عيسى العزة في ديوانه "تعلم كيف
تنتصر":
يشخّص مصادر الألم.. ويبث الأمل في الأجيال
نُشِرَ في صحيفة
القدس المقدسية، بتاريخ: 04/آذار/2016م، ص: 16
قراءة: عزيز العصا
"عيسى محمد
عباس العزّة"؛ عرفته على مدى ربع قرن من الزمن، فوجدته بسمات
وخصائص جمعت بين العقل النّيّر والعواطف الجيّاشة.. بين شدة الثائر ولين الأخ
الكبير.. بين السرعة والدقة في اتخاذ القرار، والهدوء في التحليل وضبط مواضع
الوجع.. بين التدين الفطري؛ بلا صبغات ولا نكهات حزبية، ورفض (شمّاعة) الدين لقذف
الآخرين.. بين الوفاء لكل من دافع عن وطنه بالبندقية و/أو بالقلم و/أو بالكلمة، والثورة
في وجه كل من تآمر على وطنه وأمته وخان المواثيق والعهود.
هذا هو "عيسى العزّة" الذي
عرفناه، عن قرب، والذي تتلمذنا على يديه في ميادين السياسة والفكر والإصلاح
الاجتماعي، فاكتسبنا منه ما تيسر، وبقي هو "أستاذنا" الذي نرنو إليه
ببالغ المحبة والإجلال والإكبار. وعندما عرفنا بإصدار ديوان شعر له، بعنوان:
"تعلم كيف تنتصر"، سارعنا
نحن في "رواق المهد الثقافي"؛ برئاسة الأخ "صالح أبو لبن"،
لكي ننهل من هذا الديوان، ولكي نعمّمه على الآخرين؛ لأننا كنا على ثقة بأن لكل
فلسطيني صورة (شخصية) في هذا الديوان، قد رسمها "عيسى العزّة"
شعرًا.
صدر الديوان، قيد النقاش،
عن "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"، يضم (166) قصيدة، تتوزع على (183)
صفحة من القطع الكبير، قدّم له "عيسى قراقع"/ رئيس هيئة شؤون الأسرى
والمحررين، بعنوان: "ما قرأته في عيون نسر"، اعتبر فيها أن "هذا
الديوان، يشكل محطات من حياة صاخبة للشاعر والمربي والكاتب عيسى العزّة".
على غير ما اعتدنا من
الشعراء، يستهل "عيسى العزّة" ديوانه
بمقطوعة نثرية بعنوان: مضّني الشوق إليها-فكان اللقاء، يبدو أنه كتبها بماء العين،
إذ يصف فيها رحلته إلى مسقط رأسه؛ بلدته الأصلية "تل الصافي"، التي تقع
في منتصف الطريق بين بيت لحم (مكانه المؤقت الحالي) و"يافا" الأسيرة
المكبّلة بقيود الاحتلال منذ النكبة في العام (1948).
لقد قرأت تلك المقطوعة أكثر
من مرّة، فوجدت فيها تكثيفًا فوق العادة للمكان والزمان والإنسان، وفق مثلث مقدس،
تلتحم أضلاعه لتشكل مرتكزًا صلبًا للانتماء للوطن الأم، الذي لا يعدله شئ في هذه
الدنيا. ففيها ذكرٌ للقرى المنكوبة، وما فيها من أشجار وشجيرات، وأزهار وزهيْرات،
وما فيها من شوارع وطرقات وأزقة، وجبال ووديان، وساحات وحارات وباحات.. وكل هذا
وذاك، تجده قد اجتمع في ذات الشاعر-عيسى العزّة،
الذي ينبئك بأنك مقبل على ديوان شعر مشبع بكل ما ورد ذكره أعلاه.
أما عند الانتقال إلى
القصائد، فتجد "عيسى العزّة"
يمسك بيدك، بحنانه المعهود ورقته العالية، ورجولته الثائرة على الظلم، فلا يرهقك
بالرمزيات، ولا يتركك في حيرة التأويل والتفسير، وإنما جعل لكل قصيدة من قصائده
الـ (66) عنوانًا واضحًا يقودك لمحتوى أكثر وضوحًا، ويرفق إلى جانبه السّنة التي
نظمت فيها قصيدته، وفي العديد من القصائد نجده وقد (أشبع) فضول القارئ بذكر
المناسبة التي نُظمت فيها القصيدة.
وعند تحليل القصائد وقراءة
ما وراء نصوصها، تجد فيها عددًا كبيرًا من الدلالات والمعاني الكامنة خلفها، منها:
أولًا: دلالات التوزيع الزماني:
هناك ما يشبه
"الملحمة"، في أنشودة "إلى آلهة
الإغريق فوق قمة الجبل (أوليمبوس)" كتبها "عيسى العزّة" إبّان
النكسة في العام 1967، حول الانتقام لاختطاف الملكة "هيلين"، يقتبس
الصراع فيها بين القوة والضعف، ليحث الأمة على الصمود وعدم الانكسار أمام قوة
الأعداء، فبعد أن يوثق لواحدة من صور النكسة، بالقول:
وخطاب الحسين الثاني وجمال يباعد ويداني
قد سقطت "سينا" والضفة وجبال جولان في الزفة
والغاصب عاث بأوطاني
ثم ينبري لإشاعة الأمل في النفوس، موجهًا نداءً لجمال عبد
الناصر بالعدول عن استقالته، والعودة إلى ساحة النزال حتى تحقيق أهداف الأمة
بالنصر، فيقول:
يا ناصر لا
تدع الساحة فالفارس لم يلق سلاحه
ولنعصب للوطن جراحه ولنرجع للروض وشاحه
وهناك (19) قصيدة نظمت في
السبعينيات، و(16) قصيدة في الثمانينيات، و(18) قصيدة في التسعينيات و(12) قصيدة
في القرن الحادي والعشرين، آخرها في العام 2008. ويتضح من هذا التوزيع الزمني أن
شاعرنا-عيسى العزّة لم يكن غزير
الإنتاج الشعري، وهذا يضعنا أمام واحد أو أكثر من الاحتمالات التالية:
أولها، أنه قليلًا ما كان يلتفت
إلى الشعر في معالجة القضايا الحياتية اليومية؛ سياسيًا واجتماعيًا، وعلى مستوى
المناسبات المختلفة. وقد يعود ذلك إلى أن "عيسى العزّة"،
كقائد ميداني، كان يتمتع بقدرات خطابية عالية تكفي لأن يعبر عما جيش في صدره من
مشاعر وأفكار ورؤى.
وثانيها، أنه قد يكون هناك العديد من القصائد
التي ارتجلها الشاعر "عيسى العزّة"،
ولم تُكتب أو توثق، أو أنها كتبث ووثقت إلا أنها اندثرت مع تقلبات الزمن ومداهمات
الاحتلال التي كانت تدفع جيل "عيسى العزّة"
إلى حفظ الآراء السياسية المكتوبة بعيدًا عن أيدي مخابراته التي كانت تداهم البيوت
بشكل مفاجئ وتعاقب على الكلمة باعتبارها أخطر من الرصاصة.
يلاحظ
من هذا الديوان أن "عيسى العزّة" مشبع
بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. ولعل هذا كله يجتمع في قصيدة "أحب الله" التي نظمها في العام (1971)،
والتي يجمع فيها بين الإسلام والمسيحية، كما يراها في "بيت لحم"، إذ
يقول:
أحب الصبح قرآنًا يصلي وإنجيلًا يمجد في هيام
أحب الصمت والآيات تتلى بجوف الليل نورًا في الظلام
ثم
يتوجه إلى الصائمين، ناصحًا ومرشدًا، مبينًا الصوم كعبادة، وليس مجرد امتناع عن
الأكل والشرب، فيقول:
أحب الصوم لا هجرًا لماءٍ ولا تركًا لقوت أو طعام
أحب الصوم هجرًا للمعاصي وتركًا للتناحر والخصام
ومن وحي
الهجرة النبوية، ينظم قصيدة في العام 1972، يبدو فيها وكأنه يصور، بعدسة فنان، تلك
الهجرة وأسبابها ومسبباتها ونتائجها، ومما يقوله:
يا هول مكة فالرسول دعاها لله خالق صبحها ومساها
فأسرت النجوى وراحت زمرة منها تعربد قحة وسفاها
النور هاجر والظلام مخيم يا يتم مكة في غياب فتاها
ووفي
ذكرى المولد النبوي الشريف، ينظم قصيدة في العام (1980)، وقصيدتان أخريان في العام
(1985)، ومما يقوله: وتطوف ذكرى المصطفى فتعيدني
وتردني// متناسق الخطوات للفجر الضحوك تشدني. ثم يتوجه إلى النبي محمد
صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده مستنجدًا، إذ يقول في قصيدة "هذا يا صحراء"؛ من نوع الشعر الحر: هذا مولدك يهلّ// وأمتك
تنوء رجال العرب أسرى// ونساء العرب
سبايا// ونجوم الليل حيارى//
من غيرك يا أحمد// يخرج أمة أحمد من بين الأصفاد. وفي قصيدة "في عيد المولد النبوي"، يقول: في البقعة في اليرموك وفي بيروت// وفي البارد والبداوي// وحصاري يتبعه ألف حصار// يا أحمد خذ بيدي.. في عيدك// وأنا أغرق.. يأخذني الإعصار.
ثالثًا: يتوجه إلى قادة الأمة: يمتدح الشجاع
ويفضح من الغادر:
لا شك في أن السياسي
في "عيسى العزّة"
هو الذي يقود الشاعر فيه، وتستنتج ذلك من خلال فهمه الدقيق لما يجري في العمق
العربي، سواء على مستوى الفكر القومي الناضج المنتمي لفلسطين، كقضية أمة، أو ذلك
الشق المتآمر عليها، والذي يميل إلى "شطب" الشعب الفلسطيني وشطب قضيته.
إذ أنه في وصفه لما جرى في بيروت من مؤامرة على الشعب الفلسطيني، يقول في
العام (1973) في قصيدة "حق الطبع والإخراج
محفوظ"؛ من نوع الشعر الحر: هنا
بيروت// عصابات من الرعيان//
قد شقت عصا الطاعة// على السلطان، ثم يكمل بالقول: هنا بيروت// فلسطيني!...
ليذبح// موته فجر... ولكن//
لن يعيش
اليوم في لبنان// سوى ليلى... سوى ليلى.
وفي العام (1976)، ينظم قصيدة بعنوان "سدد
ضربتك البكر"، يوجه إلى شعبه في لبنان نداءً مشبعًا بالمرارة من
ظلم ذوي القربى، فيقول: يا جسر الباشا...
يا "صبرا"// الصبر.. الصبر// فالليل
ودخان فنادق بيروت// وبنادق قطّاع
الطرق الهمجية// ونباح كلا
ب"فرنجية"// وذيول مؤامرة التذبيح// تتحطم فوق صخورك يا تل الزعتر.
وفي العام (1977)، ينبري "عيسى العزّة"،
عبر قصيدة بعنوان "لا تتحرك... قف"،
مدافعًا عن شعبه في لبنان الذي تعرض لمذبحة في تل الزعتر، على يد "وليم
حاوي"، ومما يقوله: احذر!!// لا تعبر تل الزعتر.. تل الزعتر تل الثورة والثوار//
ملعون من ذبح النجمة.. ملعون من حرق الحب//
ملعون من دفن البسمة.. مطرود من هذا الشعب.
وبين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وحافظ الأسد وصدام حسين، تجد أن لـ "عيسى العزّة"
رأي واضح وجرئ لا تأخذه في الحق لومة لائم. ففي الذكرى الرابعة لوفاة جمال عن
الناصر، يرى أن ذكراه ستبقى نبراسًا للأجيال، إذ يقول: مذ ناح البلبل فوق الغصن// وصاح
النجم... فقدناك.. يا عبد الناصر// من
يحمل سيفك يا ناصر؟!// ما زال حصانك في
الميدان. وفي صدام حسين، يقول "عيسى العزّة"
في قصيدة نظمها في العام (1991)، بعنوان: "طبع
القبلة نارا"، في أجواء العدوان الثلاثيني على العراق:
إنه
صدام مرحى ألف مرحى للغيارى
نخوة العباس
فيه تلبس الفجر سوارا
وفي
قصيدة يتوجه بها إلى بغداد في العام (1993)، فيوحد بينها وبين القدس، بقوله:
ما
بين قدسي والعراق سحابة تهمي بوابل
غيثها المغداق
ما بين أربيل وبصرة فتية ولنعم
أحفاد الرشيد رفاقي
ثم يناشدها
العودة إلى قيادة الأمة، بقوله:
ردي إلي صبابتي وقصيدتي وحفاوة المشتاق للمشتاق
وفي حافظ الأسد، ودوره في الحرب على الفلسطينيين في لبنان، يقول في العام
(1977)، في قصيدة بعنوان "مرحى أبا سليمان":
ماذا أقول وقد
خدعت عروبتي وخلعت عن تشرين كل ثيابه
أسد علي وفي الحروب نعامة ما فيه من أسد سوى أنيابه
وبعد
"اتفاقيات الاستسلام" في كامب ديفيد بين السادات وبيغن، في العام (1978)
يتصدى "عيسى العزّة"
لتلك الاتفاقيات المذلة، بقصيدة بعنوان "من
يعلن غيري"، يقول فيها: إني لا
أركع... لا أخضع// من يعلن غيري ويحدد
ساعات الصفر؟!// من غيري؟// من غيري؟// من هذا
الناطق في كفي أصدر للعالم "أمر".
وفي
العام (1992) ينظم قصيدة بعنوان: "قولي لا –الصمت
خيانة-"، يشن فيها هجومًا على مؤتمر مدريد ومن يقف خلفه، ومما يقوله:
لا لعباءات الفهد... وحافظ... ومبارك...//
لا... لن نلبس كامب ديفيد يعرب... كوفيتنا...//
لا... والعودة للحجر... وللمقلاع... والخندق// لا... والعودة لزجاجات الغضب وللمولوتوف...//لا... ولفلسطين
المجد... لفلسطين العهد...// لا...
ولفلسطين سلام... وسلام...وسلام....
في
العام (1994)، وبمناسبة مؤتمر مدريد (للاستسلام) في إسبانيا وأطياف (أوسلو)؛ أي
بعد وصول السلطة الوطنية واستلامها زمام الأمور في الضفة وغزة، ينظم "عيسى العزّة"
قصيدة بعنوان "من ينظر من ثقب الإبرة"،
ومما يقوله فيها:
نظرت إليك// ولكن// من ثقب الإبرة// كان
الليل مرايا// يتناثر وجهي كالحلم// ...شظايا...!!// يتشقّق
جلدي// تسقط كل ثيابي// أتعرى...!!...// ينكرني
ظلي...// أزحف// وسراديب الظلمة//تكشف
سرّي.
رابعًا: المعلم يأخذ مكانته في شعر "عيسى العزّة":
هناك ثلاث قصائد، متقاربة زمنيًا، في الفترة (1985-1987)، قام "عيسى العزّة"
بنظمها في عيد المعلم، يشيد فيه بالمعلم ودوره في بناء الأجيال، وبالتالي بناء
المجتمع. ومما يقوله في تلك القصائد:
غنّوا
وغنّوا للمعلم وامسحوا عنه العنا
وتجمعوا
في عيده كم شاد مجدا كم بنى
كما
يقول في دور المعلم في مواجهة اللجوء والتشرد، وهو يقبض على آلامه وجراحه:
مرحى
وجرحك يا معلم نازف ودماك تحكي قصة
التشريد
ويداك
تمسك موطنًا من حوله زمر الذئاب وساسة
التهويد
وفي
قصيدة جميلة في العام 1987؛ أي في أجواء الانتفاضة الأولى، يقول "عيسى العزّة"
للمعلم:
معلمي
رسول وصوته هديل
بعلمه
يصول أحبه معلمي
ويصنع
الرجال ويركب المحال
وينشر
الظلال أحبه معلمي
خامسًا: "عيسى العزّة" ينظم شعرًا جميلًا
للأم-الوطن وللوطن-الأم:
هناك أربع قصائد كذلك،
متقاربة زمنيًا، في الفترة (1985-1987)، قام "عيسى العزّة"
بنظمها في عيد الأم، مما يقوله:
يا عيد يرسم أعيادًا
يا مجدًا يصنع أمجادًا
أمي والاسم فلسطيني
أمي والقدس تناديني
وفي
قصيدة أخرى يقول:
أقبل عيدك أهلًا أمي
يا أم الأعياد
جنة عدن بين يديك
عظمك الديان
أنت الحب وأنت القلب
وإليك الإحسان
ويتضح من ذلك أن "عيسى العزّة" صمم تركيبة خاصة من الأم-الوطن والوطن-الأم، مما
يعني أن واجب الوفاء والتضحية والرحمة والعرفان يكون للوطن كما هو للأم؛ وفي ذلك
تعظيم للوطن (فلسطين) في النفوس، كما أنه خصّ من الوطن درته "القدس"
التي عليه تلبية ندائها للدفاع عنها.
وإذا ما استعرضنا الأشعار المختلفة في عيد الأم، سوف نجد أن "عيسى العزّة"
قد تميز بالتجديد في هذا المجال؛ لأنه أتقن الربط بين الأم والوطن، وفي ذلك رفع
وسمو لقيمة الوطن، كما أن فيه تكريم للأم الفلسطينية التي كان هو شاهد حي على ما
عانته وما كابدته، وهي تلملم الجراح، وتضمدها، ولا تستجيب لعوامل التشرد والضياع
التي أرادت لها الانهيار والتخلي عن القيم الوطنية، فكانت النتيجة كما أرادتها هي؛
بأن حثت زوجها على النهوض، ووفرت لأبنائها من جسدها (البارد) الدفء والحنان
والتربية السليمة، مما جعل منهم الثوار والقادة والعلماء والشعراء والكتاب الذين
أمسكوا بناصية فلسطين وأعادوها على خارطة العالم رغمًا عن بطش القوة المفرطة التي
يمتلكها الأعداء.
سادسًا: "عيسى العزّة" ينشد للوطن.. ويوثق
لمراحل النضال المختلفة:
في العام (1972)، وهي
الحقبة المتوسطة بين أيلول الأسود (1970) حرب تشرين (1973)، يطل علينا "عيسى العزّة"
بقصيدة بعنوان "أغنية الفارس"،
ليحفز الهمم، ويستحث الشباب على المقاومة وعدم الركون إلى اليأس، ومما يقوله فيها: فارس الميدان عاد//
فاستعدي يا زناد// وتهادي يا جياد...
فارس الميدان جاء// وبكفيه العطاء// إنه سمح جواد. وفي العام (1973) ينظم قصيدة
بعنوان "أغنية ومارد وانتظار"،
يقول فيها:
المارد ثار فلا شكوى
والصبح غناء يتردد
المارد ثار فيا بشرى!!
ما أروع يومي ما أسعد
وفي العام (1979) يطلق "نشيد الصمود"
الذي يوثق فيه للثورة على المحتل في بقاع الوطن كافة، ومما يقول فيه: في ذرا عيبال والطور... وفي أرض الخليل// في ذرا حيفا وفي يافا... وفي ثغر الجليل// الرجال... سائرون// لا
يهابون... المنون// في السفوح... في
الوهاد// في الربوع... في النجاد//
صامدون... صامدون... صامدون. ثم يُتبع
بقصيدة "وجهان لعملة واحدة"
في العام (1980)، يشير فيها إلى صمود فلسطين في وجه المؤامرة التي قادها السادات،
بصلحه مع مغتصبيها، ومما يقوله: رغم المحتل...
ورغم القيد// وفلسطين تنام على الضيم
وتذوق الويل// لن تحني للخائن قامة أو
هامة// فالقدس علامة...// والثورة باقية زاحفة حتى النصر.
وفي ذكرى صبرا وشاتيلا،
ينظم في العام (1985) قصيدة طويلة بعنوان
"القدس بانتظار"، يستذكر
فيها "غدر النظام السوري"، وما جرى من تحويل البندقية من صدر العدو إلى
صدر الفلسطيني، ويذكّر بضرورة التوجه إلى القدس لتحريرها، بدل الاحتراب بين
الأشقاء، ومما يقوله فيها: يا فارسًا يأتي به
الأفق// مزنّرًا باللوز والليمون
والكوفية المرقطة// سر... وانطلق//
أنت الخلاص والفداء// القدس لك// والقدس
بانتظار// فالقدس بانتظار.
وفي العام (1992) ينظم
واحدة من أطول قصائد هذا الديوان، بعنوان "معذرة
يا وطني"، يصف فيها وجعه من الخذلان الذي مارسته أنظمة الحكم
الرسمي العربية، على الشعب الفلسطيني، ومما يقوله فيها: حملت جراحاتي وقطعت البيد... ركبت البحر// وحاربني الأهل, وحاربني الأعداء...// طرقت الأبواب... وغربت وشرقت// وأيمنت وأيسرت... وآمنت وكفرت// وأنا أحمل هذا الجرح الغائر// ونداءاتي لم تجد الآذان// وقدسي يعبث فيه المحتل
الفاجر. وينهي بالقول: يا وطني ورجالك في الليل
كواسر// يا وطني ونساؤك في الأسر حرائر//
إنهض يا وطني// قسمًا... قسمًا... ما نامت عين الثائر.
كما يوثق لمعتقل أنصار في
النقب؛ الذي قام الاحتلال بإنشائه بعيد انطلاق انتفاضة الحجر المجيدة، وهو عبارة
عن مجموعة خيام متناثرة في صحراء النقب، وهناك حيث كان أـسيرًا اختار لنفسه موقعًا
بين تلك الخيام، ونظم قصيدة بعنوان "عيون
النسر"، ومما يقوله:
فلسطيني يا نقب المعالي وصوت الله يتلوه الكتاب
ترفق يا لهيب الجر إنا
يجمعنا المصاب ولا نصاب
ركبنا البحر وانتفضت ذرانا وإن غاب الصبح له إياب
سنجعل من حجارتنا منارًا ومن مقلاعنا درعًا يُهاب
وفي نفس هذا المعتقل (أنصار 3) ينظم في العام (1990)
قصيدة بعنوان "عاشت الفتح"،
ومما يقول فيها:
تفتدي فتح نفوس ومهج
وعلى العهد بنا الشبل درج
أيها الرشاش اعزف لحننا أننا الفتح وفتح كلنا
وينشد "عيسى العزّة"
للأسرى في قصيدة بعنوان "يا أسرانا"، نظمها في العام (1996)، يصف فيها
ما نقوم به من إجراءات ليست بمستوى تضحيات الأسرى وعذاباتهم اليومية، ومما يقول
فيها: النصر لأبطال خلف القضبان// المجد لفرسان تتحدّى السجان// يا أسرانا... هل يكفيكم منا أَن نصرخ... أن نبكي// أن نتألّم .. ونناشد... أن نعتصم// وننتظم مسيرات... وتكون معاركنا في شاشات التلفاز// أمام "الكاميرات" ... وفوق الأرصفة... وبين
شوارعنا الضيّقة// المغلقة ... وخلف الجدران// والحجر الأصفر يرسم خارطة الوطن...// ويفصل بين مكان ومكان....
ولم يغادر "عيسى العزّة"
قبل أن ينعى القائد الرمز، في العام (2005)، بقصيدة بعنوان "يا أبا عمار"،
يقول فيها: لم يمت ياسر فينا.. إنه فينا الكرامة//
إنه الرمز.. ويبقى.. في البطولات علامة.
سابعًا: "عيسى العزّة" يودع زملاء العمل
"شعرًا".. وينعى من فقد من الأصدقاء "شعرًا":
بمنتهى الوجع والألم، وقف "عيسى العزّة"-شاعرًا
يعدد مناقب من رحل من أصدقائه ورفاق دربه، ويوثق لسيرهم الكفاحية ومواقفهم الصلبة،
التي ستبقى (نبراسًا) للأجيال، مثل: العميد زهير الدويك (أبو خلوي) في العام 2001،
الذي يقول فيه: هو الثوري// لم ينزل إلى سفح// ولم
تهبط به قمم. "أبو جندل"؛
ذلك القائد الشجاع الذي قضى وهو يتصدى لقوات الاحتلال في جنين-القسّام في العام
(2003)، ومما يقوله في هذا القائد: ذات مساء جاء
الأغراب// واتّسع البيدرُ// والموسم طاب// وانطلق
مخيمها كالمارد// يعزف لحن العودَةِ// والمهرة
تصهُلْ//
وأبو جندلْ//
يُمسِك بيديه النجم// يشُدُّ خيوط الفجر. وفؤاد رزق الذي نعاه بقصيدة في العام 2008،
ومما يقوله:
لا يا فؤاد وأنت ملء عيوننا وإليك يهدي الشعر والأشعار
لا زلت فينا قائدًا ومعلمًا وبك الرفاق كواكب ومدار
كما أن هناك مجموعة من القصائد
التي نظمها في مناسبات مختلفة، توثق للأصدقاء والزملاء الذين غادروا العمل للتقاعد
بأسمائهم وصفاتهم وخصالهم. وقصائد أخرى يتغنى فيها بالقدس ويافا وغيرهما من مدن
فلسطين الحبيبة. والتي لا يتّسع المجال لذكرها في هذه العجالة.
سابعًا: "عيسى العزّة" يوظّف الأنماط
والصور الشعرية المختلفة:
لم تمر كلمة في هذا الديوان إلا وتوقفت عندها؛ لأنني
أعرف عن "عيسى العزّة"
الوطنية العالية، وأن المعيار عنده هو فلسطين-الوطن وفلسطين-الهوية، التي بها يقيس
كل شئ، فبقدر قرب المرء منها يقترب منه "عيسى العزّة"، وبقدر ما يبتعد المرء عنها تجده وقد رمى به بعيدًا، بلا أسف. وقد وظّف هذا الديوان لهذا الغرض (الوطني)
الصرف، حتى أنه تميز بمجموعة من الخصائص والميزات، أهمها التنوع الإبداعي في مجموع
قصائد "شاعرنا-عيسى العزّة"":
-
فقد نظم
قصائده وهو بعمر الشباب وبعمر الكهولة على مدى أربعين عامًا، مما يجعل القارئ
يتجول في حقب زمنية مختلفة، وأحداث مفصلية هامة، وقد صورها "عيسى العزّة"
شعرًا.
-
ونَظَمَ
قصائده على مختلف البحور والأوزان والألحان. كما أن منها ما هو قصيد، ومنها ما هو
نشيد، ومنها ما هو موشحة.
-
كما
نظَمَ قصائد في السياسة، وفي الوطن، وفي الفضاء، وفي العلم والتعليم، وفي القضايا
الدينية والإيمانية.
ويمكن القول، بأن في هذا التنوع إشارة إلى قدرة الشاعر على التقاط الأزهار
من مختلف البساتين، الأمر الذي يمنح للديوان جمالية وروعة، تجعل القارئ يتجول
أيضًا في تلك البساتين الشعرية الغنّاء لينهل من عبقها ما كلما قرأ المزيد من
القصائد.
أخيرًا،
وقبل أن نغادر، أتقدم بالشكر من معالي الأخ "عيسى قراقع"؛ الذي
كان لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، التي يرأسها، الدور الرئيسي في جمع هذه القصائد،
وإخراج هذا الديوان. ولأن من يعمل يخطئ؛ فلا بد من الإشارة إلى أن هناك حاجة إلى
مراجعة الديوان، وتصحيح الأخطاء التي وقعت (سهوًا)، لكي نراه في مدارسنا بين أيدي
طلبتنا وهم يتمتعون بالقصائد المغنّاة، التي لم ينظمها شاعرنا "عيسى العزّة"
إلا ليعلمنا "كيف ننتصر"؛
بأن تبقى ذخرًا ثوريًا وطنيًا محفزًا على الاستمرار في الكفاح من أجل الحرية
والتحرير، ولكي تبقى الشعلة "متّقدة"، تنتقل من يد إلى يد ومن جيل إلى
جيل.
بقي القول، أن "عيسى العزّة" في
ديوانه التربوي-الشعري هذا، كان الشاعر والسياسي والتربوي والكاتب.. وكنا نحن
التلاميذ الذين يتلقون من معلمهم مخزونه الفكري، ومكنوناته الثقافية التي جمعها من
تجربة التشرد واللجوء، تحت حراب أشرس إرهاب عرفته البشرية، في تاريخها المعاصر.
وعندما أراد "العدو" لعيسى وأقرانه أن يتيهوا في الأزقة والطرقات بلا
هادٍ ولا دليل، أشعلها هؤلاء ثورة صدمت الأعداء، وأفشلت خططهم الشريرة، فما زال
"عيسى العزة" ينادي، وسيبقى
ينادي: عائدون.. عائدون.. عائدون.. وقد تجذر نداءه هذا في الأجيال القادمة، إلى أن
تعود فلسطين إلى أهلها الشرعيين، ويعود أهل فلسطين إلى الحضن الآمن الدافئ الذي
تناقلته الأجيال؛ جيلًا بعد جيل.. له منا بالغ التحية والتقدير والعرفان والثناء،
على ما ترك فينا وفي أبنائنا، وفي أحفادنا وأحفاد أحفادنا..
فلسطين،
بيت لحم، العبيدية، 27 كانون الثاني، 2016
القراءة كما هي في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 04/آذار/2016، ص: 16
إرسال تعليق Blogger Facebook