روز شوملي مصلح؛ شاعرة فلسطينية من
بيت ساحور، تحمل شهادة الماجستير في التربية من الجامعة الأمريكية في بيروت. ساهمت
في تأسيس رياض الأطفال في المخيمات الفلسطينية في لبنان والاشراف عليها إدارياً
وتربويًا.
وعملت كباحثة رئيسية في مركز الأبحاث الفلسطيني، في بيروت. وأكاديمية؛ عملت معيدة
في الجامعة الأمريكية في بيروت حتى عودتها إلى فلسطين في العام 1995 بعد 25 سنة من
الانتظار، ومحاضرة في قسم التربية في جامعة بيت لحم.
انتقلت للعمل مع
اليونسيف كمديرة للبرامج التربوية، ثم أصبحت المدير العام لطاقم شؤون المرأة، وبعد
نحو تسع سنوات قررت التفرغ للكتابة الابداعية والبحث وادارة "كان ياما
كان" التي تعنى بأدب الأطفال واليافعين. وتقوم بعمل ورشات في المدارس
والمعارض المختلفة في فلسطين والخارج مستخدمة كتب كان ياما كان، بطريقة تثير التشويق
للقراءة والكتابة لدى الأطفال.
لروز شوملي ست
مجموعات شعرية، آخرها مجموعة "فرس الغياب" الصادرة عن دار الشروق في
العام 2014. المجموعة مكونة من ثمانٍ وستين قصيدة تربض بين غلافين جميلين من تصميم
الفنانة رنا بشارة. فعلى الغلاف الأول المسار العشوائي؛ الذي تسلكه فرس
"شاعرتنا-روز" وهي في طريقها إلى الغياب في المجهول. وتودعنا على الغلاف
الأخير؛ وهي تبحث "في عمق الدائرة" عن سر العلاقة بين الدائرة والمفتاح.
بجلسة
هادئة في شُرفة "فرس الغياب"، احتسيت قهوة هذه المجموعات الشعرية,
فاستنبطت مجموعة مرتكزات ومحاور رئيسية، تتكئ عليها، منها:
أولاً:
الحزن، الغربة، القهر، الكبت، حاضرة بقوة:
فقد
استهلت قصيدتها الأولى "لا شئ يشبهنا"
بأن وضعت "شاعرتنا-روز" قدمها
على طريق لا تعرفه ولا تشعر بالطمأنينة نحوه, فتقول: غرباء
على الطريق التي لا تصل. وفي قصيدة
"في الحلم" نجدها وقد لبست
طاقية الإخفاء لتجول مع بساط الريح.. وهكذا؛ كان التيه وعدم الوضوح، عبر مسار
"فرس الغياب"؛ ففي أكثر من قصيدة نجد أن "شاعرتنا – روز" تشير إلى اللابداية
واللانهاية وعدم وضوح المسار والرؤيا، منها: في قصيدة "لا شيء يشبهنا" تقول: بلا نهاية توقفنا/ بلا بداية تسجل معالم الفرح/ لا نهاية
تعوّض ما تبعثر في الطريق. وفي قصيدة "في الحلم" تقول: لا
بداية ندركها/ لا خاتمة تصنع نهاية الأحداث.
كما
أنها "تتقطع" ألماً وحزناً؛ في أجواء من الارتباك وعدم الوضوح والخلط
بين الحزن والفرح, فتقول: ونذوب كما الحزن/ في احتمال
الفرح. وفي قصيدة "في الشعر"،
ترى أن الكلمات ليست حبراً على ورق، وإنما: هي
أغنيات القلق المجرَّحِ/ في الليالي الحزينة. وفي قصيدة "كلمات مأهولة"، تعبر عن الضيق الذي هي فيه،
عندما تتساءل: متى نطفىء الحزن/ في منفضة الأمس/
ونقول: وداعاً أيها الحزن! ثم تبدو وكأنها لم تستطع التخلص من الحزن
الذي يلاحقها، فتعلن عن ذلك بقولها: ظننت أنني تخطيت
الحزن/ فإذا به حاضر كالجسد.
أما في قصيدة "خارطة الحزن والفرح"
نجد أن الحزن والعتمة، من وجهة نظر "شاعرتنا-روز"،
أطبقت علينا، إذ تقول: ضجيج العتمة/ صراخ الضوء/ صهيل الحزن/.../ نَسجت من خيوط الحنين/
خطوطَ الجبين.
ثم تتساءل في قصيدة "متى"
بالقول: كيف إذاً أقام الحزن/ عشاً له في قلبيَ
الكهل، وفي ذلك إشارة إلى حجم الأسى "المستوطن" في حياتها.
إلا أنها تعدنا في قصيدة "كلمات مأهولة"،
بأنها سوف تتحرر من الحزن وتفك قيوده إلى الأبد، بقولها: يوماً ما سوف أخلع شال الحزن عني/ وأغني/ لصباح وردي اللون!
ثانيًا: آليات الرد على الأحزان والأوجاع:
لقد
أبدعت "شاعرتنا-روز" عندما
تحدثت عن الصمت، ليس بمعنى الانكسار والتخاذل والتنازل عن الحقوق، وإنما وصفته في
قصيدتيْ "الصمت" و"الكلام والصمت"، بأنه: يحمل
احتمال المجاز في انقطاع الكلام، ولا تراه ذهباً بل أن هناك
صمتاً صارخاً يقول ما لا يقول النغم، و من سماته أيضًا أن "فيه لغة لم تطأها الحروف". ولعلها تصل الذروة
عند قولها: الصمت سوط/ فاحذر
لسانه.
نلاحظ في كل ذلك أننا أمام شاعرة-فيلسوفة تعالج الواقع
بأحداثه المؤلمة، برجاحة عقل وبردود تخرس مصادر الأحزان والآلام.
ثالثًا: الرمزية حاضرة بلا غموض:
في جميع
قصائد ديوان "فرس الغياب"، نجد أن "شاعرتنا-روز"
اتكأت على الرمزيات، بلغة جزيلة-رصينة، دون أن تجعل القارئ يتيه في تأويلات كثيرة،
وإنما قامت بتوظيف رموزها بما يخدم الرسالة الفكرية والتعبوية التي أرادتها، منها:
-
في
قصيدة "نبتة الصبار" استحضرت
"شاعرتنا-روز" النبتة التي
كثيراً ما يتغنى بها الشعراء ويتحدث عنها الرواة، فاستحضرت خصائصها ورمزيتها
الدالة على عمق وجودنا الحضاري على هذه الأرض، وهي: مثل حارس أمين/ لا تهادن أحداً/
ولا تهجم على أحد/ في خارجها خط الدفاع الأول/ وفي داخلها قوة الايمان. وقد أرادت الشاعرة
استحضار هذه النبتة التي تمتاز بتحمل العطش والجفاف الذي قد يمتد لسنوات طويلة؛
للدلاة على قدرة شعبنا، فرادى وجماعات، على الصمود والجلد والصبر، منذ زمن طويل
حتى تاريخه، إلى أن يحقق أهدافه في نيل حريته.
-
وفي
قصيدة "أدرب نفسي" نجد أن "شاعرتنا–روز" تدعو إلى تهدئة الذات عند
الغضب، بالحكمة وإعادة التفكير في الأمور وضبطها؛ للإبقاء عليها تحت السيطرة، من
أجل اتخاذ القرار الصائب، فتقول: أدرب نفسي/ على
الكلمات الباردة/ كي لا تشعلني/ نار الغضب.
-
وفي
قصيدة "في الحلم" تستخدم
اللغة بمستوى عالٍ من السمو والرفعة، بقولها: في
الحلم/ ننمو كطفل الحكاية/ ونشهق مثل ريح قبل أن يواريها التراب. كما
ترى أننا في الحلم نتحرر من قيودنا التي نرى فيها أنفسنا كما يريدنا المجتمع، لنرى
أنفسنا كما نريدها نحن أن نكون أو نفعل، إذ تقول: نفتح
أبواباً لا نجرؤ على فتحها/ عندما النهار يلفنا
ببنصره. وهي بذلك، تترجم مفهوم "سيجموند فرويد"
للحلم،
بأنه "الوسيلة التي تلجأ إليها النفس البشرية للتعبير عن الحاجات التي لا
يمكن التعبير عنها في العلن". كما أن في ذلك التقاء مع قيس بن ذريح بن سنة بن حذافة الكناني. شاعر، من العشاق المتيمين. اشتهر
بحب (لبنى) بنت الحباب الكعبية. وهو من شعراء العصر الأموي ومن سكان المدينة. كان
رضيعاً للحسين بن
...، إذ يقول:
وَإِنّي لَأَهوى النَومَ في غَيرِ حينِهِ
|
لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ
يَكونُ
|
تُحَدِّثُني الأَحلامُ إِنّي أَراكُمُ
|
فَيا لَيتَ أَحلامَ المَنامِ
يَقينُ
|
شَهِدتُ بِأَنّي لَم أُحِل عَن مَوَدَّةٍ
|
وَإِنّي بِكُم لَو تَعلَمينَ
ضَنينُ
|
وَإِنَّ فُؤادي لا يَلينُ إِلى هَوى
|
سِواكِ وَإِن قالوا بَلى
سَيَلينُ
|
-
وفي
قصيدة "كلمات مأهولة"، نلمح
رجاحة التعبير ودقته، في قولها: بحاجة الى تسلق
الأفق/ كي أرى الأشياء بحكمة. ثم تقول: أشعر أني لهب شمعة/ سأغلق النوافذ/ كي لا تطفئني الريح!
- وتتجلى الرمزية، بأبهى صورها، لدى "شاعرتنا–روز" في قصيدة "الدائرة والمفتاح"، التي تبحث في سر
العلاقة بين الدائرة والمفتاح، حيث الدائرة أكثر من مجرد خط مقفل، والمفتاح ليس
مجرد أداة غلق وفك، وإنما العملية، برمتها، هي غوص في أعماق المكان، وفي العلاقة
بين المركز والمحيط، والعلاقة بين المتغيرات التي تؤثر في حياتنا الماضي والحاضر
والمستقبل.
رابعًا: الوطن، النكبة والمفتاح:
وفي قصيدتَيْ "في بلادي" و"في بيت لحم"، تصف "شاعرتنا–روز" صور
الموت الحاضر في حياتنا اليومية، حتى أن النجاة هي محض صدفة؛ عندما يسود الموت
الذي يداهمنا كل حين، وأن الهواء المحيط بنا مشبع به، ومما تقوله: في
بلادي/ لا وقت كي تفر، فما تبقى من العمر/ لا يكفي لتتلوَ صلاة التوبة قبل أن يصلك
طائرُ الموت.
يجري كل هذا في بيت لحم، حيث: ينبت
الشِعر على أوراق الشجر/ كالندى/ ينام دافئاً/ ويصحو مبللاً/ برعشة الصباح.
في هذه
الأجواء تستحضر "شاعرتنا-روز"
النكبة والنكسة في قصيدة "أمي والمفتاح"حيث
الجيل الذي
عانى من الهجرة وعذاباتها، هذا الجيل المتمسك بالوطن الرافض للمغادرة؛ بل يقبض على
المفتاح، وهو مسكون بضرورة المحافظة عليه، إذ تقول: أمي
تتفقد مفتاح البيت/ مرة، مرتين أو يزيد/ تكيل به ثقب الباب/ مرة، مرتين أو يزيد/ تتذكر
تهجيرها الأول/ تتذكر تهجيرها الثاني/ أمي لا تريد أن تتهجر من جديد.
وفي أجواء الآلام المبرحة
الناجمة عن "جروح لم تندمل"
تُبقي "شاعرتنا-روز"
على
جذوة البحث عن الوطن الضائع، والفرح الهارب منذ زمن، والحب الفقود، الصِّبا الذي
اغتيل، وعن "شظايا العمر الذي قضى بين تيه
وانتظار"، فتخصص لذلك قصيدة "أبحث في الوجوه" حيث "تبحث" في الوجوه عن: أوردة الحزن، شرايين الفرح. كما تبحث عن الحب، وعن
الكره... الخ. وينتهي الأمر بها أنه "لا شيء
في الوجوه/ فقط/ تأتأة الزمان الساخر/ وهذيان دائري. وهكذا؛ يستمر
التيه الذي يتحكم في "فرس الغياب" ليصل به إلى اللانهاية..
خامسًا: أثر الكلمة والشعر دورهما وأهميتهما
في حياتنا:
لقد خصّت
الشعر بقصيدة بعنوان "في الشعر"
الذي ترى فيه أن كلماته "مطر ينهمر/ من سماء لا أرض لها. ثم تتحول تلك
الكلمات إلى صلاة/ إلى سماء أو جنون ورق/ تهمس ولا تستجير.. ولم تتوقف عند هذا
الحد، بل ترى أن تلك الكلمات تتحول إلى زهرة تعيد انتاج الكلمات مرّة اخرى،
بقولها: كالزهرة تنبت الكلمات/ تتبرعم، تتفتح/
تنثر بذورها/ كي تعيد للحياة دورة الحياة. وتتجلى "شاعرتنا –
روز" في وصف هالة الشعر وقدرته النفّاذة الخارقة عندما تتحول فيه الكلمات إلى
دم ولحم وإلى رموز، حتى أن "لا أحد يفك اسرار القصيدة" وفي قصيدة "الكلمة مرآة" ترى أن: الشعر منارة/ والشاعر ربان سفينة. وفي قصيدة
"كلمات مأهولة" تبرز رؤيتها
وفهمها للشعر، فتقول: القلب محبرة الشعر/ العين نافذة/ أما القلم/ فهو المجداف/ إلى بياض
الورق... عندما يتخلى عني الشعر/ يعيده البحر
لي/ هكذا أصبح الشعر والبحر توأمين.
وفي أثر
الكلمة، ترى "شاعرتنا– روز"
في قصيدة "أثر الكلمات" أن الكلمة أكبر قوة من الريح، بقولها: ونحن دائمو الخضرة/ لسنا وريقات تهزمها الريح/ لكننا نهتز
بالكلمات. كما ترى أن للكلمات مجموعة من الخصائص التي تعبر عن تناقضات
الحياة, ففي قصيدة "فصول الكلمات" ترى أن للكلمات: خريف من غيوم, ربيع من أمل,
حكايات من شتاء, صيف يسابق نفسه. وهي بذلك تؤكد على دور الكلمة وأهميتها في صياغة
حياتنا وتوثيق تاريخنا والتعبير عن آمالنا وآلامنا وفي إنعاش نفوسنا.
سادسًا: نظرة مغايرة للأشياء والمفاهيم:
يتضح من
النصوص الشعرية لهذا الديوان، أن "شاعرتنا-روز" تسمو بنا في نظرة
مغايرة للأشياء، فتقوم بإعادة خلق المفهوم، لتجسده في صورة شعرية مكثفة، عندما
قامت بتوظيف قدراتها وإمكاناتها "الشعرية" في إعادة تعريف بعض السلوكيات
المتعلقة بالخروج على سلطة الحاكم، والحالات النفسية، والانفعالات (الجسدية
والوجدانية)، ومتطلبات التيقظ والتأهب. وفي ذلك تعبير عن دواخل كل منا، وما نشعر
به في واقعنا، وحلمنا، وفي صحونا وغفونا، وفي فرحنا وحزننا. مما يجعلني أتفق،
تمامًا، مع عز
الدين المناصرة، إذ يقول: نصوص "روز شوملي" أكثر
كثافة إلى درجة التركيز، لكنها تدور حول الفكرة الشعرية، التي تنفجر أولا، لتبحث عن صياغة لها أشبه
باللافتة – التوقيعة-، لكن الدهشة تأتي من الفكرة الشعرية، وليس من اللغة
الواقعية.
هنا؛ تملكتني
رغبة جامحة بأن أوثق لهذه التعريفات وأسلط الضوء عليها؛ بأن أضع لكلٍ من تلك
المفاهيم التعريف "الشّعري" من وجهة نظر "شاعرتنا-روز"، لما تمتعت به من بساطة
التعبير وعمق المعنى، بأسلوب سهل ممتنع، يندر تكراره، مثل: الفرح: غيمة صيف،
الحزن: "شفيف" وهو "سماء
شتوية"،
الجنون: استعارة شواطىء أكثر أمناً، الغضب: ريح عصيةُّ/ الكلمة سيف/ والغضب حبرٌ ناقص الكلمات، القلق: ينبت في العتمة/ يقضم أظافر الروح/ ينعش ما غرسته الحكايات/
ويحيي ما أَهَلْنا عليه التراب. والحذر، يعني: لا تتبع خطواتك كأنها المقدس/ وحاذر مصيدة الروتين في
عاداتك اليومية. وتنتابنا الحيرة عندما:
عِقد الحروفِ تائه/ في العدم. والتمرد
ظهر عندما (ساعتنا): رفستْ بذيلها/ قوانين الزمن الرتيب.
والحظ: هو ابن الصدفة/ ومبدعها. ثم تجمع بين التمرد
والحزن، فتقول: كم قلت سوف أعلن التمرد على الحزن/ لكن الحزن احتلني كأرض
طيعة. أما الحلم، فترى "شاعرتنا-روز" بأنه: تفاجئنا دواخلنا/ هل هي الصورة عنا؟/ أم أنها الصورة لما
يُراد لنا أن نكون؟
من جانبٍ آخر؛ ظهر لشاعرتنا
إبداع نستطيع استخدامه تحت عنوان "رياضيات ذات معنى مغاير كأحد أشكال الأنسنة
للمفاهيم، عندما أتحفتنا في قصيدة "مفاهيم
غير رياضية"، بتعريفات للأشكال الهندسية المختلفة، مثل: النقطة: مكان في اللامكان، متساوي الأضلاع: غير متساوٍ في الواقع، شبه المنحرف: مستطيل ضل الطريق، المربع: غرفة
غادرتها النوافذ والأبواب، المعين: مربعُ ما
بعد الحداثة، الخط الدائري (الدائرة): يدور
حول نفسه ولا يمل الدوران، الخط المنكسر: أرهقته
الصدمات، ولم يفق من آخر صدمة له بعد، الخط المنحني: ظهرٌ أعياه الزمن والخط المتعرج: قلق العمر الذي لا ينضب.
خلاصة
القول:
نلاحظ
مما سبق من نقاش أننا كنا مع ديوان شعرٍ له الكثير الكثير، وعليه القليل القليل.
ولعل كثيره يشفع لقليله. ففي "المملوء" من كأس ديوان "فرس
الغياب" نجد أن "شاعرتنا-روز" قد أمسكت بيد القارئ وتجولت به في
أروقة واقعها، ببعديه الخاص والعام: فقد وصفت، بشئ من الإسهاب، أحزانها وحيرتها
وقلقها وغضبها... الخ، وفي كل ذلك كانت تحلق بنا فوق الوطن لتتفقده وتصف أوجاعه،
وتذكرنا بالمخاطر المحدقة بنا، وتنصحنا بما يوجهنا نحو الإبداع والمحافظة على الذات.
من
جانبٍ آخر؛ لم تنسَ "شاعرتنا-روز" خصوصياتها، عندما استحضرت حالة
"الحمى" التي ابتليت بها يومًا، كما وصفت لنا بجمالية عالية "عمتها
جميلة" التي "غسلت" عامها التسعين؛ ولم "تأخذْ منها السنون سوى جموح الجسد". وبالعودة لما ظهر أعلاه في محور "الوطن، النكبة والمفتاح"، نجد أن في هذا الديوان ما يوثق لحقبة تاريخية تغطي العمر الزمني للشاعرة، والجيل
الذي سلمها المفتاح وجعله أمانة في عنق "روز" وأبناء جيلها، الذين عليهم
أن ينقلوه إلى الأجيال القادمة.
أما إن
أردنا النظر إلى الجزء الفارغ، ولنقل "الناقص" من كأس هذا الديوان، فهو
أنه، في غالبيته "مشبع" بالحزن والكآبة والقلق والاضطراب والحيرة
والخوف، وأن مساحة الفرح والأمل والتفاؤل وجماليات الوطن هي الأقل. قد يقول قائل:
هذه هي سمات "الغياب" الذي اعتلى فرسه وانطلق من "اللابداية"
إلى "اللانهاية". ولكننا نقول: إننا في أمس الحاجة إلى "فرس
الحضور"؛ لكي نرسم البهجة على جِباهٍ "تجعدت" عبر عذابات السنين
وآلام الهجرة والتهجير.
بقي
القول: إنها خسارة وطنية، إن لم نجعل هذا الديوان بين أيدينا، صغارًا وكبارًا،
بخاصة طلبتنا في المدارس والجامعات؛ لما فيه من لغة عميقة، ورمزيات واضحة-ذات
معنى، ومفاهيم في الفلسفة والعلوم والرياضيات وعلم النفس، ذات معانٍ مقتبسة من
الحياة ومن الواقع المعيش.
نشر في صحيفة القدس، بتاريخ: 27 شباط، 2015، ص: 22
aziz.alassa@yahoo.com
فلسطين، بيت لحم، العبيدية
عز الدين المناصرة، إشكاليات قصيدة النثر: نص مفتوح عابر للأنواع،
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002، ص: 189.