0


عاصم الخالدي في ذكرياته من باب السلسلة:
يتصفح ماضي القدس؛ بفرحها وحزنها!
نُشِرَ في صحيفة العاصمة المقدسية، العدد -11- ، بتاريخ: 15 نيسان، 2015م، ص: 15-16، بحسب الرابط التالي:
عزيز العصا
"عاصم فؤاد عبد الغني الخالدي"؛ مقدسي، عاش آلام القدس ووجعها وعذابات المقدسيين. قدّر الله له أن يولد في منتصف المسافة الواقعة بين سقوطيْن مدووييْن للقدس، في بيت مملوكي يقع في باب السلسلة؛ الذي هو الطريق الأعظم في القدس، وهو سليل عائلة مقدسية، ذات جذور عميقة لحوالى (14) قرنًا من الزمن، توزع أفرادها على عوالم السياسة والاقتصاد والعلوم المختلفة. أما في مجال القضية الفلسطينية، بتفاصيلها المختلفة، فأينما تلتفت في أرشيفها وحاضرها، تجد "خالديًا" يضع بصمة واضحة تجعلك تتتبعه للوصول إلى الحقيقة التي تبحث عنها أو يشير إليك باتجاه كنت تجهله من قبل.
 كتاب "ذكريات من باب السلسلة"، لمؤلِّفِهِ "عاصم فؤاد عبد الغني الخالديصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع، عام 2013, والواقع في (288) صفحة من القطع المتوسط. والذي هو "مذكرة عائلية تتتبع أخبار بعض أبناء القاضي محمود الديري الخالدي المقدسي من أواسط القرن 17 حتى النكبة في العام 1948" (ص: 11).
يقوم الكتاب على منهجية سرد سيرة ذاتية تقوم على قصص حقيقية ضمن سياقات مختلفة؛ سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا. ويتكون من ثلاثة فصول رئيسية تتحدث، في جوهرها، حول آل الخالدي بشكل عام، مع التركيز على عدد منهم، أهمهم: محيي الدين، عبد الغني وفؤاد. ويتخلل الكتاب مجموعة من الملاحق والوثائق والصور والرسومات التي تحمل، في مجموعها، دلالات هامة تشير إلى حال فلسطين وأحوالها خلال القرن التاسع عشر، وحتى النصف الأول من القرن العشرين.
لأن الأشخاص هم من يصنعون الأحداث، ولأن الأحداث، بشدائدها، هي محك الرجال؛ فقد اتبع "عاصم الخالدي" أسلوبًا سرديًا جميلًا عندما كان يرصد شخصياته وسط الأحداث المصاحبة لكل شخصية على حدة، ثم يقوم بالربط بين الشخصية وأحداثها، وفق أثر وتأثير متبادلين.
لذلك؛ وجدت أنه من الضرورة بمكان تبيان الأركان التي قام عليها الكتاب، والتي وجدت فيها كنزًا معرفيًا وثقافيًا، لا بد من سبر غوره، منها:
أولاً: معلومات تاريخية هامة:
لقد بذل "عاصم الخالدي" جهدًا حقيقيًا في إيراد المعلومات التاريخية، مستندًا إلى المراجع والمصادر الموثوقة، حتى وفر لنا من المعرفة التاريخية حول القدس، ما نحن بحاجة إلى معرفته حقًا، مثل:
-       منذ الفتح والعهدة العمرية في العام 638م، حافظ المسلمون على حرية العبادة والحرية الدينية للجميع، في إيلياء التي أسماها العباسيون، في عهد الخليفة المأمون، بـ "القدس"،
-       لم يتخذ الخلفاء المسلمون، على اختلاف دولهم،  من القدس عاصمة سياسية؛ لكي لا يؤثر ذلك على الطقوس والعبادات والشعائر والاحتفالات الدينية التي يمارسها أتباع الديانات الأخرى. ولمكانة القدس وأهميتها، اتخذها العلماء الأفاضل موطناً لهم (ص: 15).
-       ومنذ ذلك العام أيضًا (638م) قطن آل الخالدي مدينة القدس، حتى مجيء الصليبين في العام (1099)؛ حيث اجلي النساء والصبية إلى قرية الدير قرب نابلس, واندفع شباب الخالديين للقتال إلى جانب المصريين دفاعاً عن القدس, إلا أن جميع المدافعين استشهدوا.. وعندما عادوا مع صلاح الدين الأيوبي، في العام (1187م)، أكرمهم بأملاك أوقفها عليهم، وأنزلهم مساكن في أحياء كاملة من المدينة المقدسة (ص: 16). وبقوا هكذا طوال العهدين المملوكي والعثماني وفي ظل الانتداب البريطاني على فلسطين.
-       بيّن "عاصم الخالدي" مخططًا للمسجد الأقصى في العهد المملوكي يظهر عليه (52) منشأة، غالبيتها من المدارس، بالإضافة إلى الأروقة، والمآذن، والأربطة، والسبل، والآبار، والأبواب والمساجد... الخ (ص: 22-23).
-       كانت القدس مدينة صغيرة؛ فقد كان عدد سكانها حتى نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر (15) ألف نسمة، ولم يتجاوز الـ (30) ألفاً أواخر ذلك القرن، وكان فيها عشرة مصانع للصابون تنتج نصف مليون قرش (ص: 43).
-       بدأ المقدسيون بارتداء الطربوش في العام (1861م)[1]، وأول من لبس الملابس الأوروبية يوسف ضياء الدين الخالدي الذي قيل فيه "ابن الأكابر تنصّر ولبس لباس الافرنجية" (ص: 41).
-       ورد في الكتاب بعض ما قاله الرحالة عن خارج سور القدس، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مثل: الأراضي خارج باب العمود أراضٍ مزروعة وهي ملك لأهل لفتة، ومن جهة باب الخليل، تنزل الانحدار المعروف بـ "جورة العناب"، وفيها قناة تصل بركة ماملا ببركة السلطان، هذه الأراضي وقف لآل الخالدي (ص: 42(، ويروي "عاصم الخالدي" حول أرض البصة المملوكة لدار الخالدي بالقدس، بأنه في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين "كانت سنابل القمح تكاد تعلو رأس الحصان" (ص: 158).
-       من أبرز الأحداث التي عاشتها القدس في القرن التاسع عشر:
·          حريق كنيسة القيامة عام (1808), وما نجم عنه من خلافات بين الطوائف المسيحية (ص: 44).
·          التمرد في القدس عام (1825م) بسبب زيادة الضرائب الذي أُخمد بالقوة (ص: 45).
·          حضور إبراهيم باشا من مصر، الذي سهل تغلغل الأوروبيين في فلسطين والقدس بالذات, سياسياً ودينياً وثقافياً، فحل القنصل البريطاني عام (1838) (ص: 53). أما بالنسبة لليهود، فقد أباح لهم السكن أين يشاؤون، وأن يلبسوا الحذاء الأحمر (حذاء الباشوات وكبار الوجهاء) (ص: 54).
·          وعند عودة العثمانيين استمر الوضع كما هو، بل تزايد عدد القناصل، ووضعت القدس تحت حكم الباب العالي مباشرة خلال الفترة (1841م-1854م) (ص: 53-54).
ثانياً: أبناء عائلة الخالدي وتخصصاتهم.. وعلاقاتهم بالعائلات المقدسية:
 يتضح من هذه المذكرات أن أفراد عائلة الخالدي كانوا يركزون أعمالهم في المحكمة الشرعية والقضاء الشرعي، كما أن منهم من تفرغ للتجارة مثل "محيي الدين" الذي بني امبراطورية اقتصادية، قبل أن يتوفى في العام (1905م) عن عمر يناهز الـ (54) عاماً تاركاً ديوناً كثيرة ظلت في ذمم الناس لسنوات طويلة وظل الورثة يجمعون ما يستطيعون حتى العام 1910 (ص: 93). ثم انتقل إلى نجله عبد الغني المولود عام (1874م) الرجل المؤمن بالقومية العربية حتى أنه أسمى ابنه البكر عربي ليكني "أبو عربي" (ص: 127)، وقد توفي في العام 1902 لأسباب غامضة عن عمر 28 عاماً, تاركاً أيتامه: عربي ورقية وفؤاد (ص: 131(.
وقد توقف, مطولاً, على مدى فصل كامل، يتحدث فيها عن فؤاد (وهو والد المؤلف) الذي خاض مغامرات الفلاحة والزراعة ونجح فيها إلا أن ميوله للسياسة وملاحقة البريطانيين له له أبعدته عن هذا المجال فخربت مزارعه وعِزَبِهِ، فانتهى به الأمر مشاركاً في اللجنة القومية مسؤولًا للأمن, فخاض غمار الحرب ضد اليهود، وتمكن من اختراق الجنود البريطانيين الذين زودوه بالسلاح والمعلومات الاستخبارية عن اليهود وتحركاتهم وأنشطتهم. وتميز "فؤاد" بجرأته أمام القيادة التي وعدت بالحضور قبل النكبة إلا أنها بقيت في دمشق دون أن تشارك شعبها مأساته.
وفي هذا كله، تطرق "عاصم الخالدي" إلى شخصيات مختلفة من العائلة، أهمهم:
أولًا: "يوسف ضياء الدين باشا الخالدي"؛ الذي كان "من أبرز ممثلي الفكر على مستوى الامبراطورية العثمانية" (ص: 124-128).
ثانيًا: كان النصيب الأكبر من الاقتباسات (المطولة)، في هذا الكتاب، مما ورد في مذكرات المرحوم "د. حسين فخري الخالدي"؛ أول رئيس بلدية منتخب للقدس (عام 1934م) وعميد عائلة الخالدي في عصره (ص: 206-213)، الذي يمازح "عاصم" بأن سبب بياض شعر "فؤاد الخالدي": "كثرة ما رأى من أخطار" (ص: 233)، وفي ذلك شهادة هامة للدور الذي قام به "فؤاد" في الأحداث المختلفة التي مرت بها القدس في حينه.
من جانب آخر؛ نجد أن "عاصم الخالدي" يذكر، في مواضع متعددة، عائلة البديري، بصياغات حميمية دافئة، الذين هم "أخوال" الخالدي، لأكثر من فرع من فروع العائلة. كما أنه، وضمن سرده للأحداث المختلفة، يذكر العائلات المقدسية الأخرى كالحسيني والنشاشيبي، وعائلات القرى المحيطة بالقدس كأبي غوش وعرب السواحرة وغيرها.
ثالثاً: القدس قبيل النكبة
لقد نجح "عاصم الخالدي" في كتابه هذا في الربط بين الإنسان والمكان، وفق جدلية جميلة فقد ذكر العديد من الأحداث كما رآها بأم عينه، أو كما سمع عنها من مصادر موثوقة، فقد وصف الأجواء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية المحيطة بشخصية "فؤاد عبد الغني"، الذي خصص له الفصل الثالث والأخير من كتابه هذا، فغطى حقبة الانتداب البريطاني، مع التركيز على الظروف التي أدت إلى النكبة في العام 1948. ومن أبرز ما ورد عن هذه الحقبة:
-     كيفية إدارة البريطانيين بقيادة هربرت صموئيل اليهودي للصراع العائلي الفلسطيني الداخلي التي كان يخلقها بين عائلة الحسيني بزعامة الحاج أمين الحسيني وعائلة النشاشيبي بزعامة "راغب بيك النشاشيبي"؛ بأن جعل من الأول رئيساً للمجلس الإسلامي الأعلى، والثاني رئيساً لبلدية القدس, إلى أن دخل الثالث على الخط، وهو د. حسين فخري الخالدي، الذي صدم توجهات البريطانيين فترشح لرئاسة البلدية ونالها في العام 1934 (ص: 207).
-     وصف، بشكل ممتع، أيام موسم النبي موسى, باعتباره من تراث القدس الشعبي، وهو من المواسم التي استحدثها صلاح الدين الأيوبي ليكون تجمعاً للمسلمين في القدس في الفترة التي تقام فيها أعياد الفصح عند الطوائف المختلفة. وما يتضمنه هذا الموسم من حراك شعبي من القدس متجهاً إلى النبي موسى يقوده رأس المسلمين؛ الحاج أمين الحسيني/ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى, ولا يخلو الأمر من الفرح والسرور الذي يعمر شوارع المدينة المقدسة وساحاتها. كما وصف ما كان يجري في المسجد الأقصى من مراسم عند الصلاة بخاصة صلاة الجمعة, بما في ذلك من مهابة وعظمة للشعيرة الدينية وللمكان (ص: 193-196).
خبر حول كتاب باب السلسلة في القدس بتاريخ 6 آذار 2016 ص 4
-     كما مر على أبرز الأحداث التي مرت فيها القضية, والتي كانت القدس محورها الرئيس, كثورة البراق في العام 1929، التي انتهت بإعدام (25) عربياً ويهودي واحد (ص: 201), والثورة الكبرى للشعب الفلسطيني في مواجهة الاغتصاب البريطاني بما وصفه عاصم الخالدي بالثورة الكبرى (1936-1937) التي تضمنت إضراب الشهور الستة، الذي توقف، بعد وعد عربي بتحقيق مطالب الفلسطينيين بالعدالة مقابل اليهود, إلا أن الأمر انتهى بقرار بريطاني بتقسيم البلاد بين العرب واليهود في العام 1937 (ص: 222-223).
-     شهدت الفترة 1937-1939 فشل الثورة, فعمت الفوضى البلاد وأصبحت الحالة الاقتصادية سيئة للغاية، ولم يتغاض عاصم الخالدي عن سماسرة الأراضي الذي أصبحوا يسببون وجعاً حقيقياً للفلسطينيين، حتى أن هناك أشعاراً نُظمت فيهم؛ تظهر الأثر القتل الذي تركوه في نفوس أبناء شعبهم, مما دفع بكل من فؤاد عبد الغني وحسين فخري إلى المبادرة بإنشاء مؤسسة فلسطينية، على أمل أن يتم دعمها من البنك الزراعي العربي؛ لكي تقوم بمنافسة المؤسسات الصهيونية في شراء الأراضي من الفلسطينيين، فتم ذلك في نحالين، إلا أنه لم يكتب لهذا المشروع الاستمرار؛ لعدم توفر الدعم الكافي والجدي من أصحاب رؤوس الأموال العربية  (ص: 215).
رابعاً: القدس تعيش نكبتها
يحث "عاصم الخالدي" الخطى نحو النكبة، التي بدأت ملامحها المباشرة في العام 1947؛ منذ قرار التقسيم، وما قبله، من قبل اليهود الذين اخذوا ينفذون اعتداءات منظمة ضد العرب والبريطانيين, ثم بدئ العام 1948 بمظاهر حربية حقيقية؛ ففي 7/1/1948 وضعت عصابة الأرغون سيارة مفخخة بباب الخليل قتلت 14 عربياً (ص: 241). ثم توالت التفجيرات والمعارك الطاحنة التي انتهت بتشريد الشعب الفلسطيني، حتى يوم مغادرة البريطانيين في 15/5/1948 حيث دخلت الجيوش العربية؛ فكان الجيش الاردني بقيادة كلوب باشا, ونائب قائد إحدى الكتائب العراقية يهودياً عراقياً (ص: 145). ويذكر "عاصم الخالدي" حادثين هامين في تلك الأثناء, وهما:
الأولى: حقق فؤاد عبد الغني؛ رئيس لجنة الأمن والدفاع في اللجنة القومية، حالة اختراق للجنود البريطانيين على مستوى السلاح والاستخبارات (ص: 245).
خبر حول كتاب باب السلسلة في القدس بتاريخ 3 شباط  2016 ص 3
الثانية: اجتمع كل من: فؤاد عبد الغني، وفاضل رشيد/ قائد الجيش العراقي، وأحمد حلمي عبد الباقي (رئيس حكومة عموم فلسطين فيما بعد) قد استنجدوا بالملك عبد الله, عندما هاتفه فاضل رشيد راجياً إياه التدخل لإنقاذ ما تبقى من القدس, فقال له الملك عبد الله: اصمدوا حتى الصباح وسيكون الجيش العربي عندكم, وهذا ما حصل في اليوم التالي حيث حضر الجيش الأردني بقيادة عبد الله التل بأوامر مباشرة من الملك وليس من كلوب باشا (ص: 252-253).
-     في وصفه لحالة القدس، في أجواء النكبة، يقول عاصم الخالدي أن وضعها كان مأساوياً, لعدة أسباب, منها: العفوية في التخطيط, قلة الموارد التموينية والمالية، وجود القيادة الفلسطينية في دمشق, والتي أخذت تصدر التعيينات والتكليفات من هناك بما لا يتفق مع الاحتياجات على الأرض. وأما الهيئة العربية العليا (مكونة من الأحزاب العاملة على الساحة الفلسطينية) فلم يبق منها سوى د. حسين فخري الخالدي وأحمد حلمي عبد الباقي (ص: 247).
-     هكذا؛ بقي الشعب بلا قيادة وبلا سلاح, وحتى من كان ينوي ممارسة القتال، ببندقيته التي اشتراها من قوت عياله، أصبح عليه أن يشتري كل (5) رصاصات بنصف جنيه، حين كان راتب الشرطي 6 جنيهات (ص: 248).
-     انتهى الأمر بضياع 80% من فلسطين لصالح الدولة الوليدة (إسرائيل)، وضُمّت شرق فلسطين إلى شرق الأردن لإنشاء المملكة الأردنية الهاشمية، وضُمّ قطاع غزة إلى مصر؛ فانتهى ذكر فلسطين، ولم تعد على الخارطة. فتشتت عائلة الخالدي كما تشتتت عائلات الشعب الفلسطيني وأفراده.
الخاتمة والتعليق
بعد الاطلاع على ما كتبه "عاصم الخالدي" في كتابه هذا "ذكريات من باب السلسلة" وجدتُني أمام مجموعة من الحقائق المؤلمة، التي لا يمكن للباحث في الشأن الفلسطيني في الحقبتين العثمانية والبريطانية تجاوزها، أو المرور عنها مرور الكرام.
لعل أول تلك الحقائق، بلا منازع، أن فلسطين وعاصمتها القدس، قد ضاعت في غفلة من الفرقة والتشرذم والفقر والجوع والجهل والتآمر، سواء على مستوى الشعب الفلسطيني أو على مستوى الشعوب العربية الأخرى.
أما ثانيها، فهو تلك الحقيقة المرة التي يشير إليها "عاصم الخالدي" من أنه حتى نهاية القرن التاسع عشر "لم يكن من العادة تعليم البنات" (ص: 118)؛ مما يعني أن نصف المجتمع الفلسطيني كان قد تم تجهيله، وإخراجه بالكامل من المعادلة الفكرية والتوعوية، أما النصف الثاني من المجتمع فلم يكن وضعه أقل سوءًا؛ إذ أن التعليم كان، وباللغة التركية، للميسورين من أبناء العائلات، الذين يتم توظيفهم في وظائف مرموقة في الولايات العثمانية (ص: 131).
وأما ثالث تلك الحقائق، فهي التي عبّر عنها المؤلف نفسه حين يعرب عن ألمه من ضياع الوثائق وتشتيتها، أو الاحتفاظ بها دون أن يستفيد منها الآخرين (ص: 9)؛ مما يعني أنه لا بد لنا، فرادى ومجتمع، من الالتفات إلى أهمية ما تبقى بين أيدينا من وثائق تثبت حقنا، التاريخي، في أرضنا لإنشاء أرشيف وطني يشكل نافذة واسعة، نواصل من خلالها الإطلال على وطننا وإثبات هوية أرضنا وإنساننا، في ظل حالة المحو التام الذي نتعرض له، من أجل إنشاء "الدولة اليهودية" على أرض آبائنا وأجدادنا.
بقي القول، بأننا تجولنا في هذا الكتاب مع المرحوم "فؤاد عبد الغني محيي الدين الخالدي"؛ الذي كان آخر الأفندية، بمعنى الأفندي الذي يحترم جميع أفراد مجتمعه، ولا يرد من يقصده، ويصلح بين الناس ويصون حقوقهم. ذلك الأفندي الذي لم يجلس في برجه العائلي-العاجي، ليراقب الأوضاع عن بعد؛ وإنما كان مناوئًا للاحتلال البريطاني، وفي الصف الأول من المقاتلين الذين ذادوا عن الوطن، قدر استطاعتهم، في ظل "مؤامرة"، متعددة الأطراف؛ هدفت إلى محو فلسطين، بالكامل، عن الخريطة الجيوسياسية وإنشاء دولة إسرائيل مكانها.
هذا ما أُتحفنا به من خلال كتاب "ذكريات من باب السلسلة". ولمن يريد المزيد فإن "عاصم الخالدي" يدعو الباحثين والدارسين إلى مكتبة الخالدية[2]، ليجدوا فيها ما يسر خاطرهم ويريح بالهم المعرفي والفكري والثقافي؛ فهي تحتوي نفائس المخطوطات التي اقتناها أبناء العائلة الخالدية على مدى قرون عديدة، تم جمعها في مكان واحد، لتصبح مكتبة عامة منذ العام (1900م)، تحتوي (1200) مخطوطة إسلامية قيمة, فيها (18) مخطوطة بالفارسية, و(36) بالتركية, والباقي بالعربية والعديد من الكتب المطبوعة في القرن التاسع عشر (ص: 36-37).
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 02 آذار، 2015م





[1] من الطريف انه في العام 1938 اشتدد عود العصابات (المأجورة) التي تقوم بالتصفيات الجسدية، فأضطر سكان المدن إلى ارتداء الكوفية والعقال؛ لتفادي نقمة القرويين الذين صاروا يعتدون على لابسي الطربوش وهو لبس أهل المدن, كما فرض الحجاب على السيدات المسلمات والمسيحيات على حد سواء (ص219).
[2] تقع في مبنى مملوكي في طريق باب السلسلة، تم ترميمه وتعميره ايام العثمانيين.
نشر في صحيفة القدس، بتاريخ: 07 آذار، 2015م، ص19
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 03 آذار، 2015م







[1] تقع في مبنى مملوكي في طريق باب السلسلة، تم ترميمه وتعميره ايام العثمانيين.

إرسال تعليق Blogger

 
Top