0
سبعون ساعة في صفاقس!
توأمة صفاقس مع القدس.. فلسطين في وجدان الصفاقسيين..
وربع مليون صفاقسي يحتفلون بمدينتهم عاصمة للثقافة العربية للعام 2016

نشر في صحيفة القدس بتاريخ: 14/08/2016، ص: 21
عزيز العصا
دأب وزراء الثقافة العرب، منذ العام 1996، على اعتماد واحدة من المدن العربية عاصمة للثقافة العربية لمدة عام كامل، يتم اختيارها لتحمل هذه الصفة، بعد التحاور والتداول بين الهيئات والشخصيات ذات الصلة، ووفق المعايير ذات الصلة بالموروث الثقافي في تلك المدينة. ومن الجدير بالذكر أن أول عاصمة للثقافة العربية كانت القاهرة في العام 1996م. كما أن القدس، ومنذ العام 2013م، هي العاصمة الدائمة للثقافة العربية.
في هذا العام (2016) وقع الاختيار على مدينة صفاقس التونسية عاصمة للثقافة العربية. وأما فلسطينيًا، فإننا بانتظار أن تكون مدينة بيت لحم عاصمة للثقافة العربية في العام 2020. وبنظرة عامة، نجد أن مدينة "صفاقس" هي عاصمة واحدة من الولايات الأربع والعشرين التي يتألف منها القطر التونسي. وتبلغ مساحة ولاية صفاقس (7,545)  كيلومترًا مربعًا (تكافئ نحو 28% من مساحة فلسطين التاريخية)، وتضم (16) بلدية.
تستمد ولاية صفاقس أهميتها من موقعها الجغرافي المتميز وطول سواحلها البالغ 235 كم، ومن مينائها الكبير الذي يمكنها من إسهام كبير في التبادل الاقتصادي مع الداخل والخارج. ويُنسب إسم هذه الولاية إلى عاصمتها "مدينة صفاقس"، التي تبعد مسافة (270) كيلومترًا جنوب مدينة تونس العاصمة.
حصلت صفاقس على هذا اللقب بعد أن تقدم القائمون على الشأن الثقافي في الدولة التونسية، بملف كامل يعرّف بالمدينة من حيث الموقع والمكانة في القطر التونسي، والأنشطة الاقتصادية والمواصلات والصحة والتعليم والشباب والسياحة. ثم يتوسع الملف في مجال المشهد الثقافي الصفاقسي، مثل: التراث والمعالم الأثرية والتاريخية، والمسرح، والموسيقى، والسينما والفنون التشكيلية، والمكتبات ودور النشر، والفضاءات الثقافية (كالمراكز والنوادي الثقافية، والقاعات والمتنزهات الترفيهية وغيرها)، والمهرجانات في مختلف المجالات، والجمعيات الثقافية، والإعلام.

جانب من سور مدينة صفاقس
عندما تقرر إقامة احتفالية "صفاقس عاصمة للثقافة العربية للعام 2016 في 23/07/2016م، تم توجيه دعوة فلسطين للمشاركة في هذه الاحتفالية، فتوجه وفد فلسطين برئاسة معالي وزير الثقافة وعضوية مختصين في الشأن الثقافي الفلسطيني. فحظي الوفد باستقبال رسمي، على مستوى وزيرة الثقافة التونسية، كما حظي باستقبال شعبي واسع من قبل الفعاليات الثقافية المختلفة في ولاية صفاقس، بدئ بمشاركة الوفد لنحو ربع مليون صفاقسي لعرض ثلاثي الأبعاد على سور المدينة؛ وهو سرد لتاريخ المدينة، ودورها في مقاومة الاحتلالات المختلفة عبر العصور.

العرض الثلاثي الأبعاد على سور صفاقس أثتاء احتفالية "صفاقس عاصمة للثقافة العربية للعام 2016"
كنتُ أحد أعضاء هذا الوفد، وأمضينا "سبعون ساعة" في صفاقس لا يمكن نسيانها أو القفز عنها؛ ففي كل لحظة منها لمسنا الكثير من الإبداعات التي شكلت، في مجموعها، صورة ذهنية جميلة لصفاقس. إنها صفاقس التي وجدناها مشبعة بالحب الذي يكنه الصفاقسيون لفلسطين وأهلها، وهو حب فطري طبيعي خالٍ من الصبغات والنكهات والألوان. ونظرًا لازدحام الأحداث وتعددها التي عشناها وعايشناها بين الصفاقسيين فسيتم توزيعها على المحاور التالية:
أولًا: فلسطين حاضرة في صفاقس.. وعبد الرزاق كمّون يروي الحكاية الفلسطينية
فقد شهد مقر إقامتنا في فندق الزيتونة بصفاقس حراكًا لافتًا على المستوى الشعبي والإعلامي، وتمتع وفدنا بخصوصية في الاستقبال؛ لأن لفلسطين خصوصية في نفوس التونسيين انعكست على مسيرة طويلة من احتضان تونس شعبًا وأرضًا لفلسطين برمزيتها النضالية في مواجهة مشاريع تصفية الوجود والهوية والحضارة التي بناها الشعب الفلسطيني على أرضه على مدى آلاف السنين.
وكأني بالصفاقسيين يُحَمِّلون كل جزيء ماء من مياه البحر الأبيض المتوسط، الذي يهدر بين صفاقس ويافا وحيفا وعكا، رسالة ملؤها الألم على نكبة فلسطين وتشرد أهلها، كما تقرأ في أنفاسهم الطيبة الاحترام العالي لشعب فلسطين الذي أثبت حضوره رغم المحن التي ألمّت به؛ فحمل البندقية ومضى محاربًا دفاعًا عن هويته ووجوده وحقوقه المشروعة في العيش بحرية على أرض الآباء والأجداد، وحمل القلم والكتاب والدفتر وشرع مبحرًا في بحور العلم، فتعلّم أبناؤه وعلّموا أبناء الأمة في أقطارها المختلفة.
ولذلك، تم تخصيص يوم 24 تموز 2016 يومًا لتوقيع اتفاقية شراكة بين صفاقس عاصمة للثقافة العربية والقدس العاصمة الدائمة للثقافة العربية، ويوم 25 تموز 2016 بإسم يوم فلسطين.
ولعله من صدق تلك المشاعر اتجاهنا أن تم تكليف السيد عبد الرزاق كمون بتمثيل الهيئة التنفيذية لتظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية. فهذا الرجل سليل عائلة صفاقسية لا يكاد مجال في العلم والأدب والمقاومة والبطولة يخلو من "كموني". كما أن لهذا الرجل الصفاقسي الأصيل المولود في يوم ما من أيام النكبة التي ابتلي بها الشعب الفلسطيني، قصة لعلاقة تاريخية بفلسطين وأهلها. وقد بدت ملامح هذه العلاقة الوجدانية واضحة من خلال مجموعة النكات التي أطلق عليها "النكات الفلسطينية" التي باغتنا بها منذ اللحظات الأولى للقاء، بالإضافة إلى لهجته ومخارج الكلمات والحروف التي طوّعها، بما يمتلك من مفردات فلسطينية الأصل والفصل؛ فاقترب بها من قلوبنا ومن مسامعنا، وأصبح حادي راحتنا وارتياحنا، للدرجة التي وجدت فيه زميلتنا "كارمن" الأب الحاني الذي وفّر لها فرصة التجوال في صفاقس وهي آمنة مطمئنة.
 لقد حرص كمّون على إضفاء أجواء الفرح والمرح وخفة الظل، إلا أنه كانت تنتابه لحظات تنحشر فيها في حلقه دموع الحزن والأسى والغضب؛ عندما يستذكر علاقاته "الواسعة" بالفلسطينيين، فرادى وجماعات. فيشير إلى أن تلك العلاقة الوجدانية التي جعلت منه مركبًا جميلًا من التونسي-الفلسطيني قد بدأت منذ طفولته التي تلقى فيها التعليم على أيدي معلمين فلسطينيين، يذكر منهم: عاطف الشهابي وغيره من المعلمين الذي تتلمذ على أيديهم في اللغة الإنجليزية والرياضيات.
ولم يمر مناسبة للحديث الهاديء إلا وتجد كمون أخذ "يغرف" من بحر علاقته بالفلسطينيين، ويستشهد بسماتهم التي يرى فيها التميز في التعلق بالوطن والدفاع عنه، ويذكر أن عجوزًا من طولكرم قد وفدت إلى صفاقس عند ولديها طالبي الجامعة، فعرض عليها البقاء عند ابنيها؛ إذ لا يوجد في منزلها بطولكرم غيرها، فأبت ورفضت الفكرة، وقالت له: صحيح الأبناء غاليين لكن الوطن أغلى. كما يشيد ببطولة الفلسطينيين، وهو يورد ما قاله ضابط احتلالي لعجوز فلسطينية تجلس على "حجر" بجانب الطابون: أنتم تجلسون على حجر، وتخبزون على حجر وتحاربوننا بالحجر!
صورة تحمعني مع الصديق عبد الرزاق كمّون في فندق الزيتونة بصفاقس صباح 25/07/2016
لم يتوقف دور كمون عند هذا الحد، وإنما سررنا عندما توجهنا إلى مقهى ثقافي صفاقسي، للاستماع إلى مجموعة حكايات شعبية، عندما قام مدير البرنامج بتقديم قامة ثقافية صفاقسية لسرد مجموعة حكايات تلك الليلة، فكان هو نفسه "عبد الرزاق كمون" الذي بدأ حديثه بمقدمة معمّقة عن القضية الفلسطينية تناول فيها الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني، وصمود هذا الشعب في مواجهة القوة المفرطة التي تعرض لها على أرض وطنه وفي الشتات أيضًا. ثم شرع في حكاياته، الواحدة تلو الأخرى، وكان في نهاية كل حكاية منها يبلغ مستمعيه أنها حكاية فلسطينية، مشيرًا إلى أن فلسطين أرض الحضارات وأرض الحكايات.
وعندما عرضت صورة لي معه على صفحات التواصل الاجتماعي، وجدت أن هناك شهادات تشير إلى أن لهذا الرجل أيادٍ بيضاء على الفلسطينيين الذين وصلوا إلى تونس في الحقب الزمنية المختلفة، من حيث الإيواء والمساعدة وتوفير الفرص للعمل والعيش الكريم. ولن أغادر هذا المحور قبل القول بأن صاحبنا الغالي "عبد الرزاق كمون" هو أنموذج للتونسيين الخيّرين الذي نعتز بهم وبصداقتهم كأشقاء يقاسموننا كل شأن من شئون حياتنا.
أولًا: الصفاقسيون يخططون وينظمون... وينجحون
بالنظر إلى شعار صفاقس عاصمة للثقافة العربية الذي يجمع بين السفينة كرمز للبحر، وسور المدينة كرمز ثقافي وحضاري مهمّ[1]، يمكن للمراقب أن يدرك حجم المسؤولية التاريخية التي تتحملها الهيئة التنفيذية لتظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية للعام 2016، من حيث الوقوف بمهابة واحترام عاليين أمام تلك المدينة التي تتربع على عرش ولاية شاسعة المساحة ومترامية الأطراف.

تلك المدينة/الولاية التي يشهد لها التاريخ والمؤرخون بالإبداع، عبر التاريخ، في مجالات التجارة والسياسة والاقتصاد والعلوم والفنون بأشكالها كافة، كما لا يمكن الحديث عن المعارك في شمال أفريقيا، وما فيها من الكر والفر والدهاء والحيل والإبداع في مقاومة المحتلين وتلقينهم دروسًا في الصلابة وقوة الإرادة، دون الحديث عن الدروس التاريخية المستقاة من صفاقس في جميع ما ذكر، وفي غيره مما لم يُذكر.
أما الجيل الحالي من الصفاقسيين فقد بقي وفيًا للآباء والأجداد. فبمقابلة الأستاذة "هدى كشو"؛ المنسقة العامة لبرنامج "صفاقس عاصمة للثقافة العربية للعام 2016" وجدناها تؤمن بضرورة بناء مستقبل ثقافي يحاكي روعة الماضي من خلال الحاضر، وترى أن "السياحة الثقافية" فاعل أساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبد. كما ترى "كشو" أنه يقع على عاتق الجيل الحالي والأجيال القادمة استكشاف الكنوز التي دفنها التاريخ تحت غبار النسيان.
ومن أبرز ما أطلعتنا عليه "كشو" أن هناك أكثر من مائة وثلاثين شخصية صفاقسية يقومون على هذه الفعاليات الثقافية، من أكاديميين ومفكرين وسياسيين ونقابيين... الخ. وخلاصة عملهم تفيد باكتشافهم ضرورة تنفيذ المشاريع  البعيدة عن  النخبوية، وإنما  أنشطة سياحية  وثقافية, كما اكتشفوا أن الثقافة  هي  جودة  الحياة، وأن التوظيف الثقافي أفضل من مصطلح برامج. ويُقصد بالتوظيف الثقافي استغلال  الفضاء  العام، والذي ينطوي على إعادة إنتاج الموروث، والتسويق والترويج على المستوى الدولي، حيث ارتأت "كشو" أن هناك تقصيرًا في هذا المجال.
وبمتابعة التقارير الصادرة حول هذه التظاهرة الثقافية التي تتم تحت شعار «الثقافة توحّدنا وصفاقس تجمعنا»، تبين أن الخطة الاستراتيجية تتضمن ما يأتي[2]:
1)     تكريم عدد من أبناء المدينة الذين برزوا في الحقول العلمية والفنيّة والأدبية والاقتصادية.
2)     وضعت اللجنة التنفيذية برنامجاً للاحتفالية يضم: (63) تظاهرة خاصة بالحدث، و(23) مهرجاناً بين دولي وعربي ووطني، و(10) احتفاليات في شوارع المدينة، و(15) فعالية بين ملتقيات وندوات ومنتديات دولية ووطنية، فضلاً عن (8) معارض ومتاحف فنيّة وطنية ونشر (100) كتاب.
3)     يُتوقّع أن يكون عدد الجمعيات والمؤسسات الوطنية والعربية المشاركة  في هذه التظاهرة (150) مؤسسة، ومن المتوقّع أن يبلغ عدد الزوّار أكثر من (120) ألفاً.
4)     كانت الدولة قد خصصت لهذه الاحتفالية ميزانية بلغت (14) مليون دولار، وهو ما يُعدًّ «ترجمة ملموسة لمراهنة الدولة على الثقافة كسبيل لمقاومة الإرهاب والمساهمة في التنمية وبناء مستقبل تونس».
وبمراجعة متمعنة للبرنامج الذي تم إعداده من قبل وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية، يتبين أن المحاور الرئيسية للبرنامج هي:
أولًا: برنامج منارات (ثقافية): وهو برنامج يتضمن مشاريع مختلفة ذات صبغة مستمرة في الزمان والمكان، منها:
1)      المكتبة الرقمية: تشكل رئة إضافية في جسد المشهد الثقافي الصفاقسي، حيث تم تغيير صبغة الكنيسة الكاثوليكية من ىفضاء لممارسة طقوس دينية إلى قاعة رياضية متعددة الاختصاصات، وقاعة عروض سينمائية وغيرها من الأنشطة.
2)      شط القراقنة: ميناء ترفيهي، يعيد بلورة العلاقات الجامعة بين مدينة صفاقس والبحر.
3)      المتحف البحري العائم: بتحويل وسيلة النقل الرابطة بين صفاقس وجزيرة قرنقة إلى متحف يشكل فضاءً جامعًا لمميزات التراث البحري بشكل علمي دقيق.
4)      المدينة العتيقة: تحويل المدينة العتيقة إلى قطب ثقافي يشعّ على الجهة وعلى تونس وعلى المنطقة العربية والمتوسطية.
5)      المدرسة الحسينية: يتم تحويلها إلى دار للفنون والحرف موجهة إلى الأطفال.
6)      سر النوّار: أن يتم تهيئة (17) مفترقًا دائريًا بتشجيرها وإضاءتها وزراعة الزهور بها، وطرح مسابقة البستنة والحدائق الخاصة، وتنظيم ملتقى دولي حول الورد العربي.    
ثانيًا: برنامج مسارات ومزارات: يهدف إلى تثمين التراث الثقافي المادي وغير المادي من خلال الفعاليات الثقافية والفنية؛ حفاظًا على التنوع الثقافي والخصوصيات المحلية. ويتضمن مسارات: باراروس، والناظور سيدي منصور، والأرخبيل ومواقع أثرية مختلفة. وأما المزارات فستتم لخمس من الشخصيات الصفاقسية التاريخية، منهم: سيدي أبي إسحق الجنياني المولود قبل (1124) عامًا، وسيدي منصور الذي تحمله إلينا كلمات الأغنية الشهير بإسمه.   
ثالثًا: برنامج مدارات: ويُقصد بالمدار هنا "فضاء يعتليه المبدع ليقدّم إبداعه موسيقيًا أو مسرحيًا أو حكواتيًا أو شعرًا... الخ. ويتضمن هذا البرنامج:
-        (12) ندوة في المجالات الثقافية والعلمية المختلفة.
-        عقد خمس ملتقيات دولية في مجالات الخزف، والفنون التشكيلية، والنسيج، والنحت على الحجارة الرخامية، والملتقى الدولي حول التراث الثقافي اللامادي.
-        الموسيقى: ويتضمن سبع مهرجانات في مجال الفنون الموسيقية والعزف.
-        الورشات: ورشة عمل تقني لإتمام ملف ترشّح مدينة صفاقس التاريخية للتسجيل على قائمة التراث العالمي، وورشة حول فنون العرائس، وورشة أخرى خاصة باكتشاف المواهب الشابة في ولاية صفاقس.
-        السينما: ويتضمن أسبوع سينما المقاومة، ومهرجان السور للفلم العربي، والمهرجان العربي للقصة المصورة وسينما الطفولة.
-        الحكاية: يشارك فيها حكواتيون وخبراء ومسؤولون في مجال الحكاية من معظم البلدان العربية.
-        الفنون التشكيلية: المهرجان الدولي للنحت على الرمال، والمهرجان العربي للكاريكاتير، البينالي العربي للفنون التشكيلية، وصيفاقس بوابة المهرجانات.
-        المعارض: معرض الجراحة العربية، ومعرض التراث الوطني (تونس تتجلّى)، والسوق العربية لفنون العرض، ومعرض البريد التونسي، ومعرض الكتاب والوثيقة التاريخية، ومعرض الكتاب المستعمل.
-        المسرح: ستتم على مدى ثمانية أيام، حيث يقدم عرضين يوميًا من قبل معتمديات مدينة صفاقس. كما أن هناك دراما إذاعية للأطفال المكفوفين، بعنوان: تكلم لأراك.
-        الشعر: ملتقى الإبداع الشعري العربي، وفصول الشعر الأربعة.
-        إصدارات: وذلك بنشر (100) كتاب تخص صفاقس بمعتمدياتها وقراها ماضيًا وحاضرًا واستشرافَا في مختلف التخصصات والأنشطة.      
رابعًا: مهرجانات زائرة: مهرجان الاتحاد العام التونسي للشغل للإبداع، وأيام قرطاج السينمائية وأيام قرطاج المسرحية.
خامسًا: التبادل الثقافي: أسابيع ثقافية عربية، القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، أسابيع ثقافية غير عربية، شبابنا سفراؤنا والمنتدى العربي الأوروبي للجمعيات الثقافية.
سادسًا: فن الشارع: اللقاء العربي الأول لمسرح الشارع (ستشارك مؤسسة أيام المسرح عن فلسطين)، الملتقى العربي لفن الشارع، الزيتونة والز.
سابعًا: متفرقات:
-طريق الثقافة (من تموز-2016 إلى آذار-2017).
- نهايات أسبوع فنية: أكثر من (107) أيام فنية على امتداد تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية من بدايتها عبر عروض فنية يتجاوز عددها (200) عرض، بمشاركة أكثر من 600 فنان، أغلبهم من مبدعي الجهة: عروض تجوب ربوع المعتمديات والأرياف والساحات والحدائق والأحياء الشعبية والمؤسسات التربوية والمؤسسات الصناعية ... في نهايات الأسابيع.
- فضاءات ثقافة الحياة في المعتمديات: تستغل الحدائق المهملة والمتروكة داخل المعتمديات, ننطلق في تحويلها إلى نواد للفنون وأماكن لأنشطة ثقافية.
- عيشة أجدادنا: هي أيام يعيش فيها مجموعة من الشباب من مشاركين وزوار, محاكاة لليومي التراثي.
-كرنفال العرب: هو احتفال شعبي. تمتدّ ورشات صنع العربات واللوحات على مدى أشهر تتحولّ إلى جملة من المهرجانات تقدمّ كلّ مكوّن من مكوّنات الكرنفال على حدة. ثم تجتمع جميعاً في الاستعراض الأخير في قلب المدينة. الكرنفال يبدأ الإعداد له من المعتمديات والأحياء, حيث تتكوّن استعراضات صغيرة تشكّل في آخر الأمر الزخم الاحتفالي للإستعراض الكبير.
وقد ارتأى د. إيهاب بأن ما يقوم به الصفاقسيون يتعدى قصة نجاح؛  لدرجة انها قصة إلهام سنحاول  اقتباسها وتنفيذها، وتهدف التوأمة إلى التعريف  المتبادل  بالابداعات  المتوفرة  والقائمة  في المدينتين  والبلديين، ودعا العرب  الى زيارة  فلسطين  لكسر طوق  العزلة  الذي يفرضه الاحتلال عليها, ولمن يريد زيارة فلسطين من العرب أكّد د. إيهاب على أن الرصاصة  التي تصيبكم يجب ان تمر عبر قلوب الفلسطينيين. وهذا ما تم بالفعل؛ حيث اتخذنا قرارًا واضحًا بدراسة التجربة الصفاقسية وجعلها حادينا في التخطيط لإعداد بيت لحم عاصمة للثقافة العربية في العام 2020.   
ثانيًا: القدس تحت جفون الصفاقسيين.. وصفاقس ستبقى في الذاكرة الفلسطينية
في العام 2010، وأثناء مؤتمر وزراء الثقافة العرب، اعتمدت القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، بأن تحتفي القدس مع كل عاصمة عربية يُحتفى بها. على المستوى الفلسطيني، تم مأسسة ذلك، ودأبت "القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية" على منح جائزة "القدس للثقافة والإبداع" سنويًا، وتعقد مؤتمرًا سنويًا حول القدس، يتزامن مع ذكر تحرير صلاح الدين الأيوبي لها، كما تصدر مجلة فصلية بإسم ”مشارف مقدسية“، وغير ذلك من الفعاليات.
أما في صفاقس، فقد كان للقائنا بالصفاقسيين نكهة أخرى تمثلت بتوقيع اتفاقية توأمة بين "القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية" و"صفاقس عاصمة للثقافة العربية للعام 2016". وقد قرأنا علامات الفرح الكبير والجدية العالية من الصفاقسيين في تحقيق هذه التوأمة على الأرض. فقد تم توقيع الاتفاقية في أجواء من الفرح وعلى نغمات أغانٍ شعبية فلسطينية. كما أن الوفد الفلسطيني، ومن خلال معالي وزير الثقافة، أكّد على ضرورة أن تكون القدس حافظة للثقافة، وأنه بالثقافة نعطل البندقية ونحرج القابضين على الزناد.
لقد أُتبع توقيع اتفاقية التوأمة المذكورة أعلاه، بمحاضرة قدمتُها حول المشهد الثقافي المقدسي، والتحديات التي تواجهها القدس والمقدسيين، في مواجهة عملية التهويد و"العبرنة" التي يسعى الاحتلال من خلالها إلى محو الأثر الثقافي العربي والإسلامي للقدس. وقد لمسنا أثناء تلك المحاضرة، التي قدمني فيها الصديق "عبد الرزاق كمّون" بعبارات تشحذ الهمم نحو تحرير فلسطين، إن عاجلًا أو آجلًا. كما حضرها السيد "الحبيب بن فرح" السفير التونسي في فلسطين ووالي صفاقس ورئيس بلديتها السيد "مبروك القسنطيني", أولئك الذين يقبضون على فلسطين كما يقبضون على تونس، والذين أكدوا في مداخلاتهم على أواصر الأخوة والمحبة اتجاه فلسطين وأهلها ودرة الأمة القدس وأهلها.



صورة جماعية أمام مبنى بلدية صفاقس بعد محاضرتي حول المشهد الثقافي المقدسي

وبعد جلسة عصف ذهني تقرر إقامة معرض صور في صفاقس، يضم صورًا للقدس بعيون تونسية وصورًا لـ "صفاقس بعيون فلسطينية"، سيتم إقامته في قلعة رومانية تقع تحت الأرض. كما سيتم إطلاق تسمية القدس  العاصمة الدائمة  للثقافة  العربية على إحدى الحدائق الخمسة التي سيتم إنشاؤها في صفاقس ضمن برنامج مقاليات العام 2016.

 من جانب آخر، وعندما وقعت عينيّ معالي وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو على كتاب "كان يا ما كان في صفاقس" لمؤلفه "محمد الحبيب السّلّامي"، كلفني بمطالعة الكتاب وتقييمه من أج العمل على إعادة طباعته بحلة فلسطينية جميلة، تجعل صفاقس تأخذ مكانها الذي يليق بها في ذاكرة المثقف والقارئ الفلسطيني.

عند مطالعتي المتمعنة لهذا الكتاب، الذي فاز بجائزة بلدية صفاقس للإبداع والتميز في العام 2014[3]، وجدت أنه صادر عن "مكتبة علاء الدين" في صفاقس في العام 2014، وصاحب هذه الدار هو صديقنا "عبد الرزاق كمّون" المذكور أعلاه. يضم الكتاب بين غلافيه (251) صفحة من القطع المتوسط، يتوزع عليها خمسة عشر عنوانًا، تبدأ بسرد حول تاريخ صفاقس وبعض مواقعها الجغرافية وتنتهي بالطفولة، من حيث: العادات والقصص والألعاب والألغاز. وما بين هذين العنوانين من العقائد والاجتماعيات والصحة والتجارة والصناعة، وظرفاء في صفاقس وغير ذلك من العناوين التي تشكل في مجموعها حكاية مدينة صفاقس. ويتألف كل عنوان منها من مقاطع قصيرة ذات صلة بالعنوان، أوردها المؤلف كما هي لاعتقاده بأن القارئ بفطنته وذكائه قادر على أن يغربل ما يوضع في غرباله من هذا الكتاب؛ فيقبل التّبر ويطرح التّبن.
بعد الانتهاء من الكتاب، ولقناعتي بما احتواه من ثقافة، بل تنوع ثقافي، أوصيت لمعالي الوزير بضرورة طباعته بنسخة فلسطينية، لكي نضع بين يدي مواطننا وكتّابنا ومثقفينا أسلوب سرد جديد لأحداث المدن والتوثيق لها، كما أننا نحقق حالة من المثاقفة التي يجب أن تتحقق عبر تنفيذ اتفاقية التوأمة قيد النقاش. ولكي تتعمق حالة المثاقفة هذه أرى بضرورة قيام الصفاقسيين بطباعة كتاب تراثي مقدسي، وآخر تلحمي (نسبة إلى بيت لحم)، يضع المواطن هناك في صورة القدس وما وقع على أرضها من أحداث عبر التاريخ.   
ثالثًا: معالم صفاقسية تحدث أخبارها!
منذ اللحظة الأولى التي وطأت أقدامنا أرض صفاقس قادمين، برحلة جوية، من تونس العاصمة تم استضافتنا في مقر إقامتنا في فندق الزيتونة؛ ذلك المعلم الحضاري والتاريخي الذي يعود تأسيسه إلى العام 1923، حيث كان يتألف من أربعة طوابق، وقد تم إعادة تأهيله وتوسعته في العام 2001، وهو يربض على شاطيء البحر الأبيض المتوسط بالقرب من الميناء التجاري الصفاقسي.

صورة لفندق الزيتونة، ويظهر فيها الفندق كاملًا (القديم والإضافة)
ثم شرعنا بالتحرك في تلك المدينة الساحلية العريقة بالآثار والتراث وفنون العمارة. فكانت إطلالتنا الأولى على صفاقس من أمام "سور المدينة" الذي شهد احتفالية الافتتاح، وسط فرح عارم للجمهور التونسي، حيث تم عليه العرض الثلاثي الأبعاد؛ وهو سرد لتاريخ المدينة، ودورها في مقاومة الاحتلالات المختلفة عبر العصور.
يروى أن مدينة صفاقس أنشئت أوائل القرن التاسع الميلادي زمن حكم الدولة الأغلبية في أفريقيا، وبعد نحو خمسين سنة أحيطت بسور طوله (600) متر وعرضه (400) متر وارتفاع يصل إلى (12) مترًا، بني بالطوب أولا ثم جدد بالحجارة، وكان له دور فعال في الدفاع عن المدينة في فترات صعبة منها: الاحتلال النورماني، هجمات الإسبان وفرسان القديس يوحنا بمالطا والبنادقة[4]. وتيعود أهمية هذا السور إلى أن هندسته عربية إسلامية، ولأسواره الشاهقة الحامية من الأخطار الخارجية، ويتخلله اليوم  (12) باباً[5].
جانب من سورة مدينة صفاقس
ومن بين الآثار العريقة التي تحركنا تحت سقفها قصر بلدية صفاقس، الذي ينتصب وسط المدينة، ويتمتع بخصائص تبهر الناظر إليه وتجعله يتوقف معمقًا عند هذا المعلم الحضاري الشاهق. وبالاطلاع على نشرة خاصة بهذا القصر من إعداد بلدية صفاقس، يتبين أن من قام بتصميم هذا المعلم الفريد "المهندس المعماري الفرنسي رفييل غي" الذي مزج فيه بين الطابع العربي الموريسكي والطابع الأوروبي. وبني هذا القصر في العام 1906م، وساهم في بنائه فريق من مهندسين معماريين وبنائين أغلبهم إيطاليين ومالطيين وتونسيين، ثم شُرِع بتنفيذ أعمال توسعة فيه بصفة تدريجية خلال الفترة (1912-1943).
قصر بلدية صفاقس
ختامًا،
وفي نهاية هذا المقال الذي تأرجحت فيه بين السرد الصحفي، وبين أدب الرحلات، وما بينهما من أسلوب التعبير عن الوجدانيات والمشاعر الشخصية، وجدت نفسي أشعر بالحزن وأنا مضطر لمغادرة الحديث عن صفاقس وأهلها، ممثلين بصديقي "عبد الرزاق كمون" صاحب دار النشر "مكتبة علاء الدين"، الذي وضع أمامي جميع إصدارات داره تلك، وطالبني بانتقاء الكتب التي أريد، وكأني به يريد لكتبه تلك أن تطأ أرض فلسطين التي أحبها وأحبّ أهلها حبًا جمًا، لكي ينثر المعرفة والعلم في ربوعها الطاهرة التي دنّسها الاحتلال البغيض منذ قرن من الزمن.
لقد غادرت تلك المدينة الأصيلة بأهلها، وأنا مرتبط وجدانيًا بحديثها المضيء الذي يخطف الأبصار لشدة جماله ولروعة هندساته وحداثته، الذي يحكي قصة مدينة منفتحة على العالم وعلى الحضارة، وقديمها الذي يحكي قصة مدينة قطنها أناس طيبون، عبر العصور، فأبدعوا في العلم والأدب، كما أبدعوا في تطويع البحر لخدمة أهدافهم في التنمية الاقتصادية والعيش الكريم. كما تميزوا بقدرة عالية على الصمود في مواجهة الغزاة؛ وهذا ما كان في سرد قصة مدينتهم في احتفالية إطلاق "صفاقس عاصمة للثقافة العربية" التي عرضت على سور المدينة الشاهد الرئيسي على بطولات الصفاقسيين في مواجهة المستعرين عبر العصور، والتي آخرها المستعمرين الفرنسيين.
ها نحن من فلسطين وعاصمتها القدس، ومن بيت لحم التي تتهيّأ لاستلام الشعلة في العام 2020، ننظر إلى التجربة الصفاقسية كعاصمة للثقافة العربية نظرة إجلال وتقدير، ونجد فيها تجربة ملهمة لنا في السعي نحو بيت لحم عاصمة للثقافة العربية في العام 2020.
هكذا؛ تكون "سبعون ساعة في صفاقس" تجربة حفرت في الذاكرة ما لا يُنسى من طيبة صفاقس وحسن خلق الصفاقسيين، مما يجعلنا نتلهف للعودة إليها مرّة أخرى، سواء بأشخاصنا أو بغيرنا؛ لكي ننهل المزيد من المعرفة ونشاهد المزيد من الإبداعات.
بيت لحم، العبيدية، 11/08/2016م

علق على هذا المقال السيد وسام من وزارة الخارجية التونسية wissem.boudriga@gmail.com:
يسعدلي صباحك أستاذي الكريم
لقد قرأت مقالك البارحة بالليل قبل أن أخلد إلى النوم، وما شدّ انتباهي هو أنّه مقال شافي وكافي وضافي، يُلخّص جلّ مراحل الرحلة والإقامة بصفاقس ويروي تفاصيل التظاهرة. فقد أتيت على التعريف بمدينة صفاقس وهذا مهم، والأهم أيضا تطرّقك إلى مختلف الفقرات المكوّنة لبرنامج التظاهرة
الساعة: 09:40 ص الأربعاء، بتاريخ: 16/08/2016

إرسال تعليق Blogger

 
Top