المقدسيون حرّاس الحرف والورقة
-المكتبة الخالدية نموذجًا-
نشر في مجلة "مشارف مقدسية"،
العدد الثاني، صيف 2015، ص: 13-22
وفق
الرابط التالي:
عزيز العصا
إن
الحديث عن أي شأن من شئون القدس، يعني الحديث عن جدلية العلاقة الصميمية والراسخة
بين الإنسان المقدسي والمكان المقدس، بما يعنيه ذلك من سلاسة أو تعقيد في تلك
العلاقة. وتأتي أهمية ذلك، وحساسيته المفرطة، من خلال طبيعة الصراع القائم على أرض
هذه المدينة التي جاءها، فجأة، الآخر المغاير الذي يسعى إلى طرد إنسانها الأصلاني،
للاستحواذ على
تاريخها وجغرافيتها.
ذلك
الآخر هو الاحتلال الصهيوني القادم من أجل إنشاء كيان طارئ على أرض فلسطين، وما
يقوم به من تنظيم للمنطقة وتأهيل لها لكي "تُرغم" على استيعاب ذلك الكيان؛
ديموغرافيًا وعقائديًا وسياسيًا، ولكن المرحلة الأكثر تعقيدًا هي محاولاته
"إرغامها" على استيعابه تاريخيًا؛ بأن يسعى إلى نسف هويتها التاريخية
والعقائدية المتأطرة والراسخة، وذلك عبر عملية "تهويد" لن تستثني شيئًا،
ساكنًا أو متحركًا على أرض القدس التي تنبض بالحضارة العربية والإسلامية عبر آلاف
السنين.
لذلك؛
فلا بد لنا من مواصلة الليل بالنهار ونحن ندافع عن هذه الحضارة التي علينا أن نعض عليها
بالنواجذ، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا. ومن تلك الجهود، المُحافَظَة على ما
تبقى بين أيدينا من مكان يمكننا التحكم فيه، من أجل توظيفه في تعزيز روح الانتماء
للمكان وللتاريخ العريق الذي تمثله القدس في اعماق أبناء هذه الأمة.
وهذا
ما نقوم به في مجلة "مشارف مقدسية" من خلال زاوية "معالم
مقدسية" التي تم تخصيصها لتسليط الضوء على المعالم التي تشهد على أن القدس لم
تكن، منذ آلاف السنين، إلا عربية الأصل والفصل والحضارة والعمران؛ بإسلاميتها
ومسيحيتها.
سنقوم،
فيما يلي، بالبحث في واحد من تلك المعالم، وهو المكتبة الخالدية منذ ما يزيد عن
المائة وخمسين عامًا والتي تربض في باب السلسلة الواقع في الجزء الجنوبي من السور
الغربي للمسجد الأقصى. أما مصدر البيانات والبيّنات، في هذا كله، فيعود إلى
اللقاءات المتعددة مع د. خضر سلامة القائم على المكتبة، والذي يعلم عن تفاصيلها ما
لا يعلمه العديد من المتابعين لشأنها، وتلك اللقاءات مع القيّمين على المكتبة من
آل الخالدي الكرام، وعلى رأسهم "د. عاصم الخالدي"/ أبا السعيد وأبناء
عمومته: خليل الخالدي/ أبا يوسف ورجا الخالدي. كما استندت في التوثيق إلى
"فهرس المخطوطات" الخاص بالمكتبة الخالدية[1]،
وإلى موقعها الالكتروني[2].
المكتبة الخالدية: نبذة تاريخية
أنشأ
المكتبة الخالدية في عام 1899 ميلادي (1318 هجري) الحاج راغب الخالدي[3]
باعتبارها وقفاً إسلامياً، وذلك بمبلغ من المال أوصت به جدته خديجة
الخالدي. وقامت المكتبة على ما كان في حوزة أسرة الخالدي من مخطوطات وكتب جمعها
جيلاً بعد جيل مجموعة من رجال الفكر من عائلة الخالدي[4].
ومنذ اللحظة الأولى لتأسيسها، اتّكأت هذه المكتبة على مجموعة من الثوابت
والاستراتيجيات، منها[5]:
·
كان
القصد من المكتبة أن تكون مكتبة عمومية لتعزيز نشر العلم، وبعث الاهتمام بأمهات
الكتب في العلوم الإسلامية وفي الموضوعات الحديثة. وأن
تكون ذخراً للديار المقدسية. ولغرض التقدم بالعرب على طريق الازدهار برعاية العلوم
وتمكينهم من مباراة المؤسسات الثقافية القوية التي أنشأتها القوى الأجنبية في طول
المنطقة وعرضها. وبعد اجراء ترميم واسع النطاق، وانجاز اعمال التصنيف والتبويب
والحفظ، تصبح جاهزه للترحيب بالعلماء من جميع انحاء العالم.
·
أكد
إعلان تأسيسها على الصلة بين المكتبات والثقافة التي ترقى إلى عصر الإغريق ومطلع
العصر الإسلامي، اذ إن "العرب لما دخلت عليهم الحضارة والمدنية أسسوا
المكتبات والمدارس".
·
وقد
اتفق، منذ افتتاحها، بين أفراد العائلة على أنه متى توفي أحد من الأسرة تُنقل كتبه
إلى المكتبة، وأن يكون لها ناظر متفرغ، وأن تكون ابوابها مفتوحة لمن يرغب في المطالعة من أي فرد كان على أن لا
يُخرج منها كتاب[6].
·
تعاقب
عدد من أفراد آل الخالدي على الاضطلاع بمهمة مُتوليّ المكتبة أو أمينها، ومنهم:
أحمد سامح، وحسين فخري، وعادل، وحيدر، وكامل. وفي لحظة إعداد هذا المقال يقوم
عليها جمعٌ خير من آل الخالدي، هم: عاصم، رجا، خليل. وهم يكملون أدوار من سبقوهم
من حيث حفظ وصون التقليد الذي اتبعته الأسرة منذ أجيال في السير قدما بالعلم،
وتطوير المكتبة وحمايتها في الوقت ذاته.
تضم مدينة القدس الآن ثلاث مجموعات رئيسية من المخطوطات، وهي:
مـجموعة مكتبة الـمسجد الأقصى الـمبارك [ حاشية للفهارس]، ومـجموعة البديرية
(مكتبة الشيخ محمد حبـيش [حاشية للفهرس])، ومجموعة المكتبة الخالدية، والتي نحن
بصددها. وتعتبر المكتبة الخالدية أكبر مجموعات مدينة القدس، وأكبر مجموعة عائلية إسلامية في العالم،
وهي وقف ذرِّي[7].
يشير
"وليد الخالدي" في تقديمه لفهرس مخطوطات المكتبة الخالدية إلى أنها مرت،
منذ تأسيسها وحتى اللحظة بالأطوار والمراحل التي سنقوم فيما يلي بتحويلها إلى جدول
لتسهيل المطالعة من قبل القارئ[8]:
الجدول رقم -1-
الأطوار التي مرت
بها المكتبة الخالدية عبر 115 عامًا (1900-2015)
الطور
|
الفرة
الزمنية
|
أبرز
الأحداث
|
الأول
|
1900-1917
|
1)
نموّ
مُطَّرِد للمكتبة, عندما منيت الأسرة بوفاة عدد من أبنائها، فانتقلت كتبهم إلى
المكتبة.
2)
تعيّن
الشيخ محمد أمين الدنف الأنصاري قيّمًا متفرغًا عليها.
3)
وصل
عدد الكتب فيها، حينذاك، زهاء (4,000) مجلد.
|
الثاني
|
1917-1948
|
حصلت
إضافات، حتى بلغ عدد كتبها (6,000) كتاب، تأتت من:
1)
ما
تبقَّى من كتب المتوفين في الفترة السابقة.
2)
عن
طريق هبات من أفراد الأسرة ومن زارها من العلماء العرب والمستشرقين؛ عندما ذاع
صيتها بين العلماء والباحثين.
3)
عن
طريق النسخ والاستنساخ على يد الشيخ الأنصاري؛ آخر ورّاقي بيت المقدس.
|
الثالث
|
1948-1967
|
تأثرت
المكتبة بذيول النكبة؛ إذ تشتت أفراد الأسرة، وبقي الشيخ الأنصاري قيّمًا عليها
إلى أن توفاه الله أوائل الخمسينيات، وتسلّم ابنه منه مفتاحها. وأشرف على
المكتبة المرحوم "د. حسين فخري الخالدي"، ثم ابنه عادل.
|
الرابع
|
1967-1982
|
جابهت
المكتبة محاولات إسرائيلية متكررة لمصادرتها أو الاستيلاء عليها، إلا أن جهودًا
جبارة بُذلت حتى أُنقذت المكتبة من ضياع محتوم. ثم تم جرد المكتبة، فتبين أنها
تضم: (5997) مجلدًا؛ منها 1293 مخطوطة، و(4704) كتب مطبوعة (3135 كتابًا باللغة
العربية و1569 كتابًا باللغات الأجنبية). واستمرت مضايقات
"اليهود" لمبنى المكتبة حتى غُمرت ساحتها بالردم الناتج عن أبنية
اليهود وقاذوراتهم.
|
الخامس
|
1982-1990
|
خاضت
المكتبة الخالدية معارك قضائية في المحاكم الإسرائيلية دفاعاً عن حقوقها
ووجودها، كما يلي:
1)
عندما
عقد حاخامات اليهود العزم على الاستيلاء على المكتبة، بشتى السبل، فتحرك أبناء
العائلة، بقيادة "وليد الخالدي" على خطين متوازيين: الأول: اللجوء إلى
المحاكم المحلية. والثاني: ترميم المكتبة؛ لإثبات وجودها في مواجهة المحتلين.
فجمعوا، من بعضهم البعض، الأموال اللازمة لذلك. وانتهى الأمر بالحكم لصالح
المكتبة[9].
2)
ثم
ماطلت البلدية في السماح بأعمال الترميم، ورافق ذلك مضايقات المستوطنين المسلحين
بتحريض الحاخامات، إلى أن انتهى الأمر بالسماح بالترميم من قبل البلدية.
|
السادس
|
1990-2006
|
بروز
جمعية أصدقاء المكتبة الخالدية (تأسست في العام 1989) وتبنِّيها لبرامج طموحة للحفاظ عليها وتنميتها، كما يلي:
1)
وضعت الخطة الثلاثية الأولى للسنوات 1991-1994، ومما شملته الخطة:
ترميم المبنى وتأثيثه، وفهرسة المخطوطات والكتب المطبوعة والأوراق والوثائق
العائلية، وترميم شقتين لاستضافة الباحثين، وشراء المراجع الحديثة والأساسية
بمختلف اللغات.
2)
وضعت الخطة الثلاثية للسنوات 1995-1997، ومما شملته: إتمام
ما لم ينجز من قبل، وترميم مبنى كبير من مباني أبناء العائلة في الجهة المقابلة
للمبنى الأول؛ كملحق يخصص للكتب المطبوعة، كما يضم قاعة لممارسة الأنشطة المختلفة
في المكتبة، كما تم تصوير جميع المخطوطات على اشرطة المايكروفيلم.
|
السابع
|
2006-2015
|
انتقلت مسئولية
الوقف الخالدي وضمنها المكتبة الى لجنة من افراد العائلة منذ عدة سنوات، وقامت
اللجنة بعميلة مسح لجميع الابنية الوقفية التابعة للعائلة، وتم تحضير ملفات لكل
وقف، كما تم في هذه الفترة فهرسة جميع الكتب المطبوعة في المكتبة حسب نظام
الفهرسة المتبعة في مكتبة الكونجرس، ومنذ سنة يتم تصوير المخطوطات رقميا، والذي
نأمل ان ينتهي في العام 2016.
|
المكتبة الخالدية: للمكان قصة
لقد تم حفظ مخطوطات المكتبة الخالدية في مبنى قديم؛ وهو
ثاني أقدم مبنى مملوكي في القدس الشريف، يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وهو
من أملاك العائلة الخالدية الوقفية الواقعة في مثلث فريد يعتبر من أكثر بقاع
الدنيا تميّزًا، إذ يشكل الحرم القدسي في الشرق أحد أضلاعه، وحائط البراق الشريف
إلى الجنوب وكنيسة القيامة إلى الشمال، ضلعيه الآخرين[10].
يشير د. نظمي الجعبة في مقدّمة المُفهرس لـ "فهرس
مخطوطات المكتبة الخالدية"[11]
إلى أن تاريخ البناء الذي يضم
(مخطوطات هذه المكتبة) يعود، على الأغلب، إلى السنوات (663-679هـ/ 1264-1280م). ويتألف
الـمبنى[12]
من صحن سماوي واسع، تحيط به باتجاه الشرق غرفة صغيرة بعقد متقاطع، وقاعة كبيرة
متطاولة إلى غرب الساحة، تحتوي على محراب لاستخدامها كمسجد، وشكّلت هذه القاعة
الرئيسة للمكتبة، وبفضل الجهود المخلصة لأبناء عائلة الخالدي، وعلى رأسهم الاستاذ
وليد الخالدي تم إنجاز المبنى وترميمه وتجهيزه، حتى يتم ملاءمته ووظيفة المكتبة
وحفظ المخطوطات.
وقد
تم حفظ المخطوطات في الطابق الثاني، بحيث يتم ضبط الرطوبة ودرجة الحرارة، ويتم
تطهير المكان كل سنتين، كما يتم تعقيمه كل ستة أشهر؛ برش غازات لقتل الحشرات
والمحافظة على نظافة المكان. والمخططات محفوظة في كراتين خاصة خالية من الاسيد
(الحامض)، وحتى الدشت؛ وهي الأوراق المتساقطة من المخطوطات، يتم جمعها والاحتفاظ
بها حتى اعادتها إلى أماكنها في المخطوطات. وقام بذلك عبد القادر الجزائري والشيخ
أمين الدنف الانصاري (توفي 1940). ويتم الاحتفاظ بالمخطوطات في علب خاصة عليها
الكود الخاص AKDI[13].
وكما
ورد في الجدول أعلاه، فإن العائلة الخالدية تبرعت، في أواخر القرن العشرين، بمبنى
إضافي كبير من مباني العائلة، يضم الكتب والمراجع؛ يقع في الجهة المقابلة للمبنى
الأول الذي يضم المخطوطات.
المكتبة الخالدية: المحتويات
يوجد
في المكتبة الخالدية ألفا عنوان موزعة على حوالي نحو ألف ومائتي
مخطوط، وهي محفوظة في المبنى الأول كما أسلفنا. أما
أقدم المخطوطات التي لا تحمل تأريخا فيعود الى القرن الرابع الهجري، كما يحتوي
كشاف المخطوطات غير المؤرخة على مخطوطين يعودان الى القرن الخامس الهجري. وأما
نوادر مخطوطات المكتبة الخالدية فهي كثيرة، واعتمدت في اعتبارها نادرة على ما
تجمّع تحت تصرف القائمين على المكتبة من مصادر. وهناك كشف خاص بنوادر المخطوطات،
وضم تلك المخطوطات التي تنفرد الخالدية بملكيتها لنسخة يتيمة، أو ثانية منها وبإضافة
"المخطوطات الأم"[14]،
فإن مجموعة المكتبة الخالدية تحظى بأهمية غير عادية[15].
ومن
أمهات المخطوطات في المكتبة الخالدية عدد من التحف الفنية النادرة التي تعرف
الواحدة منها بالمخطوطة (المكرمة)[16]؛
وهي تلك المخطوطة التي كانت تعد لتقدم هدية لمكتبة ملكية، وتبين الصورتان
التاليتان اثنتان من المخطوطات المكرمة[17]:
الأولى:
"منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصائص الملك الناصر"،
التي أهداها مؤلفها "عبد المنعم بن عمر الأندلسي الجلياني" إلى أبناء صلاح الدين الأيوبي عام 1201م، تعتبر سجلًا لبطولات الملك الناصر وتاريخه المجيد وحسن
الطالع الفلكي للأيوبيين.
والثانية: "كتاب شاناق في السُّموم والترياق"
لمؤلفه الطبيب الهندي "شاناق"؛ قدمها كهدية إلى حاكم الموصل
"الزنكي نور الدين"؛ يحذره فيها من السموم لحمايته من الاغتيال.
ومما
يميز مخطوطات هذه المكتبة ويعززها، أنه تم
تجميعها من أشخاص الخالدي وهم بصفاتهم الوظيفية، وعلى مستويات راقية من الثقافة.
كما يوجد
مطبوعات، عبارة عن حوالي 6.000 كتاب، بلغات مختلفة: عثمانية، وإنجليزية،
وفرنسية وألمانية. ويتم تصنيف المكتبة حسب النظام الامريكي حيث يتم تنظيمها حسب
المواضيع. والقضايا الاساسية تتعلق بالدين والتاريخ وهي مكتبة بحثية.
وعند معاينة المكتبة، أفاد د. خضر سلامة بأن هذه
الكتب تتوزع على
ثلاث غرف، كما يلي:
1)
غرفة للتراث
الاسلامي، وسيتم تزويدها بطاولات للقراء واجهزة حاسوب لاستخدام الصور الرقمية.
2)
غرفة القواميس
والمجلات خلال الفترة العثمانية والانتداب وصندوق استكشاف فلسطين (عبارة عن 120
جزءًا) وهي نسخ أصلية.
3)
غرفة الآداب
ومنها قسم للغة العثمانية وقسم للانجليزية ويوجد اشكالية في الكتب الانجليزية
القديمة التي تجليدها مكلف.
المكتبة الخالدية: الخطة الطموحة
والاحتياجات
يسعى
القائمون على المكتبة الخالدية إلى تحقيق قفزة نوعية في المكتبة، من خلال السعي
إلى التطوير الرقمي للمخطوطات، حيث تم تصوير 150,000 صفحة من المخطوطات. وبعد الانتهاء من التصوير الرقمي للمخطوطات
كافة، سيتم فتح المكتبة؛ بانتظام, لجمهور القراء والباحثين[18].
مما يتطلب موازنة خاصة؛ لكي تتمكن إدارة المكتبة من تغطية نفقات رواتب الكادر
الوظيفي والاجهزة والمصروفات اليومية.
ولن
يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أنه لدى الإدارة خطة طموحة تتألف من المراحل
التالية:
§
ترميم
المخطوطات: فتلك الورقة ذات العمر بثبات السنين سوف تتعرض للتلف, مما يتطلب
الصيانة والحفظ والأرشفة. كما يتطلب إنشاء قسم رئيس للترميم وما بعينه ذلك من
توفير كادر متخصص لهذا الغرض.
§
ترميم وصيانة
مباني المكتبة، لا سميا واننا نتحدث عن أبنية من الفترة المملوكية مروراً
بالعثمانية.
§
ترميم الكتب
القديمة من القرنين التاسع عشر والعشرين.
§
إضافة قسم
الكتب الإلكترونية؛ لتمكين الباحثين من الوصول إلى المعلومات بسهولة ويسر.
الخاتمة والتعليق:
بهذا؛ نكون
قد تجولنا في ربوع معلم مقدسي يندر مثيله على مستوى العالم العربي؛ لما يتميز به
من خصائص وسمات تشكل مفخرة وطنية متعددة الأبعاد. فالعائلة التي أسست هذه المكتبة
وأنشأتها وتقوم على رعايتها وتخطط لمستقبلها، هي عائلة مقدسية الأصل والفصل والتاريخ، وتمتد في أعماق التاريخ حتى
القائد الفذ "خالد بن الوليد".
وأما المخطوطات
والكتب والمراجع التي تحتويها المكتبة الخالدية، فإنها تحمل في ثناياها ما نحن
بأمس الحاجة إليه بما يحفظ للقدس عروبتها وإسلاميتها، في مواجهة عمليات التهويد
التي أصبحت تطال الساكن والمتحرك على أرضها. كما أنها توثق لأكثر من ألف عام من
الزمن، وما توالد فيه من أحداث يجب التوقف عندها، كرافد حي وصادق من روافد الحضارة
العربية والإسلامية، بل والإنسانية أيضًا. ويأتي البعد الإنساني لأهمية محتويات
هذه المكتبة، تلك المساحة الحضارية الواسعة الكامنة بين صفحاتها؛ عثمانيًا
وأوروبيًا، والتي إذا ما التقت مع الحضارة العربية والإسلامية، فإنها تشكل نسيجًا
هامًا يعبر عن التاريخ الإنساني.
أما البعد
الآخر الذي تتمتع به المكتبة الخالدية فيتمثل في أنها تشكل رأس الحربة في الصراع
الثقافي بين القدس-الحضارة وبين المحتلين القادمين لاستئصال هويتها، بل لمحوها،
وإنشاء هوية أخرى ترفض الآخر وتلغي وجوده. وليس أدل على ذلك من مرارة المرحلة
الصعبة والقاسية والخطيرة التي مرّت على آل الخالدي وهم يجابهون عملية التهويد
للمكان وللتاريخ، التي قادها جيش الاحتلال المدعوم بـ (فتاوى!!) حاخاماته الذين ينادون باقتلاع المقدسيين من مساكنهم التي
يقطنونها، جيلًا بعد جيل، عبر آلاف السنين، والإلقاء بهم إلى الجحيم.
الآن؛ وبعد أن
استقر حال المكتبة وأحوالها بأنها انتصرت على الجلّاد، وأبقت على محتوياتها، ولو
بحدها الأدنى، فإننا مدينون، كل من جانبه ووفق حجم مسؤولياته، اتجاه هذه المكتبة
وما يتطلبه الأمر من دعم وإسناد، من أجل تحويلها إلى منبع مقدسي للثقافة والمعرفة،
التي يبحث عنها الباحثون سواء على المستوى الوطني، أو على المستوى العالمي.
وهناك ضرورة قصوى لوضع هذه المكتبة، كمعْلم
ثقافي مقدسي، على رأس الأولويات؛ من حيث دراسة احتياجات التطوير والتحديث
والترميم، للمكان وللحرف وللورقة، لتمكين وجودها على الأرض، في هذه المنطقة
المتقدة، من حيث الصراع على هويتها، مع من يمتلك المال والقوة والقدرة على
التنفيذ، دون أن يرعى ذمّة ولا عهدًا.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 15/05/2015م
[1] الجعبة، نظمي (2006). "فهرس مخطوطات" الخاص
بالمكتبة الخالدية/ القدس. تقديم: وليد الخالدي. تحرير: خضر إبراهيم سلامة. مؤسسة
الفرقان للتراث الإسلامي. لندن. صص: 1-67.
[3] ولد في العام 1866، وعمل قاضيًا في محكمة
البداية بالقدس في العهد العثماني، ثم قاضيًا في محكمة الصلح بيافا خلال الانتداب
البريطاني. توفي في العام 1952.
[4] من بين رجالات عائلة
الخالدي من أصحاب المخطوطات: محمد صنع الله، ومحمد علي، ويوسف ضياء باشا، والشيخ موسى
شفيق، وروحي بك، وياسين وكثيرون غيرهم.
[6] انظر: تقديم وليد الخالدي في: الجعبة، نظمي (2006). "فهرس
مخطوطات" الخاص بالمكتبة الخالدية/ القدس. تقديم: وليد الخالدي. تحرير: خضر
إبراهيم سلامة. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. لندن. صص: 28-29.
[7] انظر: مقدّمة المُفهرس في: الجعبة، نظمي (2006). "فهرس
مخطوطات" الخاص بالمكتبة الخالدية/ القدس. تقديم: وليد الخالدي. تحرير: خضر
إبراهيم سلامة. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. لندن. صص: 51-53.
[9] لقد هُدمت حارة المغاربة
الملاصقة للمكتبة من الناحية الجنوبية ،
كما تمت مصادرة جزء من سطح مبنى المكتبة؛ ليبني عليه حاخام الجيش الإسرائيلي
(غورين) سكنًا له (انظر: ص: 54).
[10] انظر: مطوية "المكتبة
الخالدية في القدس (د. ت).
[12] على الأصح ما تبقى من المبنى؛ لأنه يصعب إعادة
تصور البناء الأصلي بسبب التغيرات التي طرأت على البناء خلال القرون الماضية.
[14] وهي مخطوطات كتبت بخط يد
المؤلف؛ أي ليست منقولة أو منسوخة.
[16] تتميز بدقة الصنعة وجمال الخط وتعدد ألوان الأحبار وجمال الرسومات
والزخارف والأشكال الهندسية على صفحاتها وفي هوامشها.
إرسال تعليق Blogger Facebook