0

نُشِرَ في مجلة الإسراء. تصدر عن دار الإفتاء الفلسطينية. العدد 111 (تشرين أول وتشرين ثاني2013) ص ص: 86-97

مقدمة
لا شك في أن مسمى "إسرائيل" الذي يعني الكيان السياسي الموجود على أرض فلسطين التاريخية، هو مصطلح قُصِدَ منه استخدام مجموعة من الدلالات الدينية والتاريخية والعقائدية، أو ركوب موجات تلك المصطلحات بهدف "تجييش" الغرب والشرق لصالح هذا الكيان. أما أهم وأبرز المصطلحات التي تتداخل، ويكثر استخدامها في الصراع القائم على أرض فلسطين منذ أكثر من قرن من الزمن، فهي: "إسرائيل"، اليهودية، الصهيونية. وأما الأنبياء والرسل الذي يتم تنازع الانتماء إليهم من قبل المتصارعين على أرض فلسطين التاريخية، فهم كثر، أهمهم: محمد، عيسى، إبراهيم، يعقوب، سليمان، وداوود عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
لأن المجال لا يتسع للغوص في هذه المفاهيم والمصطلحات، وما تحمل من دلالات، فسنقوم، فيما يلي، بالمرور عليها بما يربط الحاضر بالماضي السحيق:
قال تعالى: "قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِل إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِل إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأْسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (البقرة: 136)، وفي ذلك أمر لنا؛ نحن المسلمين، أن نؤمن بالأنبياء والرسل على درجتين: المجمل والتفصيلي([1]).
أي أن الإسلام وكتابه "القرآن الكريم" منزلان لبني البشر من لدن خالقهم. وأن في الإسلام الذي ندين به، استكمالٌ لمن أُرسِلوا قبلاً، لقوله تعالى: "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ" (آل عمران: 3). لذلك؛ حُقَّ لنا أن نستشهد بما ورد في النص القرآني بشأن قصص الأولين وأخبارهم، مصداقاً لقوله تعالى: "كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ۚ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا" (طه: 99).
المفاهيم والمصطلحات: "إسرائيل"، "اليهود" و/أو "اليهودية" (والصهيونية المنبثقة عنها)؛ مصطلحات متداولة في الدين الإسلامي منذ البدايات الأولى لبزوغ رسالة الإسلام، ومما قمت بجمعه بهذا الخصوص:
1.    إسرائيل؛ هو لقب نبى الله يعقوب عليه السلام وهو حفيد أبي الأنبياء إبراهيم([2]) لقوله تعالى: "وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ" (هود: 71).
2.    اليهودية؛ هي الملة التي يدين بها اليهود؛ وهم أمة موسى عليه السلام، وسموا يهوداً نسبة إلى (يهوذا) ابن يعقوب الذي ينتمي إليه "بنو إسرائيل"([3]). ويرى القفازي والعقل (1992)([4]) أن اليهودية أشمل من "بني إسرائيل"؛ لأنه يطلق على كل الذين اعتنقوا الديانة اليهودية، من بني إسرائيل وغيرهم، في حين أن "بني إسرائيل" قد يكون منهم النصارى أو المسلمين. وفي عصرنا الحالي؛ فيقول المسيري (1999)([5]): "اكتشفنا الحقيقة البديهية، والتي غابت عن الكثيرين، أن الظاهرة اليهودية ابتداءً من عصر النهضة في الغرب تحولت، تدريجياً، إلى ظاهرة غربية بالدرجة الأولى، أي أن السياق الأساسي للجماعات اليهودية في العالم أصبح هو الحضارة الغربية الحديثة.
3.    الصهيونية؛ مصطلح حديث؛ فهي حركة برزت في أواخر الثمانينات من القرن التاسع عشر في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية كحركة إحياء قومي([6])، وقامت على فلسفة تستمد أصولها من الفكر اليهودي([7]).
بني إسرائيل واليهود في القرآن الكريم: ورد ذكر "إسرائيل" في القرآن الكريم ثلاث وأربعون مرة؛ منها مرتان فقط تم ذكر "إسرائيل" نفسه؛ كنبي صاحب رسالة لبني قومه، والباقي يتعلق بمصطلح "بني اسرائيل". فقد ورد في قوله تعالى: "إنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (النمل: 76). كما أن "يعقوب"، وهو نفسه "إسرائيل"، قد ورد ذكره ست عشرة مرة. وأينما ورد ذكره، فهو نبي الله الذي نؤمن، نحن المسلمون، برسالته التي حملها للبشرية جمعاء، وبالرسالات السماوية التي حملها النبيين من ذريته، كإيماننا بجده؛ نبي الله إبراهيم الذي هو "حنيفاً مسلما"([8]). فقال تعالى: "أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (البقرة: 133).
أما "اليهود"؛ بما يفعلون ويقولون، فقد وردت (ثماني) مراتٍ، من بينها الآية التي تنفي يهودية نبي الله (إبراهيم) عليه السلام، مصداقاً لقوله تعالى: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (آل عمران: 67).
يتبين من الآيات القرآنية العديد من الخصائص، والبيانات، والبينات التي تصف "بني إسرائيل" أو اليهود، والتي تستحق منا التوقف عندها؛ لما لها من أهمية قصوى في واقعنا الحالي في تعاملنا مع من يطلقون على أنفسهم "الإسرائيليون"، منها:
1.    لقد أحاطهم الله برعايته ونِعَمِهِ، وأحلَّ لهم من الطعام إلا ما حرم "إسرائيل" على نفسه، وفضلهم على العالمين.
2.    أرسل إليهم الرسل الذين يحملون لهم البيِّنات والشواهد الدالة على منة الله، سبحانه، عليهم وفضله، مصداقاً لقوله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" (الجاثية: 16). كما ورد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح، وهود، ولوط، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، ويعقوب، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم([9]).
3.     منهم من لم يستجب لرسل الله؛ بل يسخرون منهم، ويتمادون في طلباتهم من أولئك الرسل، حتى أنهم يكذبونهم، ويقتلون الرسل الذين لا تهواهم أنفسهم، مصداقاً لقوله تعالى: "لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ" (المائدة: 70). ومن الأمثلة على تصرفاتهم تلك مع الأنبياء والرسل:
أ‌.       نبي الله داوود، عليه السلام، الذي يدعون انتماءهم إليه، قد لعن الفئة من "بني اسرائيل" التي كفرت بالزَّبور الذي أنزل عليه؛ فطردها الله من رحمته، لقوله تعالى: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ" (المائدة: 78).
ب‌.  عندما جاء عيسى عليه السلام؛ انقسم "بني إسرائيل" إلى طائفتين: طائفة آمنت بِعِيسَى وَقَالُوا إنَّهُ عَبْد اللَّه رُفِعَ إلَى السَّمَاء، وطائفة َكَفَرَتْ  لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ ابْن اللَّه رَفَعَهُ إلَيْهِ. اقْتَتَلَتْ الطَّائِفَتَانِ فأيد الله سبحانه الطائفة المؤمنة على  الطَّائِفَة الْكَافِرَة "فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" غَالِبِينَ([10]). فقد قال تعالى: "قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ۖ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ" (الصف: 14). كما قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ" (الصف: 6).
ت‌.  وفي علاقتهم مع محمد صلى الله عليه وسلم؛ يقول تعالى: "مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا" (النساء: 46). وقد ورد في التفسير الميسر لهذه الآية: من اليهود فريق دأبوا على تبديل كلام الله وتغييره عمَّا هو عليه افتراء على الله، ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: سمعنا قولك وعصينا أمرك يلوون ألسنتهم بذلك، وهم يريدون الدعاء عليه بالرعونة حسب لغتهم، والطعن في دين الإسلام.
4.    وفر لهم الخالق، سبحانه، سبل الحفظ والحماية من الكوارث الطبيعية، كما في قوله تعالى: "وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ"([11]). كما حفظهم سبحانه، بحفظه، من خصومهم وأعدائهم، كفرعون وجنوده، قال تعالى: "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (يونس: 90).
5.    في كل المراحل، كان غالبية "بني إسرائيل" يخرجون عن المعاهدات والمواثيق، بكل مستوياتها،  ويخادعون الله ورسله، ولا يعبدوا الله  ولا يأتمرون بأوامره، مثل: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والتحلي بالخلق الحسن؛ كالإحسان إلى الوالدين واليتامى والمساكين، فيقول تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ" (البقرة: 83).
6.    هناك اتهام صريحٌ وواضحٌ لهم بتحريفهم لما نزل على نبيهم "موسى عليه السلام"، فيقول تعالى: "فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ" (البقرة: 79). بذلك؛ فإن البيانات والمعلومات الواردة في "التوراة" التي هي بين أيدي البشر الآن ليست حقيقية؛ بل حُرِّفت.
7.    كما أن الله سبحانه، في محكم كتابه العزيز، يحذر من عداوة "اليهود"، فيقول تعالى: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" (المائدة: 82). وتعني هذه الآية أن الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا. أما النصارى فإن من موجب قربهم من المسلمين: 1) مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا؛ مما يلطف القلب ويرققه، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود، وشدة المشركين. 2) أنهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ؛ أي: ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق([12]).
الكيان الإسرائيلي: أما في واقعنا المعاش؛ فإننا في مواجهة مباشرة مع "إسرائيل" ككيان سياسي-عسكري يدين بالعقيدة الصهيونة؛ التي يتجلى فيها الارتباط الوثيق بين الدين والتاريخ؛ مما أكسبه تقديساً كبيراً لدى الاسرائيليين([13]). وقد مكَّنها ودعّمها مؤسسها "هيرتزل" بمجموعة من من الشعارات تشكل الاستراتيجيات الراسخة التي تسيرها في كل الظروف والأزمان، منها([14]):
1.    إن أرض سيناء والعريش هي أرض اليهود العائدين إلى ديارهم.
2.    سيناء هي فلسطين المصرية.
3.    قبرص جزء من فلسطين.
4.    مساحة "إسرائيل" هي من نهر مصر إلى الفرات.
5.    لا بد من فترة انتقالية لتثبيت مؤسساتنا يكون الحاكم فيها يهوديا.
كما أن التربية الصهيونية للأفراد والجماعات، التي تشكل هيكل "الكيان الإسرائيلي"، يتم صياغتها، يومياً، بالإرتكاز إلى مجموعة من المفاهيم والرؤى التي تغذيهم بفكرٍ؛ يشكل وقوداً حقيقياً لهم، يمكنهم من الصمود في صراعهم مع أصحاب الأرض الشرعيين.
فلم يكتفِ صانعو القرار العقائدي-السياسي الذي يدير دفة المجتمع "الإسرائيلي" عند الابتعاد عن التوراة الحقيقية، التي لم تعد موجودة بين أيدينا ولا بين أيديهم، بل هناك اعتماد، شبه مطلق، على "التلمود"؛ الذي هو أقوال الحاخامات باعتبار "أقوال الحاخامات هي قول الله الحي، وأن الله يستشير الحاخامات عندما توجد معضلة لا يمكن حلها في السماء، وإذا خالف أحد اليهود أقوال الحاخامات يعاقب أشد العقاب، لأن الذي يخالف شريعة موسى خطيئته قد تغتفر، أما من يخالف التلمود فيعاقب بالقتل"([15]).
والحالة هذه؛ لعله من المهم مطالعة أقوال حاخامات "إسرائيل"، والتوقف عندها بالقراءة والتحليل. وقد أردت، في هذا المقام، تناول نموذج لهم؛ كحالة دراسية، وهو: الحاخام "عوفاديا يوسيف"، الذي يمثل ثنائية العقيدة السياسة في "إسرائيل"؛ فهو ينتمي إلى حزب شاس الديني الذي شارك في معظم الحكومات الإسرائيلية.
وقد اخترت هذا الحاخام لتبيان طبيعة التلمود، الموصوف أعلاه، والذي يدين به "الكيان الاسرائيلي". لذلك؛ فقد حرصت على عرض مقولات هذا الحاخام التي يقولها لأبناء الكيان، والتي تشكل، في مجموعها، المعتقدات التي تدير العجلة الفكرية-السياسية لهذا الكيان. ومما استطعت جمعه من مقولاته([16]) ([17]) ([18]):
·        المسلمون أغبياء، ودينهم بشع مثلهم.
·        ليختفي كل هؤلاء الأشرار الذين يكرهون إسرائيل مثل أبو مازن والفلسطينيين عن وجه الأرض وليضربهم الطاعون.
·        إن العرب "يجب ألا نرأف بهم, ولا بد من قصفهم بالصواريخ وإبادة هؤلاء الأشرار والملعونين".
·        "إن العرب يتكاثرون في المدينة المقدسة كالنمل، إن عليهم أن يذهبوا إلى الجحيم".
·        "أكثروا من ذكر هذه الآية (من التوراة): "صب غضبك على الأغيار (غير اليهود)"؛ فهذه مناسبة جدا لأوضاعنا، لأن أعداءنا يحاولون القضاء علينا منذ خروجنا من مصر وحتى اليوم، من دون توقف".
·        أدعو الله أن "ينتقم من العرب ويبيد ذرّيتهم ويسحقهم ويخضعهم ويمحوهم عن وجه البسيطة".
·        أوصىي اليهود بالشدة مع العرب؛ "ممنوع الإشفاق عليهم، يجب قصفهم بالصواريخ بكثافة وإبادتهم، إنهم لشريرون"
هذا هو الحاخام الذي يقول فيه جمال زحالقة (النائب العربي في الكنيسيت) "([19]): "ليس حاخاما مجنونا بل زعيما روحيا شديد النفوذ". وهذا غيض من فيض مما يقوم به حاخامات "الكيان الاسرائيلي" من أقوالٍ وأفعال، إذا ما أضفناها لشعارات هيرتزل المذكورة أعلاه، وإذا ما أضفنا إليها ما قاله بن غوريون([20]): لم يكن هذا البلد ملكاً خاصاً لأي شعبٍ آخر غير الشعب اليهودي"؛ يتبين لنا مدى ضخامة حجم الصراع الذي نخوضه مع هذا الكيان على أرض فلسطين التي شُرِّد شعبنا منها بالقوة وتم تشتيته في بقاع الأرض. وبهذا؛ نستطيع التنبؤ بطبيعة هذا الصراع وأدواته المختلفة التي يديرها الاحتلال.
تلمودية "الكيان الإسرائيلي": ها هم حاخامات "إسرائيل"، وها هو "تلمودهم"، بل حتى هذه هي "توراتهم" التي يدعون بها، يعيدون أمامنا صفاتهم وخصائصهم وطباعهم الموصوفة في كتاب الله عز وجل، كتعبير عنهم لآلاف السنين.
تلك الخصائص التي تتجلى في الجيل المعاصر والأجيال القادمة التي يتم "حقنها" بالحقد والبغضاء والكراهية والمزيد من هذا كله. وأما النتيجة (العملية) فهي أن الأجيال، المتعاقبة، "ترضع" خلاصة عقيدة حاخاماته، وتقوم بتنفيذها، على الأرض، وفق ما "يختزن" في عقلها الباطني من الأفكار والمفاهيم الشريرة التي، بتكرارها، تصبح هي التي تقود باتجاه كره الآخرين وعدم الرحمة بهم. ولعل أوضح دليلٍ على صحة قولنا ذلك؛ ما تنفذه مجموعات "الاسرائيليين"، تحت جنح الظلام، وبغطاءٍ من أجهزة أمن الاحتلال، منها:
·        حرق أشجار الزيتون، بخاصة المعمرة منها؛ بهدف طمس الارتباط التاريخي بين الفلسطيني وأرضه، منذ آلاف السنين.
·        حرق وتدمير كل ما يتمكنون من الوصول إليه؛ من مساجد وكنائس، وترك شعاراتهم وما يجول في عقلهم الباطني من معتقدات وأفكار وآراء مكتوبة على الجدران. والتي كان آخرها ما قاموا به من كتابة شعارات على جدران كنيسة "رقاد السيدة العذراء" بالقدس، تضمنت([21]): المسيحيون عبيد، المسيحيون قردة، انتقام ، يسوع قرد، جيل العبيد، وعبارة "تدفيع الثمن"؛ يستخدمها "المستوطنون" واليهود المتطرفون كأسلوب انتقام وتعبيرا عن كراهيتهم للعرب.
·        الاستيلاء على مساكن الفلسطينيين أو محاولات الاستيلاء، وما يرافق ذلك من إهانات أصحاب المساكن، وإذلالهم، وانتهاك حقوقهم بممارسات وحشية وغير إنسانية، مثل: الاقتحام وما يرافقه من تخريب الممتلكات وكتابة شعارات عنصرية، الرشق بالمياه العادمة و/أو الغاز السام والرشق بالحجارة... الخ([22]).
·        استعدادهم التام لممارسة البلطجة والقتل، كلما سنحت لهم الفرصة بذلك؛ والتي راح سقط ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى، كما فعل مستوطنان بحق سائق فلسطيني مسن، عند محاولتهما قتله بعد استدراجه فجر 3 حزيران، 2013م إلى مستوطنة "جيلو"([23]).
الخاتمة
إذا كانت التربية التلمودية تصيغ سكان "الكيان الإسرائيلي"، وفق الأوصاف أعلاه، فإن حكومات هذا الكيان هي النتاج الأكثر شراسة لتلك التربية؛ لأنها تنفذ سياسة ممنهجة للقضاء على "الأغيار"؛ مادياً، ومعنوياً، ووجوداً تاريخياً. وينفذ هذا من خلال المساس المباشر، والعدواني، بأراضي الفلسطينيين الذين لم يعد لديهم أكثر من 15% من أرض فلسطين التاريخية، ومصادرة حقوقهم في السكن والتعلم وفق الشروط الإنسانية، وبالأماكن المقدسة، وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي يتم العمل الجاد على هدمه بلا أي وازع أخلاقي، وما يتم على المسرح السياسي بالعمل على تنفيذ مبدأ يهودية الدولة؛ الذي يعني تجديد التهجير والتشريد لكل من هو غير يهودي على أرض فلسطين. 
بهذا؛ يتجلى لنا أن "الكيان الاسرائيلي" يمارس "إرهاب الدولة" الممنهج المؤدي إلى أن يأخذ دور الاحتلال-الإحلالي الذي يصب نقمته، ذات العمق العقائدي، ضد "الأغيار"؛ غير اليهود. الأمر الذي يعني أن هذا الكيان مستمر في غيه، بما يمتلك من القوة المفرطة؛ الناجمة عن إغداق المال والعتاد والدعم المطلق من قبل الامبريالية العالمية، التي تتحالف معه على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة والدولة وتقرير المصير. بذلك؛ نتساءل: هل يستطيع أحد إقامة سلام مع هذا الكيان وهو بكامل قوته وجبروته؟
إلى أن يُجابَ على هذا السؤال، نذكر بأن "بني إسرائيل" كانوا ينقضون العهود؛ فتراهم يُبْرِمون العهد اليوم وينقضونه غدًا. مصداقاً لقوله تعالى في سورة (البقرة: 100): "أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم" صدق الله العظيم.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 13/حزيران/2013م



[1] موقع إسلام ويب. مركز الفتوى (2009). الإيمان بالرسل: الأنبياء والرسل الذين بعثوا لبني إسرائيل. الفتوى رقم: 119371.
إيمان مجمل: وذلك بأن يؤمن بكل نبي ورسول، سواء علمنا اسمه أو لم نعلمه. وإيمان مفصل: وذلك بأن يؤمن بأن نوحا بعينه نبي ورسول، وكذا إبراهيم وسائر الأنبياء المقطوع بنبوتهم. انظر:
 
[2] عمر، حسن أحمد (2007). إسرائيل هو يعقوب عليه السلام. موقع أهل القرآن. المقال رقم: 1628. انظر: http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=1628
[3] القفازي، ناصر، والعقل، ناصر (1992). الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة. دار الصميعي، الرياض. ط1. ص18.
[4] القفازي، ناصر، والعقل، ناصر (1992). الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة. دار الصميعي، الرياض. ط1. ص19.
[5] المسيري، عبد الوهاب (1999). موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية. المجلد الأول. دار الشروق، القاهرة. ط1. ص: 37.
[6] بابه، إيلان (2007). ترجمة: أحمد خليفة. التطهير العرقي في فلسطين. مؤسسة الدراسات الفلسطينية. بيروت، لبنان. ط1. ص19.
[7] دياب، محمود (1976). الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني. مطبوعات الشعب. ص13.
[8] ورد في موقع: الإسلام/ سؤال وجواب، الفتوى رقم: 149310: إبراهيم أبو العرب ، وأبو الإسرائيليين، وهو يدعو إلى التوحيد الخالص، وقد خُصَّ بأنه أبو الأنبياء، وأنه صاحب الحنيفية، وأمرنا باتباعه؛ لأننا نحن أولى به، انظر:  http://islamqa.info/ar/ref/149310
[9] موقع إسلام ويب. مركز الفتوى (2009). الإيمان بالرسل: الأنبياء والرسل الذين بعثوا لبني إسرائيل. الفتوى رقم: 119371.
[10] انظر تفسير الجلالين لسورة الصف، الآية: 14.
[11] الدخان: 30.
[12] انظر: تفسير "السعدي" للآية: 82 من سورة المائدة.
[13] دياب، محمود (1976). الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني. مطبوعات الشعب. ص5.
[14] دياب، محمود (1976). الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني. مطبوعات الشعب. ص7.
[15] المرصفي، سعد (1992). الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود وجهاً لوجه-ج2: الفكر اليهودي. مكتبة المنارة الاسلامية. حولي، الكويت. ط1. ص82.
[16] المعرفة، انظر: http://www.marefa.org/index.php/
[17] صحيفة الأيام، بتاريخ: 15/12/2009م. انظر: http://www.al-ayyam.com/article.aspx?did=128961&date=12/15/2009
[19] وكالة أنباء سما الاخبارية، بتاريخ: 29/10/2010م. انظر: http://www.samanews.com/index.php?act=Show&id=79969
[20] دياب، محمود (1976). الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني. مطبوعات الشعب. ص35.
[21] القدس دوت كوم، بتاريخ: 31/5/2013م.
[22] الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية في الأرض والسكن. التقرير الإحصائي، شباط 2013، الصادر عن جمعية الدراسات العربية/ القدس، مركز أبحاث الأراضي. ص: 19.
[23] القدس دوت كوم، بتاريخ: 4/6/2013م.

إرسال تعليق Blogger

 
Top