تأدية الزكاة (والصدقات) وصوم رمضان:
عبادتان واجبتان لله.. ولا منّة فيهما لأحدٍ على أحدٍ!
نشر في صحيفة القدس المقدسية
بتاريخ: 12/06/2017، ص: 16
عزيز
العصا
يقوم الإسلام على خمسة أركان، هي:
الشهادتان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج. أي أن صوم رمضان
عبادة على المسلم تأديتها خالصة لله سبحانه وتعالى، وقد جاء الأمر بها صريحًا
وواضحًا في قوله تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ
الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" (البقرة: 185). إن في
هذه الآية الكريمة تكثيف شديد لمعنى شهر رمضان وأهميته في حياة المسلمين بخاصة،
والمجتمع البشري بعامة، أي أن شهر رمضان هو شهر قرآني يوجب علينا وضعه في مكانة
خاصة عن باقي أشهر السنة الأخرى، بالصيام والقيام والتصدق ورعاية الأيتام
والمحتاجين، احتسابًا وتقربًا إلى الله سبحانه.
وأما الزكاة، فإنه عند البحث حولها في القرآن
الكريم وجدتها في (28) آية، وجاءت في غالبيتها العظمى مقترنة بالصلاة كقوله تعالى:
"وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ" (البقرة: 43).
أضف إلى ذلك الصدقات التي أُنزل فيها الأمر الإلهي بقوله تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا" (التوبة: 103).
الزكاة كركن من أركان الإسلام، وإلى جانبها الصدقات، هي عبادة مالية تؤدى
في كل وقت عند استحقاقها، وتشكل أداة تنموية تعالج ما تعانيه المجتمعات الإنسانية
من انعدام العدالة في التوزيع للثروة والدخل. وهي تجاوز توفير الطعام والكساء،
وتتخطى ذلك لإيجاد قوة عاملة بتأمين الصنعة أو الحرفة لكل قادر عليها، مانعة بذلك
التكسب والتسول للارتقاء من الرعاية الاجتماعية إلى التمكين الاقتصادي. والزكاة هي
الكفيل الوحيد بإلغاء ظاهرة الفقر في المجتمع المسلم، والسماح فقط بظاهرة التباين
في الرزق تبعا للقدرات الإنتاجية، فبالزكاة يعرف المجتمع المسلم صفة الغنى ولا
يعرف صفة الفقر.
أما في شهر رمضان فيضاف إلى الزكاة والصدقات الأخرى، صدقة الفطر (زكاة
الفطر)، إذ ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
زكاة الفطر طُهْرة للصائم من اللَّغْو والرَّفث، وطُعْمة للمساكين، فمن أدّاها قبل
الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"[1].
وصدقة الفطر "فريضة على كل مسلم ومسلمة، الصغير والكبير "[2].
أما قيمتها المادية فهي عبارة عن "صاع من غالب قوت البلد"، ويتم تقديرها
ماليًا (بحسب العملة المحلية) من قبل الجهات المتخصصة، ففي هذا العام تم تقديرها
بـ "ثمانية شواقل (1,6 دينار أردني، أو 2,3 دولار)".
يتضح مما سبق أن شهر رمضان الفضيل يشهد على عبادتين لله تعالى، ليس لمن
يؤديهما منّة على أحد، هما: الأول: الصوم احتسابًا لله سبحانه وتعالى، مصداقًا
لقوله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ
لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"[3]،
والثاني: العبادة المالية المتمثلة بالزكاة والصدقات بأنواعها وأشكالها كافة،
بخاصة صدقة الفطر، الموجهة لشرائح مختلفة من المجتمع، كالفقراء والمساكين وابن
السبيل... الخ.
وفي حال تأدية
هاتين العبادتين، وفق الشرع والشريعة، فإن شهر رمضان يصبح شهر الأمن والأمان
النفسي والاجتماعي والاقتصادي، تتم فيه تربية المجتمع على سمو النفس وطيب الخاطر؛
فالغني يساعد الفقير ويمسك بيده نحو حياة هانئة مطمئنة، والفقير يغبط الغني ولا
يحسده، ويتسابق الكل نحو فعل الخير، ولما فيه الصالح العام. حينئذ، نتمكن من تحقيق
تنمية اقتصادية، تقضي على ظاهرة "التسول" وانتظار من يُحضر السمكة
للمحتاج، وإنما تمكّن الكل من امتلاك "الصنّارة" التي تمكنه من اصطياد
السمك بالقدر الذي يحتاجه، ما يجعل جميع الأسر، بلا استثناء، فوق خط الفقر؛ أي أن
لن يعود هناك فقر ولا فقر مدقع.
لا نقول هذا
لمجرد أحلام صحفية تنتهي إلى أضغاث، وإنما لا يحتاج الأمر إلا إلى تنظيم الزكاة
والصدقات وحسن استخدامها وإدارتها، ووقف الهدر والمبالغة في "المصروفات
الرمضانية"، وغير ذلك من السلوكيات الحميدة التي تعزز وحدة الشرائح المجتمعية
وتعاونها وتعاضدها في مواجهة احتلال يسعى إلى تفتيت المجتمع وإحباطه، وتحطيم عرى
المحبة والتعاون بين أفراده.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 06 حزيران، 2017
إرسال تعليق Blogger Facebook