مصلّو المسجد الأقصى: حصار المكان.. وقهر
الإنسان
نشر في صحيفة
القدس المقدسية، بتاريخ: 28/06/2016، ص: 17
عزيز العصا
منذ النكسة في العام 1967، ولما صمد الشعب الفلسطيني على أرضه، وأحاط أقصاه
كما السوار حول المعصم، أخذ الصراع مع الاحتلال أشكالًا أخرى يمكن وصفها بأنه صراع
القوة الاحتلالية ذات السطوة والجبروت، يقابلها الإرادة الدينية والوطنية والإيمان،
الذي يشكل الدافع الأقوى الذي شكل الموانع والمصدات (الصلبة)، في مواجهة الهجمات
الاحتلالية المتعددة الأبعاد والأشكال والاستراتيجيات والأهداف.
سوف نتطرق فيما يأتي إلى واحدة من تلك الاستراتيجيات المتعلقة بـ
"إعاقة" وصول المصلّين إلى المسجد الأقصى، أو الإبقاء على عددهم بالحد
الأدنى. وحتى من يتمكن من الوصول فهناك رحلة شاقة ومضنية تنتظره؛ بهدف دفعه إلى أن
يتردد كثيرًا قبل أن يفكر في التوجه إلى المسجد لإعماره والصلاة فيه. ونظرًا لتعدد
صور تلك الإعاقات، ولضيق المجال في هذه العجالة، أود الإشارة إلى الصور التالية؛
كما رصدتها بأم عيني وهي تتكرر في فترات مختلفة:
أولًا: المصلّون غير مرحّب بهم:
فجدار الفصل العنصري وما يتخلله من حواجز ذات منظومات
أمنية الكترونية معقدة ومتطورة جدا، هو أول ما يستقبل المتوجهين إلى القدس، وهناك
تتم عملية (فلترة) للعابرين تمنع (منعًا باتًا وقاطعًا) للغالبية العظمى منهم؛
بحجج واهية، تشير إلى أننا أمام شريعة الغاب التي تمنع المواطن من التواصل مع
عقيدته وحريته الدينية، كما تمنعه من رؤية عاصمته التي يهتف لها صباح مساء. تلك
الحقوق التي كفلتها القوانين والأعراف الدولية والتي تطبق في الدول السّويّة
المستقرة.
ولمن يقدر له
الاقتراب من المسجد الأقصى، من عابري الحواجز من الفلسطينيين، ومن المقدسيين
المقيمين، فإنه غير مرحب به أيضًا، من قبل الاحتلال وأجهزته الأمنية المختلفة،
التي تسيطر على بوابات المسجد وتتحكم في كل تفاصيل الدخول إليه والخروج منه،
مدعومًا بأجهزة ومعدات كافية لمراقبة "نملة" تتحرك على بلاطه أو تحت
سجاده. وهنا، تبدأ رحلة عذاب ومشقة أخرى تتعلق بالفحص الدقيق الجسدي
والأمني-الالكتروني، لينتهي الأمر بالمنع من الدخول، أو الاعتقال لكل من لا يروق
لجنود الاحتلال وقادة أجهزته الأمنية.
ثانيًا:
أماكن إيقاف السيارات والحافلات:
قبل الشروع في
هذا الموضوع، لا بد من التذكير بأن هناك مصلين مقدسيين يقطنون في أماكن بعيدة، لا
يقدمون للصلاة في المسجد الأقصى؛ بسبب انعدام المواقف لسياراتهم، ويتجلى ذلك في
المشاهد التالية:
1) هناك مساحات كبيرة في منطقة باب الأسباط، قامت البلدية
بوضع مكعبات حجرية فيها بهدف الجذب السياحي، فانتهى أمرها إلى أنها فارغة من
السياح الأجانب والمحليين، وأنها لم تعد سوى أماكن يُمنع فيه اصطفاف السيارات.
2) المصلّون القادمون في الحافلات من مناطق جنوب القدس؛
كجبل المكبر وصور باهر وسلوان والشياح, يعانون من عدم توفر مواقف لتلك الحافلات
لإنزالهم مقابل الطريق المؤدية لباب الأسباط, حيث أن البلدية وضعت شاخصات تمنع
التوقف لإنزال الركاب، مما يضطرهم للاستمرار حتى باب العامود الأكثر بعداً عنهم
والأشد ازدحاماً.
3) من جانبٍ آخر، وفي نفس السياق، تجد في نظرة خاطفة أن
الأرصفة المصممة على جانبي الشارع الواصل بين بابي الأسباط والعمود، مرورًا بباب
الزاهرة، قد صممت وحددت بحدود حجرية، بما يمنع منعًا باتًا أي وقوف (أو حتى توقف
في معظمها) لسيارات المقدسيين، الخاصة والعامة.
فعلى الشارع الرئيسي الواصل بين "سوق الجمعة"
وباب الساهرة، باتجاه الغرب، نجد أن الجهة اليمنى لهذا الشارع ذات رصيف ضيق جدا،
محدد بالحجارة التي تمنح صعود السيارات على الرصيف، كما أنها، بسبب سمكها، تحصر
المشاة على الرصيف، بما لا يسمح بسير شخصين متجاورين، وأما الجهة اليسرى لهذا
الشارع، فإن الرصيف واسع جدًا (بعرض يتجاوز السبعة أمتار في بعض المواضع)؛ بما
يمنع توقف السيارات الخاصة والعامة، ما عدا موقف صغير، عند باب الساهرة، يستوعب
توقف بضع سيارات. وانطلاقًا من باب الساهرة غربًا، باتجاه باب العمود، نجد أن
الرصيف يتسع كذلك بما يمنع اصطفاف السيارات.
4)
هناك قطعة أرض واسعة، عبارة عن وقف إسلامي، تقع بين سوق الجمعة وباب الأسباط، وهي المنطقة المنطقة الشرقية، الممتدة بين باب الأسباط إلى الزاوية الشمالية الشرقية من سور القدس، وفي جزء منها تحاذي برج اللقلق من الشرق، كما تحاذي الجهة الغربية للمقبرة، بالإمكان تحويلها إلى موقف سيارات من قبل الأوقاف, لتشكل مصدر دخلٍ وللتسهيل على المصلين المقدسيين, لا سيما وأن هذه
المنطقة معزولة وغير سياحية. وعندما وجد المقدسيون أنفسهم مضطرون إلى إدخال سياراتهم إلى هذه المنطقة، في حقبة زمنية سابقة، شنت البلدية عليهم حملة مخالفات شرسة، ثم أعقبت ذلك بإغلاق الطريق الواصل إليها من سوق الجمعة بعربات النفايات الضخمة، لتشكيل حاجز "نفاياتي" بين سوق الجمعة وقطعة الأرض المذكورة.
هناك قطعة أرض واسعة، عبارة عن وقف إسلامي، تقع بين سوق الجمعة وباب الأسباط، وهي المنطقة المنطقة الشرقية، الممتدة بين باب الأسباط إلى الزاوية الشمالية الشرقية من سور القدس، وفي جزء منها تحاذي برج اللقلق من الشرق، كما تحاذي الجهة الغربية للمقبرة، بالإمكان تحويلها إلى موقف سيارات من قبل الأوقاف, لتشكل مصدر دخلٍ وللتسهيل على المصلين المقدسيين, لا سيما وأن هذه
المنطقة معزولة وغير سياحية. وعندما وجد المقدسيون أنفسهم مضطرون إلى إدخال سياراتهم إلى هذه المنطقة، في حقبة زمنية سابقة، شنت البلدية عليهم حملة مخالفات شرسة، ثم أعقبت ذلك بإغلاق الطريق الواصل إليها من سوق الجمعة بعربات النفايات الضخمة، لتشكيل حاجز "نفاياتي" بين سوق الجمعة وقطعة الأرض المذكورة.
5) أما سوق الجمعة، فقد حولته البلدية إلى مكان لتجميع
النفايات، وجعلت منه موقفًا لعربات النفايات.
ثالثًا:
الازدحام والاختناقات عند الأبواب:
لا حقًا لما تم ذكره في مقال سابق، من أن إغلاق العديد
من أبواب المسجد الأقصى، وحصر خروج المصلّين ودخولهم في عدد قليل منها، نجد أن أبواب
الأسباط والساهرة والناظر، يشكل كل باب منها عنق زجاجة؛ مما يعيق حركة المصلين
عبرها, عندما تتزاحم الآلاف في منطقة ضيقة جداً. وفي حالات أكثر سوءًا يتم بعد
صلاتي الفجر والعشاء حصر خروج المصلّين عبر باب حطة فقط.
الحلول
ممكنة.. وهي بالقوة الناعمة:
لقد قدر لي المتابعة الحثيثة لما يجري
على الجانب الآخر (الغربي) من المسجد الأقصى، فوجدت فيه صورة مناقضة تمامًا لما هو موصوف
أعلاه بخصوص المصلين المسلمين؛ فلليهودي الحق في ركْن سيارته، بسهولة ويسر ولأزمان
طويلة بالقرب من مكان صلاته، على جانبي طريق مصمم بأرصفة تضمن اصطفاف السيارات
وسير الحافلات، دون أي إعاقة. كما أن المصلي اليهودي قادر على الوصول حتى بضعة
أمتار من مكان صلاته، سواء بسيارته الخاصة، أو عبر الحافلة العمومية التي يستقلها.
وإن هاتين الصورتين المتناقضتين تجعلنا نتوقف أمام السؤال الاستراتيجي التالي: هل
أن الاحتلال (بعبع) لا يمكن الاقتراب منه؟
لا شك في أن الإجابة المباشرة السريعة
التي ستتناقلها شفاه القرّاء هي "لا"؛ إذ يمكننا مواجهة الاحتلال وتحصيل
حقوقنا باستخدام "القوة الناعمة". فدائرة الأوقاف تبذل جهودًا مضنية مع
الاحتلال من أجل تحقيق أقصى قدر من حقوق المصلّين المسلمين، والاحتلال ينظر إليها
نظرة عداء محكم، ويسعى إلى إعاقة عملها بكل السبل والوسائل. وهنا، يتطلب الأمر تحركات
جماهيرية حاشدة، يقودها قادة المجتمع المدني المقدسي، تشكل رافدًا وسندًا ومعينًا
لدائرة الأوقاف، لتشكيل قوى ضاغطة على الاحتلال، تجعله يرضخ لتلك المطالب.
وبخصوص موضوعنا قيد النقاش أعلاه،
أعتقد أنه من الممكن لتحركات كهذه إنجاز ما يذلل من الإعاقات والتعقيدات الموصوفة
أعلاه، مثل:
1) إعادة تصميم الشوارع الملاصقة للمسجد الأقصى بما يسمح
بالوقوف والتوقف للحافلات، أسوة بما يجري في الجزء الغربي من المدينة.
2) الضغط الجاد والفاعل من أجل استعادة سوق الجمعة وقطعة
الأرض الواسعة المتصلة به، بما يخدم المصلين المسلمين ويسهل وصولهم إلى مسجدهم
بسهولة ويسر. والتركيز على فضح بالدية الاحتلال التي تمارس عملية التلويث البيئي
لأطهر وأقدس بقعة على وجه الأرض.
3) المطالبة الحثيثة بتركيب أدراج كهربائية تمكن المصلًين
من تجاوز عبور تلك الأبواب التي تضيق بهم معظم الوقت.
وأخيرًا،
لا يمكننا المغادرة قبل أن نؤكد على أن القدس بشكل عام،
والمسجد الأقصى بشكل خاص، بحاجة ماسة إلى وجود حالة من التفاف جماهيري حول
القيادات المجتمعية الصادقة والمخلصة، والمؤسسات الرسمية، بخاصة دائرة الأوقاف
الإسلامية، والمنظمات الشعبية والأطر النقابية المختلفة... الخ. وأن يشكل هذا
الالتفاف قوة "ناعمة" ضاغطة على الاحتلال، الذي يلتهم كل ما تصل إليه
يده من عروبة القدس بإسلاميتها ومسيحيتها، علمًا بأن الأقصى هو الهدف الرئيسي الذي
يصوب نحوه جام قوته.
فلسطين،
بيت لحم، العبيدية، 23/06/2016م
إرسال تعليق Blogger Facebook