إياد شماسنة في كتابه
"الإدارة الدقيقة والقدرة التنافسية
للموارد البشرية":
الإدارة الدقيقة كالتسوس الذي يصيب الأشجار العملاقة من الداخل
نشر في صحيفة القدس
المقدسية، يوم الأحد، بتاريخ 04/10/2015م، ص: 18
عزيز العصا
تتنافس الأمم بالاستثمار في الإنسان-الفرد، وتصمم لأجل ذلك برامجها وخططها
الإستراتيجية؛ فإذا صلح الفرد صلح المجموع. ونعني بصلاح الفرد هنا، أن يتمتع بقدرة
عقلية وجسمانية وصحية، تمكنه من أن يأخذ دوره اتجاه نفسه واتجاه مجتمعه.
وعلى هذه القاعدة، لا تقاس قيمة الأمم بأعداد أفرادها؛ وإنما بقدر ما يتمتع
أفرادها بقدرة على الابتكار، والاختراع، ومدى الإنتاج العقلي والحضاري الذي
يساهمون به ، عبر استثمار الوقت بالحد الأقصى من أجل البناء المتواصل؛ دون توقف.
ويحتاج ذلك كله إلى ما يُطلق عليه "الإدارة الإستراتيجية للموارد
البشرية" وقد تنوعت المدارس الفكرية فيما يتعلق بكيفية إدارة هذه الموارد
للحصول على نتائج بأعلى جودة ممكنة. وتعتبر "الإدارة الدقيقة" إحدى
الأساليب "الخطيرة" التي تعيق
تحقيق أهداف "إدارة الموارد البشرية". إذا أنها النمط الإداري الذي
يتضمن تدخلا، بشكل مبالغ فيه، بدون الحاجة الفعلية لذلك، وعدم التسامح مع الأخطاء،
مما يؤدي إلى فقدان المرؤوسين إحساسهم بأهمية العمل، وثقتهم بقدرتهم على الأداء،
والإبداع، وبالتالي توجيه الجهد إلى إخفاء الأخطاء بدل تقديم الابتكار(الباحث)وقد
صنفها الباحث إلى ثلاثة محاور وهي" التركيز
على تجميل صورة الذات ، التركيز على تركيب العمل، التركيز على تركيب العلاقات مع
الآخرين" .وقد وصف "شماسنة" الإدارة الدقيقة بأنها "ضد الإدارة" أو : إدارة السقوط
" في إشارة إلى أثرها السلبي.
تابعت إصدار كتاب "إياد شماسنة"؛ وهو يحمل درجة الماجستير في
إدارة الموارد البشرية. وكتابه: الإدارة الدقيقة
والقدرة التنافسية للموارد البشرية، صادر، في العام
2015، عن دار فضاءات للنشر والتوزيع. يتألف الكتاب، وهو دراسة علمية أكاديمية، من
(215) صفحة من القطع المتوسط، يتوزع عليها أربعة فصول؛ تتحدث عن أساسيات الإدارة
الدقيقة والقدرة التنافسية للموارد البشرية ، ثم يستعرض نتائج
الدراسة واستنتاجاته كباحث، لينتهي الكتاب بالتوصيات والمقترحات التي يقدمها
للباحثين القدمين بعده في هذا المجال.
للتسهيل على القارئ،
يفتتح "شماسنة" كتابه هذا
بمسرد خاص بالمصطلحات ذات الصلة، يتكون من (22) مصطلحًا، توفر للقارئ الإضاءة
الكافية ، وهو يمتلك مصباحًا عبر تلك المفاهيم والمصطلحات التي هي أشبه ما تكون
بالمصابيح الكاشفة في هذه الدراسة العلمية الجادة في التعامل مع مواضيع: الإدارة الدقيقة،
والتنافسية، والموارد البشرية، وما يتعلق بذلك من مفاهيم مختلفة كالإنتاجية،
والمعرفة، ورأس المال بأنواعه الاجتماعية والبشرية والفكرية، والسلوكيات والتعبيرات
اللفظية وغير اللفظية داخل المؤسسة، التي تتحكم في العلاقات المتبادلة بين موظفي
المؤسسة، على المستويات كافة.
لقد حظيت الإدارة الدقيقة باهتمام الباحث "شماسنة"، على مدى (34) صفحة، شملت
التعريفات المختلفة لها، ومقارنتها مع الإدارة المركزية، ومؤشراتها، وآلية نشوئها
في المؤسسات، ودوافعها وأسبابها، واتجاهات المؤسسات نحوها، ثم يستعرض "شماسنة" مجموعة من الاقتراحات لكيفية
التخلص من الإدارة الدقيقة والتوجه نحو أنماط إدارية أكثر فعالية (ص: 29-62).
يتمتع هذا العمل
بأهمية كبيرة، من حيث انه يُتم نقصا
ملحوظا في الأدبيات الإدارية التي تناقش الإدارة الدقيقة، ويفتح آفاقا
بحثية لتسليط المزيد من الضوء على هذا
النمط الإداري الذي يتسبب في تردي الأحوال في مؤسساتنا، كما أنه يساهم في وضع الحلول ويقترح السبل المناسبة للتخلص من ممارسات الإدارة
الدقيقة، وفق إستراتيجية بناء القدرة التنافسية للموارد البشرية.
ويحذر "شماسنة"
من أن الإدارة الدقيقة تحرم المؤسسة من الميزة التنافسية الأثمن، التي تمتلكها
وتقدمها مواردها البشرية. ويلفت إلى أن ممارسي الإدارة الدقيقة يعتبرون أنهم
يضبطون العمل مثل الساعة اكبر. بينما تأتي النتائج عكس المتوقع أو المؤمل،
ولذلك تبقى المشكلات معلقة بين الرئيس والمرؤوس، وتفقد المنظمة موقعها التنافسي
وقد تنهار، ويشبه ذلك بالتسوس الذي يصيب الأشجار العملاقة من الداخل دون ملاحظة
أنها ستسقط بعد قليل (ص: 63).
ونظرًا
للتغيير المستمر في عالم السوق، ونظرًا للعولمة التي تجتاح العام في أيامنا هذه،
والتي سترتفع وتيرتها مستقبلًا، فقد نشأت بين المؤسسات حالة من التنافسية فرضت ما
يسمى "القدرة التنافسية" التي أصبحت هدفًا استراتيجيًا، كضمان لبقاء
المؤسسة واستمرارها. مما حدا بـ "شماسنة" التوسع في دراسة التنافسية من
حيث: أهميتها، وأنواعها، وأبعادها، ومعاييرها، وأسباب احتدامها بين المؤسسات،
واستراتيجياتها، وأفضليتها للموارد البشرية... الخ (ص: 64-82).
الخاتمة والتوصيات
وهكذا؛ نجد أن "شماسنة" يطرق خزان الإدارة من الداخل،
ليجعل من "التنافسية" استراتيجية تمكن المؤسسة من صياغة وتطبيق
الاستراتيجيات التي تجعلها في مركز أفضل بالنسبة للمؤسسات الأخرى العاملة في نفس
النشاط، أو القطاع، ويؤشر إلى "رأس المال الفكري" كمهارات تجعل من
المؤسسة عالمية المستوى؛ باستجابتها للفرص التي تتيحها التكنولوجيا، ويدعو إلى إدارة
المعرفة؛ بخلقها، وتبادلها واستثمارها لكي تمكن المؤسسة من البقاء في مركز تنافسي
مع الآخرين.
لعل أجمل ما في هذا
الكتاب، توجيهه للمؤسسات لتحقيق "جودة شاملة" من خلال استجابتها لما
أطلق عليه "حرب المواهب"، وذلك بأن تقوم المؤسسة بـ "إدارة
المواهب"؛ وهي العملية التي يتم من خلالها إلحاق العاملين الجدد بالقدامى مع
الاستمرار في استقطاب مواهب جديدة وهكذا. كما لم يغادرنا "شماسنة" قبل أن يوفر الصورة الكافية لتوفير
الديمومة في المؤسسة من خلال شبكة العلاقات الداخلية القائمة على الاحترام
المتبادل واعتراف الفرد بالآخرين، والأخذ والعطاء وتبادل المعرفة، بما يجعل
المؤسسة خلية نحل؛ لكل فرد فيها دوره الواضح الذي لا يتقاطع مع أدوار الآخرين،
وإنما يتكامل معها، بما يجعل المؤسسة لبنة منتجة وفاعلة في بناء المجتمع وتطوريه
نحو الأفضل.
قبل أن
نغادر،
وبعد أن تجولت بين ثنايا هذا الكتاب وتفاصيله الدقيقة، لا يسعني إلا أن أرشحه لأن
يضاف إلى مكتبات المؤسسات، بأشكالها وأنواعها كافة؛ إذ أن الباحث طور استمارة خاصة
لقياس الإدارة الدقيقة في المؤسسات، ومدى تأثيرها على كل عنصر من عناصر إدارة
الموارد البشرية الإستراتيجية، وبذلك يمكن للمؤسسات الاستفادة من هذه الأداة لكي
تتجنب النفقات الهائلة التي يهدها أسلوب الإدارة الدقيقة، والتي تجعل ميزتها
التنافسية التي تكونها الموارد البشرية
ميزة ضعيفة غير منافسة.
كما لا بد من أن يأخذ
مكانه في مكتبات الجامعات؛ لما يتمتع به من منهجية علمية في البحث الذي تم تطبيقه
على أكثر المؤسسات حساسية وتعقيدًا من حيث الظروف المحيطة، وهو مستشفى المقاصد
الإسلامية بالقدس، الذي هو نموذج حي للمؤسسة التي تعوم فوق بحر هادر من الأزمات شبه
القاتلة، والمشكلات المستعصية ذات الصلة بالاحتلال الذي يسعى، صباح مساء، إلى
تهويده وإخراجه من المعادلة الفلسطينية، بالإضافة إلى الأسباب التي عزاها الكاتب
إلى الإدارة الدقيقة، لا سيما وأن مستشفى المقاصد هو الرئة الرئيسية التي يتنفس
منها المرضى الفلسطينيين في كل من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، بخاصة أولئك
المصابين بالأمراض المزمنة والمستعصية.
كما أرى بضرورة إضافته
إلى المكتبة المدرسة؛ لما فيه من مفاهيم ومصطلحات وشروحات تمكن التلاميذ من
الاستزادة في مجال الإدارة، لكي نخلق جيلًا قادرًا على التحرر من العوامل التي
تقوده إلى ممارسة الإدارة الدقيقة التي تحبط المؤسسة وتعيدها إلى الخلف، نحو
الفشل.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 22/09/2015م
إرسال تعليق Blogger Facebook