السلام الأمريكي يعيد التاريخ نفسه. إن أحفاد الفريسيين في فلسطين، ووريث قيصر
روما في واشنطن يقررون أن يلقى ياسر عرفات نفس المصير ونفس الآلام إذا لم يتراجع
عن رسالته، في حرية قومه من عبودية الفريسيين الجدد. إلا أنه في الأسبوع الأول من
ذلك العام 2004، وفي عيد الشجرة، حفر وزرع شجرة زيتون وسط الدمار الذي أحدثته
قذائف شارون الموجهة نحو مقر إقامته.
تشتد
المعارك على الشعب الفلسطيني، ويشهد ذلك العام سقوط مئات الشهداء، في الضفة وغزة،
وتشتد العمليات الموجعة لشارون وحكومته، وبعد خمسة أشهر (في تموز/ 2004) تعتبر
محكمة العدل الدولية جدار الفصل العنصري الذي أنشأه شارون، والمستعمرات التي
أقامتها "إسرائيل" بعد العام 1967 غير شرعية. وشهد شهر آذار اغتيال
الشيخ أحمد ياسين في 22/3/2004، ففتح له "ياسر
عرفات" بيت عزاء في المقاطعة، تبعه في 28/3/2004 تشكيل وفد فلسطيني إلى القمة العربية في تونس، ضم
ممثلين عن حماس والجهاد الإسلامي[11]،
ويلي ذلك اغتيال قائد حماس "عبد العزيز الرنتيسي" في 17/04/2004، ويستمر
قتل أبناء الشعب الفلسطيني، من مختلف الأعمار والشرائح المجتمعية. ثم يطرح شارون
للفلسطينيين ثلاث كنتونات مقطعة، بدون القدس: شمال، ووسط وجنوب.
مرض غريب
ومفاجئ.. إلى باريس ومنها يعود شهيدًا.. شهيدًا.. شهيدًا
طوال
العام 2004 استوقف مرافقيه التهاب الأذن ، فلفت ذلك نظرهم إلى ما قام به ضابط
الموساد عند تسميم خالد مشعل من خلال أذنه، كما بدأ يظهر على وجه "ياسر عرفات" وحول الأنف، التهاب كان يسبب
له حمرة ظاهرة للعيان، ، وفي يوم الثلاثاء (12/10/2004) يدخل ياسر عرفات مرحلة
متقدمة في مرضه، ولم يوقع سوى معاملة أو معاملتين، وبدأت تظهر علامات الإعياء
الشديد وعدم التوازن، وصار يتناول الشوربة بصعوبة بمساعدة مرافقيه، وفي
14/10/2004، بدأ بالتقيؤ وآلام المعدة، وفي 17/10 يعقد اجتماعا للقيادة وهو في
حالة إعياء، وفي 20/10 يصعد إلى مكتب "أحمد
عبد الرحمن" ويطلب منه كتابة رسالة إلى الرئيس التونسي؛ بمناسبة
الانتخابات الرئاسية، وفي 24/10 عقد اجتماعًا للقيادة ومجلس الأمن القومي، حيث
لاحظ الحضور عدم قدرته تحريك جسده. في 25/10 لا يقوى على النهوض من السرير. وجاء
أبو مازن لزيارته، وكانت حالته صعبة للغاية، إلا أنه أخذ يتكلم ويتصرف مع أبو مازن
كأنه في كامل صحته وعافيته. في الأيام 26/10 حتى صباح الجمعة (29/10) أخذ يشتد
عليه المرض ويضعف صوته.
صباح
الجمعة (29/10/2004) وصلت المروحية الأردنية، وحملت "ياسر
عرفات" إلى باريس، حيث همس لـ "فريح أبو مدين": معقول
أن يكونوا قد وصلوا إلي"؟ ويقصد بها أن يكون الإسرائيليون قد دسوا له السم.
وفي 31/10 يهاتف سلام فياض/ وزير المالية ليطلب منه صرف رواتب الموظفين ورجال
الأمن. ويتسارع وضعه الصحي نحو الأسوأ حتى 8/11 حيث يدخل إليه أبو علاء في العناية
المركزة، وقال فيما بعد: كدت أسقط على الأرض من هول الصدمة، وفي الساعة الرابعة
والنصف من فجر يوم 11/11/2004 فارق "ياسر عرفات" الحياة.
تم
قتل "ياسر
عرفات" واغتياله بوسيلة غامضة، لا زالت غير معروفة حتى الآن،
والاتهامات لا توجه لغير "إسرائيل" وأجهزتها الأمنية؛ لأنها هي الجهة
الوحيدة في العالم التي لها مصلحة استراتيجية في التخلص من "ياسر
عرفات".
أقل الكلمات
لأشجع قائد،
لا
أعتقد أن فلسطينيًا عاقلًا بالغًا ولا أي مراقب للأحداث في فلسطين إبّان حقبة "ياسر عرفات" يمكنه نسيان ذلك المشهد، الذي
أصبح تقليديًا خلال انتفاضة الأقصى وحتى الرمق الأخير من حياة ياسر عرفات؛
والمتمثل في أن هناك شخصًا ملتصقًا به: يعدل ويصوّب ويعيد قطار الحديث إلى السكة
كلما كاد أن يخرج عنها. إنه "أحمد عبد
الرحمن" مؤلف هذا الكتاب، الذي لا يمكنك ترك شاردة ولا واردة فيه
إلا وتقرأها، وذلك لما تمتع به من أسلوب سرد يجعلك تمسك بخيط الرواية العرفاتية،
وتتعلق به حتى ينقذك من بحر الأسئلة التي تغرقك حتى أذنيك، إن كنت معنيًا بالتعرف
على ما كان يجري في ذلك الحصن المنيع الذي يربض فيه ياسر عرفات بأسراره وهمومه،
التي لن يتم التعرف عليها بسهولة ويسر.
إن "أحمد عبد الرحمن" في
كتابه هذا "عرفات
–حياته كما أرادها-"، لم يقرأ عن "ياسر عرفات" ليكتب لنا بحثًا، مستندًا إلى
مراجع ومصادر، ومتبعًا أصول البحث العلمي، بل هو يقرأ "ياسر عرفات" نفسه، كما رآه، وسمعه، وكما
تهامسا بصوت مرتفع في خلوات وهما يتداولان الحديث والآراء بشأن قضايا بدرجة عالية
من التعقيد، بخاصة تلك النصوص المتعلقة بالحوار مع الأمريكان الذين كانوا يسعون
لجني المكاسب لإسرائيل، وجعل الفلسطينيين وقضيتهم وتشردهم الوقود اللازم لضمان
ماكينة أمن إسرائيل واستقرارها في حالة دوران دائم. كما يمكننا القول بأنه لم يكتب
عن "ياسر عرفات"، كما سمع
عنه، وإنما يكتب "ياسر عرفات"
بنكهته الطبيعية، وبلا صبغات.
لم أقصد من ذلك الوصف ترويجًا للكتاب، فحاشى لله أن تكون هذه رغبتي، وإنما
أردت توجيه الباحثين في الشأن "العرفاتي" إلى الغوص في هذا الكتاب لكي ينهلوا
منه ما لا يمكنهم إيجاده في المراجع والمصادر الأخرى. فكل من تعامل مع "ياسر عرفات" يرصده من زاوية تختلف عن غيره.
ولعل ما يدفعني لهذا القول، أنني حظيت بقراءة (معمقة) لكتاب "عشت في زمن
عرفات" لأحمد عبد الرحمن، وقراءة (معمقة) لمذكرات المرحوم "شفيق
الحوت"، كما أنني بصدد قراءة (معمقة) لقائد فلسطيني آخر كان ممن التصقوا بـ "ياسر عرفات" ردحًا طويلًا من الزمن أيضًا.
ففي كل ذلك تجد النكهات تختلف باختلاف الكاتب، وإن كان الكل يجمع على أن
"ياسر عرفات هو ذلك القائد الذي يشكل الضلع الثالث والأكثر صلابة في مثلث
فلسطين القيادي، إلى جانب الحاج أمين الحسيني، وأحمد الشقيري.
أما المحاور التي قمت بتحليل هذا الكتاب وفقًا لها، فإنها لا تعدو اجتهادًا
مني، وجدتها الزوايا الأكثر وميضًا في حياة ياسر عرفات. إذ يتضح من تلك المحاور
مدى الأبعاد المتعددة التي كانت تشكل شخصية "ياسر
عرفات"؛ بما فيه من صلابة القائد ودقة تصويبه نحو الهدف، رغم
كثافة الضباب العالية والغبار الكثيف، التي تثيرها قوى الشر من الأعداء والأشقاء،
التي تعمي البصر، فيتغلب عليها "ياسر عرفات"
ببصيرته المتيقظة، التي يقودها الإيمان بالله وحده، ووضوح الهدف الذي يسعى إلى
تحقيقه، مهما غلت التضحيات؛ وهو العيش الحر والكريم على أرض الآباء والأجداد.
رحم الله "ياسر عرفات"
رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. وإنا إلى وطننا
وأقصانا وقيامتنا عائدون بحول الله، وبفعل الوقود الفكري والقيمي والعقائدي الذي
تركه فينا "ياسر عرفات".
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 25 شباط، 2016
[1] استطاع ياسر عرفات أن يؤمن دعوة للرابطة، للمشاركة في مهرجان
الشباب العالمي في وارسو في العام 1954، كانت نتيجتها خروج ياسر عرفات بحصيلة من
العلاقات والأسماء التي فتحت أمامه الساحة الدولية، وهو يردد: إن حصر قضيتنا في
الإطار المحلي الضيق، إنما يفقده دعمًا وتضامنًا دوليًا نحن في أمس الحاجة إليه (ص: 17-18).
[2] رمز
لفلسطين، ورمز للمقاوم الفلسطيني منذ ثورة 1936 (ص: 16). وهنا بدأت رمزية "ياسر عرفات"،
التي صاحبته إلى أن انتقل إلى جوار ربه.
[3] بدأ ياسر عرفات بإعادة تأطير المجتمع الفلسطيني, في
النقابات والاتحادات والجمعيات, وأسر الشهداء والهلال الأحمر والمستشفيات
والعيادات الطبية ولجان المخيمات واللجنة المركزية لحركة المقاومة الفلسطينية في
الأردن, واللجنة العليا لشؤون الفلسطينيين في لبنان, وإعادة إحياء مكاتب منظمة
التحرير في الخارج, وبالنسبة لفتح بدأ يعين المعتمدين في العواصم العربية، وكانوا
بمثابة موفدين شخصيين له لدى الدول, ينقلون كل صغيرة وكبيرة تهم قضية فلسطين
للمسئولين في هذه الدول (ص:
37).
[5] انظر: ص: 84.
[7] يقصد بها القوى والأحزاب والشخصيات المرتبطبة بالنظام السوري الذي كان
يقوده "حافظ الأسد" (ص:
251).
[8] قام المؤلف بتخصيص الفصل
السابع عشر من كتابه لعرض عدد من بيانات الانتفاضة، كما صدرت في حينه. كما خصص
الفصل الثامن عشر لإعلان الاستقلال.
[9] خصص الكاتب الفصل
"الثاني والعشرون" للمراسلت المتبادلة بين عرفات ورابين وبنود اتفاقية
أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي (ص: 287-310).
[10] وهنا يستذكر "ياسر عرفات" قول أحد
الصحفيين: "إن حل قضية بغداد يبدأ في رام الله، وحل قضية رام الله يبدأ في
بغداد" (ص: 400).
إرسال تعليق Blogger Facebook