د. سمر البرغوثي.. وطائر الأرجوان
يحلقان فوق فلسطين عبر خمسة آلاف عام
نُشِرَ في صحيفة القدس
المقدسية، بتاريخ: 26/11/2017م، ص: 14
عزيز العصا
المقدمة والتقديم
د. سمر جودت البرغوثي؛ باحثة
فلسطينية في الشأن السياسي، وتركّز جلّ اهتمامها على القضية الفلسطينية. وهي تحمل
درجة الدكتوراة في هذا الموضوع، وأطروحتها بعنوان: سمات النخبة السياسية
الفلسطينية؛ قبل وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية -أصبحت كتابًا بنفس العنوان
صادر عن مركز الزيتونة للدراسات في العام 2009-. رغم أن بحثها ينتمي لحقبة زمنية
حديثة، إلا أنها تنحى باتجاه العمق التاريخي البعيد لفلسطين والفلسطينيين. ولتحقيق
ذلك، تقوم على صياغة الكتب والقصص الموجهة للأطفال والفتيان، وإنتاج الأفلام
السينمائية. وقد أسست مؤسسة «أنتمي» لأبحاث التراث
للأطفال والنشء.
وأما العمل الأدبي الذي نحن بصدده لـ "د. سمر البرغوثي" فهو كتاب "طائر
الأرجوان... فلسطين، تاريخ وحكاية"، كقصة موجهة للفتيان. وقد صدر الكتاب عن
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ويقع في (55) صفحة من القطع المتوسط المربّع.
وتتمثّل عتبة هذا الكتاب، بغلافه الكرتونيّ، الذي يحمل لوحة جميلة، تتمتع بسيمياء
عالية، ينبئ القارئ عن نصٍّ جميل.
القصص: أسلوب فعّال في بناء شخصية الطفل
قبل التجوال في ثنايا هذا الكتاب، لا
بد من مراجعة فكرية ومنهجية لأدب الأطفال والفتيان، الذي يختلف عن الأدب الموجّه
للكبار ويتميز عنه. فالطفولة هي المرحلة "التكوينية" المهمة، وفي هذه
المرحلة تعد القصة، كحكاية قصيرة، من الأساليب الفعالة في التثقيف وفي التنشئة الاجتماعية. وتعيد "أمل
دكاك" أثر القصة ودورها في تنمية الطفل إلى العديد العوامل والأسباب، أهمها[1]:
-
تشكل القصة مدخلاً أساسياً لنمو
الطفل عقلياً وارتقائه معرفياً.
-
هي من أشد ألوان الأدب تأثيراً
في نفس الطفل؛ لأنها تتضمن تلك المثيرات الباعثة على تشكيل سلوكه وتكوين شخصيته.
-
تُعد القصة مجالاً مهماً لنمو
وعي الطفل وتطور إدراكه الاجتماعي.
-
تعد القصة وسيلة من وسائل نشر
الثقافة والمعارف والعلوم والفلسفات.
-
تؤدي دوراً كبيراً في تكوين
مهارات الاتصال الكلامي عند الأطفال.
وهناك العديد من
العوامل والانعكاسات والآثار التي تتركها القصة في نفوس الأطفال، والتي يصعب حصرها
في هذه العجالة. إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن الأطفال يميلون إلى الاتحاد
بشخصيات القصص ومحاكاتها وتقمص مواقفها. وفي ذلك تأكيد على أنه يمكننا تشكيل شخصية
الطفل من خلال مجموعة القصص التي نسردها له، أو يقوم بقراءتها وفهمها والتفاعل
معها.
قصة "طائر الأرجوان": تكثّف النص.. وتوجز
تاريخًا طويلًا
بقراءة
متمعنة في كتاب-قصة "طائر الأرجوان" الموصوف أعلاه، وجدت أن "سمر البرغوثي" قد أعادت صياغة تاريخ
فلسطين الممتد على مدى خمسة آلاف عام، وهي تتجول مع طائر الأرجوان الجميل؛ بما
يجعل القارئ ملمّا بأرز الأحداث التاريخية على هذه الأرض، عبر تلك الحقبة الطويلة
جدًّا، عندما وزّعتها على المرتكزات التالية:
1)
هجرة القبائل السامية من شبه
الجزيرة العربية إلى بلاد الشام (فلسطين جزء منها).
2)
قبل خمسة آلاف عام، من شبه
الجزيرة العربية أيضًا، وصلت القبائل العربية الكنعانية. وبمساعدة العصفور الأرجواني،
قام الملك سالم؛ ملك قبيلة يبوس الكنعانية، ببناء مدينة "أور سالم" –القدس-.
3)
عاش الكنعانيون في عاصمتهم،
وحولها، آلاف السنين، وامتدوا حتى اليونان، التي أدخلوا إلها شجرة الزيتون، وأطلق
عليهم اليونانيون إسم "الفينيقيون أسياد البحار".
4)
بعد ألفي عام أخرى –أي قبل ثلاثة
آلاف عام من الآن-، ومن الجزيرة العربية أيضًا، قدمت قوافل من العبرانيين بقيادة
نبي الله إبراهيم عليه السلام. وعندما قلّ المطر، بعد سنوات، غادر العبرانيون وبقي
الكنعانيون.
5)
جاءت هجرة جديدة من اليونان
لقبائل "الفلستينيون"، واستقرت في أرض فلسطين إلى جانب الكنعانيين.
6)
بعد مئات السنين، عاد العبرانيون
بقيادة نبي الله موسى عليه السلام، وتاهوا في صحراء سيناء أربعين عامًا قبل أن
يصلوا إلى أرض كنعان الخصبة.
7)
بدأ العبرانيون الحرب على
القبائل "الفلستينية" المسالمة، على مدى سبعين عامًا. فحزن عصفور
الأرجوان، على أصدقائه "الفلستينيين" وهم يُطردون، فأطلق على أرض كنعان
إسم "فلسطين". ثم انهزم العبرانيون ورحلوا عن أرض فلسطين.
8)
بقي الكنعانيون على أرض فلسطين.
وقبل ما يزيد عن ألفي عام ولد رسول المحبة والسلام على أرض فلسطين، الذي جاء
مخلصًا للبشرية من الكراهية والحروب.
9)
عندما غاب نبي الله عيسى، عادت
الحروب والخراب والتدمير.
10)
وبعد هذا الغياب بنحو ستمائة عام
أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، للبشرية جمعاء. وأسري به،
بلمح البصر، إلى مدينة القدس، وعم على أرض فلسطين السلام.
11)
في العام 1948 بدأت عصابات
مسلّحة، من مهاجرين قادمين من وراء البحار، بمحاصرة مدن فلسطين وقراها، على نحو
ثلاثة أرباع أرض فلسطين، وأخرجوا الفلسطينيين من ديارهم بالقوة والقتل والإكراه.
وبعد نحو عشرين سنة أخرى أكملت تلك العصابات السير، واستولت على ما تبقى من أرض
فلسطين.
12)
بعد سنوات، خرجت مجموعة من
الأطفال في مسيرة، وخرج معهم الشيوخ والرهبان والطلّاب. التقط طفل من الأرض حجرًا
صغيرًا، ورماه في الهواء باتجاه جندي احتلال. انطلق الحجر كسهم خارق، وانطلق معه
إلى السماء عصفورٌ صغيرٌ أرجواني اللون؛ مراقبًا الأطفال وهم يرمون الحجارة باتجاه
المحتل.
13)
ها هو العصفور الأرجواني، قد عاد
إلى سماء فلسطين، ينتظر استقبال ملايين اللاجئين الفلسطينيين العائدين إلى بلادهم
"فلسطين"، وعاصمتها القدس، عاصمة كل الدنيا.
هذه
المعلومات، وما يتصل بها من لزوم السرد، مما يمكن جمعه في نحو خمس صفحات، تم
توزيعها على (58) صفحة؛ بواقع (50-100) كلمة في كل صفحة، بأسلوب قصصيّ شيّق.
قصة "طائر الأرجوان": تمنح المعلومات
التاريخيّة صدقًا ومصداقيّة
جاءت كل
سرديّة في هذه القصة مصاحبة لرسوم تعبيرية ملائمة للمحتوى، مما يبث روح الحركة في
النص ويجعل القارئ، لا سيما الطفل، ينطلق في القراءة، ويتمايل مع الرسومات المشبعة
بالأشكال والألوان التعبيرية، كأداة تسهم في خلق
حالة من التفاعل بين الطفل والنص. كما جاءت الرسومات جذّابة وجميلة، تسهم في تنمية
الخيال والفكر لدى الطفل المتابع للنص.
كما وجدتُ أن تلك الرسومات شكلت حاضنة دافئة للثقافة والتراث
والهوية المجتمعية؛ عندما حافظت على النسق التراثي الكنعاني، من حيث الملابس
والمقتنيات، والصناعات، والسيمياء الخاصة بالجد والاجتهاد من قبل أصحاب الأرض
الأصليين، في استثمار الأرض، وركوب البحر، وما يظهر فيها من أدوات الإعمار ووسائله
وطرائقه. مع الإشارة إلى المعتدين والغرباء بأنساق مختلفة؛ يبدو عليهم الشرسة
والعنف والتحفز الدائم للقتل وإراقة الدماء.
وأما توظيف "طائر الأرجوان"، الذي أطلقت عليه
"عصفور الجنّة"، بلونه الجميل، وذيله الطويل الملوّن، ومنقاره الأصفر
اللمّاع، وعينيه البراقتين، كـ "بطل" للقصة وكموسيقى خلفية للسارد، مما
أضفى على السرد سمات متعددة من صدق العاطفة، وجمال السلام والإعمار، وبشاعة الحرب.
فكل ما يريح الطائر الأرجواني ويبهجه يكون من رموز السلام
والمحبة، ومكوناتهما. وكل ما يُحزنه ويُقلقه يكون من عناصر الدمار والهلاك
والكراهية، ويدفعه إلى الهجرة بعيدًا والاختفاء عن الأعين؛ لأنه لا يمنح
"بركاته" للشرّيرين والغرباء العدوانيين. لذلك؛ نلاحظ أن الطائر
الأرجواني اختفى من السماء، ولم يظهر إلا عندما أخذ يُعدّ نفسه لاستقبال ملايين
اللاجئين الفلسطينيين العائدين إلى ديارهم التي طُردوا منها ظلمًا وبقوة
السلاح.
الخلاصة،
قبل مغادرة
هذه المحاولة النقدية المتواضعة، وبعد أن تأكد لنا أهمية القصة للطفل، وأهمية أن
نسرد تاريخ قضيتنا العادلة على أطفالنا، بالصدق والمصداقية التي عرضتها المؤلفة "د. سمر البرغوثي"،
خصّيصًا للأطفال، فإنه لا يمكننا أن نتوارى خلف كبريائنا، وندّعي معرفتنا الكافية
بهذا التاريخ، الذي نجهله، جزئيًا أو كليًا. وعليه، أرى بضرورة أن يقرأه الكبار،
ويعيدون القراءة، قبل أن يدفعوا به إلى الأطفال؛ لأن فيه ما يفيدكم أيها الكبار،
ويغطي "الناقص" من المعرفة لديكم!
بقي
التوصية بتحويل هذا النص إلى دراما مرئية ومسموعة للأطفال، على أن تتحلّق حولها
أسرة الطفل، من الجد إلى الحفيد، للتداول فيها، والتحاور حول تفاصيلها، وإضافة
الكبار من خبراتهم لمعرفة الصغار. كما أنني أرى بضرورة توفير سلسلة من القصص، وفق
هذه المنهجية الجميلة، وآلية السرد المبسّطة والواضحة. وكل ذلك يجب أن يكون في مدارسنا
ورياض أطفالنا؛ لتعم الفائدة في منح جميع أطفالنا فرصة التزوّد بالمعرفة، في كل
مكان وزمان.
فلسطين، بيت لحم،
العبيدية، 14/11/2017م
[1] دكاك، أمل (2012). القصة في مجال الأطفال ودورها
في تنشئة الأطفال اجتماعيًا. منشورات: الهيئة العامة السورية للكتاب. وزارة الثقافة
السورية. دمشق. سوريا. ص: 14-15.
إرسال تعليق Blogger Facebook