0

بيت لحم في عامها المنتظر "2020" عاصمة للثقافة العربية:
ماذا تنتظر منا؟!
نُشر في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 05 آب 2018، ص: 11
                                                         عزيز العصا
مقدمة
لقد شرعنا، منذ خريف العام 2014م، في ملف بيت لحم عاصمة للثقافة العربية، مع الأستاذ وجيه عوينة مدير مكتب وزارة الثقافة في بيت لحم في ذلك الحين، عندما شكل فريقًا من المحافظة للتداول في أمر ترشيح مدينتنا العزيزة بيت لحم عاصمة للثقافة العربية في العام 2019 –هكذا كان المقترح في حينه-. والأخ موسى أبو غربية؛ وكيل وزارة الثقافة في حينه، الذي حمل الملف وروّج له لدى الجهات المعنية  على المستوى العربي.
في أواخر العام 2015م، تسلم معالي د. إيهاب بسيسو دفة وزارة الثقافة، فأحال الملف برمته إلى الأخ جاد الغزاوي، فكان اللقاء الأول في جامعة بيت لحم، الذي تقرر فيه تنفيذ مقترح معالي الوزير بضرورة المشاركة الجماهيرية في الإعلان عن بيت لحم عاصمة للثقافة العربية في العام 2020 –علمًا بأنه لم يكن حتى تاريخه قد حسم أمر السنة، فتم تشكيل لجنة تحضيريّة لمؤتمر "نحو بيت لحم عاصمة للثقافة العربية في العام 2020".
عملت اللجنة التحضيرية، التي كان قوامها من المجلس الاستشاري الثقافي لمحافظة بيت لحم، والبلدية والجامعات الثلاث وكلية دار الكلمة وقصر المؤتمرات. وعملنا بروح الفريق، إلى أن كان ذلك المؤتمر الذي انعقد في 4-5 تشرين الثاني من العام 2016م. بعد أن وزعت المؤتمر إلى محاور، وقد وضعت اللجنة التحضيرية سؤالًا استراتيجيًا ومهمًا لتجيب عليه جلسات المحاور، وهو: ما الذي علينا فعله "خلال الفترة 2016-2020" كي تكون بيت لحم عاصمة للثقافة العربية عام 2020؟
انعقد المؤتمر، في قصر المؤتمرات ببيت لحم، فشكّل حراكًا ثقافيًا متميزًا شارك فيه، إلى جانب مثقفي محافظة بيت لحم، العشرات من المثقفين الفلسطينيين القادمين من جميع المحافظات الفلسطينية الأخرى؛ من فلسطينيي-1948، وقطاع غزة (مشاركة فيديو كونفرنس) والضفة الغربية. فأعلن الوزير عن استعداد فلسطين لاحتضان فعالية ثقافية مهمة على صعيد الثقافة العربية تتمثل في بيت لحم عاصمة للثقافة العربية 2020.
كانت تسع جلسات حوارية غطت تسعة عناوين، تبادل المشاركون فيها –عددهم 155 شخصًا- الرأي والمشورة حول أفضل السبل للوصول إلى بيت لحم وهي في أجمل حلّة في عامها المنتظر (2020)، وخرجوا بتوصيات قيّمة لو قُدِّرَ لها التنفيذ لوضعت بيت لحم على قمّة هرم العواصم الثقافية على مستوى العالم أجمع. ولكن عزاءنا في أن معالي د. إيهاب بسيسو وظّف ذلك المؤتمر، وما انبثق عنه من توصيات، في الحصول على قرار مسؤولي الثقافة العرب بجعل العام 2020 لبيت لحم لكي تتوّج فيه عاصمة للثقافة العربية.
الفرصة قائمة وعلينا إدراكها
الآن، ولأن الوقت يدركنا، فإنني أرى بضرورة الشروع في العمل، دون إبطاء، ودون العودة إلى المربع الأول. وأتوجّه إلى صانعي القرار في هذا الشأن لإبلاغهم بأن أبناء الشعب الفلسطيني جاهزون لتقاسم العبء والواجب اتجاه مدينتهم العزيزة "بيت لحم"، وأنهم مهتمون بهذا الحدث باعتباره أحد التحديات التي عليهم الالتحام والتكامل والتعاضد والتكافل من أجل تحقيقه لأنه، وكما قال وزير الثقافة في المؤتمر الصحفي الختامي للمؤتمر: بأن العام 2020 سيشهد مدينة في وطن ووطن في مدينة. وليكن الشعار-المظلّة: لنعمل معًا.. لكي نزهو ببيت لحم عاصمة للثقافة العربية عام 2020. ولأن الوقت يدركنا فليكن شعارنا "لنعمل" معًا...
لا للارتجالية.. نعم للرؤيا والرسالة والأهداف
ونحن ندعو الجميع إلى تجنب الارتجالية والاستعجال، فإننا نذكر بأن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن المناسبة، والتي تقدر بنحو عشرين شهرًا، كافية لأن نعيد حسابتنا وننظم أوراقنا وفق الرؤيا أو الحلم الذي علينا العمل الجاد لتحقيقه، والمتمثل بتوظيف الثقافة في مواجهة التحديات المستقبليّة، بأن يتعمّق الثقافي بين الشعب الفلسطيني وشعوب العالم، ويرافق ذلك إبراز القيمة الثقافية والحضارية لمدينة بيت لحم ودورها الانساني. أما الرسالة التي علينا السعي إلى تحقيقها على أكمل وجه، فهي "أن تكون بيت لحم 2020 قادرة على الاسهام في التنمية الثقافية والبشرية  الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني وترشيح ثقافة الديمقراطية وحرية الرأي".
نظرًا لأن هناك عددًا من التحديات المحيطة بنا، والمتمثلة بـ: بالتطرف في المنطقة، والازمة الاقتصادية، والبطالة المرتفعة، فإن الأمر يتطلب تحديد الأهداف التي لا بد من تحقيقها، قبل وأثناء وبعد تتويج بيت لحم عاصمة للثقافة العربية في العام 2020، ومنها: تطوير وتنمية السياحة الثقافية، والتعريف بالقيمة الحضارية والثقافية للمدينة، وزيادة فرص العمل محافظة بيت لحم، وتنفيذ مشاريع طويلة الامد تستمر لما بعد العام 2020، وزيادة العدد السنوي للسياح بما لا يقل عن 30% عن المعدل السنوي.
وعلى مستوى الفرد والمجتمع، هناك ضرورة للعمل على تحسين نوعية الحياة للفرد والمجتمع، وتحقيق الرفاهية للمواطنين من خلال الفعاليات الثقافية والترفيهية، ونشر ثقافة الاعتزاز بالثقافة الوطنية كجزء من الثقافة العربية، وتعزيز توظيف الثقافة كحصن منيع في مواجهة التطرف (الديني والقبلي والعرقي... إلخ). ويبقى الهدف الوطني العام الذي يتطلب شراكة المحافظة وعدد من الوزارات، فهو "خلق مسارات ثقافية وادماجها في الخطط الوطنية على المستويات المختلفة.
للعمل الناجح مراحله وآلياته
بالاطلاع على تجارب العواصم العالمية والعربية، وبمتابعة تلك التجارب وتقييماتها من قبل أصحاب الشأن فيها، ومن خلال الحوارات المختلفة التي تمت في محافظتنا العزيزة –بيت لحم- نجد بأنه لضمان النجاح لبيت لحم عاصمة للثقافة العربية في العام 2020، لا بد من أن يمر هذا المشروع الوطني بعدة مراحل، أهمها:   
أولاً: تطوير البنية التحتية الثقافية.
ثانياً: تطوير الكوادر البشرية في مجال العمل الثقافي.
ثالثاً: تعزيز روح العمل في فريق لإنجاح التظاهرات الكبرى التي يتم إقرارها.
رابعاً: ضرورة الشروع في الاعداد للمكتبة الرقمية بهدف توفير اكبر حجم ممكن من المعلومات في خدمة الباحثين والزوار. خامساً: العمل على تطوير المتاحف في المحافظة واعادة تنظيمها وتكاملها في خدمة الهوية الوطنية.
سادساً: العمل على إنشاء مدينة ثقافية على أن تتوحد الجهود وتتكامل لإنجاح هذا الانجاز الوطني.
سابعاً: طرح مشروع وطني ضخم لتجميل المدينة وتهيئة وتجهيز شوارعها ومفترقاتها ودواويرها.
ثامناُ: تشجيع وتطوير التراث الثقافي المادي وغير المادي, من خلال فعاليات ثقافية وفنية حفاظاً على التنوع الثقافي.
تاسعاً: تطوير وإنشاء مسارات ومزارات تربط بين المواقع الاثرية.
عاشراً: تهيئة الفضاءات الكافية لاستيعاب الندوات والمكتبات والموسيقى (مهرجانات), وتوفير الفرص للعروض السينمائية والمسرحيّة، والفنون التشكيليّة، مع التركيز على اكتشاف المواهب وتوظيفها.  والسينما والفنون والمعارض والمسارح.
حادي عشر: الاعداد لإصدار عدد من الكتب (لا تقل عن 100 كتاب).
ثاني عشر: العمل على تحقيق اسابيع للتبادل الثقافي: عربية وغير عربية.
القدس وبيت لحم تتوأمان كعاصمتين ثقافيتين في العام 2020
في العام 2010 اتخذ وزراء الثقافة العرب قرارًا باعتماد القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، وأنه يُشترط على كل عاصمة للثقافة العربية أن تتتوأم مع القدس. مما يعني أنه في ذلك العام لا تكتمل  صفة بيت لحم عاصمة للثقافة العربية إلا بالتوأمة مع القدس العاصمة الدائمة للثقافة العربية. وهذا يعني، فيما يعنيه، أن تكون القدس حاضرة وفق العديد من المظاهر والفعاليات، منها:
1)      تكون القدس في قلب الحدث الثقافي في بيت لحم على مدى العام 2020، والعمل على حماية هويّتها الوطنية والقومية وحماية هويّتها التاريخيّة والثقافية كمدينة عربية إسلاميّة ومسيحيّة.
2)      تبيان وإبراز ما هو مشترك بين القدس وبيت لحم؛ كونهما من المعالم التاريخية والثقافية للأمّة العربيّة وللبشرية جمعاء.
3)      ضرورة الجمع بين القدس وبيت لحم بما يمتلكان من القدرات والإمكانيات في صناعة المشهد الثقافي الإنساني خاصّة العربي والإسلامي.
4)      العمل الجاد والفاعل لدعم الحياة الثقافية في مدينة القدس التي تتعرّض لطمس وسرقة وتزييف معالمها الثقافية والدينية والتاريخية من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وتدعيم صمود المقدسيّين في وجه محاولات الاحتلال اجتثاثهم من مدينتهم، من خلال مجموعة من الأنشطة والفعاليات، يتم تحديدها بدقّة، مثل: إقامة فعاليات  ثقافية مقدسية في بيت لحم، وإقامة فعاليات ثقافية تلحمي في مدينة القدس بالتنسيق مع اللّجنة الوطنيّة للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، وإدخال المواد الثقافية العربيّة إلى القدس وغير ذلك من الفعاليات.
من النظريات إلى التطبيق
ونحن نحث الخطى نحو العام 2020، أصبح من الضرورة الملحّة التفتيش في جعبتنا؛ لكي نرصد خططنا الوطنية –على مستوى وزارة الثقافة-، وخططنا المحلية –على مستوى محافظة بيت لحم-. فوزارة الثقافة وضعت خطتها الرسمية، والتي تتضمن الإجراءات التي ستقوم بمتابعتها وتغطية تكاليفها، وفق خطة مالية واضحة، تتعلق بالفعاليات الثقافية المختلفة مما هو مذكور أعلاه كتغطية تأليف الكتب، والندوات والمحاضرات والمهرجانات والفعاليات المركزية الكبرى التي تُعقد في بيت لحم والمدن الفلسطينيّة الأخرى.
أضف إلى ذلك أن الوزارة سوف ترعى التوأمة الموصوفة أعلاه، والتي يجب عقدها في ذلك العام بين بيت لحم كعاصمة للثقافة العربية والقدس العاصمة الدائمة للثقافة العربية، وما يتطلبه ذلك من فعاليات ثقافية مشتركة في المدينتين الفلسطينيتيْن الجارتين.
ولعلّ فيما جاء في قرار مجلس الوزراء الفلسطيني الأخير، إشارة واضحة إلى ضرورة الشروع في العمل، بل توقف حتى ينتهي العام 2020؛ إذ اتخذ المجلس قرارًا يقضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة وزير الثقافة، تضم وزراء عدد من الوزارات، تقوم بمتابعة تنفيذ ما جاء في خطة وزارة الثقافة للفعاليات الواجب إقامتها في بيت لحم في ذلك العام. وطلب مجلس الوزراء من اللجنة المذكورة رفع تقريرها للمجلس في جلساته القادمة، تبين فيه ما توصلت إليه من قرارات وتوصيات بهذا الشأن.
هنا، يبقى الدور المنوط بالمحافظة ومؤسساتها، بمتابعة وتوجيه المحافظة، وبقيادة بلدية بيت لحم، التي سوف تشهد أرضها الحدث المركزي بفعالياته المختلفة على مدى العام المنتظر، وما عليهم القيام به من إعداد واستعداد، مثل: إعداد البنية التحتيّة الثقافية وتهيئتها في المدينة بشكل خاص، والمدن والقرى الأخرى المحيطة التي تشكل أذرعًا داعمة ومساندة لكثير من الفعاليات الثقافية في ذلك العام، وتجميل المدينة وتهيئة وتجهيز شوارعها ومفترقاتها ودواويرها، ومتابعة تنفيذ الخطة الاستراتيجية التي أنجزها مجلس الخدمات المشترك لتطوير السياحة في محافظة بيت لحم؛ وهو عبارة عن "تشبيك" بين عدد من مدن المحافظة في مجال السياحة والترويج للأماكن السياحية في تلك المدن. يضاف إلى ذلك ضرورة توظيف علاقات التوأمة بين مدينة بيت لحم وعشرات المدن الأخرى في أوروبا وغيرها من القارات.
ختامًا،
نستنتج مما سبق أن الحمل ثقيل، إن بقينا ننظر إليه دون فعل جاد وفاعل، ولكنه يصبح خفيفًا إذا ما تقاسمنا الأدوار، وفق روح الفريق، إذ بالتكامل والتعاضد، يمكننا أن نقفل الحلقة القادرة على رفع هذا الحمل الوطني، وجعله نجمًا يضئ سماء المنطقة، معلنًا عن بيت لحم عاصمة للأمة العربية، حينئذ، تكون بيت لحم في العام 2020 هي فلسطين بأكملها، وفلسطين من بحرها إلى نهرها هي بيت لحم، والشعب الفلسطيني، في ذلك العام، سيركز فعله الثقافي بتفاصيله كافة في بيت لحم ليمكنها من قيادة وإدارة المشهد الثقافي العربي بكفاءة عالية وبسهولة ويسر، وبتنظيم دقيق لجميع الفعاليات والأحداث.
وحينئذ أيضًا، نمكّن بيت لحم من معانقة القدس العاصمة الدائمة للثقافة العربية، والتوأمة معها، ليحظى الشعب الفلسطيني بعاصمتيْن متلاحمتين، ترنو إليهما عيون أبناء الأمة من المحيط إلى الخليج، بل والعالم أجمع.
نقول قولنا هذا ونحن ندرك حجم الصعوبات والعقبات الكأداء التي سوف يلقي بها الاحتلال في طريقنا، على المستويات كافة، لا سيما ما يتعلق بالتوأمة بين القدس وبيت لحم، التي سوف تثير جنونه وتجعله يتخبط غيظًا من كل ما ينادي بعروبة القدس ويرفع لواءها عاصمة للأمة العربية من المحيط إلى الخليج، فما بالك عندما تلتحم مع جارتها بيت وتتألقان في مشهد متكامل تحضر فيه الأمة بكامل حلتها الثقافية.   
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 04/08/2018

إرسال تعليق Blogger

 
Top