بهاء رحّال في روايته "الخريف المرّ": يعالج قضايا اجتماعية.. بنكهة انتفاضية بقلم: عزيز العصا

بهاء رحّال في روايته "الخريف المرّ":

يعالج قضايا اجتماعية.. بنكهة انتفاضية

نُشِرَ في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 15/12/2017   

                                                         عزيز العصا

http://alassaaziz.blogspot.com/

aziz.alassa@yahoo.com

المقدمة والتقديم

بهاء رحّال؛ كاتب وشاعر فلسطينيّ الأصل والنشأة والمعاناة، وواحد من أبناء فلسطين الذين اكتووا بالنكبة و/أو حملوها في جيناتهم الوراثية؛ كي لا ينسوا الوطن الذي ضاع. كتب في النثر وفي الشعر. يصيغ أفكاره ورؤاه، ويُنضجها، على نارٍ هادئة، ويقدمها لقارئ ينتظرها؛ لينهل منها ما هو جميل في عالم الفكر والأدب.   

أصدر ديوان "قصائدي الأولى"، ثم شرع للتو في الانزياح نحو الرواية. التينحن الان بصددها لـ"بهاء رحّال" بعنوان: "الخريف المرّ". صدرت بطبعتها الأولى، عن "مكتبة كل شئ"، في العام  2017م.

تبدأ الرواية بعنوان موجز ومكثّف، حمل أهمية سيميائية بارزة؛ ذلك أنه يقوم على ثنائية هي: "الخريف" و"المرّ"؛ الخريف بكل ما يحمله من إحالة على مفهوم الفصل من العام الذي ينبئ بالتحول في الطقس من الصيف الحار إلى البرد القارص، وما يصحبه من تعرّي الأشجار؛ بتساقط أوراقها، ومن أجواء تترك في النفس البشرية أثرًا جميلًا، وهو يعايش هذا التحول من الأخضر إلى الأصفر إلى اللالون. وعزز ذلك كله لوحة غلاف الرواية، أوراق الخريف من كل الألوان وهي تتشابك على الأرض، مشكّلة لوحة جميلة، بعد مغادرتها الشجرة الأم، وما في ذلك من دلالة سيميائية تتآزر مع العنوان، لينبئا القارئ عن نص مشبع بالمرارة والأحزان والتغيرات المفاجئة.

رواية شبه تسجيلية.. التقط شخصياتها من الواقع بالقليل من الرتوش 

في روايته هذه، استعار "بهاء رحّال" معمار روايته من بنية المجتمع، وتشكّل هذا المعمار من عناصر متشابكة؛ كسمات شخصياته الروائية التي التقطها من مجتمع الجامعة، ومن شريحة الموظفين، وتمكن من خلال النص الروائي، إظهار العوامل المتحكمة في مصائر تلك الشخصيات، وانعكاسات التطورات والتحولات السياسية والأمنية والاقتصادية على كل منها، وجاء السرد بطابع "شبه تسجيلي" للأحداث المحيطة بتلك الشخصيات.

توزّعت تلك الشخصيات بين الرئيسيّة الصلبة، والشخصيات الثانوية الهشّة؛ التي تم توظيفها في نطاق محدود ثم الاستغناء عنها. إلا أن هناك بطلًا، وهو "عميد"، ظل محورا يرتكز عليه الخيط الروائي، من أول الرواية حتى آخرها، ولم يختفِ عن المشهد حتى بعد وفاته. وآزره في البطولة مجموعة من الشخصيات النسوية، من شريحة المثقفات: "لميس" و"سماح" و"ريم" و"ماتيلدا-سامية" و"إيليانا".   

لقد استلهم لـ "بهاء رحّال" أحداث انتفاضة الأقصى وانعكاساتها المباشرة على الفرد والمجتمع في فلسطين؛ من حيث الأعداد الكبيرة للشهداء والجرحى والحواجز والإغلاقات ومنع التجول... الخ، ووظّفها كمشاهد في الأحداث الروائية المختلفة، حتى أنه قام بتوظيف بعض تواريخها وأحداثها بشكل تسجيلي مباشر؛ كما هي كحقائق على الأرض. أي أن حقبة انتفاضة الأقصى في مطلع القرن الحادي والعشرين، التي امتدت خلال الفترة (2000-2005)، شكلت البنية الزمانية للرواية. وأما البنية المكانية، التي تحركت شخصيات الرواية في فضاءاتها، فكانت مدينتا بيت لحم ورام الله بشكل رئيسي، وما تم توظيفه من أماكن أخرى مرتبطة بحركة الشخصيات الثانوية في الرواية.

بهذا، فإن الرواية تتأرجح بين الواقعية والتسجيلية، وما تطلبه الأمر من الوصف المفصّل للأحداث وتشعّبها، حتى أنها تراوحت بين الحقيقة والإيهام بها. ولتحقيق هذا كله، يكون الكاتب قد اطلع على الأحداث الحقيقية التي تم توظيفها في السرد، وواكب بعضًا منها. كما أن اختياره لأسماء شخصياته مستمد من الواقع، من حيث تطابقها مع أشخاصها وملاءمتها لسلوكياتهم.

أحداث الرواية وأبعادها المعرفية

لا بد لقراءة أي رواية، والاستمرار في قراءتها حتى النهاية، من عناصر للتشويق، وهذا ما وفّره "بهاء رحّال" في روايته هذه، منذ السطر الأول. لا سيما وأن عنصر الإثارة يتعلق بالعلاقة بين شاب وفتاة، وما يمكن أن ينشأ بينهما من مفاجآت، في الأجواء "النسوية" التي تتنافس فيها أكثر من امرأة على نفس الشاب. وهناك عنصر إثارة آخر يتعلق بانتفاضة الأقصى وما يمكن أن تضفيه على الأحداث من مفاجآت.

جاءت الأحداث متسلسلة، وفق المنظومة المجتمعية المعروفة، دون أن يكون هناك أحداثًا تخييلية تخرج عن المألوف. واتضح منها تطور العلاقة بين حبيبين، لم تنهتي بالزواج –كما كانت تخطط له المحبوبة- بل توِّجت بتبادل الوفاء بينهما، حتى النهاية بوفاة البطل.

رغم أن الكاتب وصف الانتفاضة المذكورة، وأجزل في تفاصيلها، إلا أن نهاية بطل الرواية لم تكن بالاستشهاد في الانتفاضة، إلى جانب الآلاف من الشعب الفلسطيني الذين ارتقوا شهداء في تلك الانتفاضة، وإنما توفي بسبب ضعف في عضلة القلب. كما برزت قضية قتل إحدى شخصيات الرواية على يد أهلها، على خلفية الشرف، بوشاية مغرضة من ابن عمها الذي رفضت الارتباط به. ما يعني قدرة الكاتب على بناء الأحداث وتوزيعها لتجعل الرواية أقرب ما يكون إلى البؤر الساخنة والمتوترة في المجتمع.

ولعل الكاتب –أو السارد- أراد من ذلك توسيع نطاق الأحداث، لتضيف أبعادًا معرفية جديدة. فإلى جانب الانتفاضة التي يقول فيها: "تلك الأجيال التي عليها أن تعلم كم كانت بلادهم وحيدة، وكم قال أجدادهم يا وحدنا"، نجد أن السرد يتضمن بعض المفاهيم الطبية، والمفاهيم المتعلقة بمسألة القتل على خلفية الشرف، التي يذهب ضحيتها عشرات الفتيات، سنويًا، في المجتمع الفلسطيني، رغم ضآلة حجمه.

خلاصة القول

هكذا، كنا مع سرد روائي، جاء بأسلوب سلس وخالٍ من التعقيدات اللغوية والمفاهيمية، وفيها من الشعر، للشاعر محمود درويش وغيره، ما شكّل إسنادًا ودعمًا وتعزيزًا للنص الروائي، دون أن يطغى الشعر على أجواء النص السردي، مما جعل الرواية قابلة للفهم وإدراك ما وراء النص من قبل القارئ، أيًا كانت ثقافته أو قدراته اللغوية.

إنها رواية وطنية-محلية؛ عالجت قضايا مجتمعية، ضمن حدود المكان والزمان المحدديْن، وتوافرت لبنيتها الغالبية العظمى من مقومات الكمال الفني. وقد وجدت فيها مثالًا حيًا على توظيف الأحداث الكبرى التي مرّت بها القضية الفلسطينية في أعمال روائية، بشكل انسيابي؛ دون أن يتم "إقحامها" كطارئ على النص. وفيها ما يشكل محاولة جادّة تسهم في ظاهرة النهوض في الأدب الفلسطيني، التي يشار إليها بالبنان على المستويين العربي والعالمي.

وأخيرًا، لا بد من الإشارة إلى شخصيات الرواية جاءت من شريحة مجتمعيّة ضيقة جدًا، ظهر فيها مقارعة الخمر والتدخين بشراهة، رغم أنها من شريحة المثقفين. والمبالغة في التوصيف أحيانًا؛ كتلك التي تشرب أربعة كؤوس من النبيذ في اول تجربة لها في تناول المشروب (ص:103)، أو ذلك القارئ الذي يقرأ كتابًا ما "عشرات المرّات" (ص: 42)، والاختلاف المفاجئ في دور السارد من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم (ص: 211).  وعلى المستوى الفني، هناك ما يلفت النظر كالفقرات الطويلة جدا، التي يقترب طولها من ثلاث صفحات في بعض المواضع (ص: 261-263). وهذا لا يعيب الرواية ولا يقلل من قيمتها، وانما هي دروس للأخذ بها في طبعة لاحقة إن شاء الله.

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 13/11/2017م