0
مشهور البطران في مجموعته القصصية "أوهام أوغست اللطيفة":
ثِيَمٌ متعددةٌ.. والاحتلال نقيض الفرح
نشر في صحيفة القدس، بتاريخ: 06/08/2016، ص: 18
                                                         عزيز العصا
مشهور البطران؛ كاتب فلسطيني، من بلدة إذنا الواقعة غرب خليل الرحمن، قادم من عالم العلوم الطبيعية إلى عالم الأدب والسرد الروائي والقصصي وغير ذلك من الأجناس الأدبية. صدر له مؤخرًا روايته "السماء قريبة جدًا". وأما العمل الأدبي الذي نحن بصدده فهو: مجموعته القصصية بعنوان "أوهام أوغست اللطيفة"، التي تتألف من عشرين قصة قصيرة، تتوزع على (165) صفحة من القطع المتوسط، وأما حجمها فيتراوح بين الخاطرة التي تقل عن نصف صفحة، والقصة القصيرة التي كانت أطولها في 18 صفحة. وعنوان المجموعة هو صورة طبق الأصل لعنوان إحدى قصص المجموعة.
إن قراءة متأنية لهذه المجموعة القصصية تمنح القارئ فرصة التجول بين الفانتازيا والغرائبية والواقعية. إذ أن لكل قصة "ثيمتها" الخاصة بها، وجاء السرد القصصي لعدد من القصص مستندًا إلى الأساطير، والخوراق وما وراء الطبيعة، وتم تصوير الأحداث في فضاءات وهمية، فاستخدم صورة "المارد" الذي شكّله وصمم صفاته كيفما يشاء، وصمم إنسان غامض أسماه الرجل الأزرق، مما مكّنه من التحرر من الاشتراطات الواقعية في إدارة أحداث تلك القصص؛ فالمارد يقضم الأصابع البشرية بتلذذ، والقط يعتني بصاحبه ويأخذ دور الراعي والموجه، والرجل يبقى على قيد الحياة بعد أن يُقتلع قلبه من جوفه، والقصة تعض ساق مؤلفها وتلاحقه حتى يتبين أنها وفيّة وكاتبها هو الخائن الجحود، والنهر يغدو شاعرًا، والصراصير في زمن ما تصبح سيدة الموقف، ولا أحد يستطيع التحرر من سطوتها.
لكل مشهد من تلك المشاهد الفانتازية أو الغرائبية دلالات رمزية ذات صلة بالصراع القائم على الأرض، بأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية... الخ، وما يسود ذلك من ظلم اجتماعي يمارسه القوي على الضعيف، بلا هوادة ولا رحمة. إلا أنني، من وجهة نظري وكما رأيتها، وجدت الكثير من "فانتازيا-البطران" في مجموعته هذه تتطابق مع الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني مع الاحتلال. ذلك الاحتلال الذي يأخذ أشكالاً غرائبية من حيث حضوره "المرعب" في كل مكان على هذه الأرض وسطوته المصحوبة بالقوة المفرطة، وأنه نقيض الفرح والجمال والسرور والاستقرار.
ويمكن القول أن قصة "حرب الصراصير"، التي هي أطول قصص هذه المجموعة، هي قصة تجمع بين الفانتازيا والواقع ومستوحاة، بشكل مباشر، من صراع الفلسطينيين مع الاحتلال. فقد تمكنت "الصراصير" من تحقيق وجودها في البيت وفرض شروطها على صاحبه، وتمديد فترة المفاوضات بينها وبين صاحب البيت، عبر وسيط، إلى أجل غير مسمى، فقام صاحب البيت بممارسة سطوته على أبنائه، في حين أن "الصراصير" أحكمت سيطرتها على معظم المرافق الحيوية في البيت، الذي لم يبق فيه سوى معازل صغيرة، أصبح التنقل بينها شبه مستحيل.
أما القصص الواقعية فقد توزعت بين الاجتماعية والصحية والثقافية والمعرفية. ومنها ما يفضح ممارسات الاحتلال ويشير إلى استحالة التعايش معه، لا سيما وأنه لا ينظر إلينا كشعب قائم على هذه الأرض وله حقوقه المشروعة في العيش الكريم، وإنما يشير بمصطلح "المناطق" الفلسطينية؛ بهدف نزع الصفة السياسية والتنظيمية الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين.
    من جانب آخر، نجد أن "البطران" في مجموعته هذه قد حرص على "حياكتها" لتشكل، فرادى ومجموعة، رافدًا مهمًا من الروافد الثقافية والمعرفية للقارئ.
خلاصة القول
لقد جاءت قصص هذه المجموعة القصصية مليئة بالقيم والمثل الإنسانية والحث على الصمود والمثابرة، وعدم الاستسلام لمنطق القوة، والاستبسال في الدفاع عن الكرامة. أما بشأن اختيار قصة "أوهام أوغست الأخيرة"، فيبدو أن "البطران" اختارها عنوانًا لمجموعته، لما فيها من جمالية السرد والحوار حول المرأة الذي أججته الشعرة الكستنائية في نفس بطل القصة. 
وأما بشأن "الفانتازيا"، فقد جاءت المشاهد الفانتازية في هذه المجموعة القصصية قاسية على النفس، ولا تخلو من البشاعة. إلا أنني أرى بضرورة تطوير الفانتازيا والغرائبية في السرد القصصي، بخاصة الجيل الناشئ؛ لما لها من أثر في تنمية الخيال وتطوير القدرة على التفكير الحر. وهناك إجماع لدى العلماء على أن "الفانتازيا" ذات ضرورة قصوى في حياة الشعوب.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 23/04/2016م



 





 


إرسال تعليق Blogger

 
Top