ميغيل دي أونامونو والواقع الفلسطيني
نُشِر في صحيفة القدس، بتاريخ:
06/08/2018م، ص: 11
د. وليد الشوملي
"ستنتصرون ولكنكم لن تقنعوا أحداً". هذه أشهر عبارة رددها
الفيلسوف والمفكر والروائي الإسباني "ميغيل دي أونامونو" للجنرال "ميان استراي"؛
إذ كان هذا أحد جنرالات الدكتاتور فرنسيسكو فرانكو.
ولد أونامونو في العام 1864 في بلباو عاصمة إقليم الباسك الإسباني، والتحق
بجامعة مدريد، حيث حصل على شهادة الدكتوراة في الفلسفة، ثم تخصص في اللغة
الإغريقية وآدابها، وتم تعيينه استاذاً للفلسفة في جامعة "سلامنكا"
الإسبانية. وفي العام 1900م أصبح أونامونو رئيسا لتلك الجامعة، فكان أصغر شاب شغل
منصب رئيس الجامعة آنذاك. وفي العام 1924م تعرض للنفي الى جزيرة تنريفي لوقوفه ضد
حكم بريمو دي ريبيرا، حيث انتقل بعدها الى باريس ومكث هناك حتى عام 1930م. كتب دي
أونامونو العشرات من البحوث والكتب في الأدب والفكر والفلسفة، ولذلك اعتبر من أبرز
مفكري إسبانيا في القرن العشرين.
وقف أونامونو في بداية الحرب الأهلية التي اندلعت في إسبانيا عام 1936 إلى جانب
القوميين ضد الشيوعيين واليساريين، إلاّ أنه غيّر موقفه إثر اغتيال شاعر إسبانيا
الكبير فديريكو جارسيا لوركا. وقد انتقد في خطاب له في أكتوبر من ذلك العام في
جامعة سلامنكا، بحضور زوجة فرانكو، انتقد الجنرال ميان استراي قائد الفيلق الأجنبي
الموالي لفرانكو. قال دي أونامونو آنذاك: "من يستمع لخطاب ميان يدرك اللاإنسانية
والطبيعة الدنيئة للإنتفاضة". حينئذ صاح بعض الشبان الموالين لميان: "
الموت لأونامونو وللمثقفين". ورد الجنرال ميان: " الموت للذكاء ويحيى
الموت"؛ اشارة إلى تأييده تنفيذ أحكام الإعدام العسكري للكثير من خصوم
فرانكو.
وقتها ردد أونامونو جملته الشهيرة مخاطبا الجنرال ميان: "ستنتصرون ولكنكم
لن تقنعوا أحدا". فرد عليه ميان بالتهجم على إقليمي كاتالونيا والباسك وشبههما
بالسرطان في جسد الأمة، وكان ميان هذا بعين واحدة ويد واحدة، فرد عليه أونامونو
قائلا: "إسبانيا بدون كاتالونيا والباسك تكون بلدا على شاكلتك يا سعادة
اللواء، أعني بلداً أعور وأكتع". فثارت ثائرة الجنرال ميان وكاد أن يضربه
لولا تدخل زوجة فرانكو التي فضت الشجار. بعدها
طالب ميان بإعدام أونامونو إلا أن فرانكو رفض ذلك واكتفى بعزله في منزله
حتى وفاته في 31 ديسمبر 1936.
كتب أونامونو الآلاف من المقالات القصيرة، الا أن أحسن اعماله تمثلت في
كتاب "الإدراك المأساوي للحياة"، الذي صدر في العام 1913م، وكذلك رواية
"الضباب" في العام 1914 التي تبحث في أسرار الوجود الإنساني.
أما في حالتنا الفلسطينية، فسوف نردد دوما مقولة أونامونو لمغتصبي الأرض،
ونقول لهم: " أنتم انتصرتم واغتصبتم وهجرتم وقتلتم ونكلتم لما تتمتعون به من
قوة عسكرية ودعم خارجي لا محدود، إلا أنكم لن تقنعونا بأنكم أصحاب الأرض الشرعيين
ونحن غرباء على هذه الأرض. فجذورنا تمتد عبر الآف السنين، وأنتم من وظفتم الدين لأهداف
سياسية استعمارية، واستخدمتم الأساطير السماوية والوعود الإلهية من أجل تحقيق
مآربكم".
لقد راهن بن غوريون على الأجيال الفلسطينية المتعاقبة بإصابتها بداء
النسيان، أو التماهي مع الواقع الجديد، فإذا بها تستنهض التاريخ وتناضل من أجل
تحرير الوطن ومن أجل بناء مستقبل أفضل. لقد حاولوا وأد مدرس التاريخ، إلا أنه بقي شامخاً
يدرس العبر لمن لم يعتبر، ويذكر المغتصب أن التاريخ صيرورة طبيعية. فصهاينة العصر
ليسوا أحفاد وسلالات عبرانيي الأمس الذين عاشوا في فلسطين قبل أكثر من ثلاثين قرنا
من الزمن، فتراثنا الفلسطيني هو امتداد لجميع الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض،
ابتداءً من النطوفيين ومروراً بالكنعانيين واليبوسين إلى ما وصلنا اليه في عصرنا
هذا.
وشجر الزيتون يشهد على ذلك ويعرف غارسه جيدا، فزيته لن يتحول دمعا بل إلى
قنابل ثقافية فوسفورية تضئ الطريق لجيل الغد. إن من يقتلع شجر الزيتون إنما ينفث الحقد
على الجذور التي تمتد إلى آلاف السنين. فلن تمحى ذاكرتنا ولن تقتلع هويتنا،
فجذورنا ممتدة في الأرض كجذور شجر الزيتون، ومهما شرّعوا من تشريعات وقوانين، آخرها
قانون "الدولة القومية" الشوفيني، فإنهم لن يقنعوا أحداً.
04 آب 2018م
إرسال تعليق Blogger Facebook