الحج:
بين جوهرِ العقيدةِ.. وألم الواقع!
نشر في مجلة الإسراء. تصدر
عن دار الإفتاء الفلسطينية. العدد 123، أيلول وتشرين أول/ 2015، صص: 19-30
عزيز العصا
مقدمة
لم يبدأ الحج مع بدء الرسالة المحمدية، بل تمتد
جذوره ومناسكه في أعماق التاريخ، لتصل إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي تحرص
الديانات الثلاث على الانتماء إليه[1].
والله، جل شأنه، يحدد خصال وخصائص من ينتمي إلى إبراهيم، بقوله: "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا". وأما الحج في الإسلام، فهو الركن الخامس من أركان هذا الدين الحنيف،
الذي تؤدّى مناسكه وشعائره في بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما
السلام، كما أن شعائره هي إحياء للعلاقة الوثيقة لإبراهيم وزوجته سارة وابنه
إسماعيل.
قال تعالى: "وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (آل عمران: 97)، وفي
ذلك أمر إلهي يلزم المسلم بضرورة أداء هذه الفريضة، ويوجب، على من استطاع، القيام
بها على أكمل وجه. وورد في التفسير الميسر لمعنى البيت بأنه "بيت الله
الحرام الذي في "مكة"، وهذا البيت مبارك
تضاعف فيه الحسنات، وتتنزل فيه الرحمات، وفي استقباله في الصلاة، وقصده لأداء الحج
والعمرة، صلاح وهداية للناس أجمعين"، مصداقًا لقوله تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ"
(آل عمران: 96).
كما
أنه، سبحانه وتعالى، أمر نبيّه محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يحث المسلمين على
أداء هذه الفريضة، بأن يأتون، كلٌّ بالوسيلة التي يمتلكها، من كل الأمصار والأقطار
في زمن محدد؛ للاجتماع في مكان محدد، لقوله تعالى: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ" (الحج: 27).
يتضح لنا مما سبق الأهمية القصوى التي يتمتع بها الحج؛ في كونه يصل
رسالة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم برسالة نبي الله إبراهيم عليه
السلام، مصداقًا لقوله تعالى: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا
وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (آل عمران: 67).
الحج ركن مختلف عن غيره من الأركان
يختلف الحج عن غيره من
أركان الإسلام الأربعة الأخرى، في أن لتأدية فرضه شروط تتعلق بالزمان والمكان
والقدرة الجسمانية والذهنية والمالية. فهناك صفات يجب توفرها في الإنسان، لكي ليكون
مطالبًا بأداء الحج، مفروضًا عليه، هي[2]:
الشرط الأول: الإسلام: فلو حج الكافر ثم أسلم بعد
ذلك تجب عليه الحجة.
الشرط الثاني: العقل: لأن العقل شرط التكليف،
والمجنون ليس مكلفُا بفروض الدين.
الشرط الثالث: البلوغ:
لأن الصبي ليس بمكلف، فلو حج صح حجه وكان تطوعًا. وإذا بلغ وعقل كان عليه حجة
أخرى.
الشرط الرابع: الحرية:
فالعبد المملوك لا يجب عليه الحج، فلو حج
صح حجه وكان تطوعًا، وإذا أعتق كان عليه حجة أخرى.
الشرط الخامس:
الاستطاعة: فلا يجب الحج على من لم تتوفر في خصال الاستطاعة؛ وهي أربع خصال للرجال
والنساء: القدرة على الزاد وآلة الركوب، وصحة البدن، وأمن الطريق، وإمكان السير.
وأما المرأة، فيضاف إلى ما سبق، شرطان، هما: الزوج
أو المحرم وعدم العدة. وذهب الشافعية إلى أنها إذا وجدت نسوة ثقات، اثنتين فأكثر،
تأمن معهن على نفسها كفى ذلك بدلًا من المحرم أو الزوج[3].
أما بشأن عدد المرات
الواجب على المسلم تأدية فريضة الحج فيها، فقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أيها الناس! قد فرض عليكم
الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام؟ فقال: لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم"[4].
وقد أجمعت الأمة
على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بأصل الشرع، وقد يجب زيادته بالنذر، وكذا إذا أراد دخول الحرم
لحاجة لا تكرر، كزيارة وتجارة على مذهب من أوجب الإحرام لذلك بحج أو عمرة[5].
1.
مشقة
السفر، وفراق الأهل والأحبة والأوطان، وبُعد الشقَّة.
2.
حظْر
ملاذ النفس وشهواتها أثناء التلبُّس بهذه العبادة، فلا ينكح المحرم، ولا يتطيَّب،
ولا يلبس المخيط، ولا يرفُث، ولا يفسق، ولا يُجادل؛ انتصارًا لنَفْسِه.
3.
محدودية
المكان والزمان، فلا يستطيع الحاجُّ أن يؤدِّيَ هذه العبادة إلا في مكانها
المخصوص، وزمانها المحدد لها.
الحج: الحكم والفوائد
الحج عبادة، في صلب عقيدة المسلم؛ لا تعلل ولا تفسر ولا يبرر القيام
بها، إلا أن هذه الفريضة تشتمل على حكم جليلة، ذات أثر روحي على المسلم-الفرد،
ويمتد أثرها ليشمل مصالح المسلمين جميعهم، في الدنيا والآخرة، منها[7]:
1.
دعا
الإسلام الحنيف إلى التآلف والتعارف والتعاون، ثم أوجد للتعارف اجتماع الصلاة،
وأوجب الجمعة والعيدين لأبناء البلد الواحد، وأوجب الحج ليكون مؤتمر البلاد الإسلامية. وتبدو
مكة في موسم الحج مقرًا لهيئة الأمم للمسلمين. ففي
إحرام الحجاج، بلباس واحد، وطوافهم في وقت واحد، وتلبيتهم لدعوة مولاهم في وقت
معين واحد بأدعية واحدة، ذوبان تام لفوارق الغنى والفقر، واللون، والجنس، واللغة
وبين العربي، وفيه وحدة دينية تحتم عليهم الاتحاد والتماسك.
2.
كما أن المسلم-الحاج، بلباسه هذا، وبتأديته لمناسك الحج
الأخرى، يتجرد عن الدنيا وشواغلها، ويقف ضارعًا لربه شاكرًا نعماءه وفضله،
مستغفرًا لذنوبه وعثراته، لاجئًا إلى خالقه من ذنوبه ومن هوى نفسه ووسواس الشيطان.
3.
إن الحج يربي النفس على روح الجندية؛ بكل ما تحتاج إليه من صبر
وتحمل وخلقٍ سامٍ. كما أن الحاج المسلم، ووفق دروس عملية، يألف النظام والترتيب وضبط الميعاد؛ حيث حُددت بعض شعائر
الحج بزمن معين ووقت معلوم، كالوقوف بعرفة والإفاضة إلى
مزدلفة ورمي الجمار... الخ. ومتى صبغت أعمالنا ومجتمعاتنا ومنازلنا بصبغة النظام والترتيب أتت
بالفائدة المرجوة منها، وأصبحنا في أحسن حال؛ بفضل الله تعالى، ثم بفضل إحياء
شعيرة الحج في نفوسنا.
4.
إنّ من تمام الحكمة الرياضية في الحج مجيئه في سائر فصول السنة صيفاً وشتاءً. وما بين
ذلك مرتبط بالأشهر القمرية ليعتاد المسلم العمل والجهاد والسعي في كل وقت؛ غير
عابئ بتقلب الفصول، وتبدُّل الأجواء.
الحج.. كما يراه حجاج بيت الله الحرام
الحج ممارسة إيمانية مشبعة بالتضحية والسموّ في تنفيذ أوامر الله،
سبحانه وتعالى، بما يجعل الفرد صاحب عقيدة سمحة، ويجعل الأمة صاحبة رسالة إنسانية.
ولكي يُحفظ للحج ذلك الدور في إحياء الأمة وثباتها، أفراد وجماعات، على دينها، فلا
بد من المتابعة والتدقيق فيما يجري على أرض الواقع، لكي لا تنزاح الأمور إلى غير
مقاصدها، بخاصة شعبنا الذي يكابد آلام الاحتلال وأوجاع الفقر والفاقة والخوف
الدائم من قادم الأيام.
فلم يصادف أن مررنا على حاج عائدٍ من الحج للتو، إلا وكان الحديث
معه، بشجونه المختلفة حول تلك الرحلة الإيمانية، بوجهيها: أما الأول؛ فهو الإيجابي
والمشرق، وما يعنيه من تحقيق عبادة تجعل الحاج يعود كما ولدته أمه، فعن أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: من أتى هذا البيت فلم
يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجع كما وَلدته أُمّه"[8].
وأما الوجه الآخر؛ فيتمثل بالعديد من السلبيات والسلوكيات (الفردية
و/أو الجماعية)، التي تتغير وتتبدل من عام إلى آخر، بحيث تزداد وتيرة بعضها أكثر
من الأخريات، فيبقى الحديث عن خلل هنا وهناك، بآثار وانعكاسات، تشكل واقعًا
مؤلمًا، وتكاد تشكل مساسًا مباشرًا، بل إفسادًا لعبادة الحج التي فرضها الله
سبحانه على عباده المؤمنين.
فهناك مجموعة من الممارسات التي تتعارض مع ما هو موصوف أعلاه للحج
وخصائصه، والحكم منه كفرض على الأمة، منها[9]:
أولًا:
ما يتعلق بالحركة والسكن والتنقل:
1)
ففي بعض الحالات يتم إدارة حافلة
الحجاج من قبل شخص إداري، وإن كان من أصحاب الحظوة، أو ممن يستخدم سلطته، فإنه يتحكم
بحركة الحافلة وبالحجاج وفق رغباته، وغالباً ما يلغي دور المرشد المكلف بوعظ
الحجاج وإرشادهم، الديني. وينجم هذا كله عن تعارض المصالح بين الإداري والمرشد
وصاحب شركة الحج والعمرة، مما يخلق أجواء متناقضة، وغير مريحة، أثناء الرحلة. في
حين أن الحجاج أنفسهم يبتلعون الموقف، وهم يرددون قوله تعالى: "فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ" (البقرة: 197).
2)
سكن الحجاج
الفلسطينيين يمكن أن يكون أفضل؛ باختيار مكان اقرب للحرم وفق المتاح، وبتقليل عدد
الحجاج في الغرفة الواحدة والذي يصل احياناً (في مكة المكرمة)، وحسب مساحة الغرفة،
إلى عشرة أو ستة على الاقل – هذا في مكة.
3)
موقع البعثة الفلسطينية في منى
يكون، أحيانًا، بعيدًا وضيقًا جداً، ويجب معالجة هذا الوضع؛ لأن الحاج يبيت ليلتين
في منى على الأقل في وضع لا يطاق أبداً؛ فالخيمة، البعيدة عن مكان الرجم، والتي لا
تزيد مساحتها عن ثلاثين متراً مربعًا ينام فيها أكثر من عشرين حاجًا. كما أن
الحجاج الفلسطينيين لم يتمكنوا من الوصول إلى جبل الرحمة أو مسجد نمرة؛ بسبب بعد
موقع البعثة الفلسطينية عنهما.
4)
هناك موقع في
الأردن الشقيق يستضاف فيه الحجاج الفلسطينيون، يسمى "مدينة الحجاج" يفتقر
إلى النظافة، وهو بحاجة إلى معالجة موضوعه من قبل الحكومتين: الفلسطينية
والأردنية، بسبب معاناة الحجاج وانتظارهم فيه يوماً أو يومين أو عدة ساعات، في تلك
الأجواء من القاذورات والذباب.
ثانيًا:
ما يتعلق بسلوكيات الحجاج أنفسهم:
بالإضافة
إلى التصرفات غير السوية والأخطاء التي الناجمة عن بعض الأفراد الذين لا يخضعون
لمتطلبات الحج كعبادة، بالابتعاد عن الرفث، نجد أن هناك من يسن سنّة سيئة تتعلق
بالمشتريات كهدايا كبيرة الحجم و/أو ثقيلة الوزن، وبمبالغ طائلة، مما يسهم في رفع
كلفة رحلة الحج، والتسبب في مشكلة حقيقية تتعلق بصعوبة توفير الشاحنات الخاصة لشحنها،
بعد أن تفيض عن حمولة نفس الحافلة التي يستقلها الحاج، وما يتبع ذلك من تشتت
وإضاعة الوقت كي يتسلم الحاج البضائع الخاصة به.
ثالثًا:
ما يتعلق بالتكلفة المالية:
لا شك في أن
تكلفة رحلة الحج المتمثلة بالرسوم، وأجرة الحافلة، وأجرة السكن، والمشتريات غير
المنضبطة، والمصروفات الشخصية... الخ، أكبر بكثير من أن تستوعبها الأسر الفلسطينية
ذات الدخل المتدني أصلًا. أضف إلى ذلك أن الدولة تسمح لأعداد من مرافقي رحلة الحج،
على شكل منح وبعثات وإداريين؛ وما يعنيه ذلك من زيادة الحاجة إلى حافلات وغرف
فنادق وتكاليف أخرى، علمًا بمحدودية حصتنا من الحجاج بالاتفاق مع حكومة المملكة
العربية السعودية. الأمر الذي ينعكس على عموم الحجاج من الناحيتين المالية، وأعداد
المواطنين المسموح لهم بالحج.
وزارة الأوقاف.. تقول كلمتها في الحج
بعيدًا عن
الانفعالات ومنطق ردود الأفعال، قمت بالالتقاء مع السيد "حسام أبو
الرب"؛ وكيل مساعد الحج والعمرة في وزارة الأوقاف[10]،
الذي أوجز قضية أعداد الحجاج والحصص الخاصة بفلسطين، بأنه في العام 1985 تقرر أن
تكون نسبة الحجاج المتوجهين إلى البيت الحرام، بواقع فرد واحد لكل ألف من أي بلد،
على مستوى العالم، فأعطت المملكة العربية السعودية الشقيقة لفلسطين فرصة إرسال
أعداد أكبر من تلك النسبة، ففي العام 2012 وصل العدد إلى (6000) آلاف حاج (بزيادة
2000 حاج عن النسبة العالمية)، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما كانت فلسطين
تحصل، كل عام على زيادات بشكل استثنائي.
عندما تقرر
البدء في توسعة الحرم، تقرر تخفيض الأعداد بنسبة (20%) على مستوى العالم، منذ
العام 2013؛ فأصبح عدد الحجاج الفلسطينيين (5378) حاجًا، تقوم الوزارة بتوزيعه،
وفق الآلية التالية:
1)
نصيب غزة (2008)
حاجًا، والضفة (3370) حاجًا.
3)
تتم آلية
الاختيار وفق مبدأ القرعة، التي تنصف كبار السن وصغار السن. وفي العام 2012 تم وقف
التسجيل في المناطق التي استوفت حصتها؛ لإفساح المجال أمام المسجلين القدامى
ليأخذوا الدور، ثم نأخذ حسب الدور. وفي كل عام نأخذ بحسب الأولويات، حتى أن هناك
تجمعات لا يوجد فيها مسجلين نقوم بإفساح المجال لهم لكي نأخذ تجمعاتهم السكانية
حصتها بالقرعة الالكترونية.
أما فيما يتعلق برحلة الحجاج وتنقلهم، وللرد على الملاحظات السالفة الذكر،
فإن الوضع يتلخص فيما يأتي:
1)
الحافلات
والسائقون: المسؤول عنهم الشركة التي يرسي عليها عطاء التنقل, والذي يتم وفق ضوابط
تقررها لجنة خاصة. كما يتم ضبط حركة الحافلات في المواقع كافة, وفق برامج معدة
مسبقاً. وأن من يدير الحافلة فليس شخص بعينه؛ وإنما يتم وفق برنامج، بإشراف
الوزارة أو المرشد المتواجد في الحافلة، وذلك ضمن تعليمات مسبقة يكون قد تم
توزيعها على الإداريين والمرشدين.
2)
بخصوص
عدد الحجاج في الغرف في سكن مكة المكرمة، ومنذ أكثر من 3 سنوات، أصبح العدد يتراوح
بين 3-6 حجاج في الغرفة الواحدة، وهي غرف فندقية؛ غرفة مع حمام خاص.
3)
هناك
تعقيدات، تعتبر خارج نطاق سيطرة الوزارة أو التحكم بها مثل: المعابر, ومنافذ
الحدود والتي يتم فيها تأخير الحجاج (أحيانا)، ذهاباً وإياباً فتقوم الوزارة
بمخاطبة الجهات المعينة بتسهيل الحركة, فيستجاب أحياناً وأحياناً أخرى يكون الأمر
متعلقاً بسياسة الدولة وإجراءاتها التنظيمية. كما هو حال موقع البعثة
الفلسطينية في منى، فمواقع البعثات تحددها المملكة العربية السعودية لكل دولة،
وتختلف من عام إلى آخر.
لمن يهمه الأمر: توحيد المرجعية وتوعية الحجاج
بعد التداول مع أصحاب
الشأن، من مختلف الزوايا، يتضح أن هناك عددًا من التوصيات التي لا بد لصانعي
القرار من التوقف عندها، لكي نبتعد بحجاجنا، قدر الإمكان، عن الأخطاء أو الخطايا
تمس بحرمة الحج، منها:
1) توحيد مرجعية المسؤولية عن الحجاج
وحصرها بوزارة الاختصاص؛ وهي وزارة الأوقاف، وذلك بدلًا من ترك الأمور على الغارب للشركات
ومدرائها وموظفيها وإداريي الحافلات وغير ذلك من المسميات, التي تسبب المزيد
التشتت وإرباك الرحلة.
2) استئجار مواقع مناسبة، قريبة من مناطق
أداء المناسك والشعائر المختلفة للحج.
3)
حل مشكلة المبيت
بمزدلفة؛ بحيث لا يُترك لكل حافلة أو شركة التصرف على حدة، وإيجاد حل عام للجميع،
يضمن أداء المناسك حسب مشروعيتها.
4) كما أنه لا بد من تنظيم عودة الحافلات
على دفعات من المملكة العربية السعودية؛ بحيث أن كل حافلة تصل إلى الأراضي
الأردنية تدخل عبر الجسر فورًا، لكي لا يضطر الحجاج للانتظار في مدينة الحجاج
الاردنية الموصوفة أعلاه، علما بأن دولة فلسطين طالبت بإجراء تغيرات جوهرية
على وضعها نحو الأفضل، وتقليل ساعات المكوث فيها. كما أنه يتم تنظيم عودة الحافلات
من المملكة العربية السعودية،على ثلاث دفعات؛ بين كل دفعة وأخرى مدة لا يقل عن (12)
ساعة.
5) تفعيل برنامج توعية، على المستوى
الوطني، لتوعية الحجاج، مسبقًا، للعديد من الأمور ذات الصلة، منها:
- السفر بحد ذاته قطعة من العذاب, فما
بالك بالحج الذي يتم مرة في العمر. فرحلة الحج لا تخلو من الصعوبات والتعقيدات
التي نرجو أن يعتبرها الحجاج في ميزان حسناتهم، وأن يهيئوا أنفسهم لتحمل المشقة
والصعاب.. ففي موسم الحج هناك ضغط على السكن وازدحام الشوارع وصعوبة الحركة,
واكتظاظ الناس في أماكن ضيقة.
-
دعوة الحجاج
إلى مساعدة بعضهم البعض؛ بأن يقوم القوي بإعانة الضعيف والعالم يساعد الجاهل, حتى
تيسر على الناس أداء مناسكهم على اكبر وجه..
-
ضرورة اتباع الأنظمة
والتعليمات والإرشادات المكتوبة أو التي يسمعونها من المرشدين، والعمل بالفتوى
المعمول بها، والتي تصدر عن الجهات صاحبة الاختصاص.
-
عدم الاستجابة
إلى الإشاعات والأقاويل التي تصدر عن معرضين أو جهلة.
- الاقتصاد في المصروفات، والتقليل من
المشتريات التي تثقل على الحجاج، لدرجة أن التفكير فيها، وإلصاقها بعبادة الحج، تحول
بين بعض المواطنين وبين الحج؛ لأنها أكثر رسوم الحج نفسها.
التعليق والخاتمة
نستنتج مما سبق أن للحج دوره في تهذيب النفوس، وصقل الإرادة نحو
التوجه إلى الله بقلوب صافية نقية، في أجواء من التعب والإرهاق الناجم عن طول
السفر وعمق المعاناة، دون كلل أو ملل، بل يكون الحاج على استعداد تام لتنفيذ
أوامره سبحانه واجتناب نواهيه. كما يتبين لنا الأبعاد المتعددة للحج، على
المستويات: العقائدية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وعليه؛ فإنه علينا أن نعي أهمية تأدية مناسك الحج وشعائره على أكمل
وجه، لكي يعود جميع حجاجنا كما ولدتهم أمهاتهم، لأن الفرد المسلم العائد بهذه
الصفة، وبهذا المستوى من الخشوع والإيمان، يكون قد اكتسب، من خلال رحلته الإيمانية
هذه، صفات وخصائص عقائدية وتربوية كفيلة بأن تجعل منه فردًا مصلحًا في بيته وأسرته
ومحيطه الاجتماعي، صالحًا في مجتمعه، ملتقيًا مع ذاته، قادرًا على الدفاع عن
مجتمعه وحمايته من طمع الأعداء ومن نائبات الدهر.
ولا يمكننا المغادرة قبل أن نتوجه إلى صانعي القرار على مستوى الوطن
بضرورة الالتفات، الدائم والمستمر، لتقييم وتقويم رحلات الحج، أولًا بأول؛ من أجل
تشخيص الخلل مهما صغر أو كبر، لأن عملية التشخيص هذه، والاعتراف بالأخطاء يسهّل
علينا معالجة الموقف والسيطرة على أي أخطاء قائمة.
وقد أكد السيد "أبو الرب" أن وزارة الأوقاف تقوم، وفي كل
عام، بتقييم أداء طواقمها في كل من أجل تعزيز
الايجابيات وتفادي السلبيات. فبغير ذلك؛ سوف تتحول
الأخطاء، المتراكمة، إلى خطايا تودي بالحج كعبادة، وتحيله إلى مجرد عادة اجتماعية
خالية من مضمونها العقائدي، عندما نصبح أمام واقع مؤلم-موجع عصي على الإصلاح
والتصويب. وأختم بالتذكير بقوله تعالى: "إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا
بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا
يَعِظُكُم بِه إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا"
(النساء: 58).
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 20/06/2015م
[1] عوض الله، إبراهيم (2014).
أيها الحاج... تفكر واعتبر. مجلة الإسراء. دار الإفتاء الفلسطينية. القدس، فلسطين.
العدد (117). صص: 11-19.
[2] عتر، نور الدين (1984). الحج والعمرة في
الفقه الاسلامي. مؤسسة الرسالة. بيروت، لبنان.
الطبعة الرابعة. صص: 18-19.
[3] نفس المرجع، ص: 22-23.
[5] انظر: اسلام.ويب، صحيح
مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر. انظر الرابط التالي (أمكن الوصول
إليه بتاريخ: 20/06/2015م:
[6] عبد القادر، محمد
(2009). منافع الحج. مقال منشور على موقع الألوكة، انظر الرابط: http://www.alukah.net/sharia/0/8449/#ixzz3dVjJhVlf (أمكن الوصول إليه في
19/06/2015م).
[7] عتر، نور الدين (1984). الحج والعمرة في
الفقه الاسلامي. مؤسسة الرسالة. بيروت، لبنان.
الطبعة الرابعة. صص: 14-15.
والرماني، زيد (2013). الحج تآلف وتعارف. مقال منشور على موقع الألوكة، انظر
الرابط: http://www.alukah.net/culture/0/61208/#ixzz3dYr5isfF (أمكن الوصول إليه في 20/06/2015م).
[9] تم الاستناد إلى ملاحظات استلمتها من الحاج "عبد الله شكارنه"،
كان قد وثّقهاعندما أدى فريضة الحج في
العام 1432 هـ (2011م).
[10] تم اللقاء في مكتبه بوزارة
الأوقاف برام الله، بتاريخ:
15/06/2015، بالاضافة إلى رسالة وصلت منه، بتاريخ: 23/06/2015 لتوضيح الملاحظات
المذكورة أعلاه.
[11] المقصود بالحالات
الإنسانية: الحالات المرضية (بخاصة الأمراض المزمنة والقاتلة)، والمعادون عن الجسر
في السنوات السابقة, إضافة المحارم, مقاعد الجمعيات الخيرية الإنسانية، ومن يسقط
سهواً عند عملية إدخال الأسماء في سنوات سابقة.
إرسال تعليق Blogger Facebook