في اليوم العالمي للمرأة: المرأة الفلسطينية تتحمل
مسؤولياتها مبكرًا
–الاتحاد النسائي العربي بالقدس أنموذجًا-
نشر في صحيفة القدس
المقدسية، بتاريخ: 08/03/2016م، ص: 14
عزيز العصا
الأيام
العالمية، للمناسبات والعناوين المختلفة، مشتركة بين شعوب العالم وأقطاره كافة،
مما يعني أن جميع الشعوب، أفرادًا وجماعات، تقع على نفس المسافة من
الحدث-المناسبة. وها نحن نحتفل باليوم العالمي للمرأة، الذي جاء بعد نضالات
وكفاحات للمرأة في مختلف أقطار المعمورة، في مواجهة الظلم والإجحاف الذي مارسته
القوى الرأسمالية وأنظمة الحكم المتسلّطة على الشرائح الاجتماعية المختلفة، من
بينها المرأة كشريحة اجتماعية، والشرائح الاجتماعية الأخرى كالأطفال والعمّال
(ذكورًا وإناثًا). أي أن المرأة هي التي تتلقى الضربة الأولى الموجهة لأي شريحة
اجتماعية؛ فهي العاملة المضطهدة، وهي الأم للأطفال المضطهدين، وهي الزوجة للعامل
المضطهد... وهكذا.
لأن كل
شعب يستثمر تلك الأيام لكي يبرز هويته الوطنية، ويبين دوره اتجاه ذاته واتجاه
البشرية جمعاء، فإنه من الأهمية بمكان أن نرفع هوية المرأة الفلسطينية، التي لم
تتأخر كثيرًا عن باقي نساء الأرض في رفع "البطاقة الحمراء" في وجه
اللاعبين السياسيين والاقتصاديين والعسكريين على أرض بلدها "فلسطين".
وبعد البحث والتمحيص في أرشيفنا الوطني، وجدنا أن آخر مائة عام من عمر شعبنا شهدت
حراكًا نسويًا شهد له المؤرخون ورجال الفكر وكل من ترك لنا سيرته الذاتية من هؤلاء
القادة. فقد شاركت المرأة الفلسطينية في المظاهرات، في المراحل المختلفة للثورة
الفلسطينية في مواجهة الاستعمار البريطاني لفلسطين.
وعند
البحث الدقيق في سيرة المرأة الفلسطينية ومسيرتها، وجدنا أن هناك انطلاقة مفاجئة
للمراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني، قادتها المرأة الفلسطينية في القدس، تمثلت
في تحدي الانتداب البريطاني من خلال إنشاء "الاتحاد النسائي العربي
بالقدس"، في العام 1928. وفي هذا اليوم الذي نحتفي فيه بالمرأة في يومها
العالمي، فقد وجدت الحاجة ماسة إلى استذكار تلك اللحظات التي شكلت انقلابًا
حقيقيًا في وضع المرأة، ليس في القدس وحسب، بل على مستوى الوطن الفلسطيني.
في
الثلث الأخير من شهر كانون الأول من العام الماضي (2015)، توجهت إلى القدس لمقابلة
السيدة "هداية
البديري" رئيسة جمعية الإتحاد النسائي العربي بالقدس، فكان اللقاء الذي جاء
بمثابة "استحضار" لماضٍ له ما له وعليه ما عليه. فقد أشارت السيدة
"البديري" إلى أن الاتحاد تأسس عام 1928، بمبادرة من مجموعة من سيدات
مقدسيات، بدافع ذاتي لمساعدة الثوار والمجاهدين والمطاردين والمسنين الذين لا
يتلقون الرعاية من أحد.
ومن الطريف أن نذكر
هنا كيف انتزعت المرأة الفلسطينية (المقدسية) في حينه، الاعتراف بوجودها وحضورها
السياسي والاجتماعي، إذ تشير السيد "البديري" إلى أن مجموعة من النسوة
المنقبات، تقودهن المرحومة "زليخة الشهابي"، تجمعن من مواقع مختلفة من
القدس، في العام 1928، وطلبن مقابلة المندوب السامي البريطاني احتجاجًا على المجازر
التي تقترفها قواته بحق أبناء فلسطين، والمطالبة بإيقاف تلك المجازر فورًا، فمنعهن
الحرس من الدخول. وعندها قمن بخطوة احتجاجية فاجأت الجميع؛ بادرت بها المرحومة "زليخة
الشهابي"، بأن رفعن الأغطية عن وجوههن، مما استرعى انتباه البريطانيين، فسُمِح لهن بالدخول.
قامت النسوة بشرح الوضع،
وسجّلن احتجاجهن على القمع والإهانة التي تتعرض لها المنازل التي يتم مداهمتها من
قبل قوات الاحتلال البريطانية، وكانت النتيجة أنه تم تخفيف الضغط عن البيوت،
والتقليل من حدة التعامل مع السيدات والأطفال. وبعد قليل من ذلك اللقاء، اجتمعن
وأجمعن على ضرورة البدء بممارسة العمل الجماعي؛ للمحافظة على ذلك الإنجاز الذي
تحقق من خلال مواجهة المندوب السامي بما يفعله جنوده وعساكره.
هكذا؛ تطورت الفكرة،
فشرعن في تأسيس الاتحاد النسائي برئاسة "زليخة الشهابي"؛ بهدف متابعة
شئون القدس، وبخاصة المرأة ومساعدة الثوار الذين أخذت أعداد الجرحى منهم تتزايد،
مما تطلب مضاعفة الجهود الإسعافية والتمريضية، للحفاظ على حياة الجرحى والتخفيف من
آلامهم.
من الجدير ذكره أن
مصر كانت قد شهدت في العام 1927 تأسيس الاتحاد النسائي المصري، بقيادة هدى
الشعراوي. وعندما علمت "الشعراوي" بأنشطة الحركة النسائية الفلسطينية،
أبرقت إلى القيادة النسوية الفلسطينية بالحضور إلى مصر، حيث تم منحهن مساعدات
مالية، ثم مساعدات أخرى كالمراكز الصحية وغيرها.
لم يتوقف أمر الأنشطة
النسوية الفلسطينية عند حدود القدس، وإنما تفرعت جمعيات أخرى مقتدية بما فعلته
نساء القدس، فأخذت الاتحادات النسائية الفلسطينية تظهر تباعًا في المدن الأخرى
كالخليل ونابلس وبيت لحم وغيرها.
يقال بأن "المصائب
أو الشدائد محك الرجال". والرجال هنا يقصد بها الذكور والإناث، وغير مقتصرة
على الذكور. ولا أعتقد أن شعبًا على وجه البسيطة تعرض للمصائب والشدائد كما تعرض
لها شعبنا الفلسطيني إبّان النكبة في العام 1948، وما قبلها وما تبعها من كوارث
ناجمة علن التشرد والضياع واللجوء وفقدان المسكن والمأكل والملبس، وأثر الصدمة
الموجع الذي تعرض له الشعب الفلسطيني في غفلة من الضعف والهوان والفرقة والتشرذم.
لم تقف المرأة
الفلسطينية بشكل عام والاتحاد النسائي بشكل خاص، في تلك الحقبة، وقفة المتفرجات
اللواتي يلطمن الخدود على آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وإنما قمن بأدوار
استراتيجية مهمة في إدارة الحدث، عندما قمن بتوفير الأطعمة وتأمين عائلات، وتطبيب
الجرحى والمصابين، وغير ذلك من الأعمال التي لولاها لتضاعفت نتائج تلك الكارثة في
وجهها المأساوي البشع.
لم يتوقف الأمر عند
هذا الحد، وإنما أخذ الاتحاد النسائي دوره في المساعدة في إسكان المشردين، خلال
الفترة 1949-1950. بعد ذلك، وحيث بدأت البلد تستقر، تطور تفكيرهن باتجاه تعليم
السيدات، بخاصة زوجات الشهداء، وتأمين مصدر رزق لهن. ثم تم فتح مركز خياطة ومركز
نسيج تعليمي، وتم توسيع المراكز الصحية الخاصة بالإتحاد، وأسمتها السيدة زليخة الشهابي "مراكز الأمومة والطفولة"،
حيث كانت الفتاة الحامل تلتحق في هذا المركز من لحظة الحمل حتى الولادة، والذي كان
يضم قسمًا لتطعيم الأطفال.
في العام 1965 طلبت
السيدة زليخة الشهابي من الملك حسين العمل على مساعدة الإتحاد لبناء مقر للجمعية، فتم ذلك وافتتحته الملكة
زين في العام 1966، وكانت عبارة عن 3 طوابق، وكان الطموح أن يضم المسنين بالإضافة
إلى تعليم المهن المختلفة. وقبيل النكسة في العام 1967 تم تجهيز المكان للمسنين،
لكن شاءت الأقدار أن حصلت النكسة فاصبحت الحاجة ملحّة لمقر
لتعليم الفتيات على وجه الخصوص، فتدخل المرحوم حسني الأشهب وساعد الإتحاد بفتح
مدرسة ثانوية في المقر والمقرات المجاورة، حيث أن الجمعية كانت قد حصلت على ترخيص
أردني في ذلك الوقت.
مما يؤسف له أن أرشيف
الاتحاد لا يريح الباحث، كما لا يريح القائمات على الاتحاد؛ إذ أن مقر الاتحاد
تعرض للعديد من المداهمات، منذ كان في مقره الصغير بالقرب من متحف فلسطين، الذي أطلق
عليه الاحتلال "متحف روكفلر. الأمر الذي جعلني أقفز عن فترات زمنية طويلة في
سرد حكاية هذا الاتحاد كمؤسسة مقدسية ريادية ووطنية، تسهم في الحفاظ على عروبة
القدس في وجه محاولات التهويد التي أصبحت نيرانها تلهب الوجوه.
أما الواقع الحالي
للاتحاد فيتمثل بتلك الخدمات التي يقدمها للأسر المقدسية، والتي في معظمها خدمات
تعليمية وتأهيلية للفتيات والفتيان، وتتمثل في: قسم الحضانة، وقسم الروضة، ومركز
تأهيل الفتيات. وتلك الخدمات التي تقدّم للمسنين، والتي تتمثل في ثمانية بيوت
للمسنين في أريحا؛ وهي عبارة عن دور نقاهة للتخفيف من آثار الشيخوخة والأمراض
ووطأة البرد في فصل الشتاء. أضف إلى ذلك ما يقوم به الاتحاد من أنشطة أخرى، بين
الحين والآخر، كالإفطارات الخيرية والاحتفالات في المناسبات المختلفة؛ الدينيّة
والوطنيّة.
قبل أن نغادر، لا بد
من الإشارة إلى أننا وفي هذه المناسبة العالمية الطابع، الوطنية الهويّة، نتوجه
إلى صانعي القرار في الشأن المقدسي بشكل عام، وفي شأن المرأة المقدسية بشكل خاص،
بضرورة الالتفات إلى أن هذا الاتحاد الذي قاد الحركة النسوية في فلسطين، وكان في
طليعة الحركة النسوية العربية، وما قدمه للشعب الفلسطيني من خدمات في السلم
والحرب، وعلى الصعد كافة. إذ أن لدى هيئته الإدارية خطط طموحة تتمثل في تقديم
خدمات متطورة ومتقدمة للمرأة المقدسية وللأطفال المقدسيين في المجالات التعليمية
والرياضية والترويحية، بالإضافة إلى تطوير الخدمات الحالية وتحسين الأداء فيها على
المستويات كافة. وهنا، يبقى السؤال الاستراتيجي: إذا لم توجه المساعدات والدعم
والإسناد نحو المرأة المقدسية، وما يرتبط بها من أطفال وأسر، فلمن تُقدّم إذًا؟!
إلى أن يجاب على هذا
السؤال، أود التذكير بأن القدس هي العاصمة الدائمة للثقافة العربية، وأننا ننتظر
في العام 2019 أن تكون القدس عاصمة الثقافة الإسلامية، وحينئذ لا يمكننا تحقيق ذلك
دون أن نحقق الخطط الطموحة التي تحلم بها المرأة المقدسية. وإلى أن يجاب على هذا
السؤال، نتوجه إلى المرأة الفلسطينية في الوطن الغالي وفي المهجر والغربة
بالتهاني. وكل عام وأنتن بخير.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 05/03/2016م
إرسال تعليق Blogger Facebook