كتاب نادي الموظّفين في القدس "عيْنٌ على القدسِ":
يوثق للمرحلة.. يُنوِّع في مصادر المعرفة.. ويكشف عن جرح
القدس النازف
نشر في صحيفة القدس
المقدسية، بتاريخ: 19/11/2017، ص: 14
عزيز العصا
نادي الموظفين بالقدس؛ من أعرق الأندية على مستوى الوطن الفلسطيني بشكل عام،
وعلى مستوى القدس بشكل خاص. فقد دخل عقده السابع منذ سنتين (تأسس في العام 1955).
وعند مراجعة ملفاته القديمة والحديثة، على المستوى الرياضي، تجد بصمته واضحة؛ عبر
إبداعات إداراته ولاعبيه في الحقب الزمنية المختلفة.
في الآونة الأخيرة، ومنذ بضع سنوات، أخذت إدارات النادي
تتجه نحو تطبيق شعار النادي، على الأرض: رياضي-ثقافي-اجتماعي (تعاوني)؛ وذلك
بتفعيل الأنشطة الثقافية والاجتماعية للنادي في القدس بشكل خاص، وأينما يمكن
للنادي تنفيذ أنشطته تلك، داخل الوطن وخارجه.
أخيرًا؛ صدر عن النادي كتاب بعنوان: "عينٌ على
القدس"، قام على إعداده وتنظيمه وضبط إيقاعه رئيس النادي الحج محمود أبو
غزالة. وسوف نتناول، في هذا المقال، هذا الكتاب بالقراءة والتحليل، محاولين وضع
القارئ الكريم في صورة محتواه العلمي.
صدر كتاب "عينٌ على القدس"، بطبعته الأولى في
العام 2017، ويقع في (160) صفحة من القطع المتوسط، عن دار الجندي للنشر والتوزيع؛
وهي دار نشر مقدسية الهوى والهوية، ومؤسسها وصاحبها "سمير الجندي" من
أصحاب الأقلام المقدسية التي توثق للقدس، ماضيًا وحاضرًا، وترسم ملامح المستقبل
الواعد؛ بلا احتلال يجثم على صدرها.
يتضمن الكتاب خمسة عشر محاضرة، مسبوقة بمعلومات عن
النادي؛ تشمل رسالته وأهدافه ومسيرته، عبر ستين عامًا، وجوانب من أنشطته الرياضية
والاجتماعية والثقافية، وينتهي بدمعة أسى وحنق وغضب، تستقر في الحلق على
"القرى المهجّرة في القدس" منذ النكبة التي مني بها الشعب الفلسطيني في
العام 1948. ولم ينس "أبو غزالة" توديع القارئ بالإشارة إلى ما قيل في
النادي وحوله من عدد من الشخصيات الفلسطينية، كقول اللواء جبريل الرجوب: من لا
يعرف نادي الموظفين لا يعرف القدس، وقوْل المحامي أحمد الرويضي: "نادي
الموظفين له الحضور المميز رياضيًا وثقافيًا رغم فقدانه مقره الرئيسي". وقد
تم اختيار هذيْن القوْليْن للإشارة إلى أن هذا النادي العريق، الذي يُذكر كلما
ذُكِرت القدس، يعاني شظف عدم الاستقرار والفقر الدائم!
هدف الكتاب إلى الإشارة للوجه الثقافي والمعرفي للنادي،
الذي اختط سياسة التوعية والتثقيف لأعضاء هيئته العامة وأصدقائه ومريديه،
والمقدسيين عمومًا، فضم بين غلافيه توثيقًا لما قام به النادي من أنشطة ثقافية
ومعرفية خلال الأعوام (2014-2016).
كانت المحاضرة الأولى حول "الاستيطان وتداعياته على
الوجود المقدسي"، يتبين منها أن الحكومات الإسرائيلية ترفع شعار "لا
صهيونية بدون استيطان، وأن واجب الاستيطان يفوق في أهميته الدينية واجب المحافظة
على حياة الإنسان". وأن الاستيطان في القدس يتركز في ثلاث دوائر: دائرتان
حول القدس بمثابة غلاف خارجي محصن للمدينة، ودائرة داخل البلدة القديمة، وتتركز
حول المسجد الأقصى المبارك. ثم يستطرد المحاضر، مبينًا أنواع الاستيطان في القدس
وحولها، وأشكاله وحجمه، وصولًا إلى جدول يبين سيطرة المنظمات اليهودية وعصابات
المستوطنين على البلدة القديمة، بعد الاستيلاء على أملاك العائلات المقدسية التي
كانت تعمر المكان عبر مئات السنين، وبلا انقطاع.
وفي محاضرة أخرى، تتكامل مع المحاضرة السابقة، وهي بعنوان
"قانون أملاك الغائبين والاستيطان في القدس يبلغ ذروته"، ناقشت القوانين
الظالمة، النابعة من عنجهية المحتل، التي يسنّها الاحتلال في القدس؛ بهدف السيطرة
على أملاك المقدسيين وطردهم من مدينتهم. ومن تلك القوانين: قانون أملاك الغائبين،
وقانون الحماية، والقانون الأخطر من بينها المسمى "الجيل الثالث"؛ الذي
يصادر المبنى من قاطنيه بعد موت الجيل الثالث من المستأجرين.
وهناك سبع محاضرات تطرقت إلى واقع القدس، والظروف
المأساوية للمقدسيين في مجالات: التعليم، والصحة، والسياحة، والمرأة، والاقتصادي،
وواقع الطفولة والشباب، والإسكان.
بقراءة متأنية لهذه المحاضرات، والمداخلات المتصلة بها
من قبل الحضور، نجد أن واقع القدس والمقدسيين ينذر بالسوء، وأن هناك فرقًا شاسعًا
بين الخدمات، في جميع المجالات بلا استثناء، في غرب مدينة القدس وشرقها، لدرجة أن
متوسط الأعمار في غربي القدس (70-75) عامًا، وفي شرقيها (62-65) عامًا.
على المستوى الصحي هناك نقص حاد في التخصصات الطبية في
القدس. وأما القطاع السياحي المقدسي، الذي يعاني من تحريض الأدلاء اليهود، فيشهد
تراجعًا ملحوظًا وانكماشًا في مرافقه العامة، وأن قيمة القطاع السياحي في إسرائيل
حولى (43) ضعفًا مقارنة مع فلسطين. وأما على المستوى التعليمي والاجتماعي المتعلق
بالمرأة والطفل والشباب والسكن، فيتبين أن من القدس تعاني من تدني مستوى التعليم،
وانتشار ظاهرة التسرب بين طلبة المدارس، وعدم تأهّل بعض المدارس، وأن الأسر
المقدسية تعاني من الفقر والضائقة السكنية. في ظل تلك الظروف والعوامل القهرية
المخيّمة على أجواء القدس، يمكننا تقدير الأوضاع المأساوية للأسرة الأسرة
المقدسية، بخاصة المرأة والطفل والشباب من مختلف الأعمار.
هناك محاضرتان تتعلقان بالقضايا العقدية والفكرية
والتراثية، هما: المسجد الأقصى تاريخ وعقيدة؛ بينت مكانة المسجد الأقصى المبارك
وتاريخه وفضائله. وعرض كتاب "الإسلام والأيام العالمية"؛ يناقش أربعين
يومًا عالميًا، ويبين رأي الإسلام فيها، القائم على أن الإسلام لا يتعارض مع
الأيام العالمية؛ لأنه سبق العالم في كل منها، من خلال القرآن الكريم والسنة
النبوية الشريفة. ومحاضرة حول "الكتب والمخطوطات المقدسية"؛ تبين منها
أن القدس كانت صانعة الكتب، وأن الشعب الفلسطيني مني، منذ العام 1948 حتى تاريخه،
بنكبة ثقافية، إلى جانب الأبعاد والأوجه الأخرى للنكبة.
وأما في المجال السياسي، وتشخيص الواقع الدولي، فقد تم
تنظيم ثلاث محاضرات، هي: يد الله مع الجماعة؛ التي تحث على وحدة الشعب والأمة
والتخلص من ثقافتي الجهل والهزيمة. ومحاضرة حول "المبادرة الفرنسية"؛
التي تبين منها أن "إسرائيل" تتعنت وترفض كل المبادرات، بدعم أمريكي
مطلق. ومحاضرة ثالثة بعنوان "إخفاقات أوسلو والبدائل المطروحة"؛ التي
أكدت على أن "إسرائيل" تهرب من استحقاقات الفلسطينيين –وفق اتفاقية
أوسلو-، وتسعى إلى فرض الاستسلام الاستراتيجي على الفلسطينيين.
خلاصة القول،
هناك عبارة طالما رددها الباحث المقدسي "خليل
تفكجي"، وهي: "أسنبكي على القدس كما بكينا على الأندلس". ويقول
"التفكجي" هذه العبارة، عادة، كلما استذكر "تراخي العرب والمسلمين
عن حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية؛ مما يسهّل على الاحتلال تهويد
المدينة" (الكتاب، ص: 68). وقد أردت من هذا الاقتباس الإشارة إلى أن عاصمة
الأمة في خطر حقيقي، وأن كرامة الأجيال القادمة على المحك.
إذا ما تركنا الأمة وشأنها، حتى تستفيق و"تفئ إلى
أمر الله"، فإن الواجب علينا، نحن من يقبض على جمر القدس وما يعانيه أهلها، اليقظة
والحذر، وعدم الاستسلام لما يخطط له الاحتلال ويفرضه على الأرض. ونتوجه إلى
المختصين وصانعي القرار بضرورة تحمل مسؤولياتهم، بالعمل على طرح الخطط العلاجية،
وتنفيذها على الفور، وبدون أي تردد. وأما الغيارى على القدس وأهلها، فإننا ندعوهم
لإيقاد قنديل الزيت المقدسي الذي ما إن انطفأ، لا سمح الله، فإنكم لن تروا مكان قدمكم
بين أمم الأرض التي لا تحترم متخاذلًا ولا مهزومًا، مهما كانت ثروته وعلوّ قصوره!
بقي أن نتوجه إلى نادي الموظفين في القدس، ممثلًا برئيسه
"أ. محمود أبو غزالة" وهيئته الإدارية، بالشكر على هذه المحاولة
التوثيقية الجادة. والتوصية باستمرار تسليط الـ "عين على القدس"
والتوثيق بمنهجية أكثر وضوحًا، وبطريقة علميّة تضئ الطريق أمام الباحثين في الشأن
المقدسي، داخل الوطن وخارجه.
فلسطين، بيت لحم، العبيديّة، 08/11/2017م
إرسال تعليق Blogger Facebook