0

القدس، المدينة التي لم يهنأ أهلها يوماً عبر التاريخ؛ فهي محط اهتمام القادة الذين تنافسوا على حكم المنطقة، ولم تكن يوماً خارج نطاق الصراع الدائر في المنطقة؛ بل هي بؤرة الصراع في كل الأوقات والظروف، وتعتبر السيطرة عليها رمز القوة والاقتدار. 
لذلك؛ فإن المادة الحقيقية التي يلعب بها المتصارعون على أرض القدس هي شعبها وقاطنوها، من جميع الأعمار والأطياف والملل. وهو ما يطلق عليه البعد الديمغرافي لهذه المدينة المقدسة. 
لكي لا نغرق في تفاصيل التاريخ الذي تكمن فيه شياطين الاحتلالات التي مرّت على القدس, ولكي لا تتيه بوصلتنا، في هذه العجالة، فقد تناولنا موضوعاً من أهم المواضيع التي تمس حياة أهلنا في القدس؛ ألا وهو شئون الأسرة المقدسية وشجونها التي أصبحت تؤرق كل من ينتمي إلى ذاته من أبناء شعبنا وأمتنا. 
وهكذا فعل إتحاد الجمعيات الخيرية/ القدس؛ ذلك الصرح الوطني-المقدسي بامتياز الذي يخدم القدس والجغرافيا التي تحيط بها كالسوار حول المعصم، وهي محافظات رام الله وبيت لحم وأريحا. ففي شهر أكتوبر من العام 2012م، أنجز هذا الاتحاد، وبتمويل من "كويتيون لأجل القدس" و"برنامج الخليج العربي للتنمية"، دراسة بعنوان: "العنف القائم على النوع الاجتماعي واتجاهات الأفراد المتعلقة بالصحة الجنسية والانجابية في القدس". وجه الدراسة رئيس الاتحاد/ د. عبد الله صبري، ومديره العام/ السيد يوسف قري. وقاد فريقها د. سمية يعقوب الصايج. وقد أعلن عن الدراسة ونوقشت نتائجها بتاريخ 13/3/20130، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة للعام-2013. 
توزعت الدراسة، التي تزدحم بالمعلومات والبيانات والملاحق، على (92) صفحة بدءاً بالتعريفات والمفاهيم ذات الصلة بالدراسة، وانتهاءً بالتوصيات الهادفة إلى تبني صيغ المعالجة الشافية لما تم اكتشافه من خلل جوهري يمس الأسرة المقدسية، التي يقع على عاتقها حماية تخوم القدس من الغزو الفكري والثقافي الذي يشنه الاحتلال عليها، جغرافياً وديموغرافياً، منذ ما يقرب القرن من الزمن.
قبل أن نغوص في نتائج الدراسة، وتوصياتها، فلنعلم بأن هذه الدراسة قد استهدفت (309) أسرة من شرقي القدس وضواحيها، تضم نساءً بسن الإنجاب (بين 15 – 49) عاماً ورجال بأعمار تزيد عن 25عاماً، وشباب/ ات بعمر (15-25) عاماً. 
تشكل الأسر المبحوثة عينة من مجتمع الأسر المقدسية التي عانت من تغيير في نسيجها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي؛ نتيجة لمعاناة المقدسيين جراء الاكتظاظ السكاني والضغوط النفسية والاجتماعية تُوِّجت بأوضاعٍ اجتماعية، ومجتمعية، أدت إلى انتشار آفة تعاطي المخدرات في القدس. 
يرى الباحثون أن هناك العديد من العوامل ذات الطبيعة المعقدة، التي ساقت المجتمع المقدسي خلال ما يزيد عن (45) عاماً من عبث الاحتلال بحياة أبنائه، منها :
1. مصادرة الأراضي من قبل الاحتلال وعدم السماح للمقدسيين البناء على أكثر من 17% من أراضي القدس الشرقية.
2. هدم البيوت؛ وأسوأ مراحلها أن يقوم المقدسي بالهدم الذاتي لمسكنه؛ ليُجبَر على ان "يطمر" أحلامه وذخيرة عمره وذكرياته بيديه! علماً بأن هذا الحال المزري يسير في وتيرة متزايدة منذ عام (2000). 
3. أضف إلى ذلك؛ تقنين تصاريح البناء، حيث حصل المقدسيين على 13% فقط من جميع الرخص التي صدرت من قبل بلدية القدس بين الأعوام 2005-2009.
4. النقص الحاد في المدارس وعدد الصفوف بهذه المدارس؛ وما ترتب عنه من تسرب 40% من الطلبة المقدسيين.
5. الوضع الاقتصادي المتردي جداً لحد لا يُطاق؛ حيث ان 78% من المقدسيين يعيشون تحت خط الفقر.
ومما زاد الطين بلة أن هذه العوامل المتعددة، من الفساد والإفساد، تنخر في عظم المقدسيين الذين يقعون تحت الضغوط السياسة المُمَنهَجة للاحتلال؛ الهادفة إلى قمع الفرد الفلسطيني، وإذلاله، وامتهان كرامته، وتجريده من إنسانيته. بالإضافة إلى عدم وجود دعمٍ مجدٍ من قبل السلطات الرسمية الفلسطينية؛ وما يعنيه ذلك من فراغ مؤسسي وقلة الموارد الكافية لمعالجة ما يستشري داخل الأسر المقدسية من آفات وسلوكيات غير سوية.
وعليه؛ فإن تلك الأسباب والمسببات قد أنهكت المجتمع المقدسي وأحدثت "اخترقاً!" في نفوس أجياله المختلفة؛ فأصبحت الأسر المقدسية في أضعف حالاتها أمام تلك الضغوط المبرمجة الهادفة إلى إضعاف الحالة الديموغرافية المقدسية لصالح الاحتلال ومخططاته الهادفة إلى "أسرلة" المدينة بل وتهويدها بالكامل.
واستغرقت هذه الدراسة، التي قام بها فريق متخصص، جهداً تميز بمستوى عالٍ من الحيادية، والموضوعية، والمهنية والأخلاقية؛ التي أدت بها إلى أن تخرج بهذا الشكل من الدقة والوضوح والتركيز على أهداف الدراسة؛ الاستراتيجية والخاصة. كما اتبع الباحثون منهجية بحثية متميزة استندت الى طرق بحث مختلفة، باستخدام أدوات متنوعة من أدوات البحث الكمي والكيفي، هي: الاستبيان المنظم للحصول على البيانات الكمية، والاستبيانات شبه المنظمة في إجراء المناقشات البؤرية؛ والتي تؤدي إلى فهم أعمق لوجهات نظر المشاركين وخبراتهم ومشاعرهم ومفاهيمهم وإدراكهم ومعتقداتهم ومواقفهم من المواضيع قيد المناقشة. 
بعيداً عن التعقيدات التي ترافق الأبحاث العلمية؛ فإن القراءة المتمعنة لهذه الدراسة تضعك في صورة الواقع "المؤلم" الذي تعيشه الأسر المقدسية؛ فقد أظهرت نتائج الدراسة العديد من القضايا التي تستحق التوقف عندها بالمزيد من التشخيص والمعالجة، منها:
أولا: الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والظروف المعيشية للأـسرة المقدسية: 
1. أشارت الدراسة إلى أن غالبية الأسر  المشاركة فيها (79%) هي من نوع الأسر النووية (تتكون من زوج و زوجها و أطفالهما و يكون لهم مسكن مستقل) و14,5% منها ممتدة (تتكون من الجدين وابنائهما وزوجات ابنائهما واحفادهما يقيمون في مسكن واحد) والباقي من نوع الأسرة الأحادية أو المركبة. 
2. حوالى 15% من الرجال في تلك الأسر متعددو الزوجات، كما أن نسبة الطلاق في الأسر المشاركة وصلت إلى 5%. وأن 18% من المبحوثين قد تزوجوا زواجا مبكرا. وحوالي نصفهم يتزوجون زواج الاقارب.
3. الاكتظاظ السكاني؛ حيث تبين أن متوسط عدد أفراد الاسرة سبعة أفراد، علما بأن 11.3% من تلك الاسر تتكون من 11-15 فرداً، و59% منها تتكون من 6-10 أفراد. أما كيف يتوزعون على الغرف؛ فقد تبين أن (5,4%) من الأسر المقدسية يعيش أفرادها في غرفة واحدة فقط، وان خُمس تلك الأسر يعيش أفرادها في غرفتين. أي أن رُبع الأسر المقدسية يعيش أفرادها في غرفة أو غرفتين.
4. في مجال التعليم؛ وُجِدَ أن ستة أفراد من كل مائة من المشاركين أميون؛ أي لا يعرفون القراءة ولا الكتابة. أما المتعلمين وحملة الشهادات من الجامعات الفلسطينية؛ فإن الاحتلال لا يُقر بشهاداتهم؛ مما يضطرهم للعمل في أعمال ليس لها علاقة بكفاءاتهم وإمكانياتهم التي أمضوا جل عمرهم في تطويرها. مما يعني أن المقدسيين محرومون من توظيف علومهم ومعارفهم في خدمة مجتمعهم. 
5. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الأسر المشاركة تعاني من الفقر الشديد؛ فإن أقل ما يمكن قوله عن المجتمع المقدسي أنه مجتمع منكوب بكل المعايير: الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية.
ثانياً: العوامل المحيطة (العائلية والاجتماعية والسياسية) التي تؤثر على الأنماط السلوكية للفئات المستهدفة: نظراً لتخصص الدراسة؛ فقد ركزت على الجوانب السلوكية ذات الصلة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، ومما تبين منها: 
1. هناك عنف في البيئة الأسرية؛ حيث أن حوالي ربع المشاركين/ ات قد أشاروا إلى تعرضهم للعنف بأشكاله المختلفة من قبل كل من: الآباء، والأخوة، والجد، والعم والحمى. وتبين أن من بين الأسباب لذلك العنف هو حالات الانفعال والغضب التي تجتاح الذكور في الأسر نتيجة عجزهم عن توفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، أضف إلى ذلك أن 17% من الأسر المشاركة تعاني من وجود معاق بين أفرادها.
2. العنف المباشر من الاحتلال؛ حيث أن حوالي ثلث المشاركين قد تم مداهمة بيوتهم من قبل الاحتلال، إضافة إلى العنف الذي يتعرضون له أثناء العمل داخل الخط الأخضر. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرجل هو الذي يتعرض للإيذاء أكثر من المرأة.
3. بينت الدراسة أن هناك سلوكيات وممارسات اجتماعية تقف خلف العنف داخل الأسرة المقدسية، منها: 
انتشار التدخين؛ حيث أن 80% من أفراد الأسر المشاركة مدخنون للسجائر العادية، و5% يدخنون الحشيش.
شرب الكحول؛  حيث أن حوالي 23% من أفراد الأسر المشاركة يتعاطون الكحول (أكثر من ربعهم من النساء). 
كما أن المخدرات منتشرة في أوساط الأسر المقدسية؛ فقد أفاد أكثر من عُشر المشاركين بأن أفراد أسرهم يتعاطون المخدرات. 
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السلوكيات المذكورة أعلاه تنتشر أكثر ما يمكن بين الأسر الممزقة؛ التي تعاني من انفصال الزوجين أو طلاقهما، أو الأسر الفقيرة والكبيرة. 
ثالثاً: الأمراض المنقولة جنسياً: فقد بينت الدراسة أن حوالى ستة أفراد من كل مائة من المشاركين يعانون أو عانوا من الأمراض المنقولة جنسياً. وإذا ما علمنا بأن حوالى 12% لديهم تجارب جنسية خارج إطار الزواج؛ يتضح لنا مدى الخطر الذي يداهم عش الزوجية المقدسي. 
رابعاً: قضايا الصحة الجنسية والإنجابية: هناك ما يريح في هذا الجانب من حيث أن أكثر ثلثي المشاركين في الدراسة أفادوا بأن هناك علاقة تشاركية-تشاورية بين الزوج والزوجة في الشئون ذات الصلة بالحمل والإنجاب، ومتابعة ذلك على مختلف المستويات.
خامساً: أثر العنف الواقع على النساء وعلى خياراتهن وإنجازاتهن: حيث أشارت الدراسة إلى أن هناك عنفاً يتعرض له الأطفال، وعنفاً تتعرض له النساء المقدسيات داخل أسرهن، من أنواع العنف الجسدي، والعاطفي، والجنسي (المتمثل بالممارسة القسرية للجنس والهجران). 
أما بشأن الخيارات أمام المعنفات؛ فقد أفاد حوالى نصف الأسر المشاركين/ ات في الدراسة إلى أن  النساء المعنفات يواجهن صعوبة في الاعتراف بالعنف الذي يتعرضن له، والتي تنتهي باللجوء إلى النظام العشائري في حل الخلافات. علماً بأن هناك من أشار إلى توافر المرافق والخدمات الصحية والاجتماعية، بالإضافة إلى الإرشادات والتوعية التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني. ومما يلفت النظر في هذه الدراسة؛ أن المعنفات يتبادلن الدعم والمؤازرة من بعضهن مباشرة؛ ودون وسيط. وهنا؛ لا بد لنا من استذكار بيتي الشعر التاليين لأبي الشمقمق/ شاعر الهجاء في العصر العباسي:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده        ولا الصبابة إلا من يعانيهـا
     لا يسهر الليل إلا من به ألـمٌ         لا تحرق النار إلا رجل واطيها
سادساً: دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي وقضايا الصحة الجنسية والإنجابية: فقد تبين أن منظمات المجتمع المدني تأخذ أدواراً؛ بأنها تهتم بالشئون المختلفة للأسر المقدسية، إلا أن هناك عدداً قليلاً جداً ممن يهتم ببرامج الصحة الجنسية والإنجابية.
الخلاصة
تشير البيانات و/ أو البينات المذكورة إلى مجموعة من القضايا الاستراتيجية التي على صانعي القرار التوقف عندها بالتأمل، والتحليل، والقراءة، وإعادة القراءة... الخ، بهدف وضع الحلول الناجعة التي تحفظ لمجتمعنا المقدسي نسيجه الاجتماعي القادر على الصمود على أرضه، الممتلك للقدر الكافي من الإرادة الصلبة التي تمكنه من مواجهة الهجمة الشرسة التي تستهدف. ولعله من المهم التذكير بأن الأسرة المقدسية هي "وحدة" الصمود و"النواة" الصلبة على خط المواجهة من أجل حماية تخوم فلسطين، بشكل عام، والقدس بشكل خاص من محاولات التهويد التي "يُسَبِّحُ" بها الاحتلال صباح مساء. 
لذلك؛ ولكي نسهل على كل مهتم بالشأن المقدسي، ممن يمتلك إرادة المتابعة الحثيثة، والمعالجة المتواصلة وفق استراتيجيات تدخل محددة، وبالاستناد إلى نتائج هذه الدراسة، نخلص إلى نتيجة هامة مفادها أن القدس الشرقية (المحدد المكاني للدراسة) منطقة هشة؛ أي أن المقدسيين لا يمتلكون، حتى اللحظة، مقومات الصمود أمام العوامل الاحتلالية التي تستهدف وجودهم وهويتهم. وأما مصادر الخطر المباشر عليهم فتتمثل فيما يلي:
الإجراءات الاحتلالية المباشرة، مثل: تقليص المساحة المعيشية لهم، هدم المنازل، عمليات الإخلاء، القيود المفروضة على الحق في الوصول إلى التعليم الأساسي، الوضع الاقتصادي المتردي. أضف إلى ذلك إفرازات جدار الفصل العنصري التي عزلت المقدسيين عن عمقهم الوطني في الضفة؛ فأدى إلى قيود على حرية حركتهم.
المشكلات الاجتماعية والسلوكية، مثل: الضغوط النفسية، انعدام الأمن والأمان، انتشار تعاطي المخدرات، شرب الكحول، الزواج المبكر، الأسر الكبيرة التي تعيش في مساكن مكتظة.
وصول المقدسيين للقدس الغربية؛ التي تُسَهِّل للجَهَلَةِ والسُّذَّج منهم تعاطي المخدرات، واستهلاك الكحول، وممارسة الجنس غير الآمن... الخ. وكل ذلك ينعكس، بشكل فوري ومباشر، على أسرهم من حيث انتشار الأمراض المنقولة جنسياً، وممارسة العنف داخل الأسرة، وتلويث المجتمع المقدسي بشكل عام.
الضياع بين حُكمَيْن؛ فالمقدسيون يخضعون لمنظومة الاحتلال وقوانينه، التي تأخذ منهم ولا تعطيهم، وتستنزف حريتهم وحقوقهم في السكن والحياة الحرة الكريمة. وفي الوقت نفسه ينتمي المقدسيون، من منطلق المواطنة، إلى المنظومة الفلسطينية التي تعجز عن الوصول إليهم لتقديم ما يستحق عليها من واجبات اتجاههم. وهكذا؛ يعيش المقدسيون شعور الانفصام والغربة وعدم التواصل مع أي من المنظومتين، لينتهي الحال بما أطلقت عليه الدراسة: "المقدسيون ضائعون". 
المناقشة
لا شك في أن العوامل المذكور أعلاه تتضافر وتتكامل، فيما بينها، لتؤدي إلى عنف داخل المجتمع المقدسي بشكل عام، وداخل الأسرة المقدسية بشكل خاص. وأن هذا العنف سيتم ممارسته من قبل الأقوى نحو الأضعف؛ كالنساء والأطفال والمعاقين... الخ. وهنا؛ يبقى السؤال الاستراتيجي التالي: هل من سبيل للتغلب على هذه المعضلة؛ بحماية الأسرة المقدسية مستقبلاً، وتمكينها من التخلص من تبعات ما لحق بها من أذى حتى اللحظة؟
بالرغم من صعوبة الإجابة على هذا السؤال، إلا أن الإجابة تأتي بجزئين متكاملين:
فأما الجزء الأول؛ فيتمثل في وجهة نظر الباحثين التي ترى بضرورة تبني استراتيجيات تدخل طارئة, وبذل الجهود والتعاون من قبل جميع المؤسسات المجتمعية الفاعلة، بما فيها الدينية والصحية، للعمل بشكل جدي، وبرعاية اتحاد الجمعيات الخيرية بالقدس، للحد من فجوة الموارد المحدودة والبرامج غير المستدامة. وان يكون هناك منهج فعال، ومستمر، وتعاوني، وشامل للتعامل مع هذه الأمور الجدية.
وأما الجزء الثاني من الإجابة على هذا السؤال فهو، من وجهة نظر الكاتب، الذي يرى أن هناك ضرورة قصوى للعمل على معالجة عوامل الإحباط التي أخذت تغزو المجتمع المقدسي. فقد ذكرت الدراسة (ص13) أن عدداً كبيراً من الأسر المستهدفة لم تقابل الباحثين لعدة حجج، منها: اعتقاد بعضها أن البيانات المطلوبة في الاستبانات قد تصب لصالح الاحتلال، وأسرٌ أغلقت الباب في وجه الباحثين،   رفضت المقابلة، وأسرٌ أخرى رفضت المقابلة دون إعطاء الأسباب لذلك. ويعني ذلك أنه لا يوجد في القدس، حتى اللحظة، رمزية وطنية يلتف حولها المقدسيون ويستجيبون لنداءاتها. مما يعيق عمل المؤسسات الوطنية في تشخيص واقع المجتمع المقدسي ومعالجته.
من جانبٍ آخر؛ هناك ضرورة وقوف شعوب الأمة، ودولها، ومؤسساتها، ومنظماتها أمام مسؤولياتها اتجاه القدس وأهلها من حيث: الدعم والإسناد، مادياً ومعنوياً. فأما على المستوى المادي؛ فيتمثل بتوفير الأموال الكافية لتمكين اتحاد الجمعيات الخيرية، وغيره من المؤسسات الوطنية ذات الصلة، من تنفيذ الخطط الاستراتيجية في التدخل للمعالجة. وأما على المستوى المعنوي؛ فهناك ضرورة لتطوير برامج الإرشاد والتوجيه الموجهة للمقدسيين؛ من خلال دروس مقننة عبر تلك الفضائيات المنتشرة على طول والوطن وعرضه، وقيام منظمات المجتمع المدني، العربي والإسلامي، بعمليات الضغط والمناصرة أمام المنظمات الاقليمية والدولية؛ لفضح ممارسات الاحتلال بحق شعبنا المقدسي الذي يقع بين مطرقة الاحتلال بإجراءاته القمعية المختلفة، وسنديان انعزاله وتقطع أوصاله مع عمقه الوطني والقومي والديني.
الخاتمة
إلى أن يتحقق ذلك، جزئياً أو كلياً، فإن اتحاد الجمعيات الخيرية/ القدس يتوجه إلى الخيرين والميسورين من أبناء الأمة، الذين ينتشرون على طول هذا الكوكب وعرضه، بنداءٍ ملؤه الأمل بهم وبعطائهم وتفانيهم في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني بشكل عام، والمقدسيين على وجه الخصوص، من أجل مواجهة الواقع والتوقف أمامه بالدراسة والتشخيص للعمل على اجتثاث الظواهر السلبية ومعالجتها. لأن المحافظة على عروبة القدس؛ بإسلاميتها ومسيحيتها، وحفظ أهلها من التشتت والضياع، يعني استمرار الشعلة متقدة إلى أن تعود الحقوق إلى أصحابها الشرعيين.

عزيز العصا/ فلسطين، بيت لحم، العبيدية    13 آذار، 2013م  
نُشِرَ في القدس، بتاريخ: 17 آذار، 2013م، ص20


إرسال تعليق Blogger

 
Top