محمد
محمود شلباية في كتابه: جورج أنطونيوس.. الطموح التواق
يسبر غور أنطونيوس وكتابه
"يقظة العرب"!!
نشر في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ
15/11/2022، ص: 11
بقلم:
عزيز العصا
معهد
القدس للدراسات والأبحاث/ جامعة القدس
http://alassaaziz.blogspot.com/
"د. محمد محمود شلباية"؛ كاتب مختص بالتاريخ، صدر له عدد من الكتب تتعلق
بالقضية الفلسطينية، وبالمسيحيين العرب، وهو أطروحته للدكتوراة. وأما الإصدار قيد
النقاش في هذا المقال فهو كتابه: "جورج أنطونيوس.. الطموح التواق: ما بين
رومنسيات الخيال والغموض الاستعماري وجدل القومية المتدفق". صدر هذا
الكتاب في طبعته الأولى في عمان هذا العام (2022)، وحقوق النشر للمؤلف، بحجم (228)
صفحة من القطع الكبير، يتوزع عليها سبعة فصول([1]).
خصص شلباية الفصل الأول لسيرة جورج أنطونيوس وطفولته المبكرة وشبابه
وإنجازاته وجدوله الزمني، فهو –أنطونيوس- مسيحي عربي، أرثوذكسي، ولد في ١٩ تشرين الأول ١٨٩١ في في جبل لبنان—
في جبال الشوف (الكتاب: ص:
19)،
عاش طفولته في الإسكندرية، وفيها تعلم في كلية فكتوريا البريطانية؛ فتربّى تربية
بريطانية خالصة. وقد صال جورج أنطونيوس –البريطاني الثقافة- وجال في هذا العالم
الفسيح؛ موظفًا ملتزمًا، ومفكرًا وكاتبًا، وصدر كتابه "يقظة العرب" عام
1938م.
في أبريل سنة 1941 سافر أنطونيوس إلى العراق، وعاد منها مريضاً إلى
بيروت، وتم تشخيص إصابته
بانفجار القرحة في المعدة. ثم عاد أخيراً إلى منزله في القدس بنية أنْ يسافر
لاحقاً إلى مصر. ومات جورج أنطونيوس في القدس، على ما يبدو، من مرض السرطان، في 21
أيار 1942م، ودفن في القدس على جبل صهيون في مقبرة الروم الأرثوذكس تحت
شجرة صنوبر شاهقة في ظل الدير، وكتب على شاهد قبره
"استيقظوا أيها العرب، وأنهضوا" (الكتاب: ص: 53).
جاء الفصل الثاني بعنوان "مطاردة جورج أنطونيوس"، ليستعرض
آراء النقاد والمحللين في شخصية جورج أنطونيوس، الذي اخترع هويتنه الفلسطينية، علمًا بأنه ولد في لبنان، وتلقى تعليمه في
مصر وبريطانيا، واستقر في القدس بعد الحرب العالمية الأولى (الكتاب، ص: 64). كما تعمقت القراءات
والتحليلات في كتابه
–يقظة العرب- على أعلى مستويات المفكرين والسياسيين في العالم، وقد أجمع النقاد
على أنه الكتاب الأساس في تاريخ القومية العربية الحديثة (الكتاب: ص: 78).
وجاء الفصل الثالث بعنوان "أزمنة صاخبة .. أنطونيوس يحاور بلفور وبيل ومالكوم ماكدونالد"، أشار فيه الباحث –شلباية- إلى أن أنطونيوس رأى بعدم صلاحية تصريح بلفور وأنّه جاء بعد وعود العرب، وأنّ صك الإنتداب على فلسطين نظم بين اليهود والإنجليز وليس للعرب به أي علم، فأُدخل "تصريح بلفور" ضمنه ولم يؤخذ رأي الفلسطينيين فيه وهم أهل البلاد (الكتاب: ص: 84).
وأشار الباحث في هذا الفصل –الأول- إلى تقرير لجنة بيل الملكية، التي أوصت في عام 1937 بتقسيم
فلسطين (الكتاب: ص: 106)، كما بيّن دور أنطونيوس
في إقناع المفتي
بقبول المقترحات البريطانية وقرارات الكتاب الأبيض والمعروف بـ "كتاب مالكوم ماكدونالد الأبيض
لسنة 1939م"، مما يظهر آثار
طموح أنطونيوس –في إرضاء البريطانيين- أكثر من وطنيته (الكتاب: ص:
107).
أما الفصل الرابع من هذا الكتاب، فقد جاء بعنوان
يجمع بين غموض الواقع الاستعماري ورومنسيات الخيال. كشف فيه الباحث –شلباية-
النقاب عن ثلاثة محاور كان قد تناولها كتاب "يقظة العرب" لجورج
أنطونيوس، وهي:
- مجرى
القومية المتدفق، وكيف رأى جورج أنطونيوس الفكرة القومية العربية، وجادل في
أفكارها، منطلقًا من
مفهوم رومانسي مثالي للقومية العربية، وهناك من يربط بين النهضة وإحياء اللغة
العربية لتكون أداة طيعة للفكر والمعرفة (الكتاب: ص: 111، 117، 119، 132).
- كاميرا عقل
أنطونيوس تكشف أوراق زعيم "العصابة المتطفلة"، تناول فيه أنطونيوس المراسلات بين الشريف حسين والإنكليز،
وسير الثورة العربية إلى دخول دمشق سنة 1918م، مؤكدًا أن بريطانيا أخفت الأصل
العربي لمراسلات مكماهون-الحسين، ومعتبرًا أن فكرة "الوطن القومي
اليهودي" من قبل بريطانيا هي نقض وخيانة (الكتاب: ص: 133، 135).
- الإنبثاق بلغة
العقل، والنضال من أجل روح فلسطين، تناول أنطونيوس في هذا المحور التسوية التي تلت الحرب العالمية الأولى في
أدوارها المختلفة، إذ عرض الصور والحوادث بعد الحرب العالمية الأولى، كثورة
العراق، ومؤتمر سان ريمو، وزحف الفرنسيين على دمشق، وأحوال الجزيرة العربية، وبحث
جورج أنطونيوس العوامل السياسية والاجتماعية وراء هذه الصور والأحداث
"وتعليلها وربطها بعضها ببعض وإسنادها إلى الأدلة العقلية والنقلية (الكتاب: ص: 137).
ووفق هذا الفصل –الرابع- يحث أنطونيوس العالم الأوروبي، الذي
اضطهد اليهود وكثيراً ما رفضهم، على تحمل العبء الأخلاقي تجاههم بدل
قذفهم –اليهود- إلى فلسطين لخلق نكبة أُخرى مماثلةٍ لإضطهاد اليهود تقوم على طرد
سكان فلسطين من أرضهم وبيوتهم (الكتاب: ص:
148).
وأما الفصل الخامس، فقد جاء بعنوان "مهمة
أنطونيوس؛ الدافع والفرصة". يتساءل فيه الباحث –شلباية: كتاب "يقظة العرب" أدوار وطنية أم مهمة سياسة؟ إذ يكشف فيه النقاب عن أن هذا الكتاب "يقظة العرب" هو المشروع الذي كلف
تشارلز كرين([2])
صديق العرب به جورج أنطونيوس (الكتاب: ص:
152).
ويتتبع الباحث –شلباية- في هذا الفصل –الخامس- شخصية
جورج أنطونيوس التي تتأرجح بين النسخة العصرية الحديثة
للورنس العرب، والوطنيّ
والقومي المعادي للمشروع البريطاني في المنطقة الذي وصفه أعلاه بالخيانيّ. إذ يقف
أنطونيوس ذاهلاً أمام تسوية شؤون الشرق الأوسط وعاجزاً عن فك شيفرة حلها، وحائراً
مستغرباً أمام إدعاءات لورنس التي تنفي التضحية بمصالح الشعوب التي شملتها معضلة
الإنتداب بعد الحرب العالمية الأولى (الكتاب:
ص: 157).
وكما تقول زوجته كيتي، كانت مهمة جورج أنطونيوس السياسية
"أنا هنا لكي أفسّر الإنجليز للعرب، وأفسّر العرب للإنجليز!". والتقرب
من المفتي وكسب صداقته وثقته "ويُروّضه، ويعرّفه بالإنجليز ويعرّف الإنجليز
به" (الكتاب: ص: 167).
أما الصحف الفلسطينية، فتنقسم بين من يعتبر أنطونيوس توفيقيًّا تجاه الانفسام الفلسطيني بين
المجلسيين والمعارضين، ومن توجه له التهم بالطائفية، صاحب نزعة مسيحية-سياسية،
وبأنه صنيعة البريطانيين، وانه يتصل بالإنجليز أكثر من اتصاله بالعرب، وأنه قد
أوكل إليه البحث عن شخصية أو حزب توفيقي لتحقيق مصالح بريطانيا في المنطقة، فكان
أنطونيوس الصديق المقرب من الحاج أمين الحسيني (الكتاب: ص: 182-184).
ويختم الباحث
–شلباية- كتابه هذا بفصلين قصيريْن، هما:
- الفصل السادس، يدعو فيه إلى قراءات نقدية –موضوعية من الداخل- لكتاب "يقظة العرب"، الذي أرّخ فيه أنطونيوس للخديعة الكبرى التي حبكتها
بريطانيا للعرب أثناء الحرب العالمية الأولى، ولزخمه الوثائقي الذي صاغ فيه أنطونيوس
"الأدلة والشواهد والقرائن التاريخية والأنثروبولوجية-السوسيولوجية، التي
تثبت أنّ العرب أمة واحدة، وأنّ القومية العربية هي تعبير صادق عن هذه الأمة، وأنّ
الوحدة العربية هي قدرها المنتظر (الكتاب: ص: 189-190).
- والفصل السابع،
الذي يناقش "يقظة العرب" بعد الحرب العالمية الثانية. إذ اكتسب
كتاب "يقظة العرب" اهتماماً في أواسط الأربعينيات فيما كان المختصون
يعملون على تقييم احتمالات قيام وحدة عربية. ومما يؤكد على أهميته أن بريطانيا
أوصت دبلوماسييها بقراءته، واهتم به المختصون وصناع السياسة الأمريكان (الكتاب: ص:
199-201)، باعتباره إعلان عن زمن جديد للتاريخ
العربي (الكتاب: ص: 203)، وأصبحت الحركة القومية العربية ضمن حركة تمتلك تفكيراً
أكثر شمولاً جزءاً من حركة معادية للإمبريالية، ومع ازدياد الوعي بوجود تجربة استعمارية
مشتركة أدت إلى وجود أهدافٍ مشتركة (الكتاب:
ص: 204).
النقاش والخاتمة
تقوم هذه الدراسة
على ركيزتين أساسيتين، هما: شخصية جورج أنطونيوس المثيرة للجدل
والنقاش، وكتاب "يقظة العرب" الي أجمع المختصون والنقاد على أهميته،
فأثير حوله النقاش والتحليل لمحتواه المهم على مختلف الأصعدة السياسية،
والاقتصادية والاجتماعية.
نستنتج
من هذه القراءة أن جورج
أنطون، هو الشخص الذي قامت بريطانيا على تربيته وتنشئته ليكون عينًا لها في
فلسطين، بما تمتع به من مستوى غالٍ من الذكاء، والقدرة على السير بين الألغام
بحنكة لتمهيد هذا البلد لأن تقوده قيادة معتدلة ومتوازنة سياسيًّا وأيديولوجيًّا.
فكان له ذلك عندما ارتبط بعلاقة وثيقة جدًّا مع الحاج أمين الحسيني، كان آخرها أنه
سافر في
أبريل سنة 1941 إلى العراق وشوهد برفقة المفتي أمين الحسيني، الذي نفاه البريطانيون في تلك الأثناء من
فلسطين، ودعم انتفاضة رشيد عالي الكيلاني الموالية للنازية في بغداد (الكتاب: ص: 53). وهناك من الكتّاب والمحللين من هاجم أنطونيوس والحسيني معًا،
باعتبارهما صنيعة بريطانيا، حتى أن الهجوم شمل المجلسيين جميعهم، والإلقاء بهم في
حضن بريطانيا.
وأما بشأن كتاب "يقظة العرب" الذي ألّفه جورج أنطونيوس، فيكاد
يحظى على إجماع تام من قبل جميع أطراف المعادلة ذات الصلة بالشرق الأوسط بشكل عام،
والأمة العربية على وجه الخصوص، سواء من يؤيد ما جاء فيه من رؤى ومفاهيم، أو من
يختلف معه. وذلك لأن من يؤيده يرى فيه دعوة إلى صحوة عربية على أساس قوميّ، والثورة
في وجه الطغيان الاستعماري الغربي القادم إلى المنطقة لنهب خيراتها، والسيطرة على
مقدراتها، وتوظيفها في خدمة المشروع الاستعماري الذي قرأ أنطونيوس نتائجه النهائية
مبكّرًا؛ إذ تنبَّأ بـ "نكبة" الشعب الفلسطيني و"تهجير وطرد"
سكان فلسطين، وهذا ما حصل بالفعل بعد عشر سنوات من إصدار الكتاب قيد النقاش.
لكي لا ننتهي بوضع أنطونيوس في الخانة المعادية لفلسطين والأمة العربية،
كما يرى بعض النقاد والمراقبين، فإنني أرى من الضرورة الالتفات إلى أن هناك ما
يشير إلى سعي الرجل إلى التنصل من انتمائه البريطاني التام، عندما وصم بريطانيا
صابحة وعد بلفور بالخيانة، وعندما دُفن في القدس –وليس في مسقط رأسه بلبنان- وعندما
أوصى بأن يُكتب على شاهد قبره ذلك الشعار الثوريّ الرافض للاستعمار والتبعية "استيقظوا
أيها العرب، وأنهضوا"، كشعار دائم ستبقى تردده الأجيال
الثائرة من أجل الحرية والانعتاق.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 20-24/10/2022م
([2]) رأسمالي أمريكي، صديق العرب، التقى تشارلز كرين جورج أنطونيوس وعرض عليه زمالة معهد الشؤون العالمية المعاصرة ((ICWA الذي تأسس سنة 1925م في نيويورك (عن: شلباية (2022)، 47 (الهامش)). وفي الفترة ما بين 1933-1938، وبتشجيع وتمويل من تشارلز كرين، عمل جورج أنطونيوس على تأليف كتابه الوحيد باللغة الإنجليزية، "يقظة العرب" والذي لاقى صدىً واسعاً في الأوساط الأكاديمية في الغرب وبين المثقفين والسياسيين في الدول العربية لأهميته في فائدة القضية الفلسطينية، وأهدى أنطونيوس كتابه "يقظة العرب" إلى داعمه تشارلز كرين الملقب "هارون الرشيد" عن جدارة رمزاً للمودة". ورتّب أنطونيوس لتشارلز كرين لقاءً مع الحاج أمين الحسيني، ومن الممكن أنْ يكون كرين قد ساعد الثورة العربية الكبرى في فلسطين في الفترة ما بين 1936-1939. وزار المجلس الأعلى الإسلامي واستقبله المفتي مع مجموعة من القيادات الفلسطينية (عن: شلباية (2022)، 49-50).
إرسال تعليق Blogger Facebook