المسجد الأقصى: هموم رمضانية.. تتكرر رغم الجهود!
نشر في صحيفة
القدس المقدسية بتاريخ 22/06/2016م، ص: 17
عزيز العصا
لا شك في أن الحديث عن
المسجد الأقصى وهمومه وقضاياه، من
الأمور الواسعة التي تنقسم إلى عدة أبواب ومجالات، يصعب تغطيتها في هذه العجالة.
إلا أن الباب الذي يعنينا في هذا المقام، وفي هذه الأيام الرمضانية المباركة، هو
هموم المصلين المسلمين التي تتفاقم، ويتضخم أثرها في شهر رمضان المبارك من كل عام،
رغم الجهود المضنية التي تبذلها دائرة الأوقاف من أجل تذليلها والسيطرة عليها. وسوف نتطرق، فيما يأتي إلى تلك القضايا بشئ من
الاختصار. أولًا: حقائق إحصائية تتعلق بالمسجد الأقصى:
ومن الجدير ذكره أن أعداد المصلين التي يتم الإعلان عنها، تبتعد عن
الحقيقة، في معظم الأحيان، بخاصة في الأيام التي تمتلئ بها ساحات المسجد الأقصى
وباحاته بالمصلين. فإذا اعتبرنا أن المساحة التي يحتاجها المصلي الواحد هي (0,6)
من المتر المربع، وأن المساحة الإجمالية للمسجد هي (144,000) مترًا مربعًا، فإن
عدد المصلّين الذين يُصلّون كتفا بكتف، وعلى جميع المساحة، هو (233,333) مصلٍّ
فقط.
في حال احتساب المساحات التي لا يصلي فيها أحد، مثل: الأبنية المسقوفة؛
كالمدارس والمكتبات والمتاحف والقبب وأبنية الإعمار, والدرج، والبوائك، والجهة
الشرقية الخربة (كما هو مبين أدناه)، وباب الرحمة، ومبنى المحكمة الشرعية
والأسبلة، والتي تقدر بحوالي (35%) من المساحة الإجمالية للمسجد الأقصى، فإن عدد
المصلّين يصل في أقصاه (151,666) مصلٍّ فقط. أما العدد الإجمالي للمصلين الذين
يتمكنون من الصلاة في أماكن مسقوفة، تقيهم حر الشمس الحارق صيفًا، وتحميهم من
انهمار الأمطار والبرد الزمهرير شتاءً، نحو (11,000) مصلٍّ, وهذا يشكل ما نسبته
(7%) من العدد الإجمالي للمصلين, في الأيام التي يزدحم بها المسجد الأقصى بالمصلين
كالجمع الرمضانية وغيرها، وأن الـ 93% من المصلين يكونون في أماكن مكشوفة تمامًا.
ولمن يرغب بالتعرف على القدرة الاستيعابية للأماكن (المسقوفة)، فليلتف إلى ما
يأتي:
1) المسجد القبلي: مساحته عبارة عن (80م X55م = 4400م2)، وبخصم المساحات
المشغولة كالأعمدة الرخامية وغيرها, يكون عدد المصلين فيه حوالي (5,000) مصلّ.
وللتأكد من ذلك، قام الباحث بعد صلاة العصر من يوم الخميس بتاريخ (07/01/2016م)،
بعدّ أماكن المصلين، فكانت عبارة عن أربعة وخمسين صفًّا (الصف باتجاه شرق-غرب)،
وفي كل صف أربعة وتسعون شخصًا يمكنهم الوقوف متجاورين؛ القدم على القدم والكتف على
الكتف، أي أن عدد المصلّين يكون (54 X94م = 5076 مصلٍّ).
2)
مسجد قبة الصخرة: وقدرته الاستيعابية حوالي (2,000) مصلٍّ.
3)
المسجد المرواني: وقدرته الاستيعابية حوالي (3,000) مصلٍّ.
وهذا يعني أن الأعداد التي يتم الترويج لها في وسائل الإعلام هي غير دقيقة،
ولا يجوز الاستمرار في التعاطي معها. أي أن الإعلان عن صلاة مائتي ألف مصلٍ في
المسجد الأقصى هي أرقام غير دقيقة وغير صحيحة على الإطلاق.
ثانيًا: مشكلة ازدحام البوابات والطرقات بالمصلّين:
فلا أعتقد أن
أيًا منا أدى صلاة الجمعة، بخاصة الرمضانية وغيرها من الجمع المزدحمة بالمصلين،
وتمكن من الخروج من أي من بوابات المسجد، دون أن يعاني الأمرّين، عبر رحلة قد
تستغرق الساعتين حتى يصل المصلي/ة إلى باب العامود، الذي هو كذلك يعج بالمصلين
الذين يتدافعون من أجل استقلال الحافلات للعودة إلى مساكنهم التي، في معظم الجمع
الرمضانية يصعب عليهم الإفطار فيها؛ بل على الطريق. أما أسباب ذلك الزحام وعوامله
ومعززاته، فهي متعددة ومختلفة، منها:
1) تدافع المصلين؛ بما لا يدع مجالًا للأولويات للنساء والأطفال والشيوخ.
ولهذا الأمر علاقة مباشرة بثقافتنا، وعدم فهمنا الدقيق للضرر الذي يلحق
بالمتدافعين، من الجنسين، ومن الأعمار المختلفة، لفئات وشرائح مجتمعية توجهت
للوقوف بين يدي الله، سبحانه، طالبة الغفران. الأمر الذي يتطلب التركيز عليه،
ودوام التذكير به من قبل خطباء منبر المسجد الأقصى، لعل في ذلك ما ينبه المصلين
ويرشدهم إلى ما في الخير، بعدم التعسف في استخدام الطريق.
2) تضييق الطرق من
قبل التجار، لتشكيل ما
يشبه عنق الزجاجة، بخاصة عند مخرج باب العمود، والذي يدفعنا إلى الدعوة الصريحة
إلى مقاطعة هؤلاء، ومنعهم بجميع السبل من توزيع بضاعتهم في أبواب الأسباط والعامود
والساهرة. وحتى إن تطلب ذلك رفع قضية للحق العام للمصلين.
3) إغلاق أبواب
المسجد الأقصى ليلا وحصر دخول المصلّين إلى المسجد: إذ يعتبر باب الاسباط هو الباب الثاني بعد باب الناظر
في كثافة دخول وخروج المصلين, فهو يغطي سير المصلين القادمين من الجهة الجنوبية
والشرقية وجزء من القادمين من شمالي القدس. إلا أن هذا الباب يغلق بعد صلاة المغرب
مباشرة, مما يضطر المصلّين إلى التوجه إلى باب حطة؛ حيث تضاعف المسافة التي عليهم
قطعها، كما تضيَقّ الطريق أمام تزاحم المصلين. ويصل ذلك ذروته في صلاتي العشاء
والفجر, حيث أن المصلي, في صلاة الفجر, يجب أن يسلك الطريق إلى باب حطة، حيث يُجبر
على الدخول في طريق مزدحم بالسيارات؛ ولا يكاد يجد موطئاً لقدمه للحركة. في حين أن
الاحتلال يقوم بإغلاق بقية الأبواب.
ثالثًا: الخدمات الخاصة بالمصلين:
هناك مجموعة من الخدمات الخاصة بالمصلّين المسلمين، لا تقل أهمية عن
المواضيع المذكورة أعلاه، والتي قام الباحث برصدها بالصوت والصورة، والبحث في مدى
تأثيرها على المصلّين القادمين إلى المسجد الأقصى، منها:
1) الحمامات:
لا شك في أنه من المزري أن يُحرم الإنسان من قضاء حاجته بسهولة ويسر، فما
بالك عندما يتعلق الأمر بالمصلي المسلم الذي تعتبر الطهارة جزءًا لا يتجزّأ من
عقيدته وعبادته. وأما حال المصلين وأحوالهم في المسجد الأقصى فإنها تشير إلى ما
يحتاج التوقف عنده بالدراسة في الجوانب التالية:
· الحمامات قليلة
جدا: إذ أن عدد "فتحات" الحمامات الخاصة بالمصلّين، وما يُلحق بها من
مرافق أخرى كحنفيات الوضوء والمغاسل وطرق التجفيف... الخ، غير كافية على الإطلاق،
وأن سلطات الاحتلال التي منعت دائرة الأوقاف من استخدام الحمامات التي تم ترميمها
في باب الغوانمة، تدرك حجم المشكلة وهي تقصد بذلك مضاعفتها ودفع المصلين المسلمين
إلى اليأس والقنوط عند حضورهم إلى مسجدهم.
· الحمامات
متباعدة: ومما يلفت النظر في هذا الجانب أن حمامات الرجال تقع في باب المطهرة،
وحمامات النساء في باب حطة، كما ذكرنا أعلاه، مما يعني أن الأسرة المكونة من الرجل
وزوجته وأبنائهما، سوف يتشتتون ويعانون مرارة البحث عن بعضهم البعض وسط الزحامات
الشديدة في الأيام التي يكون فيها عدد المصلّين بما يتجاوز المائة وخمسين ألف
مصلٍّ. كما أن هناك ما يشير إلى أن المسافة الطويلة التي تقطعها العجوز (الأنثى)
للوصول إلى حمامات باب حطة المخصصة لهن، تسبب الضيق والحرج لها، بما ينجم عن ذلك
من فقدانها للطهارة بشكل لا إرادي، وما يتبع ذلك من وضع نفسي متردٍّ؛ ناجم عن
فقدان طهارتها وبالتالي خسارتها الموجعة لصلاتها التي قطعت تلك المسافات الطويلة
من بيتها، وتجاوزت حواجز الاحتلال من أجل نيْل أجرها.
·
لا يمكننا مغادرة الحديث عن الحمامات في المسجد الأقصى
قبل الإشارة إلى أنه يصادف أحيانًا، وفي أجواء الأزمات والتزاحم أن تنقطع المياه
عن الحمامات أو أن تكون بحدها الأدنى؛ وما يعنيه ذلك من وضع (المتوضّئين) في حالة
يرثى لها. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الضرورة تقتضي معالجة كل ما ذُكِرَ
أعلاه، وفق عدة آليات معالجة، منها:
-
شراء بنايات وتوسيع الحمامات.
-
ابتداع الطرق المختلفة للتخفيف من حدة تلك المشكلات؛ كأن
يتم توظيف عدد ملائم من موظفي النظافة، القادرين على المحافظة على نظافة المكان
وطهارته، بشكل دائم.
-
حصر الحمامات في منطقة محددة، مثل باب المطهرة، وجعل
الفرصة ملائمة للنساء لكي يقمن بالوضوء بسهولة ويسر، كما تكون الحمامات متقاربة،
بما يقلل من حالة التيه والضياع والتشتت للأسر في الأيام المزدحمة بالمصلّين.
2) المظلات:
بعد أن تيقنّا من أن حوالى 93% من المصلين يقضون وقتهم خارج الأماكن
المسقوفة، فإنه يصبح من الضرورة بمكان التوجه نحو التفكير في إيجاد المظلات،
بكفاءة ويسر، على أن تكون من النوع العملي في حماية المصلين، تقيهم حر الشمس
الحارقة، بخاصة الرمضانية منها.
3) التكييف:
ففي جميع المساجد المذكورة, التي يؤمها المصلّون، لا بد من تكييفها, وتنظيم
الحرارة والرطوبة وتبديل الهواء فيها، بما يوفر أجواء صحية للمصلين, بخاصة الذين
يمكثون فيها لساعات طويلة, وقد تصل لأيام, كأولئك الذين يعتكفون في الأيام
الرمضانية وغيرها. وأن هناك ضرورة لفتح شبابيك المسجد الأقصى وأبوابه من جميع
الجهات، بما يوفر "التهوية" السليمة المريحة لقاطني هذا المكان المقدس.
رابعًا: التثقيف الديني والوطني:
لا شك في أن كل مصلٍ قادم إلى المسجد الأقصى، بخاصة أولئك الذين يتجاوزون
حواجز الاحتلال وتعقيداته بشق الأنفس، إنهم ينبهرون بالمكان وعبقه التاريخي، ويظهر
ذلك من خلال اهتمامهم بزياراتهم تلك وتعبيرهم عن فرحهم الشديد بها، وهم يرون فيها
فرصة قد لا تتكرر. الأمر الذي يعني أن هناك حاجة ملحة لأن نجعل من تلك الزيارة
جولة في عبق التاريخ المجيد للأمة الذي سطره الآباء والأجداد، عبر التاريخ، حتى
كان المسجد الأقصى الشاهد الحي على ذلك، كما أن فيه فرصة لأن يتزود القادم إلى
المسجد الأقصى بمعرفة وثقافة دينية وعقائدية ينهلها من جوهرة عقيدة الأمة هذا.
وهنا، أتقدم بمقترح محدد يتعلق بتثبيت لوحات تلفزيونية يتم نشرهها في أماكن
مختلفة من أرض المسجد التي تشكل الـ (144) دونمًا، يظهر عليها إرشادات وتعليمات
تثقيفية توعوية للمصلين، تتعلق بالمسجد وآدابه وتوجه المصلين إلى تلافي الأخطاء
والمخالفات الشرعية التي تنجم عن جهل المرء بالأمر، وبما يليق بقدسية المكان وعظمة
مكانته عند الله، وأهميته ومكانته في حياة الأمة.
من جانبٍ آخر، أرى بضرورة أن يكون هناك شاشات موزعة أيضًا يتم عليها عرض
فيديوهات وأفلام، تعرض على رأس كل ساعة، تتحدث عن تاريخ المسجد الأقصى والمراحل
المختلفة التي مر بها عبر التاريخ.
الخاتمة والتعليق
ليس هذا كل شيء، بل حتى أنه يعتبر القليل القليل مما يجب
التحدث عنه من تعديات الاحتلال والمستوطنبن، والمضايقات والتضييقات التي تشك
إعاقات حقيقية أمام المصلين المسلمين من قبل الاحتلال، الذي يسعى بكل السبل إلى
التعدي على صلاحيات دائرة الأوقاف، ويسعى إلى تكبيل أيديها بالقوة من التسهيل على
المصلين، وتوفير سبل الراحة لهم.
أضف إلى ذلك ما يعانيه المقدسيون في حياتهم اليومية، من
التضييقات التي تفرضها بلدية الاحتلال على حركتهم وتنقلهم باستخدام الحافلات
والسيارات الخصوصية، لحد أنه يستحيل على المصلين المسلمين الاقتراب بسياراتهم من
المسجد الأقصى، وأنه عليهم قطع مسافات، تصل إلى آلاف الأمتار، سيرًا على الأقدام
للوصول إلى ساحات المسجد للصلاة.
إلا أنني ارتأيت التطرق إلى ما هو موصوف أعلاه، بما
ينسجم مع شهر رمضان وحرمته وقدسيته. علما بأن الباحث في شؤون المسجد الأقصى يجد أن
هناك جنودًا مجهولون يقومون عليه على مدار الساعة، يُسجل لهم المحافظة على قدسية
المكان وديمومته في استقبال المصلين، رغم ضيق اليد وقسوة الظروف، وهذا ما نلاحظه
من تحسينات وتحسن في الخدمات من عام إلى آخر. إلا أن الوضع بحاجة إلى المزيد من
الجهود، التي تتطلب تكاتف الجميع والوقوف وقفة رجل واحد من أجل تحقيق الأهداف التي
نصبو إليها، وهي توفير سبل الراحة للمصلين في المسجد الأقصى ورواده في أبهى صورها
وتجلياتها.
فلسطين، بيت لحم،
العبيدية، 21/06/2016م
إرسال تعليق Blogger Facebook